×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / عباد الرحمن / الحلقة (18) والصابرين والصابرات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3422

الحلقة الثامنة عشر: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35]

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًّا مباركًا فيه، أحمدُهُ حقَّ حمده، لا أُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه ومنِ اتبعَ سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:

فحياكم الله ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "عباد الرحمن".

هذا البرنامج الذي نُطَوِّفُ فيه بحثًا وحديثًا وعرضًا لخصالِ أطايبِ الناسِ وخِيارهم، إنها خصالُ عباد الله الذين  فَخَّمَ اللهُ قَدْرَهم، وعَظَّمَ شَأْنَهُم بأن أضافهم إليه، فهم عباده الذين  اختصهم اللهُ بالفضلِ والإنعامِ والإكرام والتشريف والتكريم؛ لذلك حريٌّ بنا أن نجتهد في معرفة هذه الخصال وفي التخلُّقِ بها؛ فإنهُ إذا عمِلَ العبد واجتهد في أن يسمو بنفسه، لا بدَّ أن يبلُغَ شيئًا من الخير، ويُدركَ شيئًا من الفضل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10] تزكية النفوس بالسموِّ بها إلى ما أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ بهِ من طيب الخصال.

فالشريعة كُلُّها في أوامِرِها ونواهيها، في عقائدها وأحكامها، دائرة على تحقيق الكمال في الخُلُق، وتتميم مصالح الأخلاق، كما قال ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» مسند أحمد(8925)، والحاكم(4221)، حكم الألباني: صحيح.  الأخلاق والخصال كثيرة التي فيها فضلٌ وفيها مدحٌ، وهيَ من خصالِ الكمالِ والجمال التي يتحلَّى بها أهلُ الإيمان، وأهلُ الصلاح، لكن من المهم أن يعرف المؤمن أنَّ تلك الخصال، تقومُ على أسس، وقواعد.

من القواعد الكبرى والأسس الأصيلة التي يُبنى عليها كمالُ الخلُق وجمالُ الخصال وحُسن الفِعال، من أهم ما يكونُ في ذلك الصبر، فالصبر مفتاحُ فضائلَ عديدة، مفتاحُ خيراتٍ كثيرة، فإنهُ «مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا، وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» صحيح البخاري(1469)، لماذا؟ لأنَّ الصبر يجلِبُ كُلَّ فضيلة، ويدفَعُ كُلَّ رذيلة، سواءً كانَ ذلكَ في حقوق الله، أو في حقوق الخلق؛ ولهذا أثنى اللهُ ـ تعالى ـ على الصابرين ومجَّدهم وذكرَ طيبَ فِعالهم، كما أنه ـ جلَّ وعلا أمرَ بالصبر وذكرهُ في مواضع كثيرة، وقد بلغَ الصبرُ منزلةً، أن قال اللهُ ـ تعالى ـ في أهله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

الصبر يتعلّق بكُلِ الفضائل، فليسَ ثمةَ فضيلة إلا وطريقُ تحصيلها الصبر، ولا هُناك أمرٌ إلا وطريقُ فعلِه الصبر، ولا هُناكَ نهيٌ ورذيلة ومنقصة إلا وطريقُ التخلي عنها والسلامة منها الصبر، وبالتالي الصبر يتخلل كُلَّ الفضائل، ويتخلل كُلَّ الجمال، الذي يسعى الإنسان، إلى أن يتصف به، كما أنهُ يتطرق لكُلِّ الأحوال التي يُمرُّ بها، فهو بحاجة إلى الصبر، ليقوم بطاعة الله ـ جلَّ وعلا ـ هو محتاج إلى الصبر لينتهي عما نَهى اللهُ عنه، هو محتاج إلى الصبر ليكُفَّ نفسهُ عن الجزع والغضب والتَّسَخُّط لما يقضيه الله ـ تعالى ـ من الأقدار. فصبرٌ على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخَّطها، وصبرٌ عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبرٌ على الأوامر والطاعات، حتى يقومَ بها، ويؤديها، وكُلُّ ذلكَ لا بدَّ فيه من الصبر، فالصبرُ يكونُ على الطاعة بفعلها، ويكونُ على المعصية بتركِها، ويكونُ على الأقدار المؤلمة التي تنزِلُ بالإنسان مما يكرهه، ولا يُحبُّ تحقيقًا ما أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ به، وطمأنينة بقضاء الله وقدره، ورضًا بما أجراهُ اللهُ ـ تعالى ـ مما يختبرُ بهِ الناس ويبتليهم، فإنَّ اللهَ ـ تعالى ـ يبْلُوَ العباد بالخير، والشر، كما قال ـ تعالى ـ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] إنَّ الصبرَ يظَهَرُ قدره بمعرفةِ كثرةِ ذكره في كلام الله ـ عز وجل ـ وأنَّ الله ـ تعالى ـ قرَنهُ بالصلاة، وأنهُ بهِ يقومُ الدين ويصلحُ العمل، واللهُ ـ تعالى ـ قد قال في مُحكَمِ كتابه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وقال ـ جلَّ وعلا ـ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فالصبرُ هو العتبة التي يرتقي بها الإنسان إلى الكمالات، ويُبلغُ بها أعلى الدرجات، وبهِ يجمعُ الفضائل؛ ولذلكَ لَمَّا ذكرَ اللهُ ـ تعالى ـ الخصال التي ينجو بها الإنسان من الخسار في سورة العصر، فقال: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 1 - 3] ثم قال: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وذكرُ الصبرِ هُنا في ختامِ هذه الخصال تأكيدًا على أنَّه لا يمكن أن يتحقق إيمان ولا يتحقق عملٌ صالح ولا يتحقق تواصٍ بالحق، إلا إذا تواصى الإنسانُ بالصبر، فقامَ بهذا الصبر الذي يُطيِّبُ الخصال، ويُحقِّقُ الكمال للإنسان، فإنهُ لا ينالُ الخيرَ إلا بالصبر؛ ولهذا ذكرَهُ اللهُ ـ جلَّ وعلا ـ في سياق خصال الْبِرِّ، فقال ـ تعالى ـ في ختمِ ذكرِ ما يتصف بهِ الأبرار، قال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، ولا يمكن أن يحصل تمكينٌ ولا فوز ولا نجاح إلا بالصبر؛ ولذلك قال: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]، فالصبرُ يبلُغُ بهِ الإنسان موعُودَ اللهِ في الدنيا ويبلُغ بهِ الفوز في الآخرة؛ ولذلكَ قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] هيَ أمرٌ من الله ـ عز وجل ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يُبَشِّر الصابرين {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 156، 157]، فلذلكَ جديرٌ بالمؤمن أن يتحلَّى بهذه الخصال، واللهِ لولا الصبر ما طاب عيش؛ ولذلك قال عمرُ – رضي اللهُ تعالى عنه -: "وجدنا أطيب عيشنا بالصبر" أي: أنهُ أدرك أطيب العيشِ بالصبر، فإنهُ إذا فَقَدَ الإنسانُ الصبرَ، ولم يستعمله في حياته فَقَدَ الفضائل، وتورط في السيئات والرذائل، وجزِعَ وتكدَّرَ عيشه بسبب ما يعتريه من الأكبادِ والأضرارِ والنوازل التي لا تخلو منها حياة.

كُلُّ مَنْ لَاقَيْتُ يَشْكُو دَهْرَهُ            لَيْتَ شِعْرِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِمَنْ؟

واللهُ ـ تعالى ـ قد قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، ومقتضى هذا الكبد أن يُقابِلَهُ الإنسان بالصبر، فالصابرون همُ الفائزون، الصابرون همُ الناجحون، الصابرون همُ المدركون للفضائل، الصابرون همُ الذين يجدون من اللهِ عونًا، فاللهُ ـ تعالى ـ قد أمر بالصبر، ووعد الصابرينَ بمعيَّتِه وتوفيقه، وقال: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]، وقال ـ جلّ وعلا ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} [آل عمران: 200] ثم قال: {وَصَابِرُوا} وهذا تأكيد لهذه الخصلة، {وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وقال ـ جلّ وعلا ـ في خطابه لرسوله: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109] هذه الآيات - وغيرُها كثيرٌ - التي يأمرُ اللهُ ـ تعالى ـ فيها بالصبر، ويُبيّنُ فيها اللهُ جلَّ وعلا عظيمَ منزلة هذه الخصلة، وأنَّ كُلَّ الخصال الفاضلة والخصال الكريمة لا تُنال إلا بالصبر؛ ولذلكَ قيل: "الصبرُ نصف الدين، فالدينُ نصفهُ صبرٌ، ونصفه شُكر"، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يتحلَّى بالصبر، ويتخَلَّقَ به، وأن يكونَ لهُ في السابقين من أولي العزمِ من الرسل والنبيين أسوةٌ؛ فاللهُ ـ تعالى ـ يقول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]، ويقول: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، في خطابهِ للنبي ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ يقول: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: 85]؛ لذلك من الجدير بالمؤمن أن يتحلَّى بهذا الصبر، وأن يسأل اللهَ ـ تعالى ـ أن يُفْرِغَ عليهِ صبرًا؛ ولهذا كان من دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} [البقرة: 250] أي: املأ قلوبنا صبرًا على ما أمرتنا به فعلًا، وعلى ما نهيتنا عنهُ تركًا، وعلى أقدارك وأَقْضِيَتِكَ تحمُّلًا، فإنهُ بالصبرِ يبلُغُ الإنسانُ السمُوَّ والعلو والخير، يكفي في ذلك ما قالهُ سيّد الورى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا، وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» صحيح البخاري(1469) ، واعلم أنَّ الصبرَ خُلُقٌ مكتسب، فالتصبُّر يُدرُكُ الصبر، "ومن يتصبّر يُصبِّرُهُ الله".

أسأل الله أن يُفرِغ عليَّ وعليكم صبرًا، وأن يُعيننا وإياكم على طاعته، وأن يفرغ علينا من فضلهِ وإحسانه، وأن يُكمِّلَنا إلى ما نسمو إليهِ من خصال عباد الرحمن، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، واصرف عنّا سيِّئها، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، ولا يصرف عنَّا سيئها إلا أنت.

إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" استودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف