المذيع: أهلا بكم مستمعينا الكرام عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة".
الأوقاف الخيرية من الأعمال الجليلة التي حثَّ عليها الإسلام فتسابق إليها المحسنون من أصحاب الأيادي البيضاء تحقيقًا وترجمة عملية لمفهوم التراحم والتوادِّ بين المسلمين.
حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة وقفات حول الأوقاف مع ضيفنا، وضيفكم الشيخ الدكتور خالد المصلح.
الشيخ خالد حياكم الله، ولو في البداية نتحدث عن أبرز هذه الوقفات مع الأوقاف، لكن قبل أن ندلف إلى هذا الموضوع المهم لعلنا في البداية نعرِّف بهذه الأوقاف ما معناها؟ وما المقصود منها؟ وكيف يعني هي الأوقاف من ناحية التشريع الإسلامي؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك يا أخ عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات والمستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يجعله لقاء نافعا مباركا.
هذه الدنيا مزرعة، وهي محل ابتلاء واختبار حقيقتها ما أخطر به العزيز الغفار -جل في علاه- في قوله في محكم التنزيل: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾الملك:2، فالسباق وموضوع الابتلاء والاختبار في هذه الدنيا هو تجويد العمل، وإصابة أحسنه فكلنا إذا استشعرنا هذا المعنى أدركنا خيرا كثيرا، واشتغلنا بما ينفعنا في أُخرانا وفيما تصلح به دنيانا؛ لأن هذا السباق، وهو المسابقة إلى الله -عز وجل-، والمسارعة إليه بالصالحات والخيرات لا يعود نفعه فقط على الدار الآخرة، بل يبدأ في هذه الدنيا بما يدركه المؤمنون من طمأنينة القلب، وانشراحه، والأنس بالله -عز وجل-، وسائر ما يدركه الأبرار من نعيم قلوبهم، وصلاح أحوالهم، وولاية الله لهم، وما عند الله في الآخرة خير وأبقى فهذه المقدمة، والمنتهى عند الله -عز وجل- بجنة عرضها السموات والأرض، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا إياها، وأن يرزقنا الاشتغال بأسبابها في هذه الدنيا.
الوقف، حقيقة الوقف يا أخي عبد الله تُفسِّر منظور الشريعة والدين لهذه الدنيا، بل تفسِّر منظور الإنسان ليس فقط للدنيا، للحياة كلها، لكل مراحل حياته وأطباقه، المؤمن لا تنتهي أعماله، ولا تنقضي غاياته وهمومه في أمر معاشه ودنياه؛ لأنه يعلم أن الدار التي يعيشها، الحياة الدنيا هي إحدى الدور التي سَيَلِجُها وسيكون فيها هي مقدمة، وليست النهاية وبالتالي تجد المؤمن لا ينظر إلى الحياة الدنيا على أنها مرحلة يستنفذ فيها كل طاقتِه في ما يشتهي ويحب، ومن بعد ذلك تنتهي الآمال، وتنقضي كل الترتيبات والتخطيطات، بل المؤمن ينفذ ببصره من دنياه إلى آخرته، فبصره نافذ إلى الدار الآخرة، ليس مقصورًا على معاشه وحياته، بل إنه ينظر إلى ما وراء هذا المعاش، إلى ما وراء هذه الدنيا، فيشتغل بكل ما تصلح به حاله وتستقيم به أعماله ويسعد به عند لقاء ربه، ولهذا أمر الله -جلَّ وعلا- أهل الإيمان بأن يقدِّموا لأنفسهم، وهذا التقديم هو أشبه ما يكون بالتوطئة لما يكون في الآخرة، بل هو كذلك هو توطئة لما يكون في الآخرة.
الله -جلَّ وعلا- يقول -سبحانه وبحمده- يقول -جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾يس:12 فكل عامل في هذه الدنيا هو يُقدِّم، وأمرنا الله تعالى بأن نقدِّم لأنفسنا قال جلَّ وعلا: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾البقرة:223 ثم يقول..
انتبه يا أخ عبد الله، انتبه أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة، في سياق الاستمتاع في الشهوة التي تُعمي كثيرًا من الناس، يأتي التنبيه إلى عدم الغرق والاستيعاب لملذات الدنيا بحيث يغفل عن الآخرة، يقول الله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾البقرة:223، وهذه الشهوة الفطرية التي يقضي الإنسان بها وطره رجلا أو امرأة، ثم يقول: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ﴾البقرة:223 أي ضعوا بين أعينكم وأنتم تأخذون نصيبكم من متع الدنيا أن ثمة دارًا ستذهبون إليها، فقدموا لها، لا تغرقوا بشهواتكم وملذاتكم وما يكون من مُتَع حتى المتع الحلال لا تغرقوا بها، وتستوعب قلوبكم وأفكاركم وطاقاتكم حتى تغفلوا عما يكون بين أيديكم من خيرات، ومن دار تحتاجون أن تستعدِّوا لها، والله تعالى يقول: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾البقرة:110 لن يضيع شيء مهما دقَّ وقلَّ ومهما صغر، وكان شأنه عند الإنسان قليلًا، فهو عند الله لا يضيع، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾الزلزلة:7، 8.
هذا المفهوم يفسر لنا الوقف الذي هو عبارة عن تقديمٌ للنفس، وتخطيط لمصادر كيف تكون بعد الموت؟ فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله كما يقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بل كما قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾المدثر:38.
فإنه إذا مات ارتهن بعمله أي حُبس على عمله، وكان مقيَّدًا بما قدَّم إن كان من خير فخير، وإن كان غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه، لكن المؤمن يسعى إلى أن يمتد عمله إلى ما بعد موته بتلك الأعمال التي تُدِرُّ عليه كسبًا، وتعود عليه بمنافع ومصالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى- عنه: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث» ثم ذكر صلى الله عليه وسلم «علم يُنتفع به، وصدقة جارية، وولدٍ صالح يدعو له».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1631/14]
فالصدقة الجارية هي أحد أوجه وصل العمل بعد الموت، يا إخواني وأخواتي نحن في هذه الحياة نعمل ثم إذا متنا، وكلنا إلى هذا المصير صائرون، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾آل عمران:185.
إذا صرنا إلى هذا المآل انقطع العمل ما في مجال أنك تستزيد من الصالحات بنفسك، إلا أن تكون قد قدَّمْت لنفسك ما يعود عليك بالبر والخير في موتك، وبعد رحيلك «إذا مات ابن آدم انقطع عمله» توقف «إلا من ثلاث» يعني إلا من ثلاثة أبواب، من ثلاث خصال، وثلاثة أبواب يجري عليه بها خير «صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وإذا تأملت في هذه الأمور الثلاثة وجدت أنها صلة عمل، يعني مقدمتها عمل بها الإنسان ليست شيئًا حادثًا، لا صلة للإنسان به.
فالصدقة الجارية هي ما كان من عمل الإنسان بما يقدمه من الأوقاف، والأعمال الصالحة التي تمتدُّ منافعها، وتجري أجورها ولا تنقضي، يعني على سبيل المثال أنت عندما تعطي عطشانًا كأس ماء يشربه، وأنت مأجور على هذا، ولك الفضل والأجر عند الله -عز وجل- على هذه الصدقة إذا كانت صدقة أجرها انحسم، وانقضى بتقديمها للعطشان الذي يشربه، إذا حفرت بئرًا أو أوقفت عينًا أو جعلت مصدرًا للماء من تَحلِيَة أو من برَّادات أو ما أشبه ذلك هذا سيمتد الأجر، لن ينتهي الأجر عند بَذْلِك للمال في تجهيز هذه الأمور، بل كل نفع ينتج عن هذه الأعمال هو من الأجر العائد إليك.
هذا الفرق بين الصدقة الجارية والصدقة المنقطعة، الصدقة المنقطعة ينتهي أجرها، وينقضي فضلها وخيرها من حيث الثواب ببذلها وإخراجها من يدك، أما الصدقة الجارية فهي دائمة النفع ما دامت العين التي تصدقت بها تعود بخير، وتعكس فضلا وإحسانًا على الخلق، هذا الفرق بين الصدقة الجارية وغيرها.
ومما يندرج في الصدقة الجارية الأوقاف إذ إن الأوقاف حقيقتها، وهنا نأتي على ما تفضلت به من سؤال ما هي الأوقاف؟ الأوقاف: جمع وقف، والوقف هو ما يتصدَّق بعينه الإنسان مما يجري نفعه بعد الموت، بل ما يجري نفعه في الحياة وبعد الموت، ويعبر عنه الفقهاء بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.
هذا الاختصار في التعريف يبين أن الوقف عينٌ محبوسة مثل أن توقف هذه الأرض للفقراء، أن توقف هذه المبنى للأيتام، أن توقف هذه المحطة لدعم الأعمال الصحية في البلد، أن توقف مستشفى مكتمل بتجهيزاته أو بعض تجهيزاته، وتقول هذه وقف، وهذا موجود وقائم، وهي من الأمثلة الموجودة في الفقه الإسلامي القديم والحديث.
يعني على سبيل المثال تجهيز بعض غُرف العناية المركزة، تجهيز الأَسِرَّة للغسيل الكُلوي على سبيل المثال.
المذيع: أو إمدادها ببعض الأجهزة مثلا.
الشيخ: أو التبرع ببعض الأجهزة، وجعل نفعِها للمرضى، أو ما أشبه، هذه كلها من الأوقاف، وأجرها لا ينتهي وينقضي بالمال الذي دفعته، كل من انتفع من هذه الغرفة أو كل من انتفع من هذا الجهاز، كل من انتفع من هذه العين هو من الصدقة الذي لا يضيع أجرها.
إذًا الوقف هو عين تُحبس لها نفع، نفعها لله -عز وجل-، والوقف نقلٌ للملك منك إلى رب العالمين.
طبعًا يا أخي الكريم عندما نقول نقل للملك منك إلى رب العالمين نحن نقصد أن يرتفع مِلكك لهذه العين فلا تتمكَّن فيها من بيع ولا هبة، ولا تدخل في الميراث، ولا غير ذلك من التصرفات في سعر الملك، وإلا فكلنا ملك لله -عز وجل-، فالله مالك كل شيء -سبحانه وبحمده-.
المذيع: سبحانه وتعالى.
الشيخ: إذا خلاصة الكلام فيما يتعلق بتعريف الوقف أن الوقف حبس لعين، وحبس لمنفعتها بحيث تبقى المنفعة مبذولة لكل من استحقَّ الوقف، أو لكل من شَمِله نصُّ الوقف نعم.
المذيع: جميل. إذًا مستمعينا الكرام نحن متواصلون معكم عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وموضوعنا في هذه الحلقة هو "وقفات مع الأوقاف" مع ضيفنا الدائم في هذا البرنامج الشيخ الدكتور خالد المصلح.
أرقام التواصل لمن أراد أن يتواصل معنا في هذه الحلقة مستمعينا الكرام للاتصال على الرقم 012647717، 0126493028، وكذلك عبر الرسائل النصية عبر الواتس آب على الرقم 0582824040.
كما يمكنكم مستمعينا الكرام طرح ما لديكم من أسئلة واستفسارات أو مداخلات على حسابنا في تويتر، أو عبر الهاشتاج المخصصة والوسم المخصص لهذا البرنامج "الدين والحياة" على تويتر، نحن متواصلون معكم مستمعينا الكرام، وحديثنا أيضًا مستمر ومتواصل حول هذا الموضوع المهم عن الأوقاف، ومواقف أو وقفات حول هذه الأوقاف.
