المذيع: من جديد نحييكم، ونرحب بكم في بداية هذا اللقاء المباشر من برنامج "الدين والحياة"، مستمعيَّ الكرام نسعد بأن نتكلم ونتحدث في موضوع مهم يمسُّ كل إنسان على وجه هذه البسيطة، فالإنسان في هذه الحياة لابد له من مخالطة الناس، اتخاذ بعضهم جليسا له وعونا على مشاكل الحياة، ولكن الناس متفاوتون في أخلاقهم وطباعهم، فمنهم الخيِّر والفاضل الذي يُنتفع بصحبته وصداقته ومجاورته ومشاورته، ومنهم الرديء الناقص العقل الذي يُتضرَّر بقربه وعشرته وصداقته وجميع الاتصالات به، يُحدث ضررا وشرًّا ونكدا، لذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصف بني آدم واختلافهم: «إنَّ الله تعالى خلق آدمَ من قَبضةٍ قَبَضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْر الأرض، جاء منهم الأَحْمَر والأَبيضُ والأَسْودُ، وبَينَ ذلك، والسَّهل والحَزْن والخبيثُ والطيبُ، وبَينْ ذلك»[أخرجه أبو داود في سننه:ح4693، والترمذي في سننه:ح2955، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»].
لذا كان الإنسان أحيانا يتضرر بمعاشرة من هم من الضالين، يتضرَّر منهم كثيرا بمخالطته لهم ومعاشرته لهم، كما أنه ينتفع ويستفيد من مخالطة الأخيار والطيبين، لذا خصصنا هذه الحلقة للحديث عن انتقاء الجليس بصحبة ضيفنا الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح.
شيخ خالد في بداية هذا الحديث ربما نتحدث يعني عن أسباب انتقاء مثل هذا الموضوع، وما يمكن أن يمثِّلَه من أهمية عظمى لدى كثير منا عندما نناقش ونطرح مثل هذا الموضوع عن انتقاء الجليس بالتحديد.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا شكَّ أن الجليس على وجه الإجمال والعموم له تأثيرٌ كبير على الإنسان؛ إذ أن الجليس يتشكَّل منه في كثير من الأحيان جوانبُ عدَّة في تفكير الإنسان وطريقة معاشه، ويتجاوز ذلك إلى عقيدته وعمله، ولهذا كان الجليس له مَنزلة كبرى في وجوب العناية والانتقاء والتحرِّي، في أن ينتقي الإنسان من الجلساء على شتَّى سلوكهم وتنوُّعِهم أَفيَدَ ما يكون لأجل أن يصل بهذا الجليس إلى ما يؤمِّل من السموِّ والطيب الذي يعود عليه بالصلاح والاستقامة، ولهذا جاء في الحديث النبوي ضربُ المثال الذي يقرِّب أثرَ الجليسِ وضرورة العناية بانتقائه في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مثلُ الجليسِ الصالحِ والجليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ ونافخِ الكِيرِ، فحاملُ المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإما أن تَبتَاعَ منه، وإما أن تَجِدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكِيرِ إما أن يَحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجد منه ريحًا خَبيثَةً»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2101، ومسلم:ح2628/146].
وهذا الحديث النبوي الموجَز المختَصر الذي بيَّن سلوكَ الجلساء وأثرَ كلِّ واحد منهما عليك، وبمعاني واضحة قريبة، هذا التمثيل النبوي يلخِّص لنا أهمية هذا الموضوع.
وسبب التطرق إليه واضحٌ: ضرورة العناية بمن ينتقيه الإنسان ويختاره لمجالسته ومعاشرته ومعايشته؛ ذلك أن الجليس الصالح والجليس السوء منهما يقتبس الإنسان كثيرًا من الخصال ويتخلَّق بكثير من الأخلاق، فإذا كان الجليس على نحوٍ من الطِّيب والسلامة والصلاح في اعتقاده، في قوله وعمله أثَّر تأثيرا حسنا، ويتفاوت هذا التأثير بطول مُدَّة المجالسة، وإذا كان على خلاف ذلك بأن يكون رديئًا سيئًا في اعتقاده، وهذا أخطر ما يكون من الجلساء، أو رديئًا وسيئًا في سلوكه وقوله وعمله ومعاملته، فهذا أيضا هو القسم الثاني، وله تأثير على الإنسان بقدر ما يكون من مجالسته ولو كان ذلك تأثيرًا خارجيا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مَثَلين لتأثير الجليس سواء كان صالحًا أو كان سيئا ببيان أن أدنى معاشرة، أدنى مُخالطة لابد أن يكون فيها انتقالُ نوعٍ من الأثر على الإنسان، وهذا الأثر إما أن يكون عميقًا وأما أن يكون سطحيًّا، لكن لابد أن يكون له شيء من الأثر، والأثر بيَّنه صلى الله عليه وسلم في قوله: «إما أن يُحْذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة»[تقدم]،.
وهذه ثلاثة احتمالات لمصاحبة الجليس الصالح، إما أن يُحذِيَك؛ أي تقتبس منه خَصلة حسنةً، خصلة طيبة، معنًى جميلًا، وإما أن تبتاع منه، أن تشتري منه شيئا، وهي إشارة إلى النوع الثاني من الأخذ، وهو ما تتكلَّفُه في تحصيله من الفوائد والخيرات التي تتطلَّب جُهدًا منك، فالصورة الأولى ليس فيها من الجُهد والكُلفة ما في الصورة الثانية.
