×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (62) وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3315

المقدم: أهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، حديثنا عن قوله -سبحانه وتعالى- في سورة فاطر، وتحديدًا في الآية التاسعة والعشرين من سورة فاطر عندما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَفاطر:29.

 إذًا نحن نتحدث عن هذه التجارة مع الله -سبحانه وتعالى، وهذا الإنفاق الذي نَصَّت عليه الآية الكريمة في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةًفاطر:29.
شيخ خالد في بداية هذا الحديث لعل هذه الفئة التي اختصَّها الله -سبحانه وتعالى- من بين سائر الفئات من المؤمنين الذين اتخذوا تجارة رابحة مع الله -سبحانه وتعالى-.

 في البداية لماذا خص الله هذه الفئة، وهذا الصنف من الناس بهذا الفضل العظيم؟ بأنهم يرجون تجارة لن تبور، ورتَّب على ذلك أيضًا أجورًا عظيمة، وأعظم هذه الأجور: الجنة دار السلام.
الشيخ: أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فتحية لك أخي عبد الله، وللإخوة والأخوات ولفريق العمل، ولكل من يَصِلُه بثُّنا في هذه الإذاعة المباركة.

 بما يتعلق (بالإنفاق في سبيل الله)، وهو من الأعمال الجليلة العظيمة التي جاء الثناء على أهلها، وبيانُ فضلِها، والحثُّ عليها، والندب إليها في كلام الله -عز وجل- في مواضع كثيرة من آيات الكتاب الحكيم، وأثنى الله -جل وعلا- على المُنفقين في سبيله ثناءً واسعًا، ورتَّب على ذلك أجورًا عظيمة، ففي كل السياقات التي يذكر الله -جل وعلا- فيها صفات الأخيار، وأعمال الأبرار، وما يقوم به أهل الخير والبر، والطاعة والإحسان يذكر الله -جل وعلا- الإنفاقَ في سبيله.
وفي هذه الآية على وجه الخصوص ذكر الله -جل وعلا- هذه الأعمال الثلاثة مُشيدًا بها؛ لأنها أصول الأعمال التي يرجع إليها كل عمل صالح ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةًفاطر:29.

هذه الأعمال الثلاثة: تلاوة كتاب الله، والتلاوة هنا هي التي أثنى الله تعالى على أهلها في قوله: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِالبقرة:121 فالتلاوة هنا هي القراءة التي تتضمَّن الفهمَ، والتدبرَ، والعلمَ بمعاني ما يقرأ، وأيضًا تتضمن الاتباع والعمل بما في هذه الآيات المتلوَّة، فإن التلاوة التامة تقتضي عِلمًا، وعملًا وليس مجرد القراءة.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ هذا أول الأعمال التي يشرف بها الإنسان، ويرتاد بها الصراط المستقيم الموصِّل إلى الرحمن.

 وبعد ذلك ذكر الإنفاق قال: ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾، والإنفاق هنا لم يحدِّده الله -جل وعلا- في باب من الأبواب، ولا في سبيل من السُّبل، ولا في جهة من الجهات، فهو شامل لكل النفقات التي نَدَبَت إليها الشريعة: النفقات الواجبة، والنفقات المستحبة، النفقات التي فرضها الله تعالى في المال حقًّا لمن بيَّن استحقاقهم، وكذلك النفقات التي فرضها الله في المال لحقه -جل في علاه-، فهي شاملة للنفقة التي يُرجى فيها امتثال ما أمر الله تعالى به من الحق في المال، وأيضًا التي يُرجى بها أداء الأمانة إلى أهلها ممن أوجب الله تعالى الإنفاق عليهم.
فالإنفاق بمفهومه الواسع في هذه الآية يشمل كلَّ نفقة واجبة أو مستحبة، ظاهرة أو باطنة لأجل حق الله، أو لأجل حق الخلق. ولهذا المفهوم نعرف أن النفقة ليست مقصورة على باب من الأبواب.

 أخي عبد الله، أيها الإخوة والأخوات عندما تطلق الآيات فيما يتعلق بالإنفاق يتبادر إلى أذهان كثير من الناس الإنفاق المستحب المتطوَّع به، الصدقة على المسكين غير الواجبة، إطعام المحاويج، حفر الآبار يعني يتبادر إلى الذهن...
المقدم: يتصدق الإنسان يا شيخ خالد بعرضه هل هذا صحيح، أو هل هذا سائغ يا شيخ؟
الشيخ: يعني هذا نوع من أنواع الصدقة

المقدم: ربما البعض يحصر هذا الإنفاق في إطار معين كإطار مثلاً إنفاق مالي، وغير ذلك من الأوجه المعروفة.
الشيخ: هو الأصل في الإنفاق هو الإنفاق المالي لكن الصدقة مفهومها أوسع، فتبسُّمُك في وجه أخيك صدقة، يشمل الصدقة الحسية والمعنوية، لكن الإنفاق لا يُطلق إلا على إخراج المال، لكن حتى إخراج المال هو الذي أُريد أن أُنبِّه إليه أنه عندما تأتي النصوص في الإنفاق على نحو قول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَالبقرة:2-3.

 هذه الآية مثلاً في قوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِآل عمران:133-134، غالبًا يذهب الذهن في مثل هذا إلى الإنفاق المستحب، إلى الإنفاق التطوعي، لا الإنفاق الواجب، يعني ما يتبادر إلى الذهن عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾  ما يتبادر إلى الذهن نفقتُه على زوجه، نفقته على ولدِه، نفقته على والديه، نفقته على نفسه، ما يأتي في الذهن هذه الأشياء إنما مباشرة يذهب الذهن إلى الإنفاق المتعدِّي، وهو نوع من الإنفاق المتعدي، وهو النفقة المتعلِّقة بالصدقات والتطوعات، حتى الزكاة الواجبة للمال قد لا يفكر فيها الإنسان أو يحتسبُها ضمن هذه الآيات التي حثَّ الله تعالى فيها على الإنفاق.
المقصود أن الإنفاق في الآيات هو من الأعمال الجليلة، وله أوجه عديدة، وأصله إخراجُ المال عن اليد إلى الغير لطلب الأجر والمثوبة من الله -عز وجل-، وهذا له أوجه كثيرة، منها ما هو حق في المال كالزكاة التي فرضها الله تعالى في الأموال في قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاالتوبة:103، فهذا حقٌّ فرضه الله في المال على نحوٍ بيَّنَتْه النصوص، وأوضحته السنة في قدر المال الواجب، وفي المال الذي يجب فيه، ما هو نوع المال؟ ما القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة؟ ما قدر الزكاة الواجبة؟ ما هي مصارف هذا المال في صورة واضحة جلية؟
ويدخل فيه أيضًا صدقاتُ التطوع التي يتطوع بها الإنسان على أهل البرِّ ومواضع الإحسان، ويشمل أيضًا النفقاتِ الواجبة في حقِّ الزوجة، وفي حق الوالدين، وفي حق الأولاد، كل هذا مما يدخل فيما أثنى الله عليه، وندب إليه من الصدقات الواجبة والمستحبة.

 والحقيقة أن هذا المفهوم الواسع لن نستطيع أن نأتي عليه في هذه الحلقة؛ لأنه متشعِّب وكثير، فلو أننا حصرنا الموضوع على نوع من النفقات، وبيان حدودِه وضوابِطِه لأجل أن نخرج بفائدة يستفيد منها المستمع فأقترح أن يكون حديثُنا عن نفقة الرجل على أهله، نفقة الرجل على زوجه لماذا؟
لأنه كثيرًا ما تجد أن الإشكاليات التي تقع بين الأزواج، والمشاكل التي تهدِّد نظامَ الأسرة وتوجد الفرقة والنزاع ناتجة عن إما عدم فهم لضرورة الإنفاق في هذا الباب، أو لتقصير فيه، أو لغفلة عنه، وبالتالي تتراكم إشكالياتٌ بسبب الغفلة عن هذا الجانب.

فإذا رأيت معي أننا نخصُّ حديثنا في هذه الحلقة على هذا الباب بابِ نفقة الرجل على زوجته، وتفاصيلها، والأحكام المتعلِّقة بها حتى يكون هذا أحصرَ وأنفعَ.
المقدم: شيخ خالد يعني لعل الكثير من أروقة المحاكم تعجُّ بالعديد من القضايا التي تتعلَّق بمثل هذه الناحية من حديثنا في هذه الحلقة عن النفقة على الزوجة، وكثيرٌ من الناس للأسف الشديد أحيانًا يعني يُغدقون بالإنفاق وبالخير وبكثير من صنوف البر والإحسان إلى الأبعدين، ناسين ما وجب عليهم، وأوجب الله -سبحانه وتعالى- عليهم من استحقاقات، ومن واجبات يجب أن يعدُّوها إلى من استوجب بحقهم أداء هذه الحقوق إليهم إلى هؤلاء الأصناف من الناس خاصة أقرب الأقربين إلى هذا الشخص، ربما يكون هناك أيضًا نوعٌ من خلل في الفكر لدى بعض الناس، أو خلل في ترتيب الأولويات والالتزام أولاً بالواجبات، ثم الإتيان إلى ما بعد ذلك من الدوائر التي أحيانًا تعني تتدرَّج أهميتُها من مهمة إلى أقل أهمية وغير ذلك.

قبل أن نتحدث عن مسألة ترتيب الأولويات في مسألة الإنفاق والإيفاء أو الوفاء بالواجبات المستحقة على الأقربين، أو المستحقة تجاه الأقربين قبل الأبعدين لعلي يا شيخ خالد أستأذنك في الاتصال الأول معي في هذه الحلقة من المستمع عبد العزيز الشريف من الرياض، عبد العزيز تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله تفضل.
المتصل: حياك الله أخي عبد الله، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا على برنامجك الطيب، وأُحَييك وأحيي فضيلةَ الشيخ.
المقدم: أهلاً وسهلاً تفضل.
المتصل: بارك الله فيكم، بالنسبة للنفقة على الأولاد نحن في هذا الزمن للأسف الشديد يعني توسَّعت أمور النفقات، فمثلاً نفقة جوال، سيارة، الولد يطالب أبوه أن يزوِّجه وغير ذلك، ضوابط الإنفاق على الزوجة والأولاد؟ وهل هناك سنٌّ في الولد يتوقَّف عنها الوالد عما ينفق، يعني إذا بلغ الولد مثلاً 18، 20، وهو قادر على التكسب، وقادر على العمل وغير ذلك، هذا الوالد مطالب بالإنفاق عليه في هذه السن متى ما بلغ؟
الأمر الثاني: الكماليات التي تطلبها الزوجة وغير ذلك هل الزوج مطالب بهذه الأمور؟ أم أنه كما قال الله- عز وجل-: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُالطلاق:7، وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا لك أخي عبد العزيز، أذكِّر بأرقام التواصل لمن أراد أن يتواصل معنا 0126477117، 0126493028، رقم الواتساب: 0582824040، وعبر الوسم المخصص للبرنامج الدين والحياة عبر تويتر.