فعلا كل منا بحاجة إلى أن يتبصَّر، وأن يعرف ما هي أحكام هذه الأوقاف وربما أيضًا من خلال هذه الحلقة تكون هناك فرصة لحثِّ كل الناس القادرين المستطيعين على بذل ما يمكنهم أن يقدموه لهذه الأوقاف، يقدموه بالأحرى لأنفسهم قبل أن يكون لغيرهم؛ لأن هذا المال أو هذه المنفعة التي تُسبَل، وتتدخر عند الله -عز وجل- هي يقدمها المسلم لنفسه حتى تنفعه بعد موته كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وذكر منها: «صدقة جارية»، وهي ربما من الصدقات الجارية هذه الأوقاف.
مستمعونا! مستمرون معكم مع ضيفنا الشيخ دكتور خالد مصلح.
شيخ خالد إلى أن تجهز معنا اتصالات المستمعين الكرام لعلنا أيضًا ربما بشكل موجَز نُجمِل بعضًا من صور هذه الأوقاف لمن أراد أن يتوسَّع في هذا الأمر، أو أن يطلع على بعض الصور التي يمكن من خلالها من خلال هذا الأمر أن يعني يُسهم ولو بشيء قليل في هذا الجانب.
الشيخ: الأوقاف أخي الكريم هي من أعمال البر، وهي في الجملة تنقسم إلى قسمين:
أوقاف عامة أي على جهات عامة، وأوقاف على جهات خاصة.
مثال الأوقاف التي على الجهات العامة كأن يوقف على حفظة كتاب الله، على حِلَق القرآن، أن يوقف على الفقراء، أن يوقف على الأيتام، أن يوقف على مرضى، المرضى عموما يعني يتبرع بمبنى مثلا ويقول: ريع هذا المبنى إذا أُجِّر أو ما ينتج عنه من فوائد يكون للفقراء، أو حتى بسكن مثلا إيواء طلبة العلم الذين لا يجدون مأوى، إيواء الفقراء الذين لا يجدون مسكنًا، هذا فيما إذا كان له عوائد، هذا النوع الأول من أنواع الأوقاف، وهو الوقف على جهة عامة، والجهة العامة هنا تشمل كلَّ أوجه البر التي يتقرب لله تعالى بها.
وإذا نظرنا في الفقه الإسلامي وكلام العلماء في جهات الوقف نجد أن الوقف في الشريعة الإسلامية وقف واسع لا يختص بجهة، ولا بشخص ولا بباب من أبواب الخير ،بل يقولون في الوقف من شروط الوقف أي إذا كان عامًّا أن يكون على برٍّ أي على جهة عامة مما يُتقرَّب إلى الله تعالى ببذل المال فيها، ويمثلون لذلك بالمساجد، المساجد أوقاف، يمثلون لذلك مثلا بالطرق العامة، والجسور، والمساكين، وكتب العلم، وسائر ما يكون من هذه المعاني التي هي من جهات البر الواسعة التي يُتقرَّب فيها إلى الله -جلَّ وعلا- ببذل المال فيها، بسد حاجة النفس، يعني ثمة فيما يتعلق بتاريخ الأوقاف، يعني الأوقاف أحيانًا يستغرب منها الإنسان في بعض الجهات التي كان الناس مُوقِفون عليها، يعني مثلا الوقف على الحيوان، الوقف على من لا يجد مسكنًا، الوقف على بعض أنواع الإعاقة التي تصيب الناس كالوقف على العِميان، الوقف على كبار السن، الوقف على من رغب في الزواج، يعني تجد أن الوقف إذا كان على جهة عامَّة لا ينحصر في باب، بل يشمل كلَّ أبواب البر، كل أوجه الخير التي يتقرب في بذل المال فيها إلى الله -جلَّ وعلا- كلها مما يندرج في الوقف، هذا الوقف إذا كان على جهة عامة شرطه الوحيد أن يوقف على برٍّ فإذا كان على غير برٍّ فإنه لا أجر فيه ولا يصح الوقف فيه، مثل الذي يوقف مثلا على عمل محرَّم من المحرمات، أو على لهوٍ لا نفع فيه ولا خير للناس، أو على ما فيه مضرَّة، ففي هذه الحال كل هذه الأوقاف غير ناجزة، وغير مقبولة، وليست نافذة، إنما يشترط في الأوقاف العامة التي يكون فيها الوقف على جهة ليست خاصة، لا لشخص، ولا لوصف يكون الوقف فيها بعموم للعموم، ويشترط فيها أن يكون على برٍّ، هذا القسم الأول، أما إذا كان الوقف خاصًّا فالوقف الخاص يصح على كل من يصح الوقف عليه من إنسان أو حتى حيوان، ومثاله أن يوقف على ولده مثلا أن يوقف على فلان من الناس يكون هذا الوقف عائدًا إليه طبعا لما يكون الوقف على فلان لا يقصد بذلك أنه يملكه إنما يملك الانتفاع به، أو يملك ما ينتج عنه من رعي، أما الوقف نفسه فإنه لا يملك، بل هو لله -عز وجل-، فلا يجري فيه ملك معين، فإذا أوقف مثلا هذا على
إنسان، أوقف على إمام المسجد مثلا، أو أوقف على العالِم الفلاني، أو أوقف مثلا على أهل الطبِّ، أو على أهل الهندسة في خدمة مجال من مجالات النفع العام للمسلمين؛ لأن هذا لا يعني أنهم يُملِّكون هؤلاء لا يُملِّكون شخصا كانوا أو جهة، إنما ينتفعون ويعود منافع ما أوقفوا إلى هذه الجهات أو أولئك الأشخاص الذين سمَّوا في الوقف.
