المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم مستمعي الكرام، يسرني في مطلع هذا اللقاء أن أرحب بضيفي وضيفكم، الدائم في هذا البرنامج، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، فالسلام عليكم ورحمة الله، وحياكم الله يا شيخ خالد في هذه الحلقة.
الشيخ: مرحبا، حياك الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع: يا شيخ: كنا تحدثنا في حلقة الأسبوع الماضي عن الرحمة عموما، وكذلك أيضا عن الرحمة التي وصف الله بها -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين عندما قال:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:29].
لعلنا في هذه الحلقة نستكمل ما بدأناه في الحديث عن أوجه الرحمة بين المؤمنين، فالكلمة إليكم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فتحية طيبة يا شيخ عبد الله وللإخوة والأخوات، والمستمعين والمستمعات.
الرحمة، الحقيقة خلق وسِمةٌ في غاية الأهمية في الحياة البشرية، بل في الحياة الكونية عموما، ولذلك من رحمة الله تعالى لعباده أن أنزل الرحمة بينهم، بين الخلق، ولذلك جاء في الصحيح: «إن لله مائةَ رحمةٍ، أنزل منها رحمةً واحدة، وأمسك تسعةَ وتسعين رحمة»[ أخرجه البخاري في صحيحه:ح6469، ومسلم في صحيحه:ح2752/44]،وهي الرحمة التي أنزلها التي يتراحم بها الخلق، حتى إن الفَرَس ليرفع حافِرَه عن ولده مخافة أن يطأه، وكذا البعير يرفع خُفَّه أن يطأ ولده.
وهذه الرحمة مركوزة في الفطر البشرية بوجه أكمل من سائر المخلوقات، فسائر المخلوقات فيها الرحمة، وهذه الخِلقة التي كمَّلها الله تعالى؛ خلقة بني آدم كمُلت فيه الرحمة لكمال صفاته على وجه العموم، فالبشر لهم من الكمال في أخلاقهم، والتكريم من رب العالمين ما ليس لسائر المخلوقات، وما ليس لسائر الكائنات، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70]
فهذا التفضيل الإلهي لبني آدم هو في كل النواحي، ومنه هذا الجانب، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يذكِّر بالرحمة الدنيا والرحمة العليا في هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة في الصحيح «إن لله مائةَ رحمة أنزل منها رحمةً واحدة» بين الجن والإنس، والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وهذا للإنسان منه أكمل للإنسان، لأنه أكمل وصفًا وأعلى نصيبًا.
الرحمة بين بني البشر كما ذكرت هي رحمة تكون في قلوب البشر بعضهم لبعض، وأخصُّ ما يكون من الرحمة وأجلاها رحمة الوالد بولده، ولذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأةً من السبي تتلفَّت فَزِعة في السبي، ثم وجدت صبيًّا فألصقته في بطنها أو صدرها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أَتَرَون هذه مُلقِيَةً ولدها في النار؟» هكذا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه الكرام لِيَلفِت النظر إلى معنى مهمٍّ في الصفة البشرية على وجه العموم، يقول لهم- وقد رأوا هذا المشهد امرأة تحلب ثديها- إذ وجدت صبيًّا فألصقته ببطنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَتَرَون هذه طارحةً ولدَها في النار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرح ولدها في النار، بهذا أجاب الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، لا، يعني لا يمكن أن يكون هذا، وهي تقدر على ألا تطرحه فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إشارة على الحامل على هذا الوصف وهذه الخصلة: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح5999، ومسلم:ح2754/22 ]، فأثبت رحمة في أعلى ذِرواتها وأعلى صورها وأعلى سماتها، وهي رحمة الوالد بولده، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم «الله أرحم بعباده من هذه بولدها».
إذن من أوجه الرحمة التي تكون بين البشر على وجه العموم، على وجه الفطرة ما يكون بين الوالد وولده، هذا تقريب لكون الرحمة سِمةٌ بشرية، يتعامل بها الناس وتكون فيما بين الخلق؛ لأن هذه كانت كافرة، وهي من قوم مُحارِبين لله ورسوله، وقعوا في الأَسْر، فكان منها الذي رآه النبي وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم-، فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها».
لكن عندما ننظر في صفة أهل الإيمان، أهل الإيمان على حال أعلى وأكمل من هذا بمراحل؛ لأن الإيمان يُهذِّب، الإيمان يكمِّل، الإيمان يزكِّي، الإيمان يحمل الإنسانَ على الفضائل ويقيه الرذائل.
ولذلك صفات المؤمنين ونصيبُهم من الفضائل أعلى من غيرهم من الخلق، وإن كانوا قد يشتركون في المعنى العام.
فأهل الإيمان لهم من هذه الصفة أعلى نصيبٍ، كما قال الله تعالى في وصفهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[الفتح:29]
المذيع: نتواصل معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا متواصل عن الرحمة، وأوجه الرحمة بين المؤمنين، ويمكنكم التواصل معنا بالاتصال على رقم:0126477117 ، والرقم الثاني:932801264 ، عبر الواتساب على الرقم:05828244 ، وعلى الوسم المخصص للبرنامج على تويتر "الدين والحياة".
