المذيع: أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" ونحيي من جديد ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام وحديث ماتع وشيق بإذنه -سبحانه وتعالى- سيكون عن شهري رجب وشعبان؛ فإن شهر رجب أحد الشهور الأربعة الحُرُم التي خصها الله -سبحانه وتعالى- بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها في قوله -سبحانه وتعالى- في سورة التوبة: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾[التوبة:36].
كما أن شهر شعبان يسبق شهر رمضان، هذا الشهر الذي أمرنا بصيامه وقيامه، سنتحدث بإذنه -سبحانه وتعالى- عن شهري رجب وشعبان مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح.
شيخ خالد عندما نتحدث عن هذين الشهرين، ولعل الكثير من الأحاديث التي تروج بين أيدي الناس ربما بعضها مكذوب والآخر ربما من الأحاديث الصحيحة.
في البداية هل هناك فضل ورد في شهري رجب وشعبان؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: تحية طيبة لك أخ عبد الله وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، أسأل الله تعالى لي ولهم السداد والتوفيق والإعانة على ما فيه خير الدنيا والآخرة.
بادئ ذي بدءٍ أهنئ جميع مواطني هذه البلاد المباركة بما يسَّره الله تعالى من الأوامر الكريمة التي صدرت عن خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله وسدده في قوله وعمله- ليلة البارحة، وكانت أوامر في مصلحة الوطن والمواطنين، ودعم حوائجهم، والتماس رغباتهم، وما يحقق لهم الرفاهية والأمن والسعادة والطمأنينة ويسد الحوائج، فالحمد لله علي ما يسر، وأسأله -جل في علاه- أن يبارك لهذه البلاد فيما رزقها، وأن يُغدِقك عليها الخيرات، وأن يفتح لها أبواب البركات من السماء والأرض، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعلهم على الحق أعوانًا سائرين عاملين داعين، وأن ينصر بهم الإسلام وأهله، ومن حق ولاة أمرنا علينا أن ندعوا لهم؛ فإن الدعاء لهم مما يعود عليهم بالخير، وعلى الأمة جمعاء بالخير، سواء كان ذلك في السرِّ أو العلن، سواء كان ذلك في المجامع أو في الإنفراد، فإن صلاح ولاة الأمور وتوفيقَهم وسدادهم صلاح وتوفيق وسداد للأمة جميعًا، فجزى الله خادم الحرمين خيرًا على ما بذل، وعلى ما أمر وعلى ما وجَّه، وأسأل الله تعالى أن يبارك في عمره وعمله، وأن يؤيِّدَه بنصره وأن يمده بعونه، وأن يوفق نائبيه وليَّ العهد ووليَّ وليِّ العهد إلى ما يحب ويرضي، وأن يوفق الأمراء الذين عُيِّنوا في أماكنهم والمسؤولين الذين عينوا في جهاتهم على القيام بما كلفوا به، وأن يعمَّ بلادنا بالخيرات والثمرات.
هذا ما أحببت أن أفتتح بيه حديثنا؛ لأن هذا الحدث في الحقيقة له صدى واسع في نفوس الناس، وأسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يجعل قدومه علينا بالبر والطاعة والإحسان والتوفيق إلى ما يحب ويرضي من الأعمال.
أما بخصوص ما نحن فيه من حديث عن شهري رجب وشعبان شهري رجب وشعبان يعني يقرنهما كثير من الناس، وذلك كأن شعبان جاء بين شهرين لهما ميزتان، فرجب شهر حرام، وهو من الأشهر الحُرُم التي عظَّمها الله -عزَّ وجل- وجعل لها من المنزلة والمكانة ما ذكره في كتابه في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾[التوبة:36]، وأيضا قال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾[البقرة:194]، وقال -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾[المائدة:2].
وهذا يصدق على جميع الأشهر الحرم ومنها رجب؛ فإن رجب هو من الأشهر الحرم الأربعة التي هي: شهر رجب، وشهر ذي القعدة، وشهر ذي الحجة، وشهر المحرم، فثلاثة منها متواليات ورجب منفرد، ولذلك أسماه النبي صلى الله عليه وسلم برجب مُضَر تميزًا له، وذلك أن مُضَر -وهي قبيلة من قبائل العرب- كانوا يعظمون هذا الشهر أكثر من غيرهم فيصونونه، ويحترمون حرمتَه أعظم من احترام بقية العرب، فلذلك نسب إليهم، فسمي رجب مضر.
على كل حال هذا الارتباط بين هذين الشهرين أيضًا قد جاء به حديث-وإن كان في إسناده مقال- من حديث ابن أبي الرُّقَاد، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-، وهو في المسند، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: «اللهم بارِك لنا في رَجَبَ وشعبان وبلِّغْنا رمضان».[أخرجه أحمد في مسنده:ح2345، والطبراني في الأوسط، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع:ح4395 ]
هذا الحديث إسناده ضعيف، فإن الأئمة تواطأت كلماتهم على ضعف الحديث، فضعفه النووي[الأذكار:ص189]، وابن رجب وغيرهما من أهل الاختصاص في الحديث، وقد قال الإمام الذهبي عن ابن أبي الرقاد-وهو أحد رواة الحديث-: منكر الحديث[فيض القدير للمناوي:5/131].
