وردت أحاديث تفيد فضيلة تكرار العمرة والإكثار منها فنرجوا بيان المشروع في ذلك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / تطبيق مع الصائمين / الصيام فتاوى وأحكام / تكرار العمرة في رمضان
وردت أحاديث تفيد فضيلة تكرار العمرة والإكثار منها فنرجوا بيان المشروع في ذلك.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد
فلتكرار العمرة حالان:
الحال الأولى: أن يكرر العمرة في عدة أسفار:
فالذي عليه جماهير أهل العلم أن التكرار في هذه الحال مستحب، وبه قال أبو حنيفة([1])والشافعي([2])وأحمد([3])،، وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف. كما حكاه الماوردي([4])والسرخسي([5])واستدلوا لذلك بما جاء من الأحاديث في فضل العمرة عموما، وما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»([6]). وكذلك ما في " السنن" من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»([7])،وقد نقل ابن المنذر([8]) عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم تكرار العمرة قولا وفعلا منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وغيرهم كما سيأتي.
وخالف في ذلك الحسن البصري وابن سيرين ([9]) ومالك([10]) فكرهوا العمرة في السنة أكثر من مرة([11]). واستدلوا لذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكررها في عام واحد مع قدرته على ذلك([12]). «قال ابراهيم النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة»([13]).
الحال الثانية: أن يكرر العمرة في سفرة واحدة.
وفيها للعلماء عدة أقوال:
القول الأول: يجوز تكرار العمرة في سفرة واحدة، وبه قال جمهور العلماء، قال ابن عبد البر:«الجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة»([14]). وقال النووي:«لا يكره عمرتان وثلاث، وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا»([15]).واختاره شيخنا ابن باز([16]). وحجتهم أنه «عمل بر وخير، فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل، ولا دليل يمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»([17]).«وهو المروي عن الصحابة : كعلي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة ؛ لأن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرتها التي كانت مع الحجة والعمرة التي اعتمرتها من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الحصبة التي تلي أيام منى وهي ليلة أربعة عشر من ذي الحجة»([18]). و«قال علي : اعتمر في الشهر إن أطقت مرارا([19]). وروى سعيد بن منصور عن سفيان عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس: أن أنسا كان إذا كان بمكة فحمم رأسه خرج إلى التنعيم واعتمر»([20]).
القول الثاني: يكره تكرار العمرة في سفرة واحدة، مثل أن «يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة لم يفعله أحد من السلف، بل اتفقوا على كراهيته»([21])، هكذا قال ابن تيمية. وقد نقل النهي عن ذلك عن جماعة من السلف؛ منهم سعيد بن جُبير، وطاوس،وهو من أجلّ أصحاب ابن عباس، قال طاوس:"الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون"([22]). ومن الجدير بالتنبه أنه ليس في المنقول عن السلف القائلين ب جواز تكرار العمرة فعلها على نحو ما يفعله بعض الناس من تكرار العمرة في اليوم عدة مرات أو تكرارها يوميا، أو كل يومين ونحو ذلك.
والذي يترجح من هذه الأقوال: أن تكرار العمرة إذا كان لسبب كالذي حدث مع عائشة رضي الله عنها، فلا حرج في التكرار ولو كان في سفرة واحدة وقربت المدة، وذلك لما ثبت من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة بعد حجها،ومثله ما إذا كان يعتمر عن غيره، وكذلك يجوز تكرار العمرة إن طالت مدة الإقامة في مكة كما جاء عن أنس وغيره من الصحابة. وقد قُدِّر ذلك بزمن نبات الشعر بعد حَلْقهِ وهو عشرة أيام تقريبا، كما نُقل عن الإمام أحمد رحمه الله، أما إذا لم يكن سبب لتكرار العمرة فلا يشرع التكرار في مدة متقاربة لعدم الدليل. والله أعلم.
كتبه أخوكم
أ.د خالد المصلح
28 / 8 / 1438 هـ
([7]) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3669)، والترمذي(810)، وحسنه، والنسائي (2631)، وابن ماجه(2887)، وصححه ابن خزيمة (2512)، وابن حبان (3693).
([9]) نقله عنهما: ابن المنذر في "الإشراف" (3/ 377)، وابن قدامة في "المغني" (3/ 220)، والنووي في "المجموع"(7/ 149).
([10]) ينظر: "التوضيح في شرح المختصر الفرعي" لابن الحاجب (2/ 520)، "مواهب الجليل"(2/ 467)، "حاشية العدوي"(1/ 518).
([19]) أخرجه بنحوه البيهقي في الكبرى (8728)، والبغوي في شرح السنة (7/ 12). وينظر: مجموع الفتاوى (26/ 269).