قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة إمام معين فليس في النصوص أمر بذلك فارتكب الأولون ثلاثة محاذير : -
الأول : قتال من خرج عن طاعة ملك معين وإن كان قريبا منه ومثله - في السنة والشريعة - لوجود الافتراق والافتراق هو الفتنة .
والثاني : التسوية بين هؤلاء وبين المرتدين عن بعض شرائع الإسلام .
والثالث : التسوية بين هؤلاء وبين قتال الخوارج المارقين من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ؛ ولهذا تجد تلك الطائفة يدخلون في كثير من أهواء الملوك وولاة الأمور ويأمرون بالقتال معهم لأعدائهم بناء على أنهم أهل العدل وأولئك البغاة.
وهم في ذلك بمنزلة المتعصبين لبعض أئمة العلم أو أئمة الكلام أو أئمة المشيخة على نظرائهم مدعين أن الحق معهم أو أنهم أرجح بهوى قد يكون فيه تأويل بتقصير لا بالاجتهاد وهذا كثير في علماء الأمة وعبادها وأمرائها وأجنادها وهو من البأس الذي لم يرفع من بينها ؛ فنسأل الله العدل ؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به .
ولهذا كان أعدل الطوائف " أهل السنة " أصحاب الحديث.
وتجد هؤلاء إذا أمروا بقتال من مرق من الإسلام أو ارتد عن بعض شرائعه يأمرون أن يسار فيه بسيرة علي في قتال طلحة والزبير ؛ لا يسبى لهم ذرية ولا يغنم لهم مال ولا يجهز لهم على جريح ولا يقتل لهم أسير ويتركون ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وسار به علي في قتال الخوارج.
وما أمر الله به رسوله وسار به الصديق في قتال مانعي الزكاة فلا يجمعون بين ما فرق الله بينه من المرتدين والمارقين وبين المسلمين المسيئين ؛ ويفرقون بين ما جمع الله بينه من الملوك والأئمة المتقاتلين على الملك وإن كان بتأويل . والله سبحانه وتعالى أعلم .
"مجموع الفتاوى" ( 4/451-452).