وأما الصورة الثالثة من صور التأثير الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجليس الصالح هو أن يطيِّبَ أنفاسَك بشمِّ رائحةٍ زكية، ووجود رائحة حسنة، وهذا مما يعكس على النفوس نشاطا وقوَّةً، فإن الرائحة الزكيَّة والريحَ الطيبة لها تأثير على النفوس، وعلى شرح الصدور وترويحِ القلوب بالوصول إلى ثمار العمل والإنتاج، لا يصل إليه الإنسان بدون ذلك.
فالخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الجليس الصالح ذكر أثره من حيث اكتساب الفضائل من حيث تحصيل المكاسب والمنافع منه، ومن حيث النفع الظاهر أو النفع العابر في أن تجد منه ريحا طيبة.
وفي المقابل أيضا نافخ الكير ذكر فيه أَثرين، وهما أثران قد لا يكون للإنسان فيهما فِعل إلا مجرَّد المخالطة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إما أن يحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثة» فذكر صلى الله عليه وسلم أثرين بمخالطة جليسِ السوء، وهما ليسا باختياريين، ليسا مما يتمكَّن الإنسان من السلامة منهما، وله خيار في النجاة منهما، فإحراق الثياب أمر ليس اختياريًّا لا يفعله الإنسان اختيارًا، ليس كما هو الحال في الجليس الصالح الذي تَبتَاعُ منه وتكتسب منه لا، يأتيك من دون اختيار، فيُصيبُ ثيابَك، فإذا أصاب ثوبَك معناه أنه أثَّر عليك في الظاهر، لكن هذا التأثير الظاهريّ يَعيبُ الإنسان، ولا يقتصر فقط على مَظهرِه، بل لابد أن يَنفُذ إلى جوهره وباطنه، والصورة الثانية من التأثير هي أن يجد الإنسان ريحًا خبيثة، فإن سَلِم من التأثير في الإحراق، لم يسلم من الروائح الخبيثة التي تكون سببًا لضيق النَّفَس، وتحمِل الإنسانَ على نوع من الكسل والانحسار الذي يُثمِره مثلُ هذه الريح الخبيثة.
فجدير بالمؤمن أن يحرص على المُجالس الطيب، المجالس الصالح، الصاحب الحسن الذي له تقويةٌ في سلوك الإنسان، الذي له انتقاءٌ لأخلاقه، الذي له أثر إيجابيٌّ على صحته وسلامة حاله واستقامته.
ولهذا جاء في بيان ضرورة العناية بالأصحاب كلامٌ كثير عن السلف، والاستدلال بآياتٍ من الكتاب والسنة على هذا الأمر.
خلاصة الكلام حتى ننتقل إلى المحور الثاني: أن هذا الموضوع، موضوع ذو بالٍ كبير، وذلك لعظيم تأثير الصاحب، عظيم تأثير المُجالس على الإنسان، سواء كان ذلك باختياره أو بغير اختياره، وسواء كان ذلك في الصلاح أو في الفساد.
المذيع: أيضا هذا ردٌّ مُباشر من فضيلتكم على بعض من يَرَون أن مخالطةَ بعضِ الخُبثاء أو مَن لَدَيهم بعضُ الأفكار الضالَّة أو غير ذلك من الأخلاق الخبيثة وغيرِ الصالحة، إنهم يزعمون أن مخالطتَهم لهؤلاء ولو لبُرهة من الزمن، لفترة قصيرة أو لقاءٍ عابر لا يمكن أن يؤثر عليهم، وهو ما يردُّه أو يدحضه الحديث النبوي الشريف الذي يؤكِّد تضرر المسلم في الخلق الطيب من هؤلاء الخبثاء، ولو كانت مجالستهم لفترة قصيرة جدا، أو للقاء عابر كما يقال، ربما أن البعض أيضا يرى يعني لبَّس عليه الشيطان عندما يسوِّل له أن ربما يتوجَّه إلى أمثال هؤلاء لنصحهم وإرشادهم، ثم بعد ذلك يستمريء الجلوس معهم، ثم بعد ذلك بدَلَ أن يؤثِّر هو عليهم يجد التأثيرَ العكسيَّ على أخلاقه وعلى سلوكه، وهذا مَلمح مهمٌّ يجب التنبيه عليه في مثل هذا الحديث.
أستأذنك يا شيخ خالد في أول اتصال معنا في هذه الحلقة من المستمع عبد العزيز الشريف من الرياض، أخ عبد العزيز تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة لله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا شيخ عبد الله.
المذيع: أهلا وسهلا.
المتصل: أحيي شيخنا الشيخ خالد، حياك الله يا شيخ.
الشيخ: حياك الله، الله يحييك.