نأخذ أول اتصال معنا، في هذه الحلقة من المستمع عبد العزيز الشريف، تفضل عبد العزيز.
متصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله شيخ عبد الله، كيف حالك؟
المذيع: أهلا وسهلا، حياك الله.
المتصل: أُحَييك، وأحيي فضيلة الشيخ، حياكم الله فضيلة الشيخ.
المذيع: حياك الله عبد العزيز، يسمعك الشيخ.
الشيخ: حياكم الله، مساكم بالخير.
المتصل: فضيلة الشيخ، حفظكم الله، كما تعلمون بارك الله فيكم أن الله -عز وجل- قد فطر الوالدين على حبِّ الولد والرحمة به والمحافظة عليه، لكن في زماننا أصبحنا نجد أن هذه الرحمة قد فُهمت بطريق خطأ، فتجد الوالد مع أولاده لا يوجِّههم التوجيهَ السليم، لا يُوقظهم للصلاة، خاصةً صلاة الفجر، خاصةً في هذه الأيام الباردة، يقول: أخاف عليهم من المرض أو من التعب، فهل من رحمة الوالد بولده أن يتركَه نائمًا ويذهب للمسجد؟
السؤال الثاني: بارك الله فيك، هل يُصدِّق إنسان أن ابنًا يسيء إلى والده بالقول والفعل، ويقتله، وقد يرمي به في دار العَجَزة، توجيهك للأبناء أن يرحموا الوالدين.
السؤال الثالث: رحمة الزوجين بعضهما ببعض، إذ أن من أهم أمور الزوجية، المودة والرحمة، فكيف بعلاقة زوجية غابت عنها الرحمة؟ توجيهكم للزوجين بتفعيل جانب الرحمة، فالزوج يُقدِّر ويرحم زوجته، وكذلك الزوجة، ولا يكلف أحدُهما الآخر أكثر مما يُطيق، وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرا يا عبد العزيز، شكرا جزيلا لك، شيخ خالد يتحدث في بداية المداخلة أو الاتصال، سأل عن مسألة رحمة الأولاد، خاصة عندما يرى الأب مثلا أن من الرحمة يعني عدمَ إيقاظِ الأبناء مثلا لصلاة الفجر، أو تكليفهم ببعض التكليفات الشرعية، ربما هنا خلل في فهم مفهوم الرحمة.
الشيخ: هنا نحتاج أن نفهم ما هي الرحمة التي نتحدث عنها؟ أو ما هو الوصف الذي ذكره الله -جل وعلا-، في قوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؟[الفتح:29]
رحماء بينهم المقصود بالرحمة هنا: هو السعي في إيصال كلِّ خير، ومنع كلِّ شرٍّ، والإيصال على وجه حسن، والكفُّ على وجه حسن، يعني هو شرح أو هو توصيف لقيد العمل وتقديم كل حسن، وحسن التقديم أيضا، لأن ثمة جانبان: جانب أنك تدل على الخير، والجانب الثاني: الأسلوب الذي تستعلمه في الدلالة على الخير، كلاهما ينبغي أن تَحُفَّه الرحمة، وأن يحفه الرفق، وأن يحفه الإحسان، أهل الإيمان كما ذكرت هم تواصل بكل فضيلة، وعندما ذكر الله تعالى صفاتِهم وما هم عليه من كمالهم في أعمالهم، ذكر من صفاتهم في سياق التمدُّح بهم، وبيان ما خصَّهم الله تعالى به من كريم الخصال، قال -جل في علاه- فيما ينجي الإنسان من المهالك: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[البلد:11-16]
هذه كلها خصال كريمة، ثم قال -جل في علاه-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد:17].
ختم الله تعالى هذه الخصال الحسنة التي فيها إيصال الخير والحثُّ على الضعفاء والإغاثة للجَوعى، والعناية بأهل المَسْكنة والفقر، وبعد أن وصفهم بالإيمان قال: {آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}على هذه الخصال {وتواصَوا بالمَرحَمة} التي هي المدخل الذي يُدرك به الإنسان تحقيق الرحمة {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}، أي أوصى بعضهم بعضا بالمرحمة، وهي مَرحمة عامَّة؛ مَرحمة للناس كافة، ليست خاصة في فئة من الناس.
لكن ما المقصود بالمرحمة؟ هل المقصود بالمرحمة الإقرار على الخطأ؟ هل المقصود بالمرحمة عدم العناية بتكميل الخصال؟ الجواب: لا، بالتأكيد أن المرحمة المذكورة هنا، والتي هي من سمات أهل الإيمان أن يتحلَّوا بها، هي أن يكونوا على أكمل ما يطيقون في التعامل بالخير، في الحثِّ على البرِّ، وفي النهي عن الشر.