 محمد بن مسعود تفضل يا محمد.
المتصل: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل.
المتصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على نبينا الكريم، أحبُّ لو بدأ الشيخ -جزاه الله خيرًا- لو يعني يشرح لنا الآيات اللي هي قول الله -عز وجل-: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *وكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىالليل:5-10، والحديث الآخر اللي هو في باب مثل المتصدق والبخيل الحديث الذي في البخاري قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ؛ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلا يُنْفِقُ إِلا سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا ولا تَتَّسِعُ»صحيح البخاري (1443)، وجازاكم الله خير.
المقدم: شكرًا لك أخي محمد، وعبد الله من الرياض تفضل يا عبد الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: أشكرك أخي عبد الله على البرنامج الرائع، وأشكر أخي الشيخ،أحبك في الله يا شيخ خالد.
الشيخ: أحبك الله الذي أحببتني فيه.
المتصل: بارك الله فيك، بالنسبة لمشاركته يا شيخ هناك إشكاليات في النفقة، نفقة الزوج على زوجته، قد تحدث أحيانًا مشكلات أُسرية تؤدِّي إلى فِراق بسبب الإنفاق، هذه نقطة، النقطة الثانية: أيضًا من لديه زوجتين يعني ينفق على الأولى ولديها مُتطلبات كثيرة، والأخرى ينفق عليها بنفس المبلغ فهل هذا صحيح؟ أم أن لكل زوجة نفقةً خاصة لتنفق عليها؟  أرجو التوضيح، في إشكالية وتسبب مشاكل كثيرة جدًّا، شاكر لك شيخ، بارك الله فيك.
المقدم: شكرًا لك أخي عبد الله، شيخ خالد لعل الأسئلة كلها -ما شاء الله- تصبُّ في صُلب حديثنا اليوم، لعلنا إذا كان في الإمكان يا شيخ نبدأ بالحديث عن ضوابط النفقة، وهل هناك يعني سنٌّ للأبناء معيَّن، سنٌّ مُعيَّنة يتوقَّف عندها الإنفاق؟
الشيخ: الأول قبل هذا يا أخي يعني نحن نحتاج إلى أن نبيِّن أن النفقة على من يجب الإنفاق عليه من الزوجة والولد وغيرهم ممن تلزم النفقة عليهم، هم مما يجزي الله تعالى به الإنسان أجرًا عظيمًا، ويدرك به فضلاً كبيرًا، وأنه ليس هذا حقًّا واجبًا لا مردودَ على الإنسان فيه، بل له فيه من الأجر ما ينبغي أن يحتسبَه حتى لا يفوتَه، هو مأجور على كل حال.

المقدم: حتى لو كان واجبًا عليه؟
الشيخ: نعم، حتى لو كان واجبًا عليه، إذا احتسب زاد أجره وعظمت مَثوبتُه.

 في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قاعدة عامة في النفقات: «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجهَ اللَّه إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعلُ في فيِّ امرأَتِكَ»صحيح البخاري (1295)، ومسلم (1628)، يعني كل نفقة يخرجُها الإنسان واجبة أو مستحبَّة يستحضِر هذا المعنى أنه يخرجها رغبةً في الثواب من الله -عز وجل- إلا وسيدرك من هذه النية وهذا العمل أجرًا عند الله -عز وجل-، فلا يفوتُه هذا المال بل هو مُدَّخر، هو مكسب وليس خُسارة، ولذلك إذا انطلق من هذا المنظور فهو كالذي يودِع هذا المالَ في تجارة لن تبور، يودِعها في يد الله -عز وجل- الذي يُربِّيها ويعظِم أجورها ويرفعها، فهي ليست تذهب.
ولذلك إذا استشعر المؤمن هذا المعنى أعانه على تعديل الصورة في هذا المال الذي خرج من يده لكنه لم يذهب، أنه خرج من يده وذهب إلى يد الكريم المنَّان الذي يعطي على القليل الكثير. وفي حديث أبي مسعود البدريtأيضًا في صحيح الإمام البخاري ومسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً يحتَسبُها فَهِي لَهُ صدقَةٌ»صحيح البخاري (55)، ومسلم (1002)، يعني هذا التوجيه النبوي يبيِّن عظيمَ الأجر المرتَّب على هذه النفقات إذا احتسبها الإنسان عند الله -عز وجل-، ولم يبذُلْها غائبًا عن هذا المعنى «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً» دقيقة أو جليلة، صغيرة أو كبيرة، في اللباس أو في المأكل أو في المسكن، حتى في شراء اللوازم المدرسية، حتى في شراء الأشياء المعتاد شراؤها لكن يحتسبها أي يطلب الثواب عند الله -عز وجل- في هذا معنى قوله في الحديث الآخر: «تَبْتَغِي بِهَا وَجهَ اللَّه» كانت له صدقة.
وبالتالي يعرض الإنسان أن الأجور المرتَّبة على هذه النفقات ليست ذاهبةً، وليست غائبة، بل ينبغي أن تكون حاضرة؛ لأنها تحمل الإنسان على الإنفاق.

 حتى يا أخي ما ينفقه الإنسان لنفسه يؤجر عليه وعنه أمر طبيعي لكن عندما يستحضر النية يكون هذا الإنفاق مأجورًا عليه، كما في حديث المقداد بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أطعَمْتَ نفْسَك فهو لكَ صدقةٌ، وما أطْعَمْتَ وَلدَك فهو لك صدقةٌ، وما أطْعَمْتَ زوْجتَكَ فهو لك صدَقَةٌ، وما أطْعَمْتَ خادِمَك فهو لكَ صدَقةٌ»مسند أحمد (17179)، وقال محققو المسند: حديث حسن.
هذا المعنى العظيم الذي يجعل كلَّ ما ينفقه الإنسان، كلَّ ما يخرجه الإنسان محلًّا للثواب والأجر يحفِّز النفوس وينشِّطها على البذل، ويجعلها تبادِر إلى الإنفاق في أوجه الخير رغبة فيما عند الله، وعندما يدرك الإنسان هذه المعاني، وأن هذه الأموال لا تذهب سدًى، بل هي باقية عند الله -عز وجل-، ويكون لها العقبى الجميلة في الدنيا والآخرة، الدنيا: الخَلَف «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»صحيح البخاري (1442)، ومسلم (1010)، والعُقبى الجميلة في الآخرة بعظيم المثوبة والأجر «ظِلُّ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَتُهُ»مسند أحمد (18043)، وقال محققو المسند: حديث صحيح، يكون هذا مشجِّعًا له على أن يبذل، وأن يتقدَّم بالمزيد في سبيل الله، وفي الإنفاق في الجهات الواجبة.
المقدم: تذكَّرت يا شيخ من حديثكم هذا، حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أورده المستمِع محمد عن قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ...» إلى آخر هذا الحديث، إضافة إلى أيضًا« دينارٌ تُنفِقه على أَهلِك ودِينار...»[أخرجه أحمد في مسنده:ح10119، وقال محققو المسند:صحيح على شرط مسلم] فالنبي صلى الله عليه وسلم فضَّل النفقة التي تُنفق على الأهل على غيرها من النفقات.
الشيخ: نعم هذا يا أخي الكريم يُشير إلى مسألةٍ أنت أشرت إليها قبل قليل في موضوع أن من الناس من يفقد أولويات الأعمال، الترتيب في مراتب العمل، معرفة منازل العمل، وهذا من الأسباب التي تجعل الإنسان قد يَنشَط في الإنفاق على بعض أبواب البرِّ المستحبَّة أو  المندوب إليها، ويترك ما فرض الله تعالى عليه من الحقوق في ماله، فلا تجدُه مثلاً ينشط على النفقة الواجبة؛ لأنه في ظنه أن هذا ما له أجر، أو مثوبته نازلة عن مثوبة الإنفاق على أوجه البرِّ الأُخرى.
في صحيح ابن حبان، وهو في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومًا لأصحابه: «تَصَدَّقُوا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ؟» انظر إلى الترتيب، «قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زوجِك، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ»سنن أبي داود (1691)، وقال الحاكم:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" يعني ضعه حيث ترى، هذا الترتيب الذي بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فقه أولويات الإنفاق يبين ضرورةَ العناية بالبداءة في الإنفاق بالأَولى فالأَولى، والأسبق فالأسبق، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ابدأ بنفسك، «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1426]
وهذا يدل على ضرورة العناية بالإنفاق على نحو الترتيب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وأتت به الآثار، ليس كما يشتهي الإنسان ويحب، أو يقدِّر دون نظر لترتيب الشريعة للإنفاق ومنزلته ومرتبته؛ لأنه الموضوع ليس أن تنفق كيفما شِئت، وكيفما أحبَبت، إنما أن تطلب الأجر في الإنفاق على نحوِ ما رتَّبَت الشريعة.

 فالنفقة على الزوجة هي من أوجب النفقات، ومعرفة منزلتها في سُلَّم النفقات مما يُعين الإنسان على حثِّ النفس في بذل المال، فإن بَذْل المال قد يكون على بعض الناس ثقيلاً فيشحُّ بما يجب عليه من الحقوق لزوجته بأعذار يعني قد يبرِّرها لنفسه إما مثلاً: والله أنا أشتغل بما هو أهمُّ، أنفق في أبواب برٍّ.
 
أهم من هذا يا أخي، من الغلط أن تُقدِّم أبوابًا نازلة في الصدقة والإنفاق على أبواب واجبةٍ وعالية في المكانة والمنزلة، وبعض الناس قد يتصوَّر أن نفقته على زوجته هي من الإحسان وليس من الشيء الواجب اللازم في حين أن الله تعالى قال: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُالطلاق:7، ما قال: لا حرج على هؤلاء نفقته، بل قال:﴿فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ[الطلاق:7]، فلْينفق مما آتاه الله يعني حتى النفقة في هذه الحال ثابتة ولازمة، وينفق الإنسان فيها وِفق ما فتح الله تعالى عليه من المال.
المقدم: هذا يمكن يا شيخ ربما يقودنا إلى سؤال الأخ عبد العزيز فيما يتعلق بالكماليات وغيرها، هل تدخل أيضًا في باب النفقة الواجبة؟
الشيخ: لا، هو الإنفاق على الزوجة على مرتبتين: نفقة واجبة وهي كفايتها في المطعم والمشرب والمسكن، وهذا ليس المقصود أنه يسكِّنها في أي مكان، ويطعمها أيَّ طعام، ويلبسها أي لباس، لا هذا راجع إلى ما أمر الله تعالى به في المفهوم العام من العِشرة بالمعروف، والعشرة بالمعروف تقتضي أن يُنفق إنفاقًا يتناسب مع الحال، مع حال المنفِق، ومع حال المنفَق عليه، ولهذا قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّالبقرة:233 أي على الزوج، على العَبد ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِالبقرة:233، فالمرجع في تحديد قَدْر النفقة بالمعروف، وهو ما يَصلح مِن مِثله لمِثلها، وهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، وقد نبَّهت الآية الكريمة على ذلك في قوله: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍالطلاق:7 أي ذو قُدرة، وعنده سعة من المال ﴿مِنْ سَعَتِهِالطلاق:7 أي مما وسَّع الله تعالى عليه، ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُالطلاق:7 وِفْق ما تقتضيه حاله.
فالذي راتبه على سبيل المثال عشرون ألفًا يطلب منه في النفقة ما لا يُطلب من الذي راتبه ألفان، وبينهما بَونٌ شاسع، وبالتالي الحقوق الواجبة في مال هذا لزوجته ليست كالحقوق الواجبة في مال ذاك لزوجته، وهذا لا يدخل فيه ما يتعلَّق بالإسراف؛ لأن الإسراف أمرٌ نسبيٌّ، فلا يقرب الله هذا أبو ألفين من زوجته الحمد لله ينفق عليها وراضية، وذاك أبو عشرين ألف زوجته تطالب وتطالب، طبعًا لأنه ثمة فروقات، فلا يكون إنفاق أبو عشرين ألف كإنفاق أبو ألفين ريال.
المقدم: هذا نفس السؤال أو نفس هذه النقطة يا شيخ تنطبق على من لديه زوجتان مثلاً، وربما ينفق على الأولى بأكثر من الثانية.
الشيخ: هو صحيح، بس أنا عندي أن نحنا نخلص من زوجة واحدة، وسهل الله على الزوجتين ؛ لأن الإشكالية الواقعة الآن يا أخي عبد الله أنه في مسألة التعدد يعني يجب العدل فيه، والعدل بين الزوجات من مُرتَكَزاته العدلُ في الإنفاق بالتأكيد، وثمة إشكاليات كثيرة في مسألة العدل، ولعلنا نخصُّه في حلقة من الحلقات، لكن الكلام الآن يا أخي أنه حتى هؤلاء الذين ليس لهم إلا زوجة واحدة تجد أنه يشِحُّ بالنفقة، ويتأخَّر بها، ويماطل بها، ويمنُّ بها أحيانًا، لاسيما في مواضع النقاش، وفي المقابل أيضًا من الزوجات من لا تُبقي ولا تَذَر، يعني تريد أن تُفنِي كلَّ ما مع زوجها، فالراتب كلُّه يعني يتبدَّد ويتلاشى في أقرب وقت، وأسهل سبيل، وفي أمور يعني ليست من اللوازم، ولا من الأساسيات في تكوين حياتهم.
لابد أن تُبنى الأُسرة على شيء من التفاهم والتوافق، وأن هذا المال هو مال للجميع، وليس مُهمَّة الزوجة الإفناء، أو مهمة الزوج التعطيل للنفقات التي يجب أن ينفقَها، لما كان هناك من الزوجات من يعمل، بعض الناس يعني يقول: خلاص أنا ما لي دخل إذا كانت تشتغل فليس لها عليَّ حق، ولا يعطيها من المال شيئًا، هذا غلط، يعني هَبْ لو كانت أتْجَرَ النساء فهي يجب لها من الإنفاق ما يجب لمثلها في سائر الأحوال، فالنفقة ليس منظورًا إليها، يعني ليس معلَّقة بحاجة المرأة وفقرها؛ لأن هذه النفقة مُستحقَّة واجبة سواء كانت الزوجة مُغتَنِيَةً براتبها أو غير موظَّفة، أو غير غنيَّة؛ لأنه حتى غير الموظفات قد يكون لها مال ومصدر دخل من المصادر.
نفقة الزوجة حقٌّ واجب على الزوج، اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن ما لم تكن المرأة ناشزًا أي خارجة عن الطاعة فهو لا، إذا خرجت عن الطاعة هي تكون قد أُفْقِدَت حقَّها، ولكن حق المرأة في النفقة أكَّدته النصوص في قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّالطلاق:6 هذا في المطلقة، ويقول -جل وعلا-: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِالطلاق:7، ويقول: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِالبقرة:233، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الوداع، في حجة الوداع في خطبة عرفة: «اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ» بين الحقوق «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ» ثم أعاد فقال: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»صحيح مسلم (1218).
فالحق في الإنفاق ثابتٌ للمرأة في كل الأحوال، ولا يسقط حقُّها إلا في حال نشوزِها وخروجها عن الطاعة.
المقدم: لعل هذا كثير من الإخوة تساءلوا عن مسألة هل إذا ما كانت الزوجة موظَّفة هل تسقط النفقة الواجبة عنها أو عن زوجها تجاه هذه الزوجة؟ طبعًا هو ما تم توضيحه من قِبَلِكم فضيلة الشيخ في هذه الآونة أو في هذه الدقيقة الماضية.

 نتحدث أيضًا على مسألة إذا كان بالإمكان الحديث عن ضوابط النفقة يا شيخ؟ وهل هناك سنٌّ معين أو فترة معينة أو حالة معينة يتوقف عندها الإنفاق؟
الشيخ: أما النفقة على الزوجة فهي حقٌّ واجب ما دام عقدُ الزوجية باقيًا، معنى أنه ليست النفقة لفترة ثم بعد ذلك تنقطع، بل ما دام عقد الزوجية باقيًا بين الرجل والمرأة فإن من حقها عليه أن يُنفق عليها بما دل عليه الآيات وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»[تقدم قريبا]، فليس ثمة حدٌّ ينتهي، يعني ما هو بإذا بلغت المرأة ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، قال: خلاص أنا ما عندي لك شيء، ولا يجب لك عليَّ حق، لا هو ما دامت أنها في حِباله، وفي عصمته فإنها تلزمه نفقتها.
المقدم: ما يتعلق بإذا كانت هناك سنٌّ معينة لتوقُّف الإنفاق عند الأولاد بشكل عامٍّ؟
الشيخ: هو يعني هنا نحن نتكلم عن النفقة على الزوجة، وأما نفقة الأولاد فنفقةُ الأولاد هي لها تفاصيل وأحكام لعلنا نتحدث عنها في مناسبة أخرى.
المقدم: هل هناك ضوابط مُعيَّنة يا شيخ لهذه النفقة، لعل هذا السؤال أيضًا يتَّسق مع سؤال الأخ عبد الله عندما سأل عن بعض المشكلات الأُسرية التي تنشأ أحيانًا بسبب الإنفاق، إما تقصيرًا، أو ربما اعتادت الزوجة على نوع نفقة معينة في بداية سنوات الزواج، ثم إذا ما تقلَّبَت الأحوال على هذا الزوج إذ بهذه النفقة ربما تنقُص أو تقِلُّ عما كانت عليه في السابق، فتنشأ أحيانًا بعض المشكلات، إضافة إلى مشكلات أخرى بمسبِّبات أخرى أيضًا.
الشيخ: ما فيه شكٌّ يا أخي الكلام على الإنفاق اللازم، الإنفاق اللازم أصله وضابطه العام قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًاالفرقان:67 هذا الضابط العام الذي ينبغي أن تُضبَط به النفقات الواجبة والنفقات المستحبَّة، أنه لا يكون على نحوٍ من الإسراف، ولا يكون على نحو التقتير بل يكون الإنفاق معتدلاً قائمًا بالقسط، وسطًا بين هذا وذاك.
هذا الضابط العام الذي ذكره الله تعالى في صفة الإنفاق ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًاالفرقان:67 يشمل نفقةَ الرجل على امرأته، فليس الواجب على الرجل أن يُنفِق على أَهلِه فيما يُفسدهم، أو فيما يبدِّد به ماله بل ينفق في تحقيق الكفاية المناسبة لمثلها مما اقتضاه الإنفاق بالمعروف، هذا هو القدر الضابط العام.

 ثم بعد ذلك تفصيلٌ، ينفق على المرأة بما يناسبها في مأكلها، وفي مَشربها، وفي مَسكنها، وإذا كان ثمة عرفٌ أن يعطي المرأة مالاً بيدها تَصرِفه على حوائجها ومصالحها فهذا أيضًا مما يدخل في النفقة؛ لأن من الناس من يأبى أن يعطيَ المرأة شيئًا بيدها بل يقول: ما إذا احتجت شيئا أخبروني وأعطيكم إياه، يعني هذا إذا كان لأجل وقاية المرأة من إسراف، من تضييع المال، يعني في حالات علاجية فقد يكون له وجهٌ.
 
لكن في العموم ينبغي أن تُضبط جميع مسائل النفقة وما يتعلق بها قدرًا وصفة، وما إلى ذلك بالضابطين، وهما ظاهران في كلام الله، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، في كلام الله يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًاالفرقان:67، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

 فهذان الضابطان النفقة بالمعروف من غير إسراف، هذا هو ما تُضبط به النفقات.