على كل حال هذان الشهران اقترانهما لما ذكرت من كون رجب ورمضان أشهر لهما ميزة، وشعبان جاء بينهما.
وأما ما يتعلق بفضائل رجب، فليس لرجب فضيلة تخصُّه من حيث العمل الذي يكون فيه، بل رجب كسائر الأشهر إلا من جهة أنه شهر من الأشهر الحرم، هذا الذي تميَّز به رجب عن غيره من الأشهر، أنه من الأشهر الحرم التي جعل الله تعالى لها حُرمةً، فحرَّم ابتداء القتال فيها، وجعلها مصونةً عن السيئات إذ إن السيئات فيها مُغلَّظة، وذات مكانة من حيث عظم الجرم، مختلفة عن سائر الأشهر.
وأما شعبان فإنه شهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصُّه ببعض الأعمال فسيأتي الحديث عنه في بيان ما هي الخصائص التي في رجب وشبعان؟
وفيما يتعلق بالسؤال هل لرجب وشعبان فضيلة خاصة دون سائر الأشهر؟
فضيلة رجب في كونه شهر حرام، وفضيلة شعبان في كون النبي صلى الله عليه وسلم خصة ببعض الأعمال دون سائر الشهور.
هذا يتعلق بالجواب الإجمالي.
هل هنالك أعمال تخصُّ رجب وأعمال تخص شعبان؟ هذا سؤال آخر، وجوابه: أن رجب لم يثبت في فضيلة عمل خاص، فيه حديث لايُعتمد عليه، بل كل الأحاديث الواردة في هذا الشأن هي بين موضوع وضعيف، ولذلك قرر الأئمة من أهل الحديث الذين هم أهل الشأن وعلماء الأثر أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الخصائص في فضيلة عمل من الأعمال في شهر رجب، بل كل ما جاء من الفضائل في فضائل أعمال معينة لا تستند إلى دليل، ليس عليها دليل، ولذلك لم يثبت في رجب فضيلة لا في صومِه، ولا في صلاة فيه، ولا في غير ذلك مما يقوله الناس أنه من فضائل رجب، وليس لرجب أيضًا فضيلة في عُمرةِ، ولا في زيارة للمسجد الحرام، ولا في غيره من صالح الأعمال إنما هو شهر من الأشهر الحرم التي يندُب فيها الاحتياط من سيِّء العمل.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتاب له معروف بعنوان "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" قال -رحمه الله-: لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معين يعني أيام محددة، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة.
يقول -رحمه الله- في هذه النتيجة التي توصَّل إليها بالنظر إلى الأحاديث يقول: "وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهَرَوي الحافظ"[تبيين العجب:ص119]، أي أن هذه النتيجة لم ينفرد بها بل انتهى إليها غيره من العلماء، وقد قال العلامة الشوكاني -رحمه الله-:" لم يرد في رجب على الخصوص سُنة صحيحة، ولا حسنة، ولا ضعيفة ضعفًا خفيفًا، بل جميع ما روي فيه على الخصوص من الأعمال والندب إلى فضائل معينة إما موضوع مكذوب، أو ضعيف شديد الضعف[السيل الجرار:ص297]، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على شيء مما ورد في فضائل رجب حتى من باب فضائل الأعمال، وذلك لأن فضائل الأعمال يشترط في العمل بالأحاديث الواردة فيها بأن لا تكون شديدةَ الضعف، وهذه أحاديث إما موضوعة وإما ضعيفة ضعفًا شديدًا لا يعتمد عليه، وبالتالي كل ما يندب إليه الناس من صلاة في أول الشهر أو آخره، تخصيص ليالي منه بالصيام، تخصيص ليالي منه بالقيام كل ذلك لا دليل عليه، ولا يَعتمد على أثر.
طبعًا الشهر أكثره مضى، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان على أحسن الأحوال، وأن يُصلح لنا فيه الأعمال، فيما يتعلق بما يطرحه بعض الناس من أن رجب هو الشهر الذي أُسري فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي يخصون ليلة من آخره بالصلاة، وليلة في أوله، ويخصون يومه بالصوم، كل هذا لا دليل عليه، بل إن الأئمة من العلماء نصُّوا على أنه ليس ثمة دليل على أن الإسراء وقع في شهر رجب، ليس هناك دليل يُستند إليه، ويعتمد عليه في أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة من ليالي هذا الشهر، أو في زمن من هذا الزمن، نصَّ على ذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله[تبيين العجب:ص11]، وكذلك ابن تيمية، والأئمة العلماء يشبه أن يتفقوا على أنه لا دليل على تخصيص هذا الشهر بحادثة إسراء النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولو قدَّرنا أنه فعلا ثبت أن الإسراء، لو فرضنا أن الإسراء وقع في هذا الشهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به وهو في مكة، وبقي بعدها أعوامًا في مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وبقي بها صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ولم يثبت عنه في مرة من المرات، أو في سنة من السنوات، أو في رجب من الأشهر التي أدركها، أنه خصه بصوم أو بقيام، أو بغير ذلك مما يروِّجه بعض الناس.
وبالتالي إذا كان كذلك، فإنه لا ريب أن خير الهَدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن شرَّ الأمور محدثاتها، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يخص ليلة السابع والعشرين ولا يومَها بصيام أو بقيام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يثبت عنه شيء في ذلك، بل الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم -أنه لم يخص رجب بشيء، سوى أنه بين أنه شهر حرام، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص رجب أو بعض لياليه أو بعض أيامه بشيء لبيَّنه أصحابه ولَنَقلوه؛ ذاك أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم دقائق أحوالِه وأعماله في ليله وفي نهاره، في عامته وفي خاصته، بل نقلوا لنا -رضوان الله تعالى عليهم- حركة لحيته في صلاته، اضطرابَ لحيته في صلاته، واستدلوا بذلك على قراءته في صلاته[عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ». أخرجه البخاري في صحيحه:ح746]،فكانوا يرمقونه صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة.
ومع هذا لم ينقل أحد أنه صلى الله عليه وسلم خص ليلة من الليالي بخاصية لكونها ليلة الإسراء أو ليلة المعراج، وهنا ينبغي أن يتنبَّه المؤمن أن ما يروج في بعض المجتمعات، أو في بعض الجهات من الاحتفال بهذه الليلة هو من المحدثات، فإن ليلة السابع وعشرين من رجب ليلة كسائر الليالي، لم يثبت فيها فضل لا في الشرع، ولم يثبت لها خاصية من الناحية التاريخية، وبالتالي ليس لها أي خصوصية دون سائر الليالي، ومن خصها بشيء فإنه وقع في محدَث يجب عليه أن يتوب إلى الله -عز وجل-، وقد قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أما الإسراء قيل كان في رجب وضعفه غير واحد، وقيل: كان في ربيع الأول، وهو قول إبراهيم الحربي وغيره.[لطائف المعارف:ص95].
المذيع: أحسن الله إليكم، متواصلين معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برناجمكم "الدين والحياة"، وحديثنا عن شهري رجب وشعبان، نسعد بتلقي اتصالاتكم، ومشاركاتكم، ومداخلاتكم على أرقام التواصل في هذا البرنامج، 0126477117، 0126493028، أما الرقم المخصص لاستقبال الرسائل النصية عبر الواتساب فهو 0582824040، ونستقبل كذلك مشاركاتكم وأسئلتكم على الوسم المخصص للبرنامج على تويتر "الدين والحياة".
المذيع: من جديد نحييكم ونرحب بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا متواصل عن شهري رجب وشعبان مع ضيفنا الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، أرقام التواصل 0126477117، 0126493028، الواتساب 0582824040، والوسم المخصص للبرنامج على تويتر الدين والحياة.
شيخ خالد قبل أن ندخل في الحديث عن شهر شعبان وما فيه من الخصائص، بالإضافة إلى ما يمكن أن يوضح من بعض الأخطاء التي تداول بين الناس ولتصحيحها، نستأذنك في أن نأخذ الاتصال الأول من المستمع عبد العزيز الشريف، تفضل يا عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله أستاذ عبد الله.
المذيع: أهلا وسهلا.
المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ.
بالنسبة -بارك الله فيك- لشهر رجب، يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا أتى رجب يقول: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان»[تقدم]، هذا الحديث ما درجة صحته؟ وهل للمسلم أن يقوله، وأن يدعو الله -عز وجل- به إذا دخل رجب.
السؤال الثاني: إذا جاء رجب كثرت العبادات فيه، وهذا يدل على أن المسلم بعيد عن المنهج النبوي، وعن السنة، وعن الاهتمام بذلك والحرص عليه، فتجده يتلقَّف كلَّ ما يسمعه من هؤلاء المبتدعة وغيرهم، فذبيحة رجب يتكلمون عنها، صلاة الرغائب مثلا، صيام شهر رجب وغيرها من الأمور، كيف يأمن المسلم من الوقوع في مثل هذه البدع والخرافات مع أن العلماء موجودوين، والدعاة المصلحون موجودون، لكن للأسف هناك قنوات فضائية ممن يروِّج لهذه الأمور وهذه البدع والخرافات، فتجد المسلم ينجرف وراءها، ويهتم بها، ويحرص عليها خاصة إذا ترتب عليها بعض الأجور مثل صلاة الرغائب وما فيها من أجر، العمرة في رجب، وغير ذلك.
السؤال الأخير، شهر شعبان من الأشهر العظيمة المباركة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام فيه، وتقول عائشة رضي الله عنها:"كان يصومه إلا قليلًا"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1969، ومسلم في صحيحه:ح1156/176، وهذه الجملة عند مسلم]، فصيام شعبان إذا صامه المسلم كاملًا، وأوصله برمضان هل هذه سنة، أو خلاف السنة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا عبد العزيز، الاتصال الثاني من عمار، اتفضل يا عمار من جازان، تفضل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: مساكم الله بالخير.
المذيع: مساك الله بالنور، يا مرحبًا، اتفضل.
المتصل: الأخ المتصل قبلي في السؤال، الذي هو صيام شهر شعبان كاملًا، هل هو من السنة مع إضافته مع شهر رمضان؟ هذا شيء.
السؤال الثاني يقول: أبغي أطلب من الشيخ ما أفضل الأعمال التى يقوم بها الإنسان في شهر شعبان؟
المذيع: طيب تسمع الإجابة، شكرًا جزيلًا لك حبيبنا عمار.