المذيع: جميل.
الشيخ: هذا ما يتصل بنوعي الوقف، طبعًا هناك جملة الوقف الخاص الوقف الذُّرِّي الذي يسميه العلماء الوقف على الذرية.
المذيع: نعم.
الشيخ: وهو أن يوقف مثلا بيتًا على أولاده وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا وما إلى ذلك من صيغ الأوقاف الذُّرِّية التي يقصد بها نفع الذرية بعد الموت.
المذيع: جميل. شكر الله لكم نحن نتواصل مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة في برنامج "الدين والحياة" موضوعنا عن "وقفات حول الأوقاف"، مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أرقام التواصل 0126477117، 0126493028، وعبر الواتس آب: 0582824040، وعبر الوسم في تويتر الدين والحياة.
نأخذ أول اتصال من المستمع محمد بن مسعود اتفضل يا محمد.
المتصل: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل: زادكم الله فضلا وإحسانا وتوفيقا.
المذيع: وإياكم اتفضل.
المتصل: أقول بالنسبة للوقف أول شيء أحب الشيخ -جزاه الله خيرًا- لو يعلق على حديث الذي هو: «سَبعة يجري ثوابُها عن الميِّت»[سيأتي الكلام عليه قريبا] هذا الحديث، وأيضا ورد برضه عن الصحابة أنه ما كان أحد منهم يستطيع وقفًا إلا أوقفه، والأمر الآخر الذي هو الأوقاف مو شرط مثلا أوقف شيء كامل، مسجد كامل، أو شيء كامل، لا، في أَسهُم ممكن أُساهم بأَسْهُم، وأيضًا إذا كان هنا مثلا الأوقاف غالية أو كذا في حقيقة مكاتب خيرية جمعيات، وكذا ممكن أوقف خارج بلدي، يا أخي يكون أرخص يكون مثلا بئرًا كاملًا أو مسجدًا أو إلى آخره، وجزاكم الله خيرا.
المذيع: شكرا لك، وإياك أخي محمد، شكرا لك.
الاتصال الثاني من عبد الله الخالدي اتفضل يا عبد الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: سلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: كيف حالك أخ عبد الله؟
المذيع: أهلا وسهلا حياك الله أخ عبد الله.
المتصل: كيف حالك شيخ؟ أحبك في الله.
الشيخ: أحبك الله الذي أحببتني فيه.
المتصل: أتكلم عن نقطتين هامتين جدًّا:
النقطة الأولى: أهمية الوقف في الحفاظ على الهوية الإسلامية، نعلم جميعًا أن هناك هجمات على الإسلام من بدء الإسلام إلى عصرنا هذا، ويحاولون اجتثاث الإسلام بشكل كامل، ولكن دور الأوقاف في الحفاظ على الهوية الإسلامية نجد أن الأوقاف تساعد في بناء المساجد، وفي بناء المدارس نجد يعني كما نعلم هجوم المغول أثَّرت بشكل كبير على الإسلام، الكتب صودرت ورُميت في الأنهار، وقُتل الكثير من الناس، وأَنقذ المسلمين الأوقاف الموجودةَ ساهَمت بشكل كبير كما حصل من هجوم الكنيسة على الإسلام، تحاول اقتلاع الإسلام، والحمد لله هناك أوقاف كثيرة في ذلك البلد، بدأت بشكل كبير، ونجد الإسلام كما هو -ما شاء الله- في تركيا كذلك الاستعمار في الدول أيضًا أغار على الإسلام، وساهمت الأوقاف بشكل كبير في عودة الإسلام كما كان.
النقطة الثانية: التي أريد أن أتحدث عنها هناك بعض الناس لهم أفكار يعملون على نشر الدعوة إلى الله في بعض البلاد، إذا انتقل إلى -رحمة الله- انتهى وانتهى عمله، فكثيرٌ ممن أعرفهم أوقفوا أوقافًا لعملهم هذا، هم يعملون لأجل الله، ويريدون ألا ينقطع عملهم هذا، وجدوا لذَّته فأوقفوا، ولازال عملهم للآن على سبيل المثال الشيخ عبد الرحمن السميط -غفر له الله- لا زال عمله إلى الآن ما شاء الله تبارك الله ويزيد شاكر لكم، وبارك الله فيكم.
المذيع: شكرا لك أخ عبد الله، شيخ خالد لعل الحديث الأول يقول أو السؤال الأول الأخ محمد يسأل عن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «سبعة يجري ثوابها عن الميت» إذا كان بإمكانك التعليق حول هذا الحديث.
الشيخ: الأخ الكريم الحديث الذي ذكرناه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث»[تقدم] بيِّنٌ واضحٌ في تحقيق مشروعية الوقف، وثوابه، أما الذي يسأل عنه الأخ فهو حديث في إسناده مَقال من حديث أنس «سبعة يجري للعبد أجرهن من بعد موته وهو في قبره؛ مَن علِم علمًا أو كَرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدًا، أو وَرَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»[أخرجه البيهقي في الشعب:ح3175. وضعفه، وضعفه الهيثمي في المجمع:ح769] هذا الحديث إسناده ضعيف، بل هو من الأحاديث الضعيفة جدًّا لكن معناه مما دل عليه الحديث فهذه الأبواب التي ذكرها الحديث من علم ينتفع به مَن علَّم علما هو المقصود فيه قوله :«علم ينتفع به»، وبقية الأشياء: كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نهرا، أو بنى مسجدا، أو وَرَّث مصحفا هذا كله من الصدقة الجارية، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «أو ولد صالح يدعو له»، المقصود أنه في غنى عن هذا الحديث الضعيف بما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتَ ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، وعلمٍ يُنتَفع به، وولد صالح يدعوا له».
المذيع: أشار أيضا إلى أن الصحابة كلهم، وكل من استطاع منهم أن يوقِف، من كان له إسهام في الوقف بما يستطيع.
الشيخ: طبعًا هذا مما يدل عل أهمية الوقف أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- قلَّ أن يكون فيهم من له جِدة وقدرة إلا وأوقف، فأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- كان له وقف، وعمر -رضي الله تعالى عنه- أصاب مالا في خيبر فاستنصح النبي -صلى الله عليه وسلم -أين يضعه؟ فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحبس أصله، وأن يسبل منفعته، وهذا من الأدلة على فضيلة الوقف أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به عمر -رضي الله تعالى عنه- في أَنْفَسِ مالٍ أصابه، وهذا يدل على أن الوقف من الأبواب العظيمة التي ينبغي للمؤمن أن يحرِص على عِمارة الخير، وأن يضرب فيها بسهم، وأن لا يفرط في هذا الباب؛ لأنه لما أصاب عمر رضي الله تعالى عنه هذا المال جاء قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أُصِب مالًا أَنْفَس منه فبم تأمرني؟ فقال: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ »[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2737]، وهذاالحديث أصل في مشروعية الوقف بتوجيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل حتى لما نزل قول الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران:92، والحديث في الصحيح من حديث أنس كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار مالا من نخل، وكان أحبَّ مالٍ إليه بُستان فما يسمى بيروحاء، وكان قبال المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخله ويشرب من ماء فيه طيب، فقال أنس لما نزلت هذه الأية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران:92 جاء أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران:92، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيروحاء، وإنها صدقة أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بخٍ ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت، وإني أرى -هكذا النبي صلى الله عليه وسلم يوجِّه أبا طلحة- أن تجعلها في الأَقربين»، ففعل أبو طلحة فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبين بني عمه[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1461]، إما قسمة تمليك، وإما قسمة منفعة إن كان قد أوقفها، والمقصود أن الإنسان إذا أراد أن يُبقي عملا يمتد، يبقي عملا له بعد موته فليضرب بسهم في الوقف في أَنْفَس ماله، وليس في أطراف ماله، فبعض الناس يجي لأماكن ميِّتة مثلا عنده عقار في مكان ميِّت، عنده عقار كاسدٌ، عنده شيء من هذا القبيل، فيقول: هذا وقف لله، إن شاء الله هو على خير، ولكن كما قال الله -جلَّ وعلا-: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران:92، وبقدر ما يكون المال عزيزًا على صاحبه فيخرجه لله -عز وجل -ينال الأجر لهذا لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عمر لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أصبت أرضًا لم أصب مالا قط أنفس منه يعني جاء يريد أن يتصدق بأنفس وأفضل ما كسبه طوال عمره فكيف تأمرني به. قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها».[تقدم]
لذلك أنا أوصي إخواني الذين وسع الله تعالى عليهم، بل أوصي الجميع سواء ممن وسع الله تعالى عليه أو ممن أموره متوسطة، ليس عنده سعة، الآن الأوقاف تحصل بإيقاف أموال أعيان تامة أو حتى مشاركة الوقف، فإن مشاركة الوقف يدخل فيها الأجر والثواب، دليل ذلك ما في الصحيحين من حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح450]، العلماء قالوا في هذا الحديث: من بنى مسجدًا يشمل من بنى مسجدًا مستقلًّا، ومن شارك في بناء مسجد بترميمه أو تكميله إذا كان ناقصًا، ويشمل أيضًا من ساهم في بناء المسجد ولو كان بجزء قليل، دليل ذلك الرواية الأخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجدا ولو كَمِفحَص قطاة»[تقدم] مفحص قطاة يعني الموضع الذي تضع في القطاة( نوع من الطير) تضع فيه بيضها لتحفظه، هذا القدر بالتأكيد لا يمكن أن يُصلَّى فيه، ولا يتَّسع لسجود ولا لعبادة، لكن المقصود أنه مهما كان الوقت قليلا، مهما كان البذل في عين صاحبه ليس بكبير إلا أنه يقع عند الله تعالى موقعًا: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾لقمان:16 فأنا أقول يا إخواني ويا أخواتي يعني الأوقاف من أبواب الخير التي ينبغي أن نُقبِل عليها، وأن نجتهد في بذل الأموال فيها، ونحتسب الأجر عند الله تعالى فيها، وهي مما يكون لنا فيه النفع في الدنيا وفي الآخرة، وأُنبِّه إلى أنه ما دام الإنسان يستطيع أن يوقف في حياته فلا يؤجِّل إلى ما بعد موته يعني بعض الناس لا يبادر إلى هذا العمل.
المذيع: يوصي.
الشيخ: بناء على أنه والله أنا إذا مِتُّ أتصدَّق، وهذا خير، والوصية من أوجه البرِّ لكن لا شك أن أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صَحيح شحيح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ينبغي أن يبادر الإنسان إلى البذل في حياته، ولا يمهل حتى إذا مات قال، كذا، هذا لكذا، وهذا لكذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا قال: «أن تصدق، وأنت صحيح» يعني في بدنك «شحيح» يعني ممسك« تخشى الفقر وتأمل الغنى» يعني ما زال فيك قوة وحضور ونشاط وتخاف أنك تفتقر، وتأمل أن تزيد أموالك، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم يعني لا تؤخِّر الصدقة «حتى إذا حضر الموت قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» خلاص الآن كان المال لمن؟ لغيرك، فزهدت به، إنما السبق والفضل في أن تُخرج المال وأنت قادر عليه، وأنت قادر في بدنك صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر.