وإليك هذا النموذج النبوي الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم في كفِّ الشر عن أهله، مع الرفق والرحمة لهم، جاء في «الصحيحين» في صحيح البخاري، وصحيح الإمام مسلم، أن الحسن بن علي -رضي الله تعالى- عنه أخذ تمرة من تمرِ الصدقة فجعلها في فِيْهِ، هذه تمرة، وكان صغيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كِخْ كِخْ» في نهيه -صلى الله عليه وسلم عن ما فعل من أخذ هذه التمرة التي تشوَّقَتْها نفسه، وترغب فيها، وهو صغير، لما فيها من حلاوة، مثل ما يجد الطفل الحلاوة، في ذاك التمر الحلاوة، يعني ليس عندهم تلك الوسائل التي هي عندنا والحياة الرغيدة، وجدت تمرة مُلقاة، ووضعها في فيه لحلاوتها فقال له رسول صلى الله عليه وسلم: «كِخْ كِخْ، ارم بها؛ أما عَلِمتَ أننا لا نَأكُلُ الصَّدَقَة؟»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1491، ومسلم في صحيحه:ح1069/161 ] .
هذا خطاب لصغير، كَفَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يأكل مما حرم الله تعالى عليه، بيَّن السبب والمانع من ذلك بصورة في غاية اللطف، في غاية الرحمة، في غاية التوجيه، لم يقل: هذا صغير، دعه يفعل ما يشاء، لا تمنعه مما يشتهي، لا تحل بينه وبين ما يحب، لا، إنما وجهه إلى الحق، نهاه، ومنعه وحال بينه وبين السوء والشر، ووجهه إلى ما فيه الكمال، وهو الامتناع عن هذا، ثم ذكر العلة؛ لأنه أيضا إذا لم يكن مُبرَّرا، إذا لم يكن مُفسَّرا، يُفهم على أنه نوع من المنع الذي لا سببَ له، وإنما مقتضى الولاية، أو بمقتضى فارق السنِّ أو ما إلى ذلك.
لكن الرسول يقول «كخ كخ؛ أما تعرف أنا لا نَأكُلِ الصدقَةَ» المانع: إنا لا نأكل من هذه الصدقة.
المذيع: قبل أن أتوجَّه للسؤال الثاني، الأخ عبد العزيز.
فيه اتصال من المستمعة غلا، انقطع الاتصال بالأخت غلا.
السؤال الثاني: كان يا شيخ خالد عن رحمة الوالدين.
الشيخ: قبل أن ننتقل للسؤال الثاني، هذه القضية مهمة للغاية، وهي أن أحيانا يعني العاطفة تختلط لتصوِّر بعضَ الإقرار على الخطأ، بعض التصرف الردىء مع الأولاد ذُكورا وإناثا أن هذا رحمة، وإن ما يقابله قسوة، أو عدم رحمة، أو ما إلى ذلك، وهذا حتى يتضح حجم خطئه، أرأيت الطفل الصغير الذي يرضع، إذا تركَتْه أمُّه على حبِّ الرضاع، وعلى ما يشتهي من الرضاع ما يمكن أن يصل إلى حدِّ الفطام الذي به تكمُل قُوَّتُه، ويصلح حاله؛ لينتقل من الطعام المناسب لحال الصِّغَر إلى الطعام المناسب للمرحلة التي تجاوَزَ بها حدَّ الرضاع، ولذلك:
النفس كالطفل إن تَتْركْه شَبَّ على حُبِّ الرَّضاع، وإِن تَفْطِمْه يَنْفَطِمِ
فالنفس إذا لم تُعامل بهذا في نفسك، في خاصة نفسك إذا رحمتها فتركت حبلَها على غارِبِها هَلَكَت، إذا تَرَكْتَ ولدك يتعاطى السيئات، سواء السيئات العملية، أو السيئات الخُلقية، أو السيئات القولية، ولم تُوجِّهْه، ولم تُهذِّبْه، ولم تُنَبِّهْه، ولم تأخذ بيده إلى الكمال بالتأكيد أنك ظلمتَه، وأنك أَشْقَيتَه من حيث أردت إسعادَه، وليست السعادة أن تُعطي وتلبِّي ما يشتهيه الولد، ولو كان في ذلك شقاؤه، ولو كان في ذلك هلاكُه، إنما السعادة في أن تحمل الابن على ما فيه سعادته، على ما فيه خيرُه، على ما فيه نفعُه، ولو كان ذلك يتضمَّن حرمانَه مما يضرُّه، ولهذا حرَّم الله تعالى- وهو أرحم الراحمين- على عباده بعض.
المذيع: المُشْتَهَيات، بعض الأمور؛ لأن إطلاق النفس فيها والاستجابةَ لرغبةِ النفس في الانطلاق معها يُفضِي إلى الهلاك، ولهذا ينبغي أن يُعرف هذا، ويفهم من هذا ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كلام له أن غالب الشقاء الواقع في الأولاد هو بسبب سوءِ تربيةِ الآباء، أو مِن قِبَل الآباء، أي بسبب الآباء؛ حيث أنهم لم يقوموا بما ينبغي لهم من الصيانة والرعاية لأولادهم، ولهذا لو أن شخصًا تأتي استجاب لابنه في كل ما يطلبه، وكل ما يحبه لكان في ذلك هلاك الابن.