شيخ خالد عودةً إليك من جديد في الأسئلة التى أثارها الإخوة المستمعون، ربما نقطة مهمة فيما يتعلق بكيف يمكن أن نحمي المسلم من الوقوع في هذه الخرافات والبدع التي تُثار؟ خاصةً في ظل يعني توافر هذه الوسائل التقنية التى تجعل الحصول على المعلومة، وإن كانت أحيانًا غيرَ دقيقة وغير صحيحة، تجعل الحصول على المعلومة سهلًا، لكن دون أن يكون هناك يعني نوع من التصفية، ودون أن يكون هناك نوع من التأكد والتثبت.
الشيخ: فيما يتعلق بالضمان الذي يتوقَّى بهذا الإنسان الزلل في مثل هذه الأمور، تنبثق من قاعدة أن العمل لا يُقبل إلا إذا كان لله خالصًا، وكان على السنة جاريًا، وبالتالي ينبغي للمؤمن أن ينطلق من هذه القاعدة في كل أعماله، الله -جلَّ وعلا- يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب:21]، والنبي صلى الله عليه وسلم ما ترك خيرًا إلا علَّمنا إياه ودلَّنا عليه، وما ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه وبيَّن خطورته، بالتالي كل من دعا الناس إلى شيء من العمل لم يثبت في الكتاب ولا في السنة فإن الواجب الإعراض عما دعا إليه؛ لأنه المرجع في كل الأمور إلى سيرة وهدي سيد الأنام -صلوات الله وسلامه عليه- فبقدر الاتباع له على خطاه، والتمسك بسنته والعمل بهديه، بقدر ما يدرك الإنسان من النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، ولهذا من الضرورى ومن المهم أن يستشعر المؤمن هذه القاعدة، فإن جميع الأعمال الظاهرة تقاس بما كان عليه صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «من أَحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2697]
ولذلك كل من اجتهد في محدَث، كل من بذل وقته في بدعة، فإنها لا تزيده من الله إلا بعدًا، هذه المشكلة أن بعض الناس يتصور أن البدع ستقرِّبه إلى الله.
المذيع: أو ربما حسن النية يا شيخ.
الشيخ: نحن لا نتكلم عن النية، النية أمرها إلى الله، لكن نحن نتكلم أخي عن العمل، هل هذا عمل مأجور عليه الإنسان؟
المذيع: بعض الناس يا شيخ لما تعترض عليه مثلا يعنى يقول: أنا نيَّتي حسنة، ولا ما نع من أن أَنشُر مثل هذه البدع، للأسف.
الشيخ: لا، لا أبدًا ما هو صحيح، صلاح النية لا بد أن يوافقه صلاح العمل، الله -عزَّ وجل- يقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2] فحسن العمل لا يتحقق إلا بنية صالحة، وأن يكون أيضًا العمل صالحًا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حدَّث بحديثٍ يرى أنه كذبٌ فهو أحد الكاذبين»[أخرجه مسلم في المقدمة:ص8]، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من كذَب علي متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح110] فنسبة الأعمال وفضائلها وأجورها هو غشٌّ للناس إذا كان هذا لم يثبت به دليل؛ لأنك تطلب من الناس أن يعملوا بعمل، وتدعوهم إليه، وتقول: إنه سيقرِّبكم إلى الله، فأنت تغشهم بهذا، إذا لم يأتِ الدليل على هذا، ما في نص يدل على فضيلة هذا العمل فأنت في الحقيقة غاش لهم، ولست ناصحًا لهم، ولا داعيًا إلى هدى أو برٍّ، فلذلك يجب على المؤمن أن يكون في هذا الموضوع في غاية الدقة والحرص، ألا يروِّج لشيء، ينبغى أن يبني كلَّ ما يعمله، أو ينشره، أو يدعو إليه، على النص ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر:7].
بالتالي لا سبيل لردِّ هذا الطوفان الجامح من البدع والمحدثات التى يروِّجها بعض الناس ليصدَّ الناس عن سبيل الله؛ لأن كل من اشتغل ببدعة انصرف عن سنة، وكل من اشتغل بضلالة ترك هداية، وبالتالي ينبغي أن يكون الإنسان بصيرًا في مثل هذه الأمور، بعيدًا عن مواطن العواطف التى تجرُّه في النهاية إلى الضلالات إذا لم تكن مبنية على هدى وحق.
المذيع: جزاكم الله خيرًا يا شيخ، أستأذنك في اتصال أيضًا من عبد الله من الرياض، اتفضل يا عبد الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: مساكم الله بالخير، وأشكركم على هذا البرنامج الجميل الذى يتكلم عن فضائل شعبان ورجب، طبعًا أنا بودي أنه كان في أول الشهر؛ لأن الناس يعنى يتعظون ويأخذون المواعظ ويبتعدون عن البدع والخرافات.
الله -سبحانه وتعالى- فضَّل بعض الأيام والشهور والليالي على بعض حسب مقتضى حكمته -سبحانه وتعالى- يَجِد العباد في أعمال البر الصالحة، لكن هناك شياطين الإنس والجن عملوا على صدِّ الناس عن سواء السبيل، ويقعدون ويزينوا لكل طائفة أعمال شيطانية حتى يبتعدوا عن الذى فرضه الله -سبحانه وتعالى- ويأخذوا شيئًا لم يفرضه، ويصدهم، وهذا يرضي الشيطان، كما قال سفيان: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية[شرح السنة للبغوي:1/216]، فأنا اعتمرت في الأيام هذه، ووجدت زحمة كبيرة جدًّا تضاهي أيام رمضان شرفه الله، فعلًا خلق كبير في العمرة وزحمة لا تكاد تطاق، فهؤلاء الناس يعنى مُضَلُّون من كثير من الناس فلا يعلمون شيئًا، طبعًا العمرة أعتقد -والله أعلم والفتوى عند شيخنا- أنه إن شاء الله جائزة في هذه الشهر إذا لم يقصد رجب بعينه فآمل تعليق الشيخ بارك الله فيك.
المذيع: تسمع تعليق الشيخ، شكرًا جزيلًا يا عبد الله، الاتصال الثاني: من محمد بن مسعود، اتفضل يا محمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.
المتصل: حياكم الله، وأهلًا وسهلًا جميعًا.
المذيع: حياك الله، يا أهلا.
المتصل: اللهم بلغنا رمضان ونحن في أحسن حال، اللهم آمين يارب، طيب سؤالي للشيخ، بالنسبة لشهر رجب، كما تفضلتم له ما للأشهر الحرم يعنى له تفضيل أيضًا مثل الأشهر الحرم الأخرى، يعنى إذا كان الإنسان في الأشهر الحرم ورجب منها يركز مثلًا على السنن والنوافل من قيام، من صيام، أي سنن ونوافل واردة، زى عمرة وغيرها، هل ما في مشكلة إن شاء الله عز وجل؟
والسؤال الثاني: بالنسبة لشعبان، فيه حديث وارد فيه إن صوم يوم واحد بيومين، هل وارد حديث مثل هذا، التعليق على الحديث؟
والسؤال الأخير وهو: شعبان يعنى ترفع الأعمال إلى الله فيه، وهذا ثابت بإذن الله -عز وجل- لكن منتصف شعبان غير ثابت، والله أعلم، طيب هل نقدر نستنبط بصيام الرسول مثلا متى كان يتوقف عن الصيام إنه ترفع الأعمال في آخر الشهر أو كذا، جزاكم الله خيرًا.
المذيع: شكرًا يا محمد، فضيلة الشيخ خالد، أكثر أسئلة المتصلين كانت حول شهر شعبان، وما ورد فيه فيما يتعلق بالصيام، ربما إذا كان فيه إمكان نفصل في هذا الجانب، فيما يتعلق بكيفية هذا الصيام وما ورد في ذلك أيضًا.
الشيخ: يعنى الذى نخلص له من الحديث السابق أنه لم يثبت في رجب فضيلة سوى أنه من الأشهر الحرم، وأما فضائل الأعمال سواء كانت صلاة أو صدقة أو صوم أو عمرة، ليس فيها دليل ولا لها أصل يُستند إليه، أيضًا ما يتعلق بحادثة الإسراء، هل كانت في رجب؟ هذا مما لم يثبت فيه نصٌّ، والعلماء مختلفون في الزمن الذى وقع فيه الإسراء هل هو في رجب؟ في ربيع؟ أو في غيرهما؟ وعلى القول بأنه في رجب فإن ذلك لا يستوجب تخصيص هذا الشهر بقيام ليلةٍ معينة، أو صيام يوم معيَّن، فيما يتعلق بشعبان شهر له مزيَّة من حيث أنه خصَّه النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام فيه، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ قط إلا شهر رمضان"[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1969]، يعنى ما في شهر أكمل النبي صلى الله عليه وسلم صومه كاملًا إلا شهر رمضان، وكان فرضًا ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185]، وكان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا، هذا بيان أنه لم يستكمله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في الرواية عادت وقالت: «كان يصوم شعبان إلا قليلا»[تقدم]، أى إلا قليلا من أيامه، ويحتمل أنه استكمله صيامًا لكن ليس في كل سنواته صلى الله عليه وسلم ليكون قولها: «وكان يصوم شعبان كله» صامه جميعه، وأنه لم يكن هذا الصوم لجميع الشهر في كل سنواته، ولذلك قالت: كان يصوم شعبان إلا قليلا، والذى يظهر -والله أعلم- فيما اجتمعت عليه الروايات، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصوم في شعبان، لكنه لم يستكمله صلى الله عليه وسلم، بل صام أغلبه وأوشك أن يصوم جميعه، جاء في سبب تخصيص هذا الشهر بالصيام ما رواه أسامه بن زيد عند النسائي قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهرٍ ما تصوم من شعبان، يعنى كثرة. فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهرٌ يغفُل فيه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأُحبُّ أن يُرفع عملى وأنا صائم»[مسند أحمد (21753)، وقال محققو المسند: إسناده حسن] هذا الحديث أشار إلى سبب من أسباب الصيام، وهو أنه شهرٌ ترفع فيه الأعمال، لكن في إسناده مقال؛ ولذلك جمهور العلماء على أنه لم يثبت هذا الحديث، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه تمهيدًا لصيام رمضان، هذا أقرب ما يقال في علة تخصيص شعبان بالصوم، من العلماء من قال: إنه ترفع فيه الأعمال، لكن هذا الحديث في إسناده مقال، منهم من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان لأنه يقضي ما تركه من صيام التطوع فيما قبل شعبان من الأشهر، النبي صلى الله عليه وسلم من عادته أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد يمرُّ عليه شهرٌ لا يتحقق له ذلك، بسبب الجهاد أو السفر أو ما إلى ذلك، لكن هذه العلل ليست واضحة لو قدَّرنا أنه قضى تطوعًا فإنه لن يستوعب الشهر كاملًا، لأنه لم يترك صيام عشرة أشهر، أو إحدى عشر شهر ثم يقضيها كلها في شعبان، إنما الذى يظهر -والله تعالى أعلم- بمناسبة صيام شعبان، أنه تهيئةٌ للنفس وتمهيدٌ لشهر رمضان؛ لأن رمضان شهرٌ فرض الله تعالى صيامه على أهل الإسلام، فكان من المشروع للمؤمن أن يكثر من صيام شعبان بين يدي رمضان حتى إذا جاء رمضان يكون قد مُرِّنَت نفسه وتهيأ بدنه لاستقبال العبادة والصيام على نحوٍ لا يكلفه ولا يشقُّ عليه، وهذا نظير ما جاء مشروعًا في الصلاة، فإن الصلاة شُرع أن يصلي بين يدي الفريضة ركعتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مغفَّل: «بين كل أذانين صلاة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح627] يشرع أن يصلي ركعتين قبل الفريضة في كل الفرائض، وذلك تحضيرًا للقلب وتهيئة لاستقبال الفريضة بقلبٍ خاشع ونفسٍ قد تهيأت لهذا الوقوف بين بيدي الله، فكذلك الصيام، هذا أقرب ما يقال في عِلة الصيام.
المذيع: مسألة صوم الشهر كاملًا، وربطه برمضان ووصله برمضان؟
الشيخ: فيما يتعلق بصيام الشهر كاملًا جاء أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صامه إلا قليلا[تقدم]، ومن استكمله بنية موافقة سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من صيام شعبان، فلا حرج عليه، لكن إن كان يصوم بعضَه ويفطر بعضه، فالسنة ألا يتقدم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين: «لا يتقدَّم بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجلٌ كان له صومٌ فَلْيَصمْه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1419 ] يعنى إذا كان الإنسان معتادًا أن يصوم شعبان، إذا كان يحب أن يصوم شعبان كاملًا هذا مستثنى، لكن المنهي عنه هو أن يترك الصيام حتى إذا بقي على رمضان يوم أو يومان جاء وصام، فإن هذا منهيٌّ عنه؛ لأنه في الحقيقة نوع من الاحتياط لرمضان، ويخشى من الزيادة على الفرض؛ فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، لكن من كان يصوم أصلًا يعنى يصوم يومً، يفطر يومًا، يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يتيسر له إلا أن يصومها قبل رمضان بثلاثة أيام، عليه قضاء ولم يتمكن من قضائه إلا قبل رمضان بيوم أو يومين، كل هذا مما لا حرج فيه؛ لأنه خارج عن أن يتقدم رمضان لأجل الاحتياط له، إنما صامه لعلةٍ أخرى غير كونه قبل رمضان بيومٍ أو يومين، وقد جاء حديث في السنن من حديث أبي هريرة: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»[أخرجه أبو داود في سننه:ح2337، ]، لكن هذا الحديث جماهير علماء الحديث على تضعيفه، وأنه لا يصح، وبالتالى ليس ثمة نهي عن الصيام ما بعد نصف شعبان ولذلك المحفوظ في النهي عن تقدم صوم رمضان بيوم أو يومين.
المذيع: يعنى كثير من الناس أيضًا يحثُّون عبر الوسائط المختلفة، يحثون غيرَهم على صيام شهر شعبان، ويقولون: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك شهر أكثر منه صيامًا، يعنى سوى شعبان، وأيضًا يستندون إلى حديثٍ في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان حتى كنا نقول أنه يصومه كله، وكان يُفطر منه حتى نقول أنه يفطره، يعنى يفطر الشهر كله، هل مسألة حث الناس أيضًا على صيام شهر شعبان وأنه من السنه، هل في ذلك بأس يا شيخ؟
الشيخ: لا، لا بأس فيه، لأن هذا حث الناس على صيام شعبان جاءت به الأحاديث، لقد جاء فيهما أن من هديه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلا، في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وفصلنا فيما يتعلق بالنهي، لكن ثمة مسألة أخرى تتعلق بشعبان وهي فيما يتصل بفضل ليلة النصف منه.
المذيع: عفوًا شيخ، قبل أن نتحدث عن هذه المسألة، كان سؤال الأخ أبو عبد الله في الواتساب يسأل عن يقول: أن كتير من الناس، تتحدث عن مسألة رفع الأعمال خاصة في ليلة النصف من شهر شعبان، ومسألة يعنى توجيه الناس بذلك، وأيضًا يعنى يقولون أو يحثون على مسألة الصلح بين الناس؛ لأن في هذه الليلة ترفع الأعمال إلى الله، إضافةً إلى كثير من الأمور المنتشرة حول هذه الليلة.
الشيخ: ليس ثمة دليل على خصوصية ليلة النصف من شعبان بمغفرة الذنوب، أما ما يتعلق بأنه شهر ترفع فيه الأعمال ذكرت حديث أسامة بن زيد في النسائي لكنه ضعيف[تقدم]، أما ما يتصل بليلة النصف من شعبان فقد جاء فيها جملة من الأحاديث، جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع ربنا ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمُستغفرين، ويرحم المُستَرحِمين، ويترك أهلَ الحقد»[أخرجه البيهقي في الشعب:ح3554، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب:ح622]، وهو عند البيهقي، وأيضًا مثله ما رواه ابن الجوزي، وما رواه الطبراني، فالأحاديث جاءت في عدد من دواوين السنة «أن الله يطِّلع في ليلةِ النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشركٍ، ومشاحِن»[أخرجه ابن ماجه في سننه:ح1930، وأحمد في مسنده:ح6642، وصححه الألباني في الصحيحة:ح1144]، لكن ليس في هذه الأحاديث ما يعتمد عليه، من حيث الصحة فغالبها أحاديث ضعيفة، ولا يعتمد عليها، ولو قيل بثبوتها فإن ذلك لا يستوجب تخصيص تلك الليلة بمزيد صلاة، أو بمزيد عمل صالح، ولا تخصيص يوم الخامس عشر من شعبان بصلاة أو بعبادة أو بطاعة، فإن ذلك لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولا عن الجُلَّة من أصحابه -رضي الله تعالى عنهم-.
استحبه بعض أهل العلم اجتهادًا، لكن ليس ثمة ما يدل عليه، والأصل في العبادات التوقيف كما قلنا، الأصل في العبادات أنه يُرجع فيها إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما صح، أما ما يستحبه المستحبِّون أو يدعو إليه بعض الناس، فإن ذلك إذا لم يكن مستنِدًا إلى كتابٍ أو إلى سُنة، فالمشروع ترك ذلك والاقتصار على ما جاءت به السنة.
مثل ما ذكرت بعض التابعين كان له عناية بليلة النصف من شعبان، كما ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في لطائف المعارف حيث قال: "وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر بعضهم يجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، إذًا ليس ثابتًا عن الصحابة، وإنما عن بعض السادة التابعين من أهل الشام، "وقد قيل: أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية".
يقول رحمه الله قال: "وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز"[لطائف المعارف:ص137]، ، أنكر ذلك أى إثبات فضيلة لليلة النصف أو إثبات عبادة في ليلة النصف، كله لا أصل له، وابن تيمة رحمه الله يقول: "أما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل" من حيث ما ورد فيها من الأحاديث «أن الله يغفر فيها لكل مسلمٍ إلا لمشركٍ أو مشاحن»[تقدم]، "وكان من السلف من يصلى فيها"، أي نقل كما ذكر الحافظ ابن رجب عن خالد بن معدان ومكحول ولقمان من التابعين من أهل الشام، "لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد يتضح أنه بدعة"[مجموع الفتاوى:5/344]، كذلك تخصيصها من المحدثات التى يعنى في السنة كفاية وغُنْيَة.
ثم إن عرض الأعمال لا يختص بليلة النصف من شعبان، ليش ننتظر لليلة النصف من شعبان حتى الإنسان يُصلح العمل، كل يوم اثنين تعرض الأعمال، والخميس تعرض الأعمال، يغفر لكل مسلم إلا مشرك أو مشاحن[حديث مسلم في هذا المعنى أخرجه مسلم في صحيحه:ح2565/35عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ]، فلنغتنم الشيءَ الثابت الصحيح.
يعنى الناس أحيانًا ينشطون ويروِّجون لأعمال أقل ما يقال أنه لم يقل بها أكثر علماء الأمة، وفى حين أن الأعمال التى تواترت عليها الأدلة، وكثرت فيها النصوص في السنة، وأجمع عليها علماء الأمة لا يأبهون بها ولا يلتفتون إليها، نسأل الله أن يستعملنا في الصالحات.
المذيع: ربما يا شيخ نشير إلى نقطة مهمة ولو بشكل سريع، ربما في قادم الأيام أو قادم الحلقات نفصِّل فيها بشكل أكبر، ألا وهى النقطة المتعلقة بما دأب عليه الناس يعنى بتسميته بشعبنا، مثلا تكون لديهم ليلة معينة أو مخصصة في شهر شعبان ويجتمعون في مثلا في طلعة أو في نزهة وغير ذلك من باب الترويح عن النفس والاستعداد لشهر رمضان، هذه في أجمل صورها، ربما هناك صور أخرى يكون فيها نوع من المعازف وبعض المنكرات وغير ذلك، لو حبذا لو نعطي توجيها؟، لو تعطونا يا شيخ توجيها لذلك.
الشيخ: هذا يفعلونه على وجه العادة وليس عبادة، وبالتالي إذا كانت عادة، فإن كانت عادة فيها منكرات ومعاصي فالواجب على المؤمن أن يستقبل الشهر بالطاعة والاستغفار لا بالمعصية والإساءة، وإن كانت مما جرى به عمل الناس، وعادتهم دون أن يكون له طابع عبادي، أو ليس فيه معاصى فإنه من العادات التى لا حرج فيها.
أُنبِّه هنا فيما يتعلق بالصيام، يعنى ثمة من أهل الإيمان من أفطر لعذرٍ في رمضان الماضي، أو عليه أيام من رمضانات سابقة، والجدير بمن كان عليه شيء من الصيام أن يغتنم ما بقي من أيام في قضاء ما عليه من صيام، فإن المبادرة إلى صوم ما بقي من أيام القضاء مما يؤجر عليه الإنسان، وهو مما تبرأ به ذِمَّتُه، وقد كانت عائشة-رضى الله تعالى- عنها تؤخر الصيام فيما عليها من قضاء إلى شعبان لاشتغالها في حال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، كانت تقول -رضي الله تعالى عنها-: "كان يكون عليَّ صوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيَه إلا في شعبان."
هكذا عائشة رضي الله تعالى عنها تخبر عن عملها؛ والسبب: "لِمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم"[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1146/151] أى لاشتغالها بخدمته، والقيام بحقه صلى الله عليه وسلم، لهذا أوصي إخواني وأخواتي أن يكملوا ما عليهم من صيام في الأيام القادمة، وألا يؤخروه، والأمر يسير ولله الحمد، يعنى يبدأ بما عليه، وسرعان ما تنقضي تلك الأيام التى اشتغلت بها ذمته، من لم يستطع الصوم لعذرٍ حتى أدركه رمضان القادم، فإن هذا لا يسقط عنه الصيام الذى ثبت في ذمته، لعذر لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185]، بل يقضه بعد ذلك، وجمهور العلماء على أنه إذا كان قد أخَّره لعذر فإنه لا شيء عليه إلا الصوم، وإن كان أخره لغير عذر فعليه مع الصوم الإطعام[مذهب الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة:التمهيد(7/162)، المجموع(6/364)]، والذى يظهر -والله تعالى أعلم- أن الذى عليه حتى لو أخَّر من غير عذر عليه الصوم فقط[مذهب الحنفية، وهو اختيار ابن حزم، والشوكاني:بدائع الصنائع(2/104)، المحلى(6/260)]؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185]، وإن أطعم فحسن، فوصيتي لإخواني وأخواتي أن نجدَّ ونجتهد في تكميل ما علينا من حقوق لله -عزَّ وجل- واحتساب الأجر في ذلك.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على الطاعة والإحسان، ويستعملنا فيما يرضى من الأعمال.
المذيع: اللهم آمين، شيخ خالد قبل أن نختم اللقاء وفى دقيقة إن أمكن، يعنى كلمة توجيهية حول ما ينبغى من الاستعداد لشهر رمضان، خاصةً وقد بقي هناك شهر كامل يعنى يكون فيه الإنسان ربما يتبضع، أو ينزل إلى السوق ليشتري بعض الأمور أو بعض الحاجيات التى ربما ينزل للسوق في شهر رمضان ليشتريها مثلا أو غير ذلك، وبالتالي ربما يشغل نفسه بمثل هذه الأمور عن العبادة والطاعات وغير ذلك، ربما بقي يمكن ثلاثين يومًا فرصة أن يستعد الإنسان بكل ما لديه حتى يكون هناك تهيئة قبل دخول شهر رمضان.
الشيخ: والله أخي الكريم على العموم نحن بحاجة على وجه العموم أن نهيئ أنفسنا لصالح الأعمال، والتجار قبل البدائة بأعمالهم غالبًا ما يهيئون الأمور على نحو من الاجتهاد للاكتساب، واستقبال المواسم بنشاط وهمة، ولذلك كان من السلف الذين يتاجرون مع الله -عز وجل- والتجارة التى لن تبور ولن تخفى، من يجتهد في الإقبال على الله -عز وجل- في هذه الأيام المباركة بالطاعة والإحسان والتقرب إلى الله -عز وجل- بتلاوة القرآن حتى سُمِّي هذا الشهر بشهر القرآن؛ نظرًا لكثرة من يقرأ فيه القرآن استعدادًا لرمضان، حتى إذا جاء رمضان وتكون النفوس قد تهيأت، والقلوب قد أقبلت، والألسن قد لانت في تلاوة كتاب الله، فيكون شهر رمضان أشبه ما يكون بمرحلة تهيئة وإعداد وتربية وتدريب على صالح العمل، حتى إذا جاء الشهر الفضيل يكون الإنسان فيه على الغاية من الاجتهاد، وعلى كل حال أقول: نحن يعنى الناس في هذا درجات ومراتب، لكن أقل ما يكون أن نُبرِّئ ذممنا من الحقوق الواجبة، كصيام القضاء، ولو بأخذ يوم أو يومين، يعنى ما يلزم أن يصوم الشهر كاملًا، النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص شعبان بكثرة الصيام، فمن لا عهد له بالصوم كل السنة إلا في رمضان، فليصم يوم أو يومين من شهر شعبان، يأخذ شيئا من السنة يعني، من كان له صيام ثلاثة أيام من كل شهر يزيد يومًا في هذا الشهر إذا لم يتمكن من صيام كثير منه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أسأل الله العظيم أن يستعملنا وإياكم فيما يحب ويرضى، وأن يصرف عنا السوء والفحشاء، وأن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا فيه صالح الأعمال.
المذيع: اللهم آمين، شكر الله لكم.