الحَمدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فيهِ كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضَى، أحمَدُهُ حَقَّ حَمدِهِ لا أُحصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كما أثنَى عَلَى نَفسِهِ، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ ومَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ واقتَفَى أثرَهُ بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أمَّا بَعدُ.
فإنَّ خَيرَ ما تُصرَفُ فيهِ الأوقاتُ وتُعمَرُ فيهِ الأزمانُ وتُشغَلُ فيهِ الأذهانُ فَهْمُ كَلامِ المَلِكِ الدَّيانِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ فإنَّ اشتِغالَ المُؤمِنِ بتَدَبُّرِ القُرآنِ وفَهمِهِ مِنْ أعظَمِ الأعمالِ أجرًا، ومَنْ أكبَرِها نَفعًا، فإنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ أنزَلَ القُرآنَ هُدًى للناسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى، يَدَلُّهم عَلَى اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ ويُعرِّفُهُم بِهِ، ويَدلُّهُم ويُعرِّفُهُم بالطَّريقِ المُوصِّل إلَيْهِ.
فالقُرآنُ العَظيمُ خَيرُ ما اجتَمعَتْ عَلَيْهِ القُلوبُ وتَأمَّلتْهُ الأفئِدَةُ وأعملَتْ فيهِ الأذهانُ، وأمضَى الإنسانُ فيهِ الأوقاتَ، لذَلِكَ رَتَّبَ اللهُ ـ تَعالَى ـ أجرًا عَظيمًا وجَزاءً وَفيرًا وعَطاءً جَزيلاً للمُشتَغلينَ بتَدارُسِ هَذا الكِتابِ المُبينِ، فقَدْ جاءَ في الصحيحِ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «ما اجتَمعَ قَوْمٌ في بَيتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارسونَهُ بَيْنُهم إلَّا حَفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وغَشيَتْهُمُ الرحَمَةُ، وتَنزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكينَةُ، وذَكرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَهُ» صحيحُ مُسلمٍ (2699).
هذهِ الهِباتُ وهذهِ المِنَحُ لكُلِّ قَومٍ اجتَمَعوا عَلَى كِتابِ اللهِ ـ تَعالَى ـ لمُدارَسَتِهِ وتَفهُّمِهِ وتِلاوتِهِ ومَعرفَةِ مَعانيهِ والانتِفاعِ بِما فيهِ، فجَديرٌ بالمُؤمنِ أنْ يَبذُلَ وَقتَهُ وأنْ يُمضِيَ زَمانَهُ في تَفهُّمِ كَلامِ رَبِّه، فإنَّهُ يُدرِكُ الرحْمَةَ ويُدرِكُ السكينَةَ ويُدرِكُ صُحبَةَ المَلائكَةِ، ويُدرِكُ فَضلاً عَظيمًا بذِكْرِ اللهِ لَهُ، فإنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ يَذكرُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ وذَكرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ للعَبدِ مِنْ أعظَمِ المِنَحِ وأجَلِّ المِنَنِ، فإنَّ ذِكرَ اللهِ ـ تَعالَى ـ لعَبدِهِ يَقتَضي كُلَّ خَيرٍ ويُوجِبُ كُلَّ عَطاءٍ ويُؤذِنُ بكُلِّ مِنحَةٍ ورَحمَةٍ وفَضلٍ.
ولهَذا يَنبَغي أنْ يُعمَرَ الوَقْتُ بمِثلِ هذِهِ الأعمالِ الَّتي تَصلُحُ بِها القُلوبُ وتَزكو بها الجَوارِحُ ويُدرِكُ الإنسانُ بها الهِدايَةَ، فقَدْ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراءِ:9] ، وكّلَّما اشتَغلَ الإنسانُ بكِتابِ اللهِ تَعالَى تِلاوةً وتَدبُّرًا وتَفهُّمًا زادَ عَقلُهُ ورَسخَ إيمانُهُ وصَلَحَ قَلبُهُ وانكَشفَ لَهُ مِنَ الهُدَى ودِينِ الحَقِّ ما يَعرِفُ بِهِ حَقَّ رَبِّهِ، وما يُحقِّقُ بِهِ غايَةَ وُجودِهِ ويُدرِكُ بِهِ أيضًا أسبابَ السعادةِ والفلاحِ، كما أنَّهُ يُدرِكُ الطَّمأنينَةَ والبَهجَةَ في قَلبِهِ، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرَّعْدِ:28] .
فكُلُّ مَنْ أقبَلَ عَلَى القُرآنِ تِلاوةً وفَهمًا انفتَحَتْ لَهُ أبوابُ البَركَةِ، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص:29] ، فبَعْدَ أنْ أخبَرَ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ في هذهِ الآيةِ بأنَّ القُرآنَ مُبارَكٌ ذَكرَ الطريقَ الَّذي تُدرَكُ بِهِ تِلكَ البَرَكاتُ ويَحصِّلُ الإنسانُ بِهِ تِلكَ الخَيراتِ، قالَ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾أي ليَتفَكَّروا ويَتأَمَّلوا ويَنظُروا في هذهِ الآياتِ وما تَضمَّنتْهُ مِنْ دَلالاتٍ، فإنَّ هذهِ الآياتِ وما تَضمَّنتْهُ مِنْ دَلالاتٍ اشتَملَتْ عَلَى أعظَمِ الهِداياتِ، قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ:﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)﴾[البَقرَةِ:1-3] ، ثُمَّ ذَكرَ مِنْ أوصافِهِم ما ذَكرَ، فذَكرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ أنَّ هَذا القُرآنَ ليسَ بِهِ شَكٌ ولا رَيْبٌ، إنَّما هُوَ هِدايَةٌ لمَنْ اتَّقاهُ، ولا تَتحقَّقُ التَّقوَى إلا بالعِلمِ، ولا سَبيلَ إلى العِلمِ إلا بمَعرفَةِ ما ذَكرَهُ اللهُ ـ تَعالَى ـ في كِتابِهِ مِنَ الأدلَّةِ عَلَيْهِ والمَعرفَةِ بِهِ، ومِنَ الآياتِ والبَراهينِ الدالَّةِ عَلَى ربِّ العالَمينَ والمُبيِّنَةِ لعَظيمِ قَدرِهِ وجَليلِ حَقِّهِ، والطَّريقِ المُوصِّلِ إلَيْهِ.
فيَجْدُرُ بكُلِّ مُؤمنٍ أنْ يَعتَنِيَ بالقُرآنِ لا سِيَّما في هَذا الشهرِ وهُوَ شهرُ الصيامِ والقيامِ، وشهرُ تِلاوَةِ القُرآنِ هُوَ الشهرُ الَّذي خَصَّ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ هَذا القُرآنَ فأنزَلَهُ فيهِ كما قالَ ـ تَعالَى ـ:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البَقرَةِ:185] ، لهَذا كانَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ـ يُولِي القُرآنَ في هَذا الشهرِ مِنَ العِنايَةِ ما لا يَكونُ في غَيرِهِ مِنَ الأشهُرِ، فقَدْ جاءَ عَنْهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ في الصحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَباسٍ أنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ كانَ يُدارِسُ جِبريلَ القُرآنَ كُلَّ لَيلةٍ مِنْ لَيالي هَذا الشهرِ المُبارَكِصَحيحُ البُخاريِّ (6)، وصَحيحُ مُسلمٍ (2308) ، وكانَتْ هذهِ المُدارسَةُ عَظيمَةُ النفْعِ، عَظيمَةُ الأثَرِ.
ولتَعرِفَ ذَلِكَ انظُرْ إلى ما ذَكرَهُ ابنُ عَباسٍ: "كانَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ أجودَ الناسِ، وكانَ أجودَ ما يَكونُ حِينَ يَلقاهُ جِبريلُ، وكانَ جِبريلُ يُدارِسُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- القرآنَ كلَّ لَيلَةٍ فَلَرَسُولُ اللهِ أجوَدُ بالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ"، أثَرُ ذَلِكَ التدَبُّر وأثَرُ تِلْكَ المُدارسَةِ التي زُكِّى بها عَملُهُ وهُوَ أطيَبُ الناسِ عَملًا، وأجوَدُ الناسِ ـ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ ـ فيَزيدُ جُودُهُ بالقُرآنِ ومُدارسَتِهِ وتَعلُّمِهِ ومَعرفَتِهِ.
فيَجدُرُ بالمُؤمنِ في شهرِ القُرآنِ أنْ يَكونَ لَهُ حَظٌّ مِنْ مُدارسَةِ هَذا الكِتابِ ومَعرفَةِ مَعانِي آياتِهِ والتدَبُّرِ لَهُ وألَّا يَقتَصِرَ فَقطْ عَلَى سَماعِهِ ولا عَلَى تَلاوَتِهِ الَّتي لا يَقِفُ فيها عِندَ المَعاني ولا يَعتبِرُ فيها بالعِظاتِ ولا يَعرِضُ فيها نَفسَهُ عَلَى القرآنِ، فإنَّ كَثرَةَ القِراءَةِ إذا خَلَتْ مِنْ فَهمِ المَعاني لم يَكُنْ لها مِنَ الأثَرِ ما للقِراءَةِ الَّتي يَكونُ الإنسانُ فيها حاضِرَ القَلبِ، مُتدَبِّرًا واعيًا مُتفكِّرًا مُتأمِّلاً للمَعاني، فإنَّ ذَلِكَ يَفتَحُ لَهُ أبوابًا عَظيمَةً مِنَ الأثَرِ والانتِفاعِ بالقُرآنِ، ولذَلِكَ قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: تِلاوَةُ آيَةٍ بتَدبُّرٍ خَيرٌ مِنْ خَتَماتٍ، خَيرٌ مِنْ أنْ يَقرأَ عَددًا مِنَ الخَتماتِ؛ لأنَّ المَقصودَ ليسَ كَثرَةَ القِراءةِ، المَقصودُ وَعْيُ القُرآنِ، فَهمُهُ، تَدبُّرُهُ، إدراكُ مَعانيهِ.
ولهَذا جاءَ رَجُلٌ إلى عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ ـ كما في الصحيحِ فقالَ: "يا أبا عَبدِ الرحمَنِ قَرأْتُ المُفصَّلَ في رَكعَةٍ، أي قَرأْتُ المُفصَّلَ مِنْ سُورةِ ق أو الحُجُراتِ إلى الناسِ في رَكعَةِ، فقالَ: أهذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ" صحيحُ البُخاريِّ (775)، وصحيحُ مُسلمٍ (822) ، يَعنِي أقَرأْتَهُ عَلَى هَذا النحْوِ الَّذي تَقرَأُ فيهِ الآياتِ دُونَ وُقوفٍ عَلَى مَعانيها، ودُونَ اعتِبارٍ بما فيها، ودُونَ تَدبُّرٍ لدِلالاتِها، "أهذًّا كهَذِّ الشِّعْرِ"، قالَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ ـ في رِوايةِ أحمَدَ: "لا تهذُّوهُ هَذَّ الشِّعرِ، ولا تُنثِروهُ نَثْرَ الدَّقلِ، قِفوا عِندَ عَجائِبِهِ وحَرِّكوا بِهِ القُلوبَ"مُصنَّفُ ابنِ أبي شَيبةَ (8733)، وشُعَبُ الإيمانِ (1883) هَكذا يَكونُ القرآنُ نافِعًا، هَكَذا يَكونُ القرآنُ مُؤثِّرًا، هَكذا يَكونُ القرآنُ عَظيمُ الأجرِ كَبيرُ الفَضلِ في الثوابِ والعَطاءِ مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ فيَجدُرُ بالمُؤمنِ أنْ يَعتَنِيَ بفَهْمِ مَعانِي كَلامِ اللهِ، فإنَّ فَهمَ المَعانِي هُوَ الدَّرجَةُ الأُولَى، هُوَ الخُطوَةُ الأُولَى، هُوَ العَتَبةُ الأُولَى الَّتي مِنْ خِلالها يَصِلُ إلى التدَبُّرِ، فلا تَدبُّرَ بلا فَهمِ المَعاني، فالَّذي لا يَفهَمُ مَثلًا قَوْلَ اللهِ ـ تَعالَى ـ:﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2] أنَّهُ الَّذي يُقصَدُ في الحاجاتِ، كَيفَ يُمكِنُ أنْ يتَدبَّرَ هذهِ الآيةِ ويَعتَبِرُ بها، يَقرَأُ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾كما يَقرأُ أيَّ كَلِمةٍ لا يَعرِفُ مَعناها، إذا كانَ لا يُدرِكُ أنَّ الصَّمدَ مَعناهُ الَّذي تَصمُدُ وتَقصِدُهُ الخَلائقُ كُلُّها في حَوائِجِها لَنْ يَجِدَ في قَلبِهِ أثرًا لقِراءةِ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾، لكِنْ عِندَما يُدرِكُ هَذا المَعنَى فيَمثُلُ أمامَهُ كُلُّ خَلْقِ اللهِ في السماءِ والأرضِ وفي البحرِ والبَرِّ.
والغِنيُّ والفَقيرُ، والمالِكُ والمَملوكُ، كُلُّ هَؤُلاءِ حَوائِجُهُم لا تُقضَى إلَّا مِنَ اللهِ، كَيْفَ يَكونُ الأثَرُ عِندَما يَقرأُ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ سَيكونُ لها أثَرٌ آخَرُ مُختَلِفٌ عَنْ أثَرِها عِندَما يَقرأُ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾[الإخلاصِ:2-3] ولا يَقِفُ عِندَ مَعناها أو لا يُدرِكُ مَعناها أصلاً.
فلذَلِكَ يَنبَغي لَنا ونَحنُ في شهرِ القرآنِ أنْ نُولِيَ المَعانيَ شَيئًا مِنَ الاهتِمامِ، أنْ نُوليَ التدبُّرَ والفَهمَ لمَعاني الكِتابِ شَيئًا مِنَ العِنايَةِ، والَيومُ ـ ولِلَّهِ الحَمدُ ـ الأُمورُ مُيسَّرَةٌ في فَهمِ القرآنِ، فقَدْ قَرَّبَ مَعانِيَ الكِتابِ وَسائلُ شَتَّى وطُرقٌ كَثيرةٌ مِنَ التفاسيرِ المُختصَرَةِ والتفاسيرِ الَّتي تُعنَى ببيانِ مَعاني الآياتِ، هَذا فَضْلاً عَنِ الحِلَقِ والدُّروسِ، فضلاً عَنِ المُحاضَراتِ والمَقاطَعِ المَسموعَةِ والمَرئيَّةِ الَّتي تَقِفُ عِندَ مَعانِي الكِتابِ وتَلفِتُ الأنظارَ إلى ما فيهِ مِنَ الأسرارِ.
أيُّها الإخوَةُ مَنْ فُتِحَ لَهُ في فَهمِ القُرآنِ وتَدبُّرِهِ، فُتحَ لَهُ بابُ خَيرٍ عَظيمٍ لا يَعرِفُهُ إلَّا مَنْ جَرَّبَهُ، ولا يُدرِكُهُ إلَّا مَنِ اطَّلَعَ عَلَى ما فيهِ مِنَ الخَيراتِ، فإنَّ التدَبُّرَ يَفتَحُ بابًا عَظيمًا مِنَ الانتِفاعِ، ولذَلِكَ عابَ اللهُ تَعالَى عَلَى المُشرِكينَ وهُم كُفَّارٌ أنَّهُم لا يَتدَبَّرونَ القرآنَ، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾[المُؤمِنونَ:68] ، ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[مُحمدٍ:24]، ويَقولُ في الآيةِ الأُخرَى ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾[النساءِ:82].
فيَنبَغي للمُؤمنِ أنْ يَعتَنِيَ بتَدبُّرِ القرآنِ، وأنْ يَعِيَهُ، وأنْ يَتفهَّمَهُ فإنَّ ذَلِكَ يَفتحُ لَهُ بابًا عَظيمًا مِنْ فَهمِ كَلامِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ والانتِفاعِ بِهِ والاهتداءِ بِهِ وإدراكِ الهداياتِ المَذكورَةِ في القُرآنِ، فإنَّ القُرآنَ هِدايةٌ، هُوَ لمَنْ جَعلَهُ أَمامَهُ قادَهُ إلى الجَنَّةِ، ومَنْ جَعلَهُ خَلْفَهُ ساقَهُ إلى النارِ نَعوذُ باللهِ مِنَ الخِذلانِ.