 وعليه فإنه لا يُقدَّر هذا بريال، بعشر ريالات، بمائة ريال، بألف، بأكثر، بأقل، لا يقدر بتقدير؛ لأن هذا مما يتفاوت به الناس تفاوتًا بيِّنًا حتى ما يكون من أحوالهم ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُالطلاق:7.
المقدم: هنا سؤال لأم محمد لعلها بَعثَت به قبل أن نخص الحديث للإنفاق على الزوجة، ولعله سؤال يحتاج لكثير من الوقت، هو سؤال تسأل عن الإنفاق أو إعطاء الفقراء والمساكين من الملابس القديمة، وملابس الأولاد هل هذا يعد إنفاقًا يا شيخ؟
الشيخ: هو من الإنفاق بالتأكيد، يعني كون هذه الملابس تصل للمحتاجين هو من الإنفاق والصدقة المقبولة، وإن كان الأفضل أن يُعطى هؤلاء من الطيِّب الجديد، لكن إذا كان اليوم بعض الناس يعني ما يلبسون الألبسة إلا مرَّات قليلة ويبقى على جِدَته فمن الإسراف أن يُهدَر هذا وأن يُرمى فيوصل لذوي الحاجات ويؤجر عليه، وتحصل به الإثابة إن شاء الله تعالى.
المقدم: سؤال أبو الحسن يسأل عن إذا ما كان هناك مثلاً نفقة على دفع رواتب للخادمة، أو إعداد الطعام وغير ذلك من الأشياء التي أحيانًا تكون خارجة عن عمل المرأة، هل هذا يدخل في باب الإنفاق على الزوجة؟
الشيخ: أكيد أن الإنفاق على الخدم هو مما يلزم الإنسان وِفق ما تقتضيه الأعراف، يعني إذا كانت عنده في البيت فسينفق عليها في مَطعمها، ومَشربِها، وكفايتها سكنًا، وهذا إذا كان قصد السؤال هل من النفقة الواجبة أن يُحضر الرجل لامرأته خادِمًا، إذا كان هذا هو السؤال فهذا يختلف باختلاف الأعراف، ويختلف باختلاف حال الزوج والزوجة، وبالتالي ليس ثمة ضابطٌ عامٌّ يكون للجميع، أو حكم واحد للجميع، إذا ما ثمة ضابطٌ عامٌّ، وهو الإنفاق بالمعروف، إذا كان مثلها يُخدم فإنه يلزمه أن يأتي بخادم، إذا كان مثلها عادة لا يُؤتى لها بخادم فإنه لا يلزمه أن يأتي بخادم لقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِالنساء:19، ولقوله: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
وإذا كانت بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيدِ ولد آدم صلى الله عليه وسلم لما طلبت خادِمًا لم يُجبْها إذا ما طلبت بقلة ذات اليد في ذلك اليوم، ووجَّهها إلى التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3113، ومسلم في صحيحه:2727/80] فالإتيان بخدم ليس من طول منزلة ولا علوِّ مكانة إنما هو مما يُرجع به الحكم إلى العرف، هذا واحد، والقدرة الثانية.