المذيع: شكر لله لك، نتواصل معكم مستمعينا الكرام عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" حديثنا متواصل عن أوجه الرحمة بين المؤمنين، مع فضيلة الشيخ/ خالد المصلح.
أرقام التواصل معنا بالاتصال على رقم:0126477117 ، والرقم الثاني:932801264، وعبر الواتساب على الرقم:05828244 ، وعلى الوسم المخصص للبرنامج على تويتر "الدين والحياة".
اتصال من غلا، تفضلي ياغلا.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضلي.
المتصلة: ممكن أسأل الشيخ؟
المذيع: تفضلي، يسمعك الشيخ.
المتصلة: هذه الرحمة للحيوانات، واحنا وإخواني يعني حبسنا قط بعدين أبويا طردنا وجلسنا عند ناس ثلاثة أيام لما حبسنا القط ، وكان يعطونا فقط الأكل الخفيف والمي، هل علينا ذنب؟
المذيع: شكرا تسمعين الإجابة من الشيخ، شكرا يا غلا
في اتصال ثاني يا خالد، أم عبد الرءوف تفضَّلي أم عبد الرءوف.
المتصلة: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضلي.
المتصلة: عندي سؤال للشيخ.
المذيع: يسمعك الشيخ، تفضلي.
المتصلة: يا شيخ أنا تزوَّجت تحريت زوجي يكون فاهم في أمور التربية، ويعرف يربي، بعد ما تزوجت لي تقريبا سنة نهائيا دائما يخالفُني في أمور التربية، دائما يعطي الأولاد كلَّ شيء، دائما يعطيهم ولا يخالفهم، حتى ما يديهم كلمة توجيهية، ما يحافظ على صلاتهم، ولا حتى يسألهم، أنا أيش أعمل أسوى الآن؟
المذيع: تسمعين توجيه الشيخ، شكرا يا أم عبد الرؤوف.
تفضل يا شيخ خالد.
الأخت الثانية.
المذيع: أم عبد الرؤوف.
الشيخ: أم عبد الرؤوف، أفضل لارتباطه بالموضوع، جوابه ما تقدم أنه ليس من العدل في تربية الأولاد أن يتركَهم الإنسان على غاربهم، بل يجب عليه أن يفعل ما أمر الله به {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]
وفيما يتعلق بمنعهم من الرذائل يُفعِّل قول الله -جل وعلا-: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:24]
ولو أن الوالد رحم أولاده ذكورا وإناثا بإعطائهم ما يشتهون لترك الولدَ يشرب الدواءَ الحُلوَ الذي تَشوقُه نفسه حتى يهلك، وأنت تعرف أن بعض الأولاد يُقبِلون عليها لأن لها طعمًا لذيذ، ولكن لا يعطيه إلا بقدر تستدعيه الحاجة؛ لأن إعطاءه أكثر من ذلك يؤدي إلى.
المذيع: ضرر.
الشيخ: هلاكه، ولذلك إذا كنا نتعامل مع الدواء بهذه الطريقة فهذا هو معيار ومقياس لكل الأمور الأخرى، فيجب أن نسعى في تكميلهم وتربيتهم على أحسن ما يكون، ومنعِهم من كل شرٍّ، والمسئولية مُشتركة بين الوالدين، الأب والأم، ويجب أن يتعاونوا، ولا يكون هذا على حساب أن أحدَهم يترك الحبل على غاربه والآخر يكون صارما.
المذيع: يكون تناقض.
الشيخ: وبالتالي يكون هناك تفاوت، بل ينبغي أن تُحفظ مؤسسةُ الأسرة بالتفاهم والتكامل والتعاون، والمناقشة الهادئة توصل إلى نتائج إيجابية إن شاء الله تعالى.
فيما يتعلق بتربية الحيوان هي من أوجه الرحمة، لكن لو نجعل هذا فيما بعد؛ لأنه سيأتي في حديثنا جملة من القضايا التي تتعلق بأوجه الرحمة.
إذًا من الرحمة رحمة الوالد بولده والعكس، أيضا رحمة الولد بوالده، فإن رحمة الولد بوالده، وهذا ما أشار إليه الأخ عبد العزيز فيما يتعلق بإهمال بعض الناس لآبائهم، لا شك أن هذا عاري عن خصلة مهمة، والله تعالى نبَّه على ضرورة العناية بالوالدين، على الوجه العموم: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23] في حال الضعف، في حال القصور.
المذيع: والكِبَر.
الشيخ: والتقدم في السن يكون هناك من الرعاية والعناية ما ينبغي أن يتضاعف وأن يزيد، ولذلك قال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ}هذا علة وجه العموم، ثم قال في هذه الحال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23]
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24]، فينبغي أن نُفعِّل هذا الجانب.
المذيع: فتتأكَّد الرحمة في هذه الحال.
الشيخ: نعم.
المذيع: أستأذنك يا شيخ خالد، ولو أكثرنا في الاتصالات، ولكن حتى نغطِّي جوانب الموضوع، ونجيب على أسئلة المستمعين.
مشاري من الرياض، تفضل مشاري.
متصل: السلام عليكم.
المذيع:وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: الله يحفظك يا شيخ، بدنا نكلم الشيخ.
المذيع: يسمعك الشيخ، تفضل.
المتصل: أكرمك الله يا شيخ، أنا عندي ولد أخوي يا شيخ، عندي يمكن عمرة تسعة عشر سنة، عندي يا شيخ يُكثر اللعن والعياذ بالله، أنا قاعد أنصحه، ما أدري يا شيخ لو ضربته هل فيها شيء؟ أو ما هو توجيهك عن هذا الشيء؟
المذيع: تسمع توجيهَ الشيخ، شكرا يا مشاري.
عبد الله من الرياض تفضَّل عبد الله، عبد الله، تفضل يا عبد الله.
متصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: مسَّاكم الله بالخير، نشكركم على هذا البرنامج الرائع والجميل -ما شاء الله، تبارك الله-، ومشاركتي في البرنامج مشاركة بسيطة طبعا، فأنا أعمل في الإصلاح الأُسري، وأرى أن كثير من المشاكل التي تحدُث بين الأبناء والأزواج والزوجات اللي عدم الاهتمام، الوالد ما يهتم بابنه، والزوج ما يهتم بزوجته، ما يهتم بأُمِّه، ما يسمع لهم، تأتي المشاكل من عدم السماع لهم ولا يسمع لآرائهم، يعني لو احترم آراءهم، وتكلم معهم، وأخذ معهم حتى لو ما نفَّذ لهم ما يقولون أو ما يطلبونه لانتهت مشاكل كثيرةٌ جدًّا.هذا ما أردت أن أشارك به.
المذيع: شكرا جزيلا لك أخ عبد الله، شيخ خالد ربما تقاطع سؤال الأخ عبد الله مع السؤال الأخير للأخ عبد العزيز الذي سأل عن الرحمة بين الزوجين، كل من الطرفين للآخر.
الشيخ:بالتأكيد؛ لأن هذا من مُقوِّمات الحياة الأُسرية الهادئة، الأسرية المستقرة، الحياة الأسرية التي تتفادَى عثْرَاتِ الإشكاليات التي يمكن أن تقع بين الأزواج، الله -جل وعلا- قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21]
الله جل وعلا يذكر في علامات منته على هذا الخلق، ودلائل إلهيته وربوبيَّتِه، هذه العلامة قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ}أي من جِنسكم {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، أي ليحصُل السكن والقرار والطمأنينة، وهذا بالنسبة للرجل، وبالنسبة للمرأة، يعني هذه المصالح ليست خاصة بطرف بل هي مصالح مشتركة بين الطرفين {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}
فهذا هو المقصود، مقوِّمات السَّكَن لا تتحقَّق إلا أن تُبنَى الأُسرة على هذه الخصال التي جعلها الله تعالى بين الزوجين، من المودة وهو انجذاب كل طرف إلى الآخر، والرحمة وهذا في أدني ما يكون من مُقوِّمات السُّكنى والسكَن التي جعلها الله تعالى بين الزوجين، أن يكون بينهما رحمة، والرحمة تقتضي أن يؤدِّي كلٌّ منهما الواجبات التي عليه، وأن يسعى في الاعتذار عن كل نقصٍ وقُصورٍ في الطرف الآخر، وأن يراعي النفسيَّات، وأن يحاول تفَهُّمَ موقف الطرف الآخر؛ لأن هذا مما يجنِّب هذا البناء كثيرًا من العَثْرات التي تكون سببا للانفصال والطلاق، وانحلال العَقد الذي بين الزوجين، ولذلك في الارتباط جعل الله تعالى من الأحكام ما ينبغي أن يُراعى، وفي الانفصال حتى لو وصلت الأمور إلى عدم الاستمرار في الحياة الزوجية، وكان الأمر -يعني- مَدعاةً إلى التباعد، هذا أيضا ينبغي أن يكون وِفق ما شرعه الله تعالى مما تُحفظ به الرحمة بين الطرفين {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة:229]
حتى الطلاق إحسان، مع أنه مُؤلِم، مع أنه حَالَ بين هذا الارتباط، لكن أَمَرَ الله تعالى أن يكون بالإحسان، وهذا من رحمته للخلق.
ولا يمكن أن يكون هذا -يعني- قائمًا بين الزوجين من غير مراعاة الإحسان الذي هي تَفعيلٌ للرحمة التي تكون بين الزوجين، وأضرب مثلا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبرَز فيه جانبُ الرحمة مع خطأ الطرف الآخر، واستدراك ما كان من هذا الخطأ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أُمَّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، أرسلَتْها هديةً للنبي صلى الله عليه وسلم بطعام، فضَرَبَت التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بَيتِها يدَ الخادِم الذي جاء بالطعام، لما جاء من عند ضرتها، لما ضربت يد الخادم سقطت الصحفة، انظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الموقف؟ بالتأكيد غَلَط؛ لأن فيه استجابةً للافتعال على نحو أدَّى إلى كسر الصحفة، وأيضا ضَربُها للخادم الذي لا ذنب له، فانفلق فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة يعني جمع كِسَرِها، ثم جعل يجمَع الطعام فيها هكذا، ولك أن تتصور التعامل النبوي المليء بالرحمة، الذي ينظر إلى الطرف الآخر بما يمكن أن يعالِج المشكلة دون أن تَتَفاقَم الأمور، جمع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام الذي كان بالصحفة، وقال- مُعلِّقًا على هذا الموقف- في الاعتذار عما جرى من تلك الزوجة -رضي الله تعالى عنها- فيما فعلت من كسر الصحفة ويقول: «غَارَتْ أُمُّكُم» هذا اعتذار وتَفهُّم للموقف، مع أنه غَلَط، النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقِرَّه، لكن بيَّن الدافعَ لهذا التصُرِّف، ولم يبادره صلى الله عليه وسلم، وفَرقٌ بين التفسير والتبرير؛ التفسير هو لكشف السبب الحامل للفعل ومحاولة التعامل معه بما تَقتَضيهِ الحال، أما التبرير؛ التبرير لا، هو تسويغ للأمر وتصحيح للخطأ، ثم ماذا فعل؟ لم يرتض الموقف على هذا ولم ينته المشهد عند هذا، بل حَبَس الخادِم، يعني قال له: انتظر، حتى أُوتِيَ بصحفة، طَلَب صحفةً صلى الله عليه وسلم من بَيتِه التي، طلب صحفة من المرأة التي هو في بيتها، وهذا تضمين لها هو تأكيد لنتائج الخطأ، فهي كسَرَتْ الصحفة إذن هي تَلتَزِم بتعويضٍ، الصحفة المكسورة لصاحبتها، أعاد الصحفة، ودفع الصحفة الصحيحة التي كانت صحفتها، وأمسك المكسور في بيت من كسرت الصفحة، وانتهت المشكلة.
عالج النبي صلى الله عليه وسلم بكل رحمة مع إحقاق الحق، ودفع الظلم، والتعليق على الخطأ في موقف، بطريقة في غاية الحكمة، وفي غاية الرحمة، ولهذا كان الذي ينبغي لنا في التعامل مع أزواجنا ومع أهلينا أن نفعِّل هذا الجانب، وأن نقول: ليس فقط للرجل، يعني الرجل إذا جاء تصرَّفت المرأة تصرفًا خارجًا عن السياق المقبول، عليه أن يتفهَّم وأن يعالج، كذلك إذا تصرف الرجل مع المرأة تصرُّفا غير مناسب، ينبغي أن لا تُقابِلَه بالصياح والصوت، وبتضخيم الأمور، بل بالعقل والحكمة والرحمة، التي تقتضي المعالجة السديدة.
المذيع: نتواصل مع مستمعينا الكرام من هذه الحلقة المباشرة من برنامج الدين والحياة، أرقام التواصل لمن أراد أن يشاركنا على الهواتف: 0126477117 ، والرقم الثاني:932801264، وعبر الواتساب على الرقم:05828244 ، وعلى الوسم المخصص للبرنامج على تويتر "الدين والحياة".
شيخ خالد أحدهم يسأل الدعاء، ويقول: أن الحياة قد أتعبته، وأحببنا أن نوصِّل هذه الرسالة إلى فضيلتكم.
الشيخ: أسأل الله لي وله الفرج والتوفيق.
المذيع: اللهم آمين، هنا سؤال من أخينا أبو الحسن يسأل دعاء بعض الناس، نسمع عندما يموت بعض غير المسلمين من الكفار، يسأل هل يجوز الدعاء بالرحمة أو غير ذلك؟ نود التوضيح، خاصة عندما تحصل مثل هذه الحوادث -يعني- يدور كثير من اللغط حيال هذه القضية.
الشيخ: يا أخي الموت بالتأكيد أن له تأثيرًا على النفوس، ولهذا لما مرَّت جنازة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قام، والصحابة لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد قام قالوا: إنما هي جنازة يهودية يا رسول الله، يعني ليست بمسلمة، مرَّت بهم جنازة وهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقمنا معه فقال له أحد الصحابة: يا رسول الله إنما هي جنازة يهودية، وليست مسلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للموتِ فَزَعًا»[أخرجه النسائي في سننه:ح1922، وأحمد في مسنده:14812، وصححه الألباني في الصحيحة:2017] يعني الموت في ذاته له فَزَع، وله رهبةٌ تقع في نفوس الناس، ولذلك الانفعال الطبيعي أنه عندما يبلغ الإنسان الموت، موت أحدٍ قد يتأثر بمثل هذا التأثر الذي يعني يتجرَّد عن كون الميت مسلما او كافرا، قد يجد نوعا من الألم لا سيَّما إذا كان قريبا له أو بينه وبينه صلة أو محبة، هذا الامتعان الطبيعي لا حرج فيه، ولذلك لما مات أبو طالب، وكان قد مات على مِلَّة عبد المطلب ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم نصرته له تألم النبي صلى الله عليه وسلم لموته وحزن على ذلك، صلى الله عليه وسلم لفراقه، ولكونه فارقه على هذه الحال التي حالت بينه وبين أن يكون من أهل الإسلام، فقال الله تعالى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص:56]
فهذه الإنفعالات النفسية الطبيعية، هذه لا يمكن أن نُجرِّد الناس عنها.
لكن انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما فاته إسلام عمه قال «لأَستَغْفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1360]، فرق بين الانفعال النفسي أو وجود الحزن والألم على موت صاحب غير مسلم أو مسلم أو صديق غير مسلم وبين أن يستغفر له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لأستغفرنَّ لك» لكن ضبط العواطف بالشرائع فقال «ما لم أُنْه عنك» أي ما لم ينزل نَهيٌ عنك، وقد أنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113]، فامتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستغفار للمشركين.
الاستغفار هو أدنى مراتب الرحمة المسئولة، يعني الرحمة أعلى من طلب المغفرة؛ لأن الاستغفار هو للوصول إلى الرحمة، والرحمة هي الجنة، ومعلوم أن الله -عز وجل- قد قال في مُحكم كتابه: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة:72]
فلا تسأل الجنة؛ لأن الله تعالى حرَّمها عليه، فالذي يسأل مستحيلا، ليس مستحيلا على قدرة الله، إنما مستحيل لحكم الله وحكمته وقضائه وقدره، وما أجرى عليه نظامَ كونه -جل في علاه-، ...شرعه سبحانه وبحمده، ما جعله من سننه الجزاء والعقاب، المقصود أنه لا يجوز سؤال الرحمة للكافر، لكم الانفعال بموته، التأثر بموته، الألم، الحزن لموته إذا كان قريبا أو كان هناك ما يوجب ذلك، ما فيه شك أن ذلك من مقتضيات الطبيعة، التي لا يُلام عليها الإنسان، ما لم تُوقِعه في أن يدعو له بما لا يجوز، يعني يدعو له بالاستغفار، فإن الله -عز وجل- قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:113]
المذيع: سؤال لو كان خارج موضوع الحلقة لكن أعتقد أن الإجابة عليه ما تطول، وهو عن استخدام زيت الحشيش لعلاج الشعر، دهن الشعر فقط، هل يجوز ذلك؟
الشيخ: لا حرج في ذلك، ونعود لموضوع الرحمة بالحيوان، اللي سألَت عنه الأخت، الرحمة بالحيوان لا شك أنه من أوجه الرحمة، الرحمة بالحيوان، ولهذا جاء في الحديث أن النبي- صلى الله وعلى آله وسلم-، أخبر عن امرأةٍ بغيٍّ رأت كلبًا في يوم حارٍّ يطوف ببئر قد أبلع لسانه من العطش، فنَزَعت له مُوقها؛ أي نعالها وسقَتْه فغفر الله لها[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3467]، والرجل أيضا الذي رأى كلبًا اشتدَّ به العطش فنزل بئرا فشرب منه، قم لما خرج فوجد الكلب، فنزل البئر مرة ثانية فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، ثم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: وإنا لنا في البهائم لأجرا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم «في كل ذات كبد رَطْبَة أجر»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2363] فمن رحمة المؤمن بالخلق أن يرحم الحيوان.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «دَخَلَت امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ»؛ لأنها آذتها ومنعتها من الطعام، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :«لا هي أَطْعَمَتْها، ولا سَقَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تأكُل من خَشَاشِ الأَرض»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2365] فكانت عقوبُتها هذا الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي استعمال الرحمة والرفق في كل الأمر، ولهذا حتى في الذبح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله كَتَب الإحسانَ في كلِّ شيءٍ، فإذا قَتَلْتُم فأَحْسِنوا القِتلة، وإذا ذَبَحتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحة».[أخرجه الترمذي في سننه:ح1409، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
المذيع: اتصال من حسن، تفضل يا حسن.
متصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: حسن الإمام معك من الرياض.
المذيع: أهلا وسهلا، أخ حسن، تفضل.
المتصل: بسأل الشيخ عن الفرق بين الصدقة والزكاة.
المذيع: تسمع الإجابة من الشيخ، شكرا أخ حسن.
المتصل: الفرق بين الصدقة والزكاة، وهل تجب على مين يعني؟
المذيع: تسمع الإجابة، إن شاء الله من الشيخ، تفضل، تفضل، يا شيخ خالد، لو كان من إجابة بشكل مختصر.
الشيخ: الفرق بينهما أن الصدقة عامَّة، إذ الزكاة تطلق على المال الواجب، وتسمى صدقة كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60]
كما قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة:103]
فالصدقة اسم لما يخرجه الإنسان ابتغاء مرضات الله تعالى، سواء كان واجبا أو كان مستحبا.
لكن غلب استعمال كثير من الناس، وكذلك في اصطلاح كثير من أهل العلم الصدقة على إخراج المال غير الواجب، ولكن الصواب أن الصدقة تُطلق على هذا وهذا، يعني الصدقة مفهوم واسع يشمل ما يجب، ويشمل ما يستحب، فالصدقة منها فرائض ومنها نوافل، كذلك الصدقة منها فرائض، وهي الزكاة، ومنها نوافل وهي سائر ما يُخرجه من الأموال.