المتصل: أقول بارك الله فيك إن من أعظم ما يوقع الناس في بلايا اللسان فهي مجالسة جلساء السوء، لكن هذا المجالسة من أعظم أسباب الأعراض عن الدين كله، وقد روى الترمذي، وأبو داود وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرجلُ على دِين خَليلِه فلْيَنظُر أحدُكم من يُخالِل»[أخرجه أبو داود في سننه:ح4833، والترمذي في سننه:ح2378، والحاكم في مستدركه:ح7320، وقال: صَحِيحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وافقه الذهبي ]، وروى الترمذي وأبو داود، عن أبي سعيد لخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله وعلى آله وسلم- يقول: «لا تُصاحِب إلا مُؤمنا، ولا يأكلْ طعامَك إلا تَقِيٌّ»[أخرجه أبو داود في سننه:ح4832، والترمذي في سننه:ح3295، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ] وروى الترمذي في الصحيح عن أبي خيثمة بن أبي سبرة قال: "أتيت المدينة فسألت الله أن يُيَسِّر لي جليسًا صالحًا، فيسَّر لي أبا هريرة رضي الله عنه، فجالسته فقلت له: إني سألت الله أن ييسِّر لي جليسا صالحا ووفِّقْت لي، فقال لي: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، جئت ألتمس الخير وأَطلُبه"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3742].
فضيلة الشيخ هذا الأحاديث كلها تدل على أن الجليس الصالح هو نعمة من الله -عز وجل-، كما كان السلف الصالح يبحثون عن الذين يجالسونهم، فتجد من يقول: هلمَّ بنا نُؤمن ساعة، أيضا الملائكة الكرام يتلمَّسون حِلَق الذكر فيجالسون أهل الخير والفلاح، فإذا رأوا من يذكر الله فقالوا: «هَلُمُّوا إلى بُغيَتِكم»[أخرجه الترمذي في سننه:ح3600, وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]
سؤالي يا شيخ كيف أجد هذا الرجل؟ ما هي مُميزاته، وما هي صفاته؟ وكيف ينأى بنفسه عن جلساء السوء؟ وما معنى «لا تُصاحب إلا مُؤمنا ولا يأكلْ طعامَك إلا تَقِيٌّ»[تقدم]، هل نوجهها على المسلمين أصحاب المعاصي أم على غيرهم؟ وجزاكم الله كل خير.
المذيع: وإياك، شكرا لك أخ عبد العزيز، تفضل يا شيخ خالد، تسمعني يا شيخ خالد.
الشيخ: هو ما ذكره أخونا نصوص متنوعة تؤيد ما ذكرنا من انتقاء الصاحب، فالنصوص كما ذكرت قبل قليل متواترة جدًّا في بيان تأثير الصاحب عميق، ولا يقتصر فقط على جوانب هامشية للإنسان، بل إنه يَطال اعتقاده، يطال صلتَه بربه، يطال عبادته، يطال علاقته بأقرب الناس إليه وهما والداه، وذووا رحمه، يطال أمرَه في الحاضر والمستقبل، لذلك كان في الشرعية في غاية العناية، في غاية الاهتمام بموضوع الصحبة، تأثير ذلك على الإنسان، فكل هذه النصوص الذي سمعناها وغيرها كثير، هي مما يؤكِّد ضرورة العناية بالجليس، وهنا نقطة مهمة ينبغي ألا تفوتَ ونحن في حديثتا على ما يتعلق بالجليس والصاحب وتأثير ذلاك على الإنسان، أقول: إن الجليس عندما نتحدث عنه، القرين عندما نتحدث عنه، فنحن لا نتحدث عن نَمطٍ معين من المجالسات، ولا عن صورة من المصاحبات، ولا عن العلاقات التي تكون بين الشخص وغيره من الأصحاب، إنما نتكلم عن كل أنواع المخالطات، فالمجالسة مع الصديق هي صورة من الصور، وسائل الاتصال اليوم تُعتبر مُصاحَبة، ولها تأثير بالغ، فلا يلزم فيما يتعلق بالمجالسة أن تكون المجالسة مباشِرة، بل المجالسة تطلق على كل مُخالَطة تحصل على الإنسان فقراءتك لكتاب، قراءتك لتغريدة، قراءتك لتدوينة، مطالعتك لمقطع كل هذا يندرج في مفهوم كلامنا، ومعنى حديثنا المتصل باختيار وانتقاء الجليس، فلا يتوهَّم مُتوهِّم أننا نتحدث فقط عن نمط من المجالس، أو عن صورة من المصاحَبات، أو عن نوع من العلاقات، بل نتحدث عن هذا كله، في كل ما يصاحبه الناس، حتى في المجالس العابرة، حتى القراءات التي يقرؤها الإنسان على وجه التسلية أحيانا، على وجه ملء الفراغ، على وجه إمضاء الوقت وما أشبه ذلك مما يفعله كثير من الناس، فكل هذا يندرج فيما نحن فيه، وما نتحدث عنه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قسَّم حال الجليس الصالح والجليس السوء لم يذكر ذلك في حقِّ من دامت مجالستُه، وامتدَّت أوقاتُ مخالطته، بل ذكر ذلك على وجه العموم، ولو كان ذلك في مجلس عابر؛ لأن الإنسان يجد الريح بمروره في أماكن الطيب والأماكن المطيَّبة ولو لم يدم بها جالسا طويلا، كما أن شرر الإحراق عند الحدادين وأشباهِهم يصيب الثياب ولو كان الإنسان في طريقه عابرا فلا يلزم أن يكون الإنسان مجالسا أو مخالطا أو مقابلا، ولكن بالتأكيد أن كلما طالت المدة وامتد زمن المخالطة، كان ذلك أعظم تأثيرا، وكان ذلك أكبر أثرا، وكان ذلك أدعى للاحتياط والاعتناء والانتقاء، كما تحتاط وتنتقي صحبتك ممتدة الزمان كذلك احذر وانتبه في صحبتك العارضة، فإن الإنسان يفر من مواطن السوء، وصحبة الأشرار ولو كان ذلك على وجه عارض كفراره من الأسد؛ لأن الأخلاق الرديئة تُعدي، والآثار السيئة تتخلل وتتسرَّب العقول، ولو كانت الأنفس محصَّنة بأنواع من التحصيل إذا غَفَلَت ولم تفطِن لخطورة المخالطة السيئة.