المذيع: نتواصل معكم مستمعينا الكرام في برنامج "الدين والحياة" وحديثنا "وقفات مع الأوقاف" نأخذ اتصالًا من عبد العزيز الشريف، اتفضل يا عبد العزيز، واعذرنا على الإطالة.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المذيع: السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل: حياكم الله يا أستاذ عبد الله
المذيع: حياك الله يا أخ عبد العزيز
المتصل: أحييك، وأحيي فضيلة الشيخ، بالنسبة -بارك الله فيك- الأوقاف تحتاج إلى ناظر، أنا آمل من الشيخ أن يوجِّه نصيحة للناظرين في أن يتقوا الله -عز وجل- في الأوقاف، أمانة ومطلب ضروري، بعض النظَّار للأسف تجده يتصرف في الأوقاف بدون مسؤولية، يفكر أنه ما دام أنه ناظر خلاص يتصرف كيفما شاء، نصيحة للناظرين.
السؤال الثاني: إذا قال الواقف أوقفته في أعمال البر، كلمة أعمال البر هذه ماذا يقصد بها؟ هل إذا جعلها في مكان واحد يجوز له ذلك؟
السؤال الثالث: بعض أئمة المساجد يكون عندهم بعض المصاحف المقطعة، البرَّادات الخربانة أو المتعطلة، هل لإمام المسجد أن يتصرَّف في هذه الأمور من تلقاء وجهه؟ أم لا بد أن يرفع ذلك للجهة المسؤولة؟ بحيث أنه إمام هل له أن يتصرف في ذلك؟ وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرا لك، وإياك، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ماجد الحربي اتفضل يا ماجد.
المتصل: سلام عليكم
المذيع: سلام ورحمة الله
المتصل: الله يرضى عليكم إن شاء الله
المذيع: وعليك
المتصل: أقولك: بس ودي أستفسر هل في الإمكان يعني إذا أوقفتُ أن أتراجع عن الوقف بعد سنة أو سنتين؟
المذيع: طيب تسمع إجابة الشيخ
المتصل: وكذلك يعني هل الوقف يكون له مثلا أقدر أُحدِّد مدة مُعيَّنة للوقف؟
المذيع :شكرا جزيلا لك ماجد. طيب الشيخ خالد قبل أن كان عندنا لعل عندنا مداخلة إن شاء الله مع الأستاذ زهير ناصر، وهو أيضا مسؤول الأوقاف أو نظراء الأوقاف، وقيام الدورات لنظراء الأوقاف، وهي فعلا بادرة جميلة جدًّا، لعلنا نستمع إليها لكن كان هناك يعني سؤال للأخ عبد الله الخالدي كان يسأل عن مسألة دور الأوقاف في الحفاظ على الهوية الإسلامية؟ يا شيخ لو في يعني دقيقة تعطينا لمحة.
الشيخ: بالتأكيد يعني أنا أقول يعني نحن نحتاج إلى الحديث عن جهات الوقف فيما يوقف الإنسان المال الذي تخرجه سواء صدقة أو وصية أو وقف في شيء.
المذيع: نعم تفضل يا شيخ.
الشيخ: المال الذي تخرجه في هذه الجهات الخيرية على شتى أنواعها: صدقة.. وصية.. وقف..زكاة، ينبغي للإنسان أن يبحث عن أفضل أوجه الإنفاق من حيث النفع الذي يترتب عليه الأجر، يعني ليس الشأن أنك والله بس تتصدق وخلصنا أو توصي.
المذيع: أو تقول أفعال الخير أو البر أو أعمال البر.
الشيخ: أو توقف وفقط، لا بد يعني لمن يريد الفضل والأجر والسبق أن يبحث عن أفضل أوجه الاستثمار والتجارة مع الله -عز وجل- وكل التجارة مع الله رابحة، ليس ثمة متاجر مع الله -عز وجل- إلا وهو رابح، لكن هناك تفاوت في الربح بالنظر إلى ما يترتب على هناك عدد من الأسباب لتفاوت الربح، لكن من أهمها هو النفع المترتب على هذه الصدقة، يعني عندما ننظر الآن إلى المجتمع، وننظر إلى المجتمع مثلا هناك من يبني مساجد، المساجد غير مغفول عنها، هناك من يكفل الأيتام، هناك من يُطعم الفقراء، لكن عندنا مثلا رعاية المرضى فيها نقص، عندنا مثلا تجهيز المستشفيات فيه نقص، عندنا مثلا كفالة طلبة العلم والتعليم الشرعي، وإيجاد محاضن شرعية علمية للراغبين في التعلم، وكفايتهم فيها نقص، عندنا كذا وكذا من أبواب البر التي فيها شُحٌّ وغفلة، أنا أبحث عن أطيب هذه الأبواب، وأكثرها نفعا، وأعلاهاجزاء؛ رجاء الأجر والثواب.
المذيع: طبعًا الأخ عبد الله كان أشار إلى مسألة يعني كيف يمكن أو كيف أَسهَمَ الوقف في الحفاظ على الهوية الإسلامية؟ وفيما يتعلق ببناء المساجد والمدارس يعني كان المسلمون الأوائل كان لهم باع كبير في هذا الجانب، ولعل أيضا سؤاله التاني يتداخل مع السؤال الأول حول يعني مسألة أن يكون هناك ضمان لاستمرارية العمل الخيري إذا ما أوقف الإنسان شيئًا يجعل من العمل الخيري أمرًا مستمرًّا ودائمًا، كون العمل المؤسَّسي هو أدعى للاستمرار من غيره من الأعمال، يعني قبل أن نعلِّق على هذه النقطة الشيخ أستأذنك في مداخلة من الأستاذ زهير عبد الرحمن الناصر المشرف على برنامج تأهيل نظار الأوقاف حياك الله أستاذ زهير مرحبا بك.
طبعًا كان هناك سؤال لأحد الإخوة المتصلين ومستمعين البرنامج يعني كان تحدث عن مسألة نظَّار الأوقاف، وطلب من فضيلة الشيخ خالد المصلح وصية، لكن أسألك عن هذا المجال وأنتم يعني تقيمون الآن دورة لتأهيل نظار الأوقاف، باختصار تعطينا لمحة يا أستاذ زهير.
أستاذ زهير: حياكم الله طيب أول شيء نحي الدكتور خالد مصلح، وأول مرة أخوض لقاء، والدكتور خالد مصلح معنا على الهواء مباشرة، نسأل الله التوفيق للجميع.
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
بفضل الله -عز وجل- في الفترة الأخيرة العشر سنوات الأخيرة مفهوم الأوقاف تغيَّر عن السابق، مفهوم الأوقاف في جدة كان فقط أربطة ومساجد في مكة، كان أربطة ومساجد وخدمات حُجَّاج وأفواج الحجاج في منطقة نجد وشرقها، كان فقط في موضوع المساجد وبعض البساتين، أما الآن اختلف توسَّع كثيرًا جدًّا مفهوم الأوقاف بفضل الله -عز وجل- ونعمته.
هذا واحد: الأمر الثاني: كانت النظارة في السابق تؤخذ بالوراثة أما الآن مع علم الإدارة الحديث، ومن تقدم التطوير والاستثمار وإلا كانت الأوقاف محصورة في بساتين ومباني، الآن محاضر استثمارية ومؤن منقولة وعقارات وبَيع وشراء، تقريبًا أفسحت مجالًا كبيرًا جدًّا لزيادة الموارد المالية للأوقاف دون دخول في قضايا فيها مخاطرة على الوقف.
في السابق كان -الله يحفظك- زمان أيام الدولة الاسلامية في السابق، كانت الدولة فقط تهتم بثلاثة أمور تقريبًا: تعيين القضاة، وحراسة الثغور، والأمن الداخلي الحسبة، أما بناء المساجد ودور التعليم والمستشفيات وتعبيد الطرق والاستراحات هذا كله كانت وقفًا على أهل الخير، هم يقوموا بهذه الأمور لخدمة الآخرين وابتغاء الأجر من الله -عز وجل-، بفضل الله -عز وجل- أن بدأ الحراك وبدأ الفكر يعود لموضوع الأوقاف، ونحن يعني الأوقاف أصلا عندنا والمستشرقون هم أخذوا فكرة الأوقاف التي يسموها(thrift)، ونقلوها إلى الغرب، وعملوها باحترافية تامة، الآن بفضل الله -عز وجل- كثير من الأكاديميين وبدأ الشرعيون والأكاديميون يخوضون في هذه المواضيع بصيغ وثائق الوصفية، والأنظمة الوصفية، ولوائح باحترافية تامة بِحَوكَمَة مما يجعل الوقف أكثر قوة وأبعد عن المخاطرة، ولا تدخل في إشكالات، يعني حدَّ الكثير من الإشكالات الترافعات والدعاوى والمشاكل والتعديات عليها.
المذيع: في دقيقة تعطيني الدورة التي تقيمونها لنظار الأوقاف، وما هي الآثار المتوقَّعة من خلال هذه الدورة.
أستاذ زهير: الله يجزيك خير أهداف البرنامج عندنا خمس أهداف مبسطة: تدريب النظار المؤهلين لدائرة الأوقاف، إعداد كوادر متخصصة لإدارة تطوير واستثمار الأوقاف، إعداد الصيغ الوقفية بما يتلاءم مع الاحتياجات المجتمعية، التعرف على مراحل إثبات الوقف، وتحويل الإدارة العشوائية للأوقاف إلى نظام مؤسسي قائم على التخطيط والدراسة العلمية والتقنية الحديثة.
المذيع: نسأل الله لكم التوفيق أستاذ زهير عبد الرحمن ناصر المشرف على برنامج تأهيل نظار الأوقاف، شكرا جزيلا لكم أستاذ زهير، نتواصل معكم ومع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح في برنامج "الدين والحياة"، حديثنا متواصل مستمر حول وقفات مع الأوقاف.
الآن الأستاذ زهير شيخ خالد يعني أشار إلى نقاط مهمة جدًّا لكن نعود إلى سؤال الأخ عبد العزيز كان يطلب وصية للناظرين وخاصة فيما يتعلق بمراعاة الأمانة في هذه الأوقاف.
الشيخ: فيما يتعلق بالأوقاف لها عدة جوانب، والحقيقة الحديث عنها حديث متشعِّب لكونها تتطرق إلى أكثر من جانب، لكن بما أن الدكتور الفاضل والأخ الكريم تكلم عن التنظيمات المتعلِّقة بالوقف في العام الماضي في أول سنة 1437 صدر مرسوم ملكي من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ووفقه بكل خير- يتعلق بنظام الهيئة العامة للأوقاف، وهذا النظام نظام مكتمل، وفيه من المواد التي ترعى هذه الشريعة وهذه العبادة وتنظِّمها وتحدُّ من أوجه الفوضى التي تعتري هذا الجانب فثمة تنظيم مكتمل فيما يتعلق بهذا الجانب تحت الهيئة العامة للأوقاف، وهو نظام وهيئة قائمة، ولها نظام له بنود وله تفصيلات يمكن الرجوع إليها، لكن فيما يتعلق بجانب النظَّار النظارة أمانة بالتأكيد، والناظر مسؤول عن كل ما يكون من رعاية الوقف والقيام به، والناظر إما أن يكون من جهة الواقف أو يكون من جهة الحاكم القاضي الشرعي الذي يُنصِّب النظار، وفي كلا الصورتين الناظر مؤتَمن والناظر راعٍ وهو مسؤول عما ائتمن عليه، وما استرعاه الله تعالى عليه من حقوق المسلمين، سواء كان ذلك في حفظ الوقف، أو كان ذلك في تنميته، أو كان ذلك في جهة صرفه، فإن الخلل يأتي من واحدة من هذه الجهات.