المذيع: هنا سؤال أيضا من الأخت مريم عن إشكالية تحصل أحيانا في بعض المسالخ التي فيها طبعا الذبح، ذبح الحيوان بصورة أحيانا تكون يعني الحيوانات البقية أحياء وتذبح أمامها، يعني ضحية مثلا أو الذبيحة، ما توجيهكم في هذا الشأن؟
الشيخ: هذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، ثم أخبر عن صورة من صور هذا الإحسان، في الذبح، وهو أقصى ما يكون، يعني إنهاء حياة، ما بعده من إيقاع المذبوح بالشفرة، أكثر من القتل، سواء كان قتل من يستحق القتل، أو كان لذبح الحيوان، ومع هذا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان الذبحة، والله -عز وجل- يقول: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }[محمد:4]
فقوله تعالى في سورة الأنفال:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ}هو بيان أسهل طريقة يكون بها الذبح في قتال أهل الكتاب {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}، فهذا التوجيه الإلهي في ضرب الرقاب يعني أنه إذا أراد أن يقتل لا يقتل بالتعذيب بضربه في مواطنَ مُتعدِّدة فيطول عليه الأذى والعذاب مع أنه كافر، لكن الله -عز وجل- يقول: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}يعني إذا أردتم ضربَ الرقاب حتى يكون هذا أسهل في موتهم، وأسرع للتخلص منهم.
المذيع: ربما يا شيخ الشيء بالشيء يذكر أن هؤلاء الضالين الذين مَرَقوا عن جماعة المسلمين، ممن تنشر لهم أحيانا بعض المقاطع المرئيَّة وغير ذلك، يدَّعون أنهم يقومون بتنفيذ أحكام الإسلام، والإسلام منهم براء، بهذه الأفعال العنيفة والوحشية، ما الذي يمكن أن يكون في مثل هذا السياق، ونحن نتحدث عن الرحمة بالحيوان التي تكون في أضيق الحالات، في أصعب الظروف، وهو يعني يُقتل أو يُذبح تقرُّبا إلى الله -سبحانه وتعالى-، فما بالنا نحن نتحدث عن الإنسان؟ سواء كان مسلمًا أو غير مسلم.
الشيخ: هذا يا أخي شأن الخوارج معروف منذ سالف العصر، في انحرافهم، وفي خروجهم عن الصراط المستقيم، مبدأ إشكالهم في أنهم عمدوا إلى نصوص آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على أهل الإسلام، فجاءوا بهذه الشذوذات وهذه التشوُّهات، وليست جديدة، وإن كان تجدد لصورها، لكن بقر البطون وقطع الرؤوس والإهلاك.
المذيع: والحرق.
الشيخ: والحرق، وما إلى ذلك هو دأبهم منذ سالف الزمان الذي يبين عظيم ما في قلوبهم من قسوة، وعظيم ما في سلوكهم من انحراف، فالله -عز وجل- يأمر بالرِّفق «وما كان الرِّفقُ في شأنٍ إلا زَانه»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2594/78]، وحتى مع الذي يستحق أن يُقتل أمر الله تعالى بقتله على النحو الذي يكون رفيقا شفيقا مُؤدِّيا للغرض المقصود دون إلحاق أذى أو ضرر، وهؤلاء يتفنَّنون في صور التعذيب والقتل وإلحاق الأذى، وزعموا أنهم ينفِّذون النصوص الشرعية، وهم كذبوا فيما فعلوا، فالنصوص الشرعية لا تُبرِّر مثل هذا، ولا يمكن أن تأتي هذه الشريعة بما تأنفه النفوس، وينافي الفِطَر، وينافي المعنى العام الذي ينتظم جميعَ أحكامها {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]
لذلك نقول يا أخي هؤلاء مُضلِّون ضالون مشوِّهون للإسلام، صادُّون عن سبيل الله، وهم أعداء الإسلام، وإن زعموا أنهم ينصرونه، وهم خَدَمةٌ لمن يحارب هذا الدين، وإن ادَّعوا أنهم ينصرونه.
المذيع: شكر الله لكم فضيلة الشيخ، الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، على ما تفضلتم به في هذا اللقاء من حديث ماتع وثريٍّ أَثْرَيتم به هذا اللقاء، وهذا الموضوع الذي كان عن أوجه الرحمة بين المؤمنين.
الشيخ: بارك الله فيك، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وأن يملأ قلوبنا رِفقا ورحمة وأخلاقَنا ذكاء وكمالا، وأن يُصلح لنا السرَّ والعَلَن، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، ويوفِّق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وأن ينصر جنودَنا المرابطين، من المقاتلين في الحدِّ الجنوبي وفي سائر البقاع على أعدائهم، وأن يحفظهم وأن يُسدِّدَهم، وأن يرحم شهداءهم، وأن يشفي مرضاهم، وأن يُقرَّ أعينَنا بنَصر الإسلام وأهله في كل مكان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.