المذيع: في هذا الجانب أيضا تبرز نقطة مهمة جدا يا شيخ خالد وهي على عاتق الآباء وأولياء الأمور بشكل عام فيما يجب عليهم من اختيار أو تخير الأصدقاء الصالحين لأبنائهم منذ النشأة، وكذلك أيضا تعويديهم على البيئة الصالحة حتى ينشئوا عليها وتؤثِّر عليهم بشكل مباشر وعلى أخلاقهم هذا هو المطلوب، وكذلك أيضا ربما درأ لمخالطة الأشرار إذا ما خالطوا الطيبين وصاحبوهم وكانوا معهم بشكل مستمر، يعني حتى ينشئوا كذلك، حتى يعني يكبروا في العمر وينشئوا نشأة صالحة، لا تتغير بإذن الله تعالى مهما كانت الظروف ما دامت التنشئة تنشئة صالحة، ومتى ما كان التأسيس تأسيسا على القواعد الصحيحة السليمة، وأذكر في هذا المجال ما كان من السلف الصالح، وحتى في هذا الزمان المتأخر من إرسال الآباء والأمهات لأبنائهم إلى مجالس العلم حتى ينهلوا من العلماء، ليس فقط من علمهم وإنما من سَمتهم ودلِّهم وأخلاقهم العالية حتى يكتسبوا من هذا الخلق الجميل بمصاحبة هؤلاء العلماء الربانيين، ولنا في ذلك الأمثال الكثيرة.
شيخ خالد نتواصل مع المستمعين ولعل الاتصالات وردت إلينا بشكل مكثَّف ومتواصل للمشاركة حول موضوع لقائنا في هذا اليوم من برنامج "الدين والحياة" عن انتقاء الجليس.
أستأذنك يا شيخ خالد في اتصال، هيثم من جدة، تفضل يا هيثم.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حقيقة أشكركم على اختيار هذا الموضوع المهم، وسؤالي ربما يكون بعيد بعض الشيء لكن -إن شاء الله- داخل تحت اختيار الصحبة، اختيار الزوجة الصالحة يا شيخ هل هو أيضا من اختيار الصحبة؛ لأنها راح تكون صاحبتك ربما طيلة حياتك يعني، وأيضا يا شيخنا نعرف أن هذه الأيام يعني يقال أو تقول لك الأم مثلا تكون في البنت بعض الأشياء غير مرغبة لك من بعض الخروج الكثير للبنت نفسها فتقول: خذها إن شاء الله تصلح معك، والعكس كذلك إذا كان الولد غير صالح هل هذه من معوِّقات الصحبة واختيار الزوجة؟ هذا كان سؤالي.
المذيع: جزاك الله خير شكرا لك أخ هيثم على هذا السؤال، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: يعني أخونا تطرق إلى جانب من الجوانب فيما يتعلق بالعناية بالأولاد، وقد أشرت إلى هذا أنت في بداية حديثك، لكن الموضوع في الحقيقة يعني أن يؤخذ بعمومه، وأنه يمسُّ حياة الجميع، أحيانا نحن قد نغفل أو نخطىء التعامل في موضوع إذا حصرناه في جانب من جوانب الحياة، أو جانب من جوانب النفوس، أو في شريحة من شرائح الناس سواء ما نجعله ما يهمُّ الأبناء أو ما يهم البنات، أو الشباب أو الفتيات في حين التحديد من شأن جليل وضرورة العناية بانتقائه وخطورة مصاحبة الرديء لا يقتصر فقط على النشء بل ضرره وأثره على الصغير والكبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما ضرب المثل لم يقصر ذلك على حدثاء الأسنان، صح أن الصغير والشاب والفتاة في مُقتبل العمر أشد تأثُّرا، وعلاقة الصحبة لها من الآثار والتأثيرات في السلوك والأخلاق أكبر من غيرهم أن الأخلاق تتأثر بالمصاحبة.