 الضابط الأول: العرف، الثاني: القدرة، يعني قد يكون العرف أن مِثلَها يُخدم، لكن الرجل هي تزوجت وهذه تعرف أحوالَه، وليس عنده قدرة على أن يأتي بخادمة، أو أنهم في مكان يعني في حال سَكَنىٍّ لا يتمكَّن أن يأتي بخادمة، يكون ساكن في شقة من غرفتين، أو غرفة وصالة يعني الإتيان بخادم صعب، ليس ثمة ما يدعو لإحضار خادم في مثل هذا المكان الصغير، وأيضًا قدرته المادية لا تمكِّنه أن يأتي بخادم، لاسيما مع ارتفاع أجور الخدم، والتكاليف المرتَّبة على إحضار الخدم، بالتالي المسألة تحتاج إلى نوع من الترشيد، والاستغناء.
واليوم يا أخي الناس لهم طرق شتَّى يغتنون بها عن الخدم، يعني عوضًا عن أن يأتي بخادم قد يكلِّفه في السنة ثُلثَ الراتب أو أكثر من ذلك بعض الأحيان في أصحاب الدخول المتوسطة أو الضعيفة يمكن أن يعالج هذا ببعض من المعالجات التي تعدُّ من أنواع الترشيد باستعمال المواد التي تخدم دون كلفة غسيل، ودون كلفة ما إلى ذلك مما يمكن أن يرشِّد به الإنفاق، ويحقِّق به المطلوب من عدم التكليف.
ثم التعاون يا أخي بين الأزواج هو مما يحصُل به التوافق والتقارب، والنبي صلى الله عليه وسلم على شَرِيف قدرِه، وعظيمِ المهمة التي تولَّاها كان في خدمة أهله، فثمة حلولٌ عدَّةٌ لاسيما مع الوضع الذي يعيشه كثير من الناس في البحث عن موارد، توفير موارد لما هو أهم من تعليم، من تأمين سُكنى مناسبة، وما أشبه ذلك، ينبغي أن نتعاون، يعني ينبغي أن يتعاون الزوجان بهذا الأمر بما يحقِّق سعادتَهما، وتوفير الأمور على أكمل ما يكون من الراحة والسعة.
المقدم: شيخ خالد لعلنا وإن كان بالإمكان نختم هذه الحلقة بكلمتين: الكلمة الأولى تُوجَّه إلى الزوج فيما يتعلق بضرورة التزامه بالواجبات الشرعية، وخاصة فيما يتعلق بالإنفاق على زوجته خصوصًا إذا ما علمنا أن الكثير من أَرْوقَةِ المحاكم صراحة يعني تَزخَر وتمتلئ بهؤلاء المماطِلين عن أداء النفقة إلى الأزواج مما يضطر هؤلاء الزوجات إلى رفع الدعاوى وغير ذلك، ومما يصاحبه أيضًا نوعٌ من العَنَت الشديد والتعب، وإضافة إلى ما يمكن أن يواجِه المرأة في هذا المشوار الطويل للمطالبة بحقوقها.
الشيخ: هو ما فيه شك يا أخي يعني نفقة الزوجة من أوجب النفقات، ولذلك يجب على المؤمن أن يتقيَ الله عز وجل، وأن يبذلها سَمحة بها نفسُه، طيِّبَة بها روحه لأجل أن يؤجر عليها، ولأجل أن يُبري ذمته، وأنا أقول: حتى لو تخلَّص في هذه الدنيا بنوع من المراوغة، ونوع من المشاحَّة في تمليل المرأة في المطالبة بحقِّها فإنه سيُسأل عن ذلك يوم القيامة، فنجاتُه من المحاسبة أو من الأحكام المتعلِّقة بإلزامه في النفقة في الدنيا لا تُعفيه من المطالبة به في الآخرة، فخيرٌ له أن يبادر إلى بذل الحقوق طيبة بها نفسه، يرقُب الأجرَ من الله -عز وجل- خير من أن يتحمَّل ذلك وتبقى في ذِمَّته في يوم لا دِرهم فيه ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات.
والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيقول: «اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1218/147] أي في كل شأنهن، ومن ذلك في شأنُ نفقتِهم بامتثال ما أمر الله تعالى به في قوله: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَاالطلاق:7.
المقدم: أيضًا في جانب الزوجة ربما هناك كلمة توجَّه إليها خاصة فيما يتعلق بخوف الله -عز وجل-، بتقوى الله -عز وجل- فيما يتعلق بزوجها، وأن لا تَشقَّ عليه كثيرًا في هذا الجانب خاصة إذا ما علمنا أن هناك يعني بعض الظروف التي تعصِف أحيانًا بالأحوال الاقتصادية للأُسر، وبعض الأوضاع والظروف الاقتصادية التي تضطر أحيانًا الإنسان إلى أنه يقلِّص من هذه النفقات.
الشيخ: هو بالتأكيد يا أخي أنا يعني في ثنايا الحديث قلت: مؤسسة الأسرة، هذا البناء الأساس، والقاعدة المهمة وهي الأسرة لابد أن تُبنى على شيء من الوئام والاتفاق، ولن يكون ذلك إلا بمبادرة كلِّ طرف من الأطراف ببذل الحقِّ الذي عليه، ليس المطالبة فقط بالحق الذي له، وبناء الأسرة على هذا الأساس يُريح الأطرافَ، ويجعل الحياة هنيئةً، وإذا كانت الأسرة قائمة على هذا الأساس فإنه سيأمن الطرفان، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه النواة، أخي أنت إذا نَظَرتَ الأُسر في بعض الدول التي توصف بأنها مُتقدِّمة تجد أن الزوج والزوجة كلاً منهم مُستَقِلٌّ في نفقته استقلالاً تامًّا كأنهم أغراب عن بعض حتى في تفاصيل ودقائق الحياة المشتركة، كل واحد منهم قائم بنفسه لا ينظر إلى الآخر.
وفي هذه الشريعة المباركة، وفي هذا الدين القويم جعل الله تعالى من الحقوق على الرجل ما جعله ملتزمًا، يعني القَوامة يفهمُها بعض الناس أنها فقط تسلُّط وأمرٌ ونهي، ولكن يغفل عن أن القوامة مُوجِبُها ما ذكره الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْالنساء:34، فيا أخي لا تبخل بما أوجب الله تعالى عليك وتطالب بالحق الذي لك على وجه الكمال.
كذلك المرأة يعني يجب أن تتقيَ الله -عز وجل- في مال زوجها فهي راعية «كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»صحيح البخاري (2409)، ومسلم (1829) إذا قامت الحياة الزوجية على مُراقبة كلِّ طرف من الأطراف حق الله -عز وجل-، والسعي في إقامة ما يرضيه -جل وعلا- أنا أجزم سيهنأ الرجل، وستهنأ المرأة، وسيعيش هذا البيت في وئام، وطمأنينة، وسعادة.

 أسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يجمعهم على الخير والتقى.
المقدم: اللهم آمين، كذلك مما يمكن أن يُحذَر من خلال هذا اللقاء مسألة المنِّ بالنفقة، أو أحيانًا يكون هناك نوع من الشجار أو النقاش الذي يحتدِم أحيانًا أو النقاش الشديد، فيعني ربما بعض الأزواج أو بعض الزوجات يستحضر ما كان منه من إحسان إلى هذا الزوج، أو إلى هذا الطرف، كل طرف إلى آخر وبالتالي ربما تتَّسِعُ رقعة المشكلات، وهذا مما يجدُر التنبيه عليه، والتحذير منه.

 شكر الله لكم فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
أسأله تعالى أن يجعل كلَّ ما تفضلتم به في هذا اللقاء في موازين حسناتكم.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وبارك في الإخوة والأخوات، وأسأل الله -عز وجل- أن يوفِّق الجميع إلى ما فيه السعادة، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يوفق بلادَنا إلى كل خير، وأن يحفظها من كل سوء وشرٍّ، وأن يوفِّق ولاةَ أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدِّدهم في الأقوال والأعمال، وأن ينصر جنودنا المقاتلين، وأن يربط على قلوبهم، ويثبِّتَ أقدامهم، وأن يجزي رجال أمننا خيرًا على ما يبذلونه من حفظ أمننا، وتأمين حياتنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91354 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87195 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف