المذيع: ما حكم تغيير البياض، وصبغ اللحية؟
الشيخ: في هذه المسألة ما هو متفق عليه، وما هو مختلف فيه.
المتفق عليه في كلام كثير ممن حكى الاتفاق من أهل العلم، أنه لا بأس بالصبغ بالسواد في الحرب وفي إغاظة العدو في مواطن إغاظته التي تلحق بالحرب.
هذا ذكر غير واحد من أهل العلم الاتفاق على جوازه.
اتفقوا على تحريم الصبغ بالسواد إذا كان هذا تدليسًا وغشًّا؛ مثل أن يصبغ بالسواد لأجل أن يُخفِيَ كِبَر سنِّه، يريد أن يتقدم لخطبة امرأة وقال: أخاف أن أرد لهذا الشيب. فمر على الحلاق وصبغ.
أو العكس المرأة ظهر شيب في رأسها سواء كان الشيب مبكرًا أو كان الشيب متأخرًا، لا فرق في الرجل أو المرأة، وصبغه ليخفيه في مقام الخطبة، فلا يجوز؛ لأن فيه تدليسًا، هذا القسم المتفق عليه في صورتين.
القسم المختلف فيه، وهو ما عدا ذلك، وللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
منهم من رأى أن الصبغ بالسواد مكروه، وهذا مذهب الإمام مالك والإمام أحمد.
ومنهم من رأى التحريم وهو ظاهر مذهب الإمام الشافعي.
ومنهم من رأى الجواز بلا تحريم وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
الأدلة ورد فيها ما يُشعِر بالكراهة أو المنع، وذلك في حديث جابر الذي رواه مسلم أن والد أبي بكر جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، ورأسه قد اشتعل شيبًا، حتى قال: وكان رأسه كالثُّغامة بياضًا -الثُّغامة نوع من النبات ثمره وزهره أبيض- فقال: كالثغامة بياضًا؛ أي قد علاه البياض بالكلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلَّا غَيَّرْتموه» هذا البياض «غيِّروا هذا البياضَ وجنِّبوه السواد»، أخرجه مسلم (2102). «جنبوه السواد» هذه، أخذ منها بعض العلماء التحريم، وبعضهم أخذ الكراهة، وبعضهم قال: إنها لم تثبت، فيكون جائزًا.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه في مثل حال والد أبي بكر رضي الله تعالى عنه بأن يكون الشعر قد اشتعل شيبًا وهذا يحصُل، فيصبغ بالسواد الذي لا يكون إلا في السن المبكرة محل كراهة، على أقل الأحوال أنه محل كراهة، أما إذا كان ليس بهذه المرحلة مِنَ السواد؛ كأن يكون في شعره بياض وسواد فصبغ بالسواد، فهذا يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه لا بأس به، وقد جاء عن جماعة من الصحابة، جاء عن الحسن والحسين، بل جاء عن عمر، وعلى، وعثمان، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والله تعالى أعلم.