وإليك هذا النموذج الذي حصل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهده وكان مِثالا قائمًا للتحذير من الصحبة الرديئة، وأن الصحبة الرديئة تردي الإنسان المهالك حتى في حق الكبار، ومن لهم عقل وتمييز، وبلغوا من السن والتجربة ما بلغوا إلا أن الصحبة الرديئة وخطورة أهل الشر يؤثر تأثيرا سلبيًّا قد يحول دون الخير ويوقع الإنسان في المهالك، في الصحيح من حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن أبا طالب لما حضرته الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طالب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يناصره، يذُبُّ عنه، مع أنه لم يؤمِن به حتى كانت هذه الحادثة التي جاء الخبر عنها في الصحيح أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل، وعبدَ الله بن أمية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: «يا عمّ قل:لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» طلب منه أن يقول هذه الكلمة التي هي مفتاح الجنة، والتي يدخل بها في الإسلام طمعا منه صلى الله عليه وسلم في هداية عمه، وهو في الرَّمق الأخير، وهو في مفارقة الدنيا، وقد ناصره، وقد بذل قصارى جهده في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه من قومه، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغبُ عن مِلَّة عبد المطلب؟ كلمة واحدة كانت من هذين الرجلين لأبي طالب في هذه الحال كانت مانعةً له من الاستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم لما دعاه إليه من قول كلمة الحق، يا أبا طالب أتَرغَبُ عن مِلَّة عبد المطلب؟ يعني أتترك ما كان عليه أبوك من دين؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه ويعيد مَقَالتَه على عمه يقول «يا عم قل كلمة أشهد بك عند الله -أو أحاجُّ-بها عند الله» وكذلك أعاد الأمر، أوعادا عليه مقالتهما، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذان الرجلان على هذه الحال إلى أن كان آخر ما قال وهو أنه قال: هو على مِلَّة عبد المطلب-نعوذ بالله من الخسران- وأَبَى أن يقول لا إله إلا الله.[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1360، ومسلم في صحيحه:ح24/39]
هذا نموذج واضح في تأثير الصاحب، فإن الخليل له تأثير بالغ على الإنسان، قد يورِده المهالك، فلو أن هذين لم يحضرا أبا طالب لكان يحتمل أن يستجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كانا له بالمرصاد، كلما ذكَّره ب"لا إله لا الله"، وأن يقولها ويحاجّ له بها عند الله، ويشهد له بها عند الله، كانا يعيدان عليه مقالتهما: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ كانا مانِعا له من أن يقول: لا إله إلا الله، وهذا يبين الترغيب في مُجالسة الصالحين، وضرورة العناية بمن يجالسه الإنسان بأن ذلك مما يفيده في دينه ودنياه.
المذيع: في المقابل يا شيخ خالد بعض الفوارق لكن قصة الغلام اليهودي إلي روحه تُقَعقِع وكان في الرَّمَق الأخير من هذه الحياة، وحضر المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك المشهد عندما كان يعني يحتضر، فأمره أبوه بالاستماع والإذعان للنبي صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فختم له بالإسلام.[أخرجه البخاري:ح1356]
الشيخ: لا شك أن هذا نموذج آخر في المقابل يبيِّن أثر الصحبة الطيبة، وأنها قد تنقل الإنسان من الشقاء إلى السعادة، كما أن الصحبة الرديئة قد تنقل المرء من السعادة إلى الشقاء، وقال الله- جل وعلا- فيما قصه في مُحكم كتابه عما يقوله بعض الناس يوم القيامة: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلا ﴾[الفرقان:27، 28]
لماذا {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:29]
وكل هذا يؤكِّد معنى وجوب العناية بانتقاء الصاحب الذي يقرِّبُك إلى الله، الصاحب الذي يهذب أخلاقَك، الصاحب الذي تصلح به دنياك، وتستقيم به آخرتك، وإذا وُفِّق العبد إلى هذا فإنه لابد أن يوفَّق إلى خير عظيم لذلك قال الشاعر:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وتأثير الصحبة الأصدقاء كما قال ابن القيم رحمه الله:" الأصدقاء ثلاثة: أحدهم كالغذاء، والآخر كالدواء، والثالث كالداء"[بدائع الفوائد:2/274].
فهذا التقسيم للصحبة من حيث أقسامُها حقيقة مطابق بمن يخالطهم الإنسان، فالغذاء هو الجليس الصالح الذي يغذِّي روحَك وقلبَك وطيِّبَ أخلاقِك وصالح عملِك، فينشِّطك إلى الصالحات، وإلى الخيرات، وينشطك ويحملك على البرِّ والتقوى، وتصلح به دنياك وآخرتك.
وأما القسم الثاني، وهم الداء، وهم الذين يُمرِضون قلبَك، ويُمرضون سلوكك وخُلقك، وينتقل رداهم إلى قولك وعملك، فهؤلاء داءٌ يوشك أن يستفحل ويتمكن فيورثك الهلاك والمعاطن.
وأما القسم الثالث فهم كالداواء وهم الذين يُؤتى إليهم عند الحاجة، كذلك أصحاب الرأي، وأصحاب العقل، وأصحاب الفطنة الذين يُحتاج إليهم في المشورات، ويحتاج إليهم في الخروج من المضائق، ويحتاج إليهم في الاسترشاد بمواطن الخير والهدى، هؤلاء هم مُجمل من يخالطهم الإنسان، سواء كان هذا في المخالطات المباشرة، أو كان ذلك في المخالطات العارضة.
وهنا أنبِّه إلى أن الحياة المعاصرة، والثَّورة التِّقَنِيَّة التي يعيشها الناس فَتَحت من أبواب التأثير على النفوس صغيرِها وكبيرِها وذَكَرِها وأُنثاها بشكل يفوق الخيال ويَظهر به ضرورةُ العناية بما يشاهِد الإنسان وما يتابِعه، سواء كان ذلك عبر وسائل التواصل والمحادثات، وسواء كان ذلك عبر اللقاء المباشر، أو كان ذلك عبر ما يُنشر من تغريدات.
المذيع: أو الألعاب الإلكترونية يا شيخ أيضا، الألعاب الإلكترونية فيها تواصل.
الشيخ: الألعاب الإلكترونية، وأيضا المشاهدات التي يشاهدها الإنسان من المسلسلات والأفلام، وما يتابعه من قنوات، كل هذا يَصُوغ فكرَ الإنسان، كلُّ هذا يصوغ أخلاقَه، كلُّ هذا يصوغ عقائدَه، ولذلك ضروريٌّ أن يعتنيَ الإنسان بنفسه، وأيضا أصحاب الولايات من الآباء والأمهات، وكذلك أصحاب التربية، وكذلك خطباء المساجد، وكذلك أصحاب الفِكر المنتشر، وكذلك الإعلاميون،كلٌّ يتحمَّلون المسئولية في وقاية الأمة، وقاية الناس من الشرور والمفاسد، هذه الوسائل التي تؤثِّر تأثيرًا بالغا، هذه الانحرافات التي نشاهدها أحيانا في مسالك بعض الناس يكون مصدرُها حسابات تُتابَع، مصدرها تغريدات، مصدرها سنابات يتابعها الإنسان، قد تقوده إلى انحراف في عقيدته، انحراف في سلوكه، تعطُّل في حياته، قد تورطه في مخدرات، قد تورطه في أفكار رديئة وانحرافات فكرية خطيرة، كل ذلك يستوجب أن نقف مع أنفسنا وقفة تأمل،كل واحد يقف فينا مع نفسه ذلك يقف ويتأمل حالة من له ولاية عليه.
المقدم:- أيضًا ربما بعض الناس يستهون تأثيرَ مثل هذه الصحبة غير المباشرة وهو التأثير الخفي الذي يتزايد يومًا بعد يوم حتى يترسَّخ في ذهن الإنسان وبالتالي يستحيل من مجرد فكرة إلى فِكرٍ مترسِّخ، ثم بعد ذلك إلى سلوك وأخلاق يعني يستطيع أن يؤثر بها مباشرة، وأن تخرج منه وتظهر على جوارحه، وهذا ما ينبغي التنويه عليه حتى لا يتأثر الإنسان تأثيرًا، سلبيًّا ،ويجنح ويحيد عن الطريق الصحيح إلى الطريق الخاطئ.
نأخذ اتصال أم عبد الرحمن اتفضلي أم عبد الرحمن.
المتصلة:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- سلام ورحمة الله وبركاته.
المتصلة:- أولًا يا شيخ مدرسة البنات صاروا حتى الآن يهملون البنت ولا يهتمون بها والأولاد من زمان، وهذا بناء على جهل كثير منهم ،جهلهم بالدين وجهلهم بالتربية، وعدم مبالاتهم يعني فيه كسل أنه يتابع عياله، والمفروض ما يترك الواحد عياله إلا بعد 16 صغيرة، يحبهم ويختلط بهم.
النبذة الثانية: كيف يعني يتأكَّد أن كل أم وأب يعرف مسئوليته عن أولاده، وأنه مسئول عنهم، والمفروض أنه مثلا واحد يصحِّح ،ولا يروح ينفق الأب ما يرمي ولده ويخلِّي الولد المسكين بناء على جهله يتحمل كل شيء.
كيف نوصِّل المعلومة مثل الفرض على الأم والأب يسألوا عن عيالهم ويتابعونهم.
المقدم:- جزاكِ الله خير شكرًا لكِ يا أم عبد الرحمن على هذه الأسئلة المهمة، وطبعا هذه المداخلة عن موضوع الصحبة وخاصة فيما يتعلق بمراقبة الأبناء ومصاحبتهم حتى يكبروا على الأخلاق الحميدة، وبالتالي على الأقل يستمر الابن فيما بعد ذلك على الطريق الصحيح إذا ما بيَّن له طريق الخير وطريق الشر اتفضل يا شيخ خالد.
الشيخ:- هو يا أخي الكريم ما ذكرَته الأُخت وما ذُكر قبل ذلك كله على أن هذه القضية قضية مؤرِّقة، قضية تحتاج إلى أن تُطرق بجلاء ووضوح، ومن زوايا مختلفة فيما يتصل بمعالجة تأثير الصحبة على النشء، تأثير الصحبة على الإنسان على وجه العموم.
بالتأكيد أن اقتراب الوالدين من أولادهم اقتراب من الإخوة الكبار، ومن له تأثير من إخوانهم بالتأكيد أنه إحدى الضمانات التي يمكن أن تقي النشء من كثير من الانحرافات حتى لو كانت تلك المحاضر ليست بمؤهلة للمعالجة إما لضعفها لكنها قد تستشعر وجود المشكلة مُبِكِّرًا فتبادر إلى معالجتها، وبالتأكيد إن اكتشاف المشكلة في أوائل حصولها مما يساعد على السهولة في حلها ومعالجتها على وجه مبكر.
لذلك من المهم أن يقترب الوالدان من أولادهم، وأن يبنوا جسورًا من الودِّ والرحمة وحسن الصلة تفتح مجالًا للوصول إلى نفوس هؤلاء بتلمُّس حاجتهم، بقطع الطريق على المتربِّصين بهم، بتوجيههم والأخذ بهم إلى ما فيه صلاحهم، لاسيما مع هذا السُّعار واللهف الواسع فيما يتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية، هذا السعار وهذا اللهث وهذا الطوفان العارم من أوجه وأنواع التواصل، سواء كان عن طريق مواقع تويتر، أو فيس بوك، أو انستجرام، أو سناب شات، أو يوتيوب ،أو الواتس أب أو البرامج التي لا نهاية لتجدُّدها وتنوع أسمائها هي من أكبر المؤثِّرات على الأخلاق والسلوك والنشء بما يعجُّ فيها ومحتواها سواء كان محتوى طيِّبًا أو رديئًا.
ولك أن تعرف أن بعض الدراسات تقدر أن 80% من مجموع سكان الشرق الأوسط يستخدمون وسائل التواصل المختلفة بشكل فعَّال، وهذا عدد أو نسبة بغض النظر عن صحتها من عدمه أو دقَّتها من عدمه لكن الواقع شاهد أنت ترى الصغير والكبير والذكر والأنثى لاسيما في بعض البلدان، ومنها بلادنا حرسها الله وحماها من كل سوء وشرٍّ يستعملون مثل هذه الشبكات، ويتواصلون معها بنوع من التواصل.
بالتالي من الضروري أن يكون هناك ترشيد، أن يكون هناك توعية، أن يكون هناك تفصيل، لا فقط التحذير من الصاحب الذي يصاحبه ابنك أو تصاحبه ابنتُك أو يصاحبه أخوك أو يصاحبه حتى ربُّ الأسرة في العمل، أو في الاستراحة أو في أماكن الالتقاء العام أو حيثما كان اللقاء المباشر.
أنا أقول إن خطر شبكات التواصل على النشء والجيل أعظم بمراحل من خطورة الصاحب المباشر؛ ذلك أن مدة الزمن الذي يقضيه كثير من الناس مع هذه الشبكات فيما نشاهده أكبر بكثير من أصحابه، والذين يخالطونهم مخالطة مباشرة، بل تجد الرُّفقة فيما هو دون واحد اجتمعت أبدانهم لكن كل منهم في وادٍ غير وادي صاحبه، من خلال نافذته التي يُطلُّ بها على العالم عبر وسائل التواصل التي بين يديه.
ولذلك من الضروري أن يُخصَّ هذا الموضوع بتفصيل، فلما نتكلم عن الجليس الصالح، عن جليس السوء نحن لا نقصر الحديث، ولا نقصر الكلام عن الصاحب المباشر كلا، كل ما يخالطه الإنسان، يطالع ويستمع إليه ويتابعه هو جليس، فليختر لنفسه مِن هؤلاء الجلساء من يزيده طاعةً، من يزيده رشادًا، من يزيده فكرًا، من يزيده خيرًا، من يزيده صلاحًا في دنياه، واستقامة في دينه.
أما أن يمضي الوقت في متابعة الفراغات والتفاهات، هذا على أدنى الأحوال وأقل الأحوال خطرًا وضررًا، هو أن يتابع تفاهات وفراغات الآخرين، لكن عندما يتابع من ينقل إليه فكرًا، من ينقل إليه سلوكًا، من يروِّج خصلة، من يؤسِّس لفكرة، لاشك أن الأمر يحتاج إلى مزيد تمحيص وإلى اقتراب.
يا أخي على سبيل المثال الآن يعني من أولياء الأمور الذين يشترون لأودلاهم هذه الأجهزة التي تصلهم بشبكات التواصل، من يراعي ضوابط الاستعمال؟ يعني هذه القواعد في الأجهزة فيها من الفلترة والتصفية مراعاة سنِّ المستعمل ما يمكن أن يكون نوعًا وخطوة في المعالجة، يعني هناك من الأجهزة ما يذكُر عمر المستخدم هو تحت الثانية عشرة، فوق الثانية عشرة، تحت الثامنة عشرة ،فوق الثامنة بالتأكيد أن هذه تعطي نوعًا من التصفية والتنقية لما في أيدي أبنائنا وبناتنا لما في أيدي النشء من هذه الأجهزة.
على أن الأمر لا يقتصر على هذا، لأن المصنع له من الأخلاق والقيم ما يحميه بمثل هذه الضوابط، لكن ما يتعلق بقيم أهل الإسلام، بآداب أهل الإسلام قد تختلف عن مثل هذه الجهات المُصنِّعة لهذه الأجهزة.
فبالتالي حتى الضوابط التي وضعها مُصنِّع الأجهزة في مراعاة ثقافتهم، فنحن في هذا نقع في خطر وفي خطأ كبير جدًا.