ما يتعلق بالتنظيمات الجديدة التي فتحت مجالاتٍ للأوقاف في جوانب عدة خلافا للنمط التقليدي أو السائد في السابق من حصر الأوقاف في بعض الأبواب، لا، أقول
: الناظر في فقه الوقف الإسلامي يجد أن الوقف يعني لا تعجب إذا وجدت في الفقه الإسلامي ذكرًا للأوقاف على الحيوانات الضالة، وهذا شيء ما عرفه العالَم قبل حديث أهل العلم من أهل الإسلام عنه، بل ليس حديثا بل حديث وممارسة فثمة أوقاف في بلاد المسلمين للحيوانات الضالة، يعني الحيوان الضائع الذي ليس له من يرعاه، وثمة لو أردنا أن نستخلص ونستطلع الأبواب التي كانت تغطَّى حوائج الناس فيها، ومصالح الناس فيها من خلال الوقف لوجدنا عجبًا في هذا الجانب لمجالات تفطَّن لها أولئك وسدُّوا الحاجة من خلال الأوقاف.
المذيع: هذا يدل على ريادة المسلمين.
الشيخ: لذلك يعدُّ الوقف في الاقتصاد المعاصر رافدًا أساسًا من الروافد التي تُحقِّق المصالح العامة للمجتمع وتسدُّ حوائج قد لا تستطيع الدول والحكومات سدَّها.
المذيع: لو في نقاط بشكل سريع شيخ خالد لو نعلِّق على نقطة أيضًا ضمان استمرارية العمل الخيري بعد وفاة الشخص مثلا، ما تسهمه هذه الأوقاف في هذا الأمر.
الشيخ: هو ما في شك أن الوقف هو استمرار لعمل المسلم، ولذلك سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم صدقة جارية، ومعنى أنها جارية أي أنها مستمرة وممتدة، يا أخي الآن في جبل عمر ثمة مساهمون، أول المساهمين وقف عثمان بن عفان، من أوائل المساهمين في مشروع جبل عمر وقف الصحابي الجليل عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- يعني كم عثمان توفي؟ عثمان توفي رضي الله عنه وقتل شهيدا في الصدر الأول من الخلافة الإسلامية، ومن ذلك الزمان إلى يومنا هذا ألف وأربعمائة سنة تقريبًا والوقف يعود أجره وثوابه على صاحبه، فالوقف يجري نفعه وبرُّه على من بذله ومن احتسب الأجر عند الله فيه، وكلما كان أنفع كلما كان أبقى، كلما أتقنه الإنسان في ضبطه في حياته كان هذا مدعاة إلى أن يعظم نفعه بعد موته.
المذيع: نقطة أيضا حول مسألة التصرف في هذه الأوقاف بعض أئمة المساجد وغير ذلك جواز هذا الأمر من عدمه؟
الشيخ: يا أخي شوف المساجد لها إدارات وبالتالي ليس لأحد أن يتصرف من رأسه، لاسيما المساجد التي سُجِّلت عند الوزارة وزارة الشؤون الإسلامية تشرف عليها هذه تحت رعاية الأوقاف وبالتالي الأئمة والمؤذِّنون والقائمون على المسجد من جماعته ليس لهم التصرف في أوقاف المسجد بما يرونه إلا بمراجعة الجهة المختصة التي هي إدارة الأوقاف، سواء كان ذلك في الأجهزة الموجودة أو المصاحف أو الكتب وما إلى ذلك، فيراجعوا الجهات، وبالتأكيد إذا أوصلوا الفكرة واضحة في أن هذا استُغنِيَ عنه، وهذا يحتاج إلى استبدال، وهذا يحتاج إلى إصلاح، وغير ذلك أن الجهات القائمة ستبذل وسعها في تحقيق المطلوب وإدامة النفع.
المذيع: سؤالان يا شيخ في أقل من دقيقة، التراجع عن الوقف يجوز؟
الشيخ: لا، الوقف إخراج المال لله -عز وجل-، فهو انتقال من ملك الإنسان إلى الله -جل وعلا-، وبالتالي ليس له أن يرجع.
المذيع: طيب هل يمكن أن يكون محدَّدًا بوقت معيَّن، بزمن؟
الشيخ: يعني هو يمكن أن يحدَّد بزمن، ثم ينتقل إلى جهة برٍّ أخرى، مثلا أقول هذا وقف على طالب العلم الدارس في الجامعة مثلا، إذا تخرج من الجامعة خلص انتهى هو لا ينتفع منه لكن يأتي مكانه طالب علم آخر ينتفع به لقيام الوقف به، أو مثلا أقول هذا وقف على فلان من الناس وتوزيعه على الفقراء أو شخص آخر.
المذيع: بارك الله فيكم، ونفع الله بعلمكم دكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بالشريعة بجامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية للإفتاء في منطقة القصيم، شكرا جزيلا لكم، ونفع الله بكم وبعلمكم.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وأسأل الله رب العرش الكريم أن يستعملَنا وإياكم للصالحات، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأعمال الظاهرة والباطنة، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاتَنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يسدِّد جنودنا المرابطين ورجال أمننا الساعين الساهرين لحفظ أمننا إلى كل خير، وأن ينشر البرَّ في بلاد الإسلام، وأن ينجي إخواننا المستضعفين في سوريا واليمن وسائر البقاع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كما نقدم لكم الشكر الجزيل المستمعين الكرام على حسن استماعكم في هذه الحلقة، في ختمها تقبلوا تحياتي أنا عبد الله الداني، ومن تنفيذ على الهواء زميلي مصطفى الصحفي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.