الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعِينَ.
أمَّا بَعْدُ.
فمِنَ الأُمورِ المُقترِنَةِ برَمَضانَ على مَرِّ الأعوامِ السِّجالُ الدائِرُ حَوْلَ صِحَّةِ تَوقيتِ أذانِ الفَجْرِ والمغرِبِ في التَّقاويمِ الَّتي تَنشُرُها، أو تَعتَمِدُها الجِهاتُ المُشرِفَةُ عَلَى المَساجِدِ، ورَحَى النِّقاشُ تَدورُ بَيْنَ مُشكِّكٍ في التَّقاويمِ داعٍ إلى عَدَمِ الالتِزامِ بِها، وبَيْنَ مُؤكِّدٍ صِحَّتَها وداعٍ للزُومِها، وكُلُّ فَريقٍ يُدلي بحُجَّةٍ يَنصُرُ بها ما ذَهبَ إلَيْهِ.
وعِنْدَ التَّأمُّلِ والنَّظَرِ في حِجَجِ الفَريقَيْنِ؛ نَجِدُ أنَّ عُمدَةَ المُشكِّكينَ فِيما ذَهبوا إلَيْهِ أخبارُ أفرادٍ اجتَهَدوا في الرَّصْدِ، فظَهرَ لَهم فُروقاتٌ بَيْنَ التَّقاويمِ وبَيْنَ ما رَصَدوهُ. وهُنا يَتبادَرُ تَساؤُلٌ، وهُوَ: أيُّهُما أوْلَى بالثِّقَةِ والاعتِمادِ؟ نَتيجَةُ رَصْدِ أفرادٍ أم رَصدُ جِهاتٍ مَعنيَّةٍ مُختصَّةٍ جَماعيَّةٍ؟
لا شَكَّ أنَّ الإنصافَ يَقتَضي اعتِمادَ ما صَدرَ عَنْ جِهاتِ الاختِصاصِ مَهْما كانَتْ ثِقةُ الأفرادِ؛ وذَلِكَ لعِدَّةِ أُمورٍ:
أوَّلًا: أنَّ التَّقاويمَ الصَّادِرةَ مِنْ جِهاتِ الاختِصاصِ ثَمرةُ عَملٍ دَؤوبٍ مِنْ جهاتٍ عَديدةٍ ذاتِ اختِصاصٍ؛ فهِيَ أقرَبُ إلى الثِّقَةِ والدِّقةِ والصِّحةِ مِنَ الاجتِهاداتِ الفَرْديَّةِ.
ثانيًا: أنَّ المُشكِّكينَ في اعتِمادِ التَّقاويمِ لأوقاتِ الأذانِ مُختلِفونَ اختِلافًا شَديدًا، وهَذا ناتِجٌ عَنْ أنَّهُ مُستنِدٌ إلى اجتِهاداتٍ فَرديَّةٍ يَعتَريها مِنَ القُصورِ أو التَّقصيرِ ما يَعتَريها مِمَّا هُوَ أبعَدُ عَنِ الاجتِهادِ الجَماعيِّ.
ثالثًا: أنَّ تَشكيكَ النَّاسِ في التقاويمِ يُفضِي إلى إيقاعِ الناسِ في حَرَجٍ واضطِرابٍ واختِلافٍ وفُرْقةٍ وفَوْضَى.
رابِعًا: أنَّ في إشاعَةِ الشُّكوكِ حَوْلَ التَّقويمِ نَوْعَ تَقدُّمٍ وافتياتٍ عَلَى الجِهاتِ ذاتِ الاختِصاصِ يُفقِدُ الناسَ الثِّقةَ بتِلْكَ الجِهاتِ.
خامِسًا: أنَّهُ في حالِ الاختِلافِ في الشَّأنِ العامِّ؛ فالمَرجِعُ في هَذا إلى ما يَراهُ وَليُّ الأمرِ، وقَدْ أشارَ ابنُ مَسعودٍ إلى مِثْلِ هَذا فِيما رَواهُ البُخاريُّ في صَحيحِهِ في صَلاةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الفَجْرَ في المُزدَلفَةَ؛ فعَنْهُ ـرَضِيَ اللهُ عَنْهُـ قالَ: "ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ" أخرجَهُ البُخاريُّ (1683). . ومَعَ ذَلِكَ صَلَّى الجَميعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
ويُقالُ لمَنْ رَأَى أنَّ أوقاتَ التقويمِ ليسَتْ بمُطابِقةٍ للوَقْتِ: إنَّهُ يَسعُكَ أنْ تَعمَلَ بما رَأيْتَ في خاصَّةِ نَفسِكَ دُونَ التَّشويشِ عَلَى الناسِ، وهَذا نَظيرُ حالِ مَنْ رُدَّتْ شَهادَتُهُ برُؤيَةِ الهِلالِ.
واللهُ وَليُّ التَّوفيقُ.
كتبه أخوكم
أد. خالد بن عبدالله المصلح
المشرف العام على فرع الرئاسة العامة
للبحوث العلمية والإفتاء بمنطقة القصيم