المقدم:- شيخ خالد يعني إذا ما ذكرنا هذه النقطة يمكن ربما نختم بشيء مهمٍّ جدًّا ألا وهو أن الكثير من أولئك الذين ذُكرت أسماؤهم في قوائم المطلوبين عندما يسألون أولياء أمورهم عن هذا؟ ربما أكثر هؤلاء يمكن أن يكون انحرافهم جاء انحرافًا مفاجئا، لم يكن يمكن أن يُتوقع منهم ذلك؛ لأنهم كانوا في بُعد أو منأى أو في غفلة من آبائهم عن توجُّهاتهم، وعن سلوكياتهم، وعن ما يمكن أن يتنبَّأ من سلوكهم في المستقبل وغير ذلك، فإذا بالأب والأم يفاجئون أو الأسف الشديد بوقوع ابنهم في قائمة هؤلاء الضلَّال، وهذه النقطة مهمة جدًا، وربما هو تنبيه، وربما هو أيضًا فرصة مناسبة للتذكير بخطورة هذا الأمر ،وعلاج ما يمكن علاجه، فالعلاج المبكِّر خير من العلاج المتأخِّر؛ لأن الوقاية كذلك أيضًا خير من العلاج في نفس الوقت، فالعلاج المبكر كذلك أيضًا يمكن أن يستدرِك، ويمكن أن يكون وسيلة مختصرة للتصحيح والتعديل.
نقطة مهمة جدًا أيضًا ربما يُخص فيها الحديث إلى الفتيات اللاتي أحيانًا يجلسن أمام شاشات التلفاز ربما لوجود الوقت الفراغ الكثير، خاصة في مثل هذا الوقت من إجازات وغير ذلك فيتأثرن أحيانًا بما يعرض على هذه الشاشات الفضائية من أخلاق، هؤلاء العارضون أو الذين يَبرُزون على شاشات التلفاز أيًّا كانت هذه الشاشات باختلاف مُسمَّياتها، هذه نقطة مهمة جدًّا يا شيخ خالد أن نُنبِّه إليها، ولعلنا أيضًا نتخذ هذه المناسبة فُرصة لتذكير الآباء والأمهات بما يجب عليهم من دَور حيالَ هذا الأمر الخطير.
الشيخ:- بالتأكيد يا أخي الكريم بالتأكيد أننا بحاجة إلى أن نُنبِّه أنفسنا، ونذكر أنفسنا بمثل هذه الأمور، ولا نملُّ من التذكير بكل الوسائل والطرق المتعددة للتنبيه، بالقصة، بالإشارة، بالكتابة، بالعبرة، بكل وسيلة تنبِّه الناس إلى ضرورة الانتقاء، ضرورة الاعتناء بهذا التنبيه النبوي الذي يُشكِّل محورَ الأساس في المحافظة على المكتسبات الطيبة ومن الزيادة منها.
فالجليس الصالح يفيدك فائدتين؛ المحافظة على مكتسباتك الصالحة.
والثاني: أنه يزيدك خيرا ولذلك لن تعدم منه خيرًا، إما أن يُثبِّتك على الحق والهدى والخير الذي فُزت به، وأما أن يزيدك في ذلك ويرتقى بك إلى مراتب من السموِّ والعلوِّ ومعالي الأخلاق، وفي مقابله الصديق أو الجلس السيء سواء كان قناةً أو كان سناب أو كان تغريدةً أو تدوينة أو صاحب أو صاحبة مباشر.
إما أن يُزيِّن لك الشرَّ، وإما أن ينقصك في دينك ،أو أن تجد منه ما تكره من الأفكار والأقوال والأعمال التي تمثِّل الرائحةَ الكريهة التي لا تنفُذ إليك ولا تؤثِّر عليك في بدنك وسلوكك، لكنها تؤذيك برائحتها.
لهذا أقول موضع التنبيه فيما يتعلق بالإجازات، وفيما يتعلق أيضًا بالفتيات وكذلك الشباب في تجمُّعاتهم في الاستراحات، وكذلك الرجال والنساء على وجه العموم؛ لأنه الحقيقة الخطر اليوم لا ينحصر في شريحة، بل يعمُّ الجميع، وإن كانت نسبة الخطر متفاوتة من شريحة إلى أخرى من الكبار والصغار، لكن الجميع تحت دائرة الاستهداف من جلساء السوء، وينبغي أن يتوقَّى الإنسان ذلك باختيار الجلساء الصالحين.
المذيع: وصلنا وإياكم مستمعيَّ الكرام إلى ختم حلقتنا هذه من برنامج الدين والحياة.
في ختم هذه الحلقة، وهذا اللقاء نشكر صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بجامعة الشرعية في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العام للبحوث العلمية والإفتاء على الحديث الشيِّق والماتع.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل كلَّ ذلك في ميزان حسناته، شكرا لك شيخ خالد.
الشيخ: أشكركم، وأسأل الله لي ولك القبول والتوفيق، وأن يحفظ علينا ديننا وأَمنَنا وولاتنا، وأن يوفِّق ولاتنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يوفق جنودنا من المقاتلين إلى كل خير وبرٍّ، وأن يحفظهم وأن ينصرهم على من عاداهم، وصلى الله وسلم علي نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.