المذيع: أهلًا ومرحبًا بكم من جديد مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة".
في هذه الحلقة حديثنا عن هذه الأمانة العظيمة التي أوكلها الله -سبحانه وتعالى- إلى هذا الإنسان، الذي حمّله الله -سبحانه وتعالى- الأمانة، بعد أن رفضها كثيرٌ من الكائنات والمخلوقات.
هذه الأمانة التي أمرنا الله -سبحانه وتعالى، عزَّ وجل- بحفظها، وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، كما أنها تشمل كلَّ ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولًا وفعلًا، كما أنها أداء الحقوق والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كلَّ ذي حق حقه، يؤدي حق الله -سبحانه وتعالى- في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويؤدي ما عليه تجاه الخلق.
نسعد من جديد بالترحيب بالشيخ خالد المصلح، حياكم الله شيخ خالد، وربما حديثنا عن الأمانة في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء:58 نحتاج في البداية شيخ أن نوضح ونجلّي مفهوم الأمانة؛ لأن بعض الناس ربما يحصرها، ويقصرها على شيء واحد أو مفهوم معين دون أن يكون هناك مراعاة لمفهومها الكبير.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،،،
فتحية طيبة لك أخي عبد الله، ولجميع الإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات، حياكم الله، وموضوعنا الذي عنون له بقوله -جلّ وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء:58 موضوع في غاية الأهمية، يحتاجه الإنسان في كل تفاصيل حياته فإن الأمانة حملّها الله تعالى الإنسان وكانت من أبرز أسباب تشريفه وتكريمه وسموِّه ورفعته على سائر الخلق كما قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا﴾ الأحزاب:72، والعرض هنا عرض تخيير وليس عرض إلزام، وإلا لو كان إلزامًا لما كان لهذه المخلوقات أن تعصي الله -عزّ وجلّ- فهو -جلّ في علاه- الذي ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ البقرة:116، جلّ في علاه، وإنما هو عرض تخيير، خيّر الله تعالى هذه المخلوقات العظيمة أن تحمل الأمانة ﴿فأَبَينَ أن يَحمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾، ثم ذكر الله تعالى مَن حملها على وجه الخبر المميز، فقال: ﴿وَحَمَلَها الإِنْسَانُ﴾ الأحزاب:72، هذا خبر، ثم ذكر الله تعالى أسباب الإخلال بالأمانة، وليس ما ذكره بعد هذا الخبر ذمًّا أو نقصًا أن حَمَل الإنسان الأمانة، فقال: ﴿وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الأحزاب:72 يتبادر لذهن بعض الناس أن ذكر هذا الوصف بعد ذِكر تحمُّل الإنسان الأمانة أنه على وجه التنقص للإنسان، أو بيان خطأ حمله للأمانة أو ما أشبه ذلك مما قد يتوهَّمه من لا يدرك أن الأمانة هي سرُّ التفضيل الذي فضَّل الله تعالى به الإنسان، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً﴾ الإسلااء:70، فإن التفضيل الذي مُيِّز به الإنسان له موجبات عديدة، وأسباب الله أعلم بها، ومنها هذه الأمانة التي تحمّلها فحَمَلَته ورفعته عن سائر الخلق بهذا التكليف والتشريف، فسخر الله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض.
لكن ذكر هذين الوصفين بعد حمل الأمانة ﴿وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ سببه هو بيان أعظم أسباب الإخلال بالأمانة، فأعظم أسباب الإخلال الأمانة التي حملها الإنسان هي ظلمُه أو جهله، فكل إخلال بالأمانة، كل تقصير أو قصور في حمل الأمانة وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به، يرجع إلى أحد هذين السببين: إما الى جهل بما يجب وعدم علم ومعرفة، وإما اعتداء وظلم وتجاوز للحدود يحمله على الإخلال بالأمانة.
وبالتالي نعرف أن الأمانة مُقوِّمات أدائها وصفان هما نقيض الوصفين الذَين ذكر الله تعالى في سبب الإخلال بالأمانة ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾.
وأداء الأمانة يقوم على العدل وعلى العلم، العلم أولًا، والعدل ثانيًا، فالعلم قائد ورائد كل خير وبرٍّ في حياة الإنسان الخاصة والعامة، كما أن العدل ثمرة العلم فإنه يضع الأشياء في مواضعها ويعطي كل ذي حق حقه.
هذا المفهوم الذي ينبغي أن يُدركَه الإنسان في أن الأمانة تشريفٌ، وأن الأمانة تكليفٌ، ميَّز الله تعالى به الإنسان فبوَّأه مقامًا عاليًا ساميًا إذا قام به فهي من اصطفاء الله تعالى واختياره كما قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ القصص:68.
يبقى السؤال: الأمانة التي حملها الإنسان والأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها هل تنحصر في واجب من الواجبات أو حق من الحقوق أو جانب من جوانب الحياة أو أمر من الأمور التي تتعلق بشأن الإنسان؟
الجواب: أن الأمانة شاملة لكل ما يتعلق بالإنسان من التصرفات، ولذلك قال القرطبي على سبيل المثال: والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين، وتشمل كلَّ الفرائض التي ائتمن عليها العباد، سواء كانت في الأمانات والودائع أو في الفرائض والواجبات في الأموال في ما يجب على الإنسان في خاصة نفسه حتى فسرت الأمانة أن من الأمانة ائتمان المرأة على فرجها، والرجل على ما حمله الله تعالى من الحق.[تفسير القرطبي:14/253، 254]
فالفرج أمانة، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، والبطن أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، وجميع ما خوَّله الله تعالى الإنسان من القدرات والإمكانات والطاقات هو أمانة ائتمنه الله تعالى عليها ليرى قيامه بما ائتمن به، ولذلك قيل: «لا إيمان لمن أمانة له».[حديث النبيrأخرجه أحمد في مسنده، من حديث أنسt:ح12383، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح3004]
فالأمانة هي روح الإيمان الذي يقوم عليه كل شُعب الإيمان وخصاله.
لذلك ينبغي أن تُفهم الأمانة بمفهومها الواسع العام الذي لا يختص جانبًا من جوانب الحياة أو مظهرًا من المظاهر، بل هي خُلق ثابت في النفس، يعِفُّ به الإنسان عما ليس له به حقٌّ، يحمله على ترك المحرمات والقبائح، يحمله على فعل الفضائل والمسابقة إلى أداء الحقوق، فهي شاملة لكل ما يتصل بالإيمان من الخصال، وكل ما يحسن به حال الإنسان.
الأمانة أخي عبد الله، إخواني وأخواتي المستمعين هي شاملة لكل هذه المفاهيم والمعاني.
يقول قائل: طيب عندما نفتح كتب التفسير على سبيل المثال ونقرأ ما ذكره العلماء في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء:58 يجد أن من العلماء من قال هذه الآية أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي مفتاح الكعبة بني شيبة بعد أن فتح الله عليه مكة، وآخرون يقولون إن الأمانة التي ذكرها الله تعالى هنا هي فيما يتعلق بالأموال[قاله ابن مسعود رضي الله عنه. تفسير القرطبي:14/254]، وهلمَّ جرًّا من التفسيرات الكثيرة التي ذكرها العلماء -رحمهم الله- في تفسير هذه الآية التي ذكرها الله تعالى، فمنهم من يقول على سبيل المثال: إنها أمانات الناس، إن المراد بالأمانة ائتمان آدم -عليه السلام- ابنه قابيل على أهله ولده[نسب إلى ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما. تفسير القرطبي:20/341]، يعني ثمة أقوال عديدة قد يتشتت القارئ في ضمها وجمعها في معنى واحد، لكن يمكن أن نخرج من هذا كله بما ذكره العلماء في التنبيه إلى ذلك بأن الأمانة لا تنحصر في صورة من الصور.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآية: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تَنَافي بينها، بل هي مُتَّفِقَة وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إذا قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب.[تفسير ابن كثير:6/489]
فالأمانة تشمل كل ما أمر الله تعالى به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الواجبات العامة والخاصة في النفس وفي المال وفي العقل وفي العرض وفي النسب، وفي حق الله وفي حق الخلق، كل ذلك يدخل في الأمانة التي أُمر الناس بأدائها، والمحافظة عليها.
ولذلك فهم الأمانة بهذا المفهوم الواسع يعطيك سعة فهم المقصود بالآية، وفهم ما ورد من نصوص للأمانة في مواضع عديدة، فذكرت الأمانة على سبيل المثال في الأموال في قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ البقرة:283.
وذكر أيضًا ذلك في ما ذكره الله تعالى من حال أهل الكتاب: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ آل عمران:75 فأثنى الله على فريق يؤدي الأمانة، ولو عظمت في الأموال، وفريق يجحدها ولو قَلَّت في أدنى ما يكون من الأموال.
وكذلك في قوله -جلّ وعلا- في وصف المؤمنين قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ المؤمنون:8 فهذا يشمل كل ما ائتمن عليه أهل الإيمان من الحقوق والواجبات التي لله -عز وجل- ولرسوله.
أيضًا الأمانة تتعلق بالودائع وما استُحفظ به الإنسان كما قال تعالى في قصة يعقوب: ﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ يوسف:64، فجعل الأمانة هنا فيما يتعلق بحفظ من كُفل بحفظه وعهد إليه برعايته من الولد.
إذًا الأمانة ليست مقصورة على صورة أو على نموذج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفة يقول: «اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله» أي بالعهد الذي أخذه عليكم، وأمركم به واستوثقه منكم، فقال: «أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يطأ فُرشَكم أحدٌ تكرهونه»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1218/147] إلى آخر الحديث.
فأداء الأمانة يشمل كل هذه الأوجه، ومنه قول النبي- صلى الله عليه وسلم- على سبيل المثال: «والمؤذِّن مؤتَمن»[أخرجه أبو داود في سننه:ح517، وصححه الألباني في صحيح أبي داود:ح530]، مؤتمن على ماذا؟ مؤتمن على الوقت، حفظًا ورعاية، ومؤتمن فيما إذا كان يؤذن على مكان مرتفع، في حفظ بصره أن يطلع على عورة أحدٍ من الناس.
مسألة الأمانة لا تختص جانبًا من الجوانب، بل تشمل جميع حياة الإنسان، ولهذا أنا أذكر هذه الشواهد فقط لأدلِّل على المعنى الذي تقدم من أن الأمانة لا تنحصر في صورة، ولعلي أختم بهذا النموذج في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر سرَّها».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح1437/124]
فجعل حفظ الأسرار التي تكون من الأزواج، وما يكون بينهم من أمور خاصة من أعظم الأمانة التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وبالتالي ينبغي للمؤمن أن يفهم أن الأمانة ليست محصورة في مبلغ تحفظه لغيرك ثم تؤديه، أو تستودع شيئا فتحفظه، إنما الأمانة تتعلق بصلتك بربك في حقوق الله وواجباته، تتعلق بصلتك بأهل الحقوق من الخلق الذين فرض الله عليك حقًّا لهم كبِرِّ الوالدين وصلة الأرحام، حقوق الزوجات، حقوق الأولاد وما أشبه، حقوق الجيران، حق المسلم على المسلم ثم الحقوق الثابتة بالعقود، والتي يتعاقد فيها مع الناس ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ المائدة:1 كل ذلك يندرج في الأمانة التي أثنى الله تعالى على أهلها وأمر بأدائها.
المذيع: بعد هذه المقدمة وهذه التوطئة نستأذن الشيخ خالد في نأخذ اتصالات وقبل ذلك نعلن أرقام التواصل: 0126477117، 0126493028، الرقم المخصص للواتس آب 0582824040، وعبر الوسم المخصص على تويتر للبرنامج "الدين والحياة"، موضوعنا متواصل في برنامج "الدين والحياة" عن الأمانة ونأخذ الاتصال الأول من إبراهيم منصور تفضل يا إبراهيم.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: مساك الله بالخير.
المذيع: مساك الله بالنور.
المتصل: بدي أسال الشيخ عن موضوع آخر، عن العنصرية القبلية عندنا هنا؟
الشيخ: نعد الأخ إبراهيم إن شاء الله نجيبه في حلقة قادمة.
المذيع: طيب شكرًا لك أخ إبراهيم، الأخ عبد العزيز تفضل أخ عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم وحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله، كيف حالك؟
المذيع: أهلا وسهلا، حياك الله.
المتصل: حياك الله فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياك الله، يا مرحبًا.
المتصل: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ النساء:58 هل هي في ولاة الأمر خاصة أم للناس عامة؟
السؤال الثاني بارك الله فيك: أسرار الحياة الزوجية هل تدخل في الأمانات حيث إن بعض الرجال والنساء للأسف تجده ينشر بعض المشاكل، ينشرها للآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما زار فاطمة وقد حصلت مشكلة بينها وبين زوجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه سأل عن علي قالت: هو في المسجد، ولم تخبره عن المشكلة، نصيحة للأزواج والزواجات الذين ينشرون المشاكل عند الآباء وعند الأمهات وعند غيرهم، ماذا نقول لهم؟ وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: شكرًا عبد العزيز، ومن عبد العزيز لعبد الله الخالدي بالرياض تفضل يا عبد الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام رحمة الله.
المتصل: مساكم الله بالخير جميعًا، مشاركة عن الأمانة، والأمانة ما شاء الله، نجد أن الصدق والأمانة، الصدق دائمًا مرتبط بالأمانة، فإذا ذُكر أحدهما يتبادر إلى الذهن الشيء الآخر، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يلقَّب بالصادق الأمين، لا يمكن أن نتخيل مجتمعًابدون أمانة، ولا يمكن أن نتخيل تبعات ضياع الأمانة، الغش والكذب، الأمانة من سنن الأمان للمجتمع، أمة لا أمانة لها ليس لها حضارة، فالأمين دائمًا محبوب، سواء في عمله، في كل ما يقوم به، الأمانة شيء جميل جدًّا، شاكر لكم وبارك الله فيكم.
المذيع: شكرًا يا عبد الله، ماذا يا شيخ إذا أحببت أن نعلق على بعض الأسئلة، ربما موضوع أسرار الحياة الزوجية أتيتم عليه في آخر حديثكم قبل الاتصالات، مسألة الأمانة التي نصت عليها الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء:58 هل الأمر مقتصر على الأمانات التي تؤدى اتجاه ولاة الأمر في حقوقهم أم في عامة الناس؟
الشيخ: الآية شاملة لكل هذا، فهي موجهة لكل مؤمن ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ والخطاب لجميع المؤمنين، من الرعاة والرعية، ولاة الأمر وممن عليهم الولاية جميعًا مأمورون بأداء الأمانة «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»[صحيح البخاري:ح893] فما جاء من تفسير الآية في بعض أوجه الأمانة ليس قصرًا للآية على هذا المعنى، بل هو من باب التفسير بالمثال، وقد ذكرت شواهد هذا في ما يتعلق بعموم الحال وخصوص الأمانة في خاصة الإنسان نفسه، والأمانة فيما يتعلق بعلاقته بمن حوله، والأمانة فيما يتعلق بحق الله -عز وجل-، والأمانة فيما يتعلق بالأموال، وفي غير ذلك من أوجه ما اؤتمن عليه الإنسان، الأمانة حق من الحقوق التي ينبغي أن تراعى وأن تحفظ.
المذيع: مسألة تقاطع هذه الصفة وهذه القيمة العالية مع العديد من الأخلاق الكريمة في هذا الدين الإسلامي الحنيف كالصدق والوفاء وغير ذلك، ربما إذا كان بالإمكان نوضح بعض الأمور في هذه الناحية.
الشيخ: أخي الكريم الأمانة أصل لكل خصال الإيمان كما ذكرت قبل قليل، فهي أصل الصبر، أصل الحلم، أصل الصدق، أصل البر والإحسان، أصل لكل الخصال الفاضلة الكريمة التي ندبت إليها الشريعة، وذكر مفردات هذه الخصال أو هذه الخصلة في الآيات أو في الأحاديث ليس إخراجًا لهذه الصفات عنها، إنما بيان لخصوص هذا الوجه من الأمانة بالعناية والرعاية والارتباط الوثيق بين الأمانة وبين هذه الخصال.
فالله -عز وجل- على سبيل المثال ذكر: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ المؤمنون:1- 7 ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ المؤمنون:8، 9 يعني كل هذه الآيات حقيقة هي مما يندرج في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ المؤمنون:8 لكن تفصيل هذه الخصال من الخشوع في الصلاة، الإعراض عن اللغو، أداء الزكاة، حفظ الفروج، عمَّا يجب أن تحفظ عنه، أداء الصلاة في وقتها والمحافظة عليها، كله من أداء الأمانة، ومن حفظ الأمانة، ومن رعايتها التي أثنى الله تعالى على أهلها، وبالتالي ثمة تقاطع وارتباط بين هذه الخصال والأخلاق التي أمرت الشريعة بها وندبت إليها وبين الأمانة، فالصدق من الأمانة؛ لأن الصدق هو إخبار بالواقع والخلاف لذلك هو خيانة للأمانة التي ائتمن عليها الإنسان بأن لا يقول إلا حقًّا، وألا يخبر إلا بما يطابق الواقع.
المذيع: من الفروع التي يمكن أن تذكر في هذا السياق يا شيخ خالد التذكير بأن كما تفضلت في بداية الحديث عن هذه الأمانة بأنها ليست محصورة في صورة معينة، وإنما هي صورة عامة تجمع الكثير من الخصال الحميدة، ولعل من أهمها أن يراعي الإنسان حقوق الله -سبحانه وتعالى-، وكذلك حقوق عباده من الناس، لكن هناك العديد من الفروع أو العديد من الصور التي تندرج تحت هذا المفهوم الكبير، أو هذا الخلق العظيم، وهذه القيمة مسألة ربما التنصيص على أو التنويه عن مسألة أن من الأمانة إقامةَ شرع الله في حنايا النفس، وفي حياة الناس، كذلك أيضًا إضافة إلى مسألة حفظ الحقوق، وكما تفضلتم مراقبة السمع ومحاسبة والبصر ومتابعة الفؤاد.
لكن من الأمور المهمة يا شيخ التي يمكن أن يذكر بها في هذا الحديث مسألة صون العلم وأمانة العلم يا شيخ.
الشيخ: بالتأكيد الأمانة في العلم من أشرف الأمانات، ولذلك ذكرت قبل قليل في صدر الحديث أن الأمانة لا يؤديها جاهل، من مقومات وشروط أداء الأمانات العلم.
ولذلك قال الله -عز وجل- في بيان أعظم ما يعثر به الإنسان عن أداء الأمانة: ﴿وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الأحزاب:72، فالجهل من أعظم ما يوقع الإنسان في الإخلال بالأمانة في حق الله، وفي حق الخلق، ولذلك لا بد للإنسان من علم ومعرفة حتى يؤدي الأمانة التي ائتمن عليها، وهذا العلم ليس علمًا يعني خياريًّا إن شاء أخذه الإنسان وتعلمه، وإن شاء لم يتعلم، بل هو من العلوم العينية الواجبة التي ينبغي للإنسان أن يشتغل به لإقامة ما يجب عليه من الحقوق.
أخي الكريم النبي صلى الله عليه وسلم منذ أوائل بعثته كان يؤكد على حقين، والعناية بهما على وجه الكمال حق الله وحق الخلق، وإذا نظرت إلى مجامع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الخصال والخلال الطيبة في أول بعثته وجدت أنها قواعد ترسي مكارم الأخلاق وتدعو إلى صالح الخصال.
هذا أبو سفيان يسأله هرقل كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يأمر به؟ قال أبو سفيان في خبره عن ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، لما سمع هرقل من أبي سفيان ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وهذه صفة نبي [أخرجه البخاري في صحيحه:ح7]
إن هرقل استدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته بما كان يدعو إليه؛ لأن الخصال التي يسمو بها حال الإنسان ويطلع بأداء الأمانة التي ائتمن بها، والإخلال بالأمانة هو من خصال المنافقين، وهو من خصال أعداء الرحمن من الكافرين، ولذلك يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما جاء في صحيح أبي هريرة: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح33] أي إذا طُلب منه حفظُ شيء من الأمور سواء كان حفظًا لأمر معنوي، أو حفظًا لمال، أو حفظًا لحق أو ما إلى ذلك خان الأمانة ولم يقم بها.
وقد جاء تأكيد هذا المعنى أيضًا في حديث عبد الله بن عمرو وقد زاد فيه خصلة كان فقال: «أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها» أول هذه الخصال قال: «إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح34]
وإذا تأملت أن جميع الخصال تعود إلى الأمانة بمفهومها العام، وإن كان قد أفردها النبي بالذكر، في قوله: «إذا اؤتمن خان» فهذا فيما يتبادر للذهن أحيانًا من معاملة الناس في الأمانات التي تتعلق بالودائع، سواء كانت ودائع أعيان أو ودائع متاع أو ودائع أموال، ولكن هذا لا يقتصر على هذا، بل حتى القول أمانة ينبغي أن يحفظه الإنسان من الكذب، والعهد أمانة ينبغي أن يحفظها الإنسان من الخيانة، والغدر في حال الخصومة الإنسان مؤتمن على نفسه بأن يكون عادلا فيما يقول فلا يفجر في الخصومة، فإذا فجر في خصومة كان خائنًا للأمانة.
المذيع: من الأسئلة التي يمكن أن يكثر عرضها في مثل هذه الموضوعات يا شيخ هو أنه لماذا نتحدث عن الأمانة، وربما يسأل البعض أنه ما هي تبعات غياب الأمانة في المجتمعات؟
الشيخ: تبعات غياب الأمانة هو فساد حال الناس في كل شؤونهم، فكلما ارتفعت الأمانة، الأمانة هي الأصل الذي يأتي بمنظومة خصال البر، الذي يأتي بكل خصال الفضل والخير، فإذا ارتفعت الأمانة عند ذلك يقع السوء والشر، وارتفاع الأمانة إما بالترويج للفساد والشر، وتخوين الأمين، وإما بنشر مقومات الخيانة بين الناس على أنها أمور عادية، أنها فضائل، لا يبالي بأداء الحقوق.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان علامات الساعة: «إن الله يبغض الفُحش والتفحُّش»، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، حتى يظهر الفحش والتفحش»[أخرجه أحمد في مسنده:6872، والحاكم في مستدركه:ح253، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ] أول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عزّ وجلّ يبغض الفحش والتفحش، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ظهور الفحش والتفحش في الناس،والفحش هو كل قبيح من القول أو العمل أو الحال، والتفحش هو التظاهر والتسويق لتلك الشرور والمفاسد في المجتمع، أن ذلك بسبب تخوين الأمين وائتمان الخائن، أي في وضع الأمانة في غير موضعها.
فقد جاء في الصحيح من حديث حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: «أن الأمانة نَزَلَت في جَذْر قلوب الرجال، ثم عَلِموا من القرآن، ثم عَلِموا من السنة» فأخبر أن أول بشائر الخير والفضل في الناس هو نزول الأمانة في قلوبهم، والأمانة هنا بمعناها العام الذي يشمل الإيمان بالله ورسوله وكتبه والملائكة والقدر خيره وشره، وبعد ذلك جاءهم القرآن، جاءتهم السنة فعلموا فازداد فضلهم وخيرهم وشرفهم.
قال:«وَحَدَّثَنا عن رَفْعِها» أي حدّثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة وهي ارتفاع خصال الإيمان من قلوب الناس، وأعمالهم وسلوكهم قال صلى الله عليه وسلم: «يَنَام الرجلُ النومةَ فتُقبض الأمانة من قَلبِه فيظل أَثَرُها مثلَ الوَكْتِ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة، فيبقى فيه أثرها مثل المَجْل» هذا فيه تدرج ارتفاع الأمانة، زوال الأمانة من أخلاق الرجال، قال النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا حال الناس عندما ترتفع عنهم الأمانة ويزول عنهم آثارها وخصالها، قال: «ويُصبح الناس يَتَبَايَعون فلا يَكادُ أحدٌ يؤدِّي الأمانة، فيقال: إن في بني فلانٍ رجلًا أمينًا» لشحهم وقلتهم هذا شح أهل الأمانة الذي يفضي إلى فساد حال الناس ثم تنقلب المعاير فيخون الأمين ويؤتمن الخائن، وهذا معنى قوله:«ويُقال للرجل ما أَعْقلَه! ما أظرفه! ما أَجْلَدَه! وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6797 ]
أخي الكريم، هناك ارتباط وثيق بين خصال الإيمان والأمانة، بقدر ظهور خصال الإيمان في الناس بقدر ظهور الأمانة، طبعًا يعني لقائل أن يقول: ثمة مجتمعات غير مسلمة فيها عدل، فيها أداء حقوق، فيها مظاهر إيجابية قد لا تكون في بعض بلاد المسلمين لكن الذي يحمل الأمانة شيئان، أو يحمل الناس على أداء الأمانة أمران: أمر يحملهم على أداء الأمانة في كل الأحوال، وفي كل الظروف، ومع كل الناس وهو الإيمان.
الأمر الثاني: السلطان، النظام، العقوبات التي تحمل الناس على أداء الحقوق التي لا تنتظم حياتهم إلا بها، وهذه يُحتاج إليها بالتأكيد لكنها ليست لا تُقارن بأثر الإيمان في تحقيق الأمان والأمانة للناس؛ لأن سلطان القرآن يحملك على أداء الأمانة وأنت خال في جوف الليل في انفراد وخلوة، أن تحفظ حق الله في ما ائتمنك عليه غيره.
أما سلطان النظام، سلطان القانون، سلطان العقوبات فهو يحمل الناس على أداء الأمانة لكن فيما يخافون فيه العقوبات، وأما إذا غاب الرقيب تلاشى أثر النظام ففسد حال الناس، ووقع ما يعسر به حياتهم.
فما يكون في بلاد غير المسلمين من هذه الفضائل المتعلقة بأداء الأمانة، وما أشبه ذلك إنما هو بسبب حزم هؤلاء في تحقيق الأمان الذي يحقق لهم طيب المعاش.
الأمانة هي سبب السعادة في الحياة، المؤمن يحققها ليسعد في الحاضر ويسعد في المستقبل، وغير المؤمن يحققها ليسعد في حياته، لكنه لم يدرك شيئًا في آخرته فشتان بين الأمرين .
المذيع: يعني أن ذلك يا شيخ خالد إذا ما تحدثنا أيضًا عن الأمانة، عدم الحفاظ على هذه الأمانة والقيام بحقها وأدائها هو الخيانة بذاتها، لكن ما هي العقوبات التي ينالها المفرِّط في هذه الأمانة والواقع في هذه الخيانة في الآخرة؟ والتي جاءت في نصوص الكتاب والسنة.
الشيخ: الله -جلّ وعلا- في محكم كتابه أمر بأداء الأمانات فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ النساء:58، وقال: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ البقرة:283، وأثنى على الحافظين الأمانات والقائمين بها ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ المؤمنون:8، فالنصوص كثيرة في ذلك، وجاءت نصوص أخرى في التحذير من الخيانة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ الأنفال:27، فنهى الله -سبحانه وتعالى- عن خيانة الله ورسوله، ثم عاد ببيان تفصيلي بخيانة الله ورسوله، وهو مما يتعلق بخيانة الأمانات، فخيانة الأمانة بالتأكيد أنها هي الخروج لكل ما أمر الله تعالى به ورسوله فيما يتعلق بحق الله، وفيما يتعلق بحق الخلق، فيما يتعلق بالعامة، وفيما يتعلق بالخاصة، الإخلال بذلك يعرّض الإنسان لأنواع من عقوبات، وهي على نحو ثلاثة أنحاء:
النحو الأول: عقوبات تتعلق بالجنايات على الأنفس وما دونها، وهي القصاص والديات التي بيَّنَتها الشريعة، وهذا مع الإثم.
الثاني من العقوبات: عقوبة مقدَّرة شرعًا وهي العقوبات التي يسميها العلماء الحدود، وهي ما فيه عقوبة مُقدَّرة في الشرع كحد الزنا، حد السرقة، حد الحرابة، حد القذف، حد شرب الخمر، إذا تأملت أن هذه الحدود دائرة على: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ المال، حفظ العرض كل الحدود تدور حول حفظ هذه الأمور الخمسة.
النوع الثالث: وهذه العقوبات الدنيوية غير العقوبات الأخرى وهو ما أعده الله تعالى لمن عصاه.
العقوبات الدنيوية التعازير، وهي العقوبات غير المقدرة شرعًا، والتي ليس لها فيها حد ولا كفارة، فهذه يرجع تحديدُها إلى ولي الأمر، إلى الحاكم الشرعي الذي يقضي بعقوبة تتعلق بالنفس أو بالمال، أو عقوبة مادية أو معنوية، يرجع تقديرها إلى ما يراه ولي الأمر، فيما يردع الناس عن الإساءة والخطأ.
هذا كله فيما يتعلق بالعقوبات الدنيوية أما العقوبات الأخروية فإن عذاب الآخرة أعظم وأشد، إلا أن يكون ما ناله من الدنيا مكفِّرًا له عقوبة الآخرة فالإخلال بالأمانة هو سبب للعقوبة في الدنيا، وسبب للعقوبة في الآخرة.
المذيع: ربما هناك أيضًا ترادف بين مفهوم الخيانة والغدر يا شيخ، وربما يأتي في هذا السياق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3186 ] في هذه الأحاديث الوعيد الشديد في مسألة التفريط في هذه الأمانة والخيانة وسلوك مسالك الغدر، ولعلها فرصة يا شيخ أن نذكر بحفظ أمانة هذا الوطن الغالي، وهذه البلاد التي ميَّزها الله -سبحانه وتعالى- وفضَّلها في حين أنها أيضًا تواجه خيانة بعض من أبنائها الذين مرقوا وتنكبوا طريق الصراط المستقيم، ومكّن الله منهم -سبحانه وتعالى- بفضله ومَنِّه وكرمه، ثم بيقظة رجال الأمن البواسل.
الشيخ: بالـتأكيد أن الأمن يقوم على أداء الأمانة في كل مجتمع، وفي كل أمة، ولا شك أن أعظم ما يخل بالأمن هو فساد الأفكار الذي يتبعه فساد في الأعمال، ومن ذكرت من فئة ضلت الطريق وخانت الأمانة في مطاوعة الشيطان وتزيينه لهم سبل الرَّدَى، لا شك أن هذا من أعظم ما يتهدد المجتمعات المسلمة ليس اليوم، وليست بلادنا فحسب بل هذا الخطر حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل ما حذر منه صلى الله عليه وسلم من أبواب الضلال وسلوك الانحراف، ولذلك لم يأتِ في حق نوع من ضلال الاعتقاد وانحرافه كما جاء في حق الخوارج الذين يكفِّرون أهلَ الإسلام، ويقتلونهم، ويشيعون في الأرض فسادًا حتى قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن أَدْرَكْتُهم لأقتلنهم قتلَ عادٍ»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3344 ]، وهذا يبين خطير صنيعهم، وعظيم الشر المترتب على سوء اعتقادهم.
نحن -لله الحمد- ننعم بنعم جزيلة عديدة في الدين والدنيا، رأس ذلك وأعظمه اجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله، دستورنا الوحي الشريف، وما دل عليه هديُ النبي صلى الله عليه وسلم، حكامنا ولله الحمد يعظمون الشريعة ويقيمونها في خاصتهم وعامتهم، وفي أحكامهم، فمرجع الحكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، نحن -ولله الحمد- في هذه البلاد في أفضل البقاع، وأكرمها على الله -عز وجل- وأحبها إليه في الحرم الشريف مكة طهرها الله.
وكذلك في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فتح لنا بركات الأرض، ففي جوف أرضنا من الخيرات ما نحمد الله تعالى عليه، ونسأل الله تعالى أن يباركه.
كتب الله لنا قبولًا على المستوى الخاص والعام، قدمت بلادنا نموذجًا رائعًا رائدًا في تحكيم الشريعة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة، ثمة نعم عظيمة، منا من يتمدح بعض التقدم الذي يحصل في بلاد الدنيا من بلاد المسلمين هنا وهناك، وكل محسن يقال له: أحسنت، لكن لا يبلغ كثير من الممدوح من الإحسان في بلاد غيرنا ما ننعم به -ولله الحمد- في هذه البلاد، لا يبلغ عشر معشار ما ننعم به في هذه البلاد من توحيد الله -عز وجل-، من إظهار شعائر الدين، من التحاكم إلى الشريعة، من تسخير بركات الأرض وما يفتح الله على الناس من خيرات في خدمة المسلمين، وفي خدمة البلاد عامة ومن عليها.
نحمد الله على ذلك، هذه كلها أمانات، النعم أمانات، حفظها وأداء الأمانة فيها بشكر الله -عزّ وجلّ- وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم:7
فشكر هذه النعم من أداء الأمانة، وقطع يد الفساد التي تسعى لإذهاب هذه النعم، في كل وجه من أوجه الإفساد بالتطرف والإرهاب والتفجير والتكفير، وكذلك باتباع المنظمات والأحزاب والأفكار الخارجية التي تأتي من خارج البلاد لإفساده، سواء كانت صفوية، سواء كانت تكفيرية، سواء كانت إلحادية، سواء كانت مهما كان التوجه، نحن -ولله الحمد- ينبغي أن نقف أمام هذه الموجات التي تسعى للنيل منا وإفقادنا هذه النعمة وهذه المنة وهذه الأمانة التي اؤتمنا عليها.
رجال أمننا -ولله الحمد- يقومون بدور رائع وجهد وجهاد عظيم سواء من كان منهم يحفظ الأمن في الداخل،أو من كان منهم من الجنود الذين يرابطون أو يقاتلون على الحدود قائمين بأمر جليل عظيم لحفظ هذه الأمانة التي ائتمنا بها، وهي هذه النعم التي تفضل الله بها علينا، وقد ذكرت شيئًا منها، فنحمد الله تعالى عليها، ونسأله -جل في علاه- أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يبارك فيما أعطانا،وأن يصد عنا كيد الكائدين ومكر الماكرين وحسد الحاسدين، وأن يعيذنا من الفساد وأهله بكل أنواعه وطرقه، وأن ينشر في بلادنا الأمن والإيمان وخصال الفضل والخير والبر والإحسان، وأن يتفضل علينا باتباع الكلمة، وأن يوفق ولى أمرنا ونائبيه وسائر ولاة المسلمين إلى ما يحب ويرضى من البر والتقوى.
هذه من الجوانب التي ينبغي أن تذكر أو تذكر فتشكر؛ فإن ذلك من حق بلادنا علينا، ومن حق ولاتنا علينا.
المذيع: في آخر دقيقة يا شيخ، بشكل مختصر يا شيخ إن أمكن توجيه رسالة إلى الأسر ولوسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما ونحن على مقربة من شهر رمضان المبارك فيما يتعلق بضرورة احترام وسائل الإعلام لهذا الشهر العظيم وحرمته، وكذلك أيضًا الحفاظ على مشاعر المسلمين في أقطار الأرض فيما يتعلق بمسألة مراعاة الأمانة فيما يعرض وفيما ينشر وفيما يذاع ويبث يا شيخ.
الشيخ: بالتأكيد الإعلام أمانة عظيمة؛ لعظيم أثره وكبير أثره، فلذلك جدير بالمؤمن أن يرعى حق الكلمة، وحق هذه الوسائل التي يوصل بها ما عنده إلى الناس سواء كان ذلك في القول، أو كان ذلك في المرئيات، أو كان ذلك في المسموعات أو المكتوبات كل ذلك مما ينبغي أن تحفظ فيه الأمانة، فالكلمة أمانة، والإعلام أمانة، والنشء أمانة، وكل من مكنه الله تعالى أن يؤثر في الناس فإنه مؤتمن على ما يقدمه للناس من قول أو عمل، فإن كلمتك قد تهدي بها قومًا أو تُضِلُّ بها آخرين.
ونحن كما ذكرت مقبلون على شهر مبارك، جدير بكل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ حق الله فيما عظمه من الزمان، وأن يحفظ حرمة تلك اللحظات المباركة بدعوة الناس للبر والتقوى ومنع ما يمكن أن يكون من صنوف الشر والفساد، فإن الفساد والشر تطير به الآفاق، واليوم تأثير الكلمة الرديئة أعظم من أن يتخيله الإنسان؛ وبالتالي ينبغي أن يحفظ حق الله تعالى فيما ائتمنه عليه من كلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ الأحزاب:70.
المذيع: ومن الجدير أيضًا بالتذكير في هذا السياق أن يراعي ربُّ المنزل، أن يراعي الوالد، أن يراعي كلُّ من ولاه الله أمرًا الحفاظ على هذه الأمانة التي استرعاه الله إياها؛ لأنه سوف يُسأل عنها في الآخرة بين يدي الله -عز وجل-، شكر الله لكم فضيلة الشيخ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه والشريعة في جامعة القصيم المشرف على العام على فرع الرئاسة العامة البحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، أسأله تعالى أن يجعل ما تفضلتم به في هذا اللقاء في ميزان حسناتكم.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وأسأل الله أن يتقبل الدعوات، وأن ينفع بهذا البرنامج، وأن يبلغنا وإياكم رمضان ويرزقنا صالح الأعمال، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.