المقدم: أهلا ومرحبًا بكم مستمعيَّ الكِرام في مطلع هذه الحلقة، يسرني باسمي وباسمكم أن أرحب بضيف حلقة اليوم، وهو ضيفي في كل يوم خميس طُوال شهر رمضان المبارك، فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، رئيس مكتب الإفتاء بمنطقة القصيم، والأستاذ بجامعة القصيم، أهلًا ومرحبًا بكم صاحب الفضيلة.
الشيخ: مرحبًا وأهلًا وسهلًا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلا بك أخي عبد الرحمن، أحييك وأحيي الإخوة والأخوات عبر هذه الإذاعة، وأسأل الله تعالى لي ولهم التوفيق والإعانة على الصالحات، وأن يجعل هذا الشهر شهرًا مباركًا بالخيرات، وأن يعيننا على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا.
المقدم: اللهم آمين، أحييكم شيخنا من جديد، والحديث عن شهر مبارك مع الشيخ خالد، والكلمة لكم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فأسأل الله تعالى من فضله أن يعيننا على اغتنام هذا الموسم المبارك، وأن يعيننا على ما فيه من خيرات، وأن يوفقنا إلى الفوز بما فيه من هِباتٍ وعطايا.
تتردد هذه الكلمة - أخي عبد الرحمن - على ألسنة الكثيرين، وفي رسائل الكثيرين: شهرٌ مبارك.. رمضان مبارك.. وما أشبه ذلك من الكلمات التي تدور حول فلك أن هذا الشهر شهر مميز، وهو مميز بأنه مبارك، ومعنى أنه مبارك يعني أنه كثير البركة، كثير الخير، كثير البر، كثير الإحسان، كثير الهبات، كثير العطايا، كثير الفضائل...
فهذا الشهر شهر له ميزة من بين الشهور، أنه شهرٌ اصطفاه الله تعالى وجعله محلًّا لأكبر تغيير في مسار البشرية، إنهُ التغيير الذي جرى على يد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كان مبدأ هذا التغيير في شهر رمضان عندما أُنزل القرآن على سيد ولد آدم في غار حراء، قبل ألف وأربعمائة وقريب من خمسين عامًا، ذاك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوحي إليه قبل الهجرة بثلاثة عشر عامًا، ولنا الآن قريب من ألف وأربعمائة وستة وثلاثين سنة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا العمر المديد الذي كان في هذه الرسالة المباركة هو التحول البشري الكبير الذي جرى بهذه الرسالة.
هذا الشهر المبارك فيه خاصية قدرية؛ أن الله اصطفاه بإنزال القرآن على خاتم الرسل، وهذا من أعظم بركاته؛ لذلك يقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ البقرة: 185 لم يذكر له خاصية أخرى، ولا ميزة أخرى توجب العناية به، والاهتمام له، وتفسر لماذا اختُص هذا الشهر بالصيام، يعني: لماذا لم نصم محرمًا؟ لماذا لم نصم شعبان؟ لماذا لم يكن الصيام في رجب؟ لماذا لم يكن الصيام في شهر ذي الحجة؟
الجواب: أن الصيام كان في شهر رمضان؛ لأن الله اصطفاه بإنزال القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ البقرة: 185، فهذا من بركات هذا الشهر المبارك؛ أنه شهر إنزال القرآن، أنه الشهر الذي اصطفاه الله لهذه الفريضة العظيمة من فرائض الإسلام، وهي صوم رمضان، أنه الشهر الذي تكثُر فيه عطايا الله عز وجل وهباته؛ فإنه من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.
ثم إن هذه الأعمال، وهذا الاختصاص القدري يوجب نشاطًا، وإقبالًا على الخيرات والصالحات، لذلك حتى أجود الناس وأطيبهم كان يزيد جُودُه في رمضان؛ ففي الصحيح من حديث ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس» هذا على وجه العموم «وكان أجود ما يكون في رمضان».
وهذا يدل على أن الشهر كان له ميزة وخاصية في زيادة جوده صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو شهر تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلَق فيه أبواب النيران، وتُصفد فيه الشياطين، ويُقبِل الناس فيه على العبادات بشتى صورها، ويُتلى كتاب الله عز وجل الذي فيه الخير وفيه الهداية لكل بر، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ الإسراء: 9، كل هذه المعاني تجعل هذا الشهر مميزًا خاصًّا بكثرة البركة فيه، وكثرة العطايا والهبات.
نسأل الله أن يجعلنا ممن صامه إيمانًا واحتسابًا، وممن قامه إيمانًا واحتسابًا، ومن فاز فيه بعظيم الأجر، وكبير الفضل من الله عز وجل.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخ خالد، وقد أتيتم في هذه المقدمة على العديد من النقاط، وأثرتم العديد من المسائل المهمة، في كونه شهر بركة وخير للمسلمين.
أيضًا قبل قليل عرجتم –شيخي الكريم- على الحديث الذي قلتم فيه، نقلًا عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ».
شيخي، هل تتكرم علينا بوقفة مع هذا الحديث؟
الشيخ: نعم، هذا الحديث، كما ذكرت، هو حديث يبين عظيم الفضل الذي يناله من أقبل على الله في هذا الشهر المبارك؛ لأنه شهر تنشط فيه النفوس لكل خير؛ تفتيح أبواب الجنان هو فتح حقيقي، وهو إشارة إلى تنوع الأعمال الصالحة، وإلى كثرة القادمين إلى بر الله عز وجل إحسانه، فالجنة هي أعظم بر، وأكبر إحسان من الله تعالى لعباده، ولم ينَل أحد البر إلا بأن يتقدم بالصالحات ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾، قال جماعة من المفسرين: الجنة ﴿حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران: 92 أي: حتى تبذلوا مما تحبون، الإنفاق هنا يمكن ألا يقتصر فقط على الإنفاق المالي، بل على أوجه البذل بكل صورها، فلن يبلغ الإنسان ما يؤمل من الخير إلا ببذل ما يحب في سبيل الله عز وجل، وفي ابتغاء مرضاته جل في علاه.
وتغليق أبواب النيران هو غلق حقيقي إيذانًا بأن أسباب الشر والفساد، وأسباب دخول النار قد حُجمت وضاقت، وحُدت حدًّا أفضى إلى إغلاقها، فينبغي للمؤمن أن يكسل عن كل رذيلة، وأن يتخفف من كل سيئة، وأن يسعى إلى التوبة، وإحداث العمل الصالح، حتى يمحو ما كان من سيئ العمل.
هذا الشهر فرصة لمغفرة السيئات، والزيادة من الحسنات؛ فإنه سبب للعطاء ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر: 10، وهو سبب للعفو والمغفرة «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبِه، ومَن قامَ رَمَضَانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ».
وما ذُكر من أن داعيًا يدعو: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، هذا فيه أن الداعي الذي يقذفه الله تعالى في قلوب الناس.. قد يكون هذا داعيًا حقيقيًّا يدعو النفوس، وقد يكون هذا ما يقذفه الله تعالى في قلوب الناس، من الرغبة في الخير، والكسل والتقاصر عن الشر، فينبغي لنا أن نجتهد في كل ما يقربنا إلى الله، وأن نحتسب الأجر في ذلك، وأن نبعد عن كل سيئة، وأن نحتسب الأجر في ذلك، فتركك السيئات حسنة، واشتغالك بالطاعات والمبرات حسنة.
أسأل الله أن يزيدنا وإياكم من فضله.