×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / عباد الرحمن / الحلقة (25) كانوا قليلا من الليل ما يهجعون

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5038

الحلقة الخامسة والعشرون: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "عباد الرحمن".

الحمدُ لله ربِّ الأرض والسماوات، {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70] أحمدُه، {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ}، جلَّ في علاه، أحمدُه، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله شهادةً تُنْجِي قائلَها مِنَ السعير، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ، ورسوله، خيرُ مَنْ صلَّى وصام، وخيرُ من قامَ وأطاعَ العزيز الغفار، سيّدُ ولدِ آدم، صلوات الله وسلام عليه، اللهم صل على محمد، وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آلِ إبراهيم إنك حميد مجيد، أمَّا بعد:

في هذه الحلقة نتناولُ خَصلةً من خصال عباد الرحمن، بها تعلو منازِلُهم، بها تسمو مقاماتُهم، إنها خصلةٌ يبلُغُ بها المؤمنُ الشرفَ والفضلَ ومنزلة المدح والثناء.

إنها خصلةُ أولياء الله الذين يشتغلون في ليلهم ونهارهم بطاعة الله، لكنَّها خصلةٌ من خصالِ المؤمنين، في ليلهم، قال اللهُ ـ جلّ وعلا ـ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].

{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} فما الذي أيقظهم؟ وما الذي جعلَ ليلهم على خلافِ ليلِ غيرِهم؟ فليلُهم ليلُ طاعةٍ وإحسان، إنهم أولياء الله الذين  يقتدون بسيّدِ ولدِ آدم ونبينا محمد، فقد كانَ قوَّامًا لليله بطاعةِ ربّه، كما قال الشاعر:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ      ***     إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانا الْهُدَى بِعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا   ***    بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبُهُ عَنْ فِرَاشِهِ      ***    إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ

قال اللهُ ـ جلَّ وعلا ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صيد الرسالة، وفي أوائل البعثة: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 1 - 6] إنَّ النبي ـ صلى اللهُ عليه، وعلى آله وسلم ـ كانَ يُصلِّي من الليل منذ أن أمرهُ اللهُ ـ تعالى ـ بالقيامِ في ليله، يتلو كتاب الله، كما قالَ الصحابيُّ الجليل في وصف رسول الله، كما قال عبدُ الله بن رواحة:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ      ***     إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانا الْهُدَى بِعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا   ***    بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبُهُ عَنْ فِرَاشِهِ      ***    إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ

قد كانَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي الليل على نحوٍ من الذُّلِّ والخضوعِ والإخباتِ والإقبالِ على الله على نحوٍ يتعجَّب فيه الإنسان، وقد تعجَّبَ أصحابه من فعله أن يكونَ ذلكَ من فعلِ رجلٍ غَفَرَ اللهُ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر؛ ففي الصحيحين، من حديث عائشة – رضي اللهُ تعالى عنها – أنها قالت: "كانَ رسولُ الله يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ" وفي رواية: "حَتى ترمَ قدمَه" صحيح البخاري(6471)  أي تنتفخ من طولِ القيامِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "فقالت: أتصنعُ ذلك، وقد غفرَ اللهُ لكَ ما تقدّم من ذنبكَ، وما تأخر، فقال النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أفلا أكونُ عبدًا شكورا"  صحيح البخاري(4837) إنهُ كان يقيمُ الليل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكَ أن تقِفَ مع وصفِ اثنين من أصحابِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقيامه؛ فحذيفة صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، فأطال ـ صلى الله عليه وسلم ـ القيام - كيفَ أطالهُ؟ - يقول حذيفة رضي اللهُ تعالى عنه: إنَّ رسول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى ذاتَ ليله، فافتتحَ البقرة، فقلتُ يَسْجُدُ بها - يعني يسجد إذا فرغَ من قراءة سورة البقرة - ثم افتتحَ سورة آل عمران، ثم افتتحَ سورة النساء حتى فرغَ منها". صحيح مسلم (772)

"ثم افتتحَ سورة آل عمران" هذا الطول العظيم في القراءة: "لم يكن هَذًّا كهذِّ الشعر، ولا نثرًا كنثرِ الدَّقَلِ"  صحيح البخاري(755)، ومسلم (822) ثلاث سور تُقَدَّر بستة أجزاء، قرأها ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ في قيامه، "كان لا يمرُ بآيةِ تسبيح إلا سبّح، ولا بآيةِ سؤالٍ إلا سأل، ولا بآيةِ إستعاذة إلا استعاذ"  صحيح مسلم (772) فهيَ قراءةُ تدبُّرٍ، وتأمُّلٍ وفكر، وعبد الله بن مسعود ـ رضي اللهُ تعالى عنه ـ يقولُ: "صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأطالَ الصلاة حتى هَمَمْتُ بِأَمْرٍ سُوءٍ، قالوا: بما هَمَمْتُ؟ قال: هممتُ أن أجلسَ فأدعه" صحيح مسلم (773) أي: أن يقعد عن الصلاة، ويترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا حاله في قيامِ ليله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنون سائرون على طريقه، يجتهدون في الأخذِ من الليل، بقدرِ ما يستطيعون، فإنَّ صلاة الليلِ مندوبٌ إليها، هي أفضل الصلوات بعد المكتوبات، كما قال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»  صحيح مسلم (1163) وقد أخبرَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنها مشهودة، لاسيما في آخرِ الليل، فقد قال: «فَمَنْ طَمِعَ أَنْ يُصَلِّيَ آخِرَ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ»  صحيح مسلم (755) تشهدُها الملائكة، بل إنَّ اللهَ ـ تعالى ـ ينزلُ في الثلث الأخير من الليل، فيقول: «هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ». صحيح مسلم (758)

فتعرضوا لفضلِ الله في هذه اللحظات المباركات، وسلوا الله ـ عز وجل ـ من فضله، فإنَّ أولياءَ اللهِ يُصيبون مِنَ الليلِ، ولو قدرًا يسيرًا، ولو ركعة، لا تبخلْ على نفسِك بأن تصلِّيَ ركعةً، لتكون من القائمين، ثم إنَّ أولئك القوم كانوا على نحوٍ من الاجتهاد، والجد أن مدوا ليلَهم في صلاتهم، حتى إذا جاءت الأسحار: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] يستغفرون لعلمهم بعظيمِ قدرِ ربهم، وأنَّ كُلَّ طاعةٍ يقدِّمونها ويشتغلونَ بها لا تفي اللهَ حقَّه، فقدرُ اللهِ أعظم، وحقُّه أجلُّ وأكبر، من أن يحيط بهِ العباد، ولذلك استغفروا ربَّهم بعدَ هذا الجهد والعمل، رغبةً فيما عندَ الله.

إنَّ صلاة الليلِ تفتحُ للعبدِ أبوابًا من الخيرِ والبر؛ إنها لقاءٌ بالله ـ عز وجل ـ إنها شكاية إليه، إنها إنزالُ الحاجاتِ به، إنها تضرعٌ لهُ ـ جلَّ في علاه ـ إنها أنوار يستنيرُ بها القلب، وينعكسُ ذلك على الجوارحِ؛ ولذلكَ ينبغي للمؤمن أن يجدَّ في أن يأخُذَ نصيبًا من صلاة الليل، ولو بركعةٍ، وإذا جدَّ واجتهد فليكثر من الصلاة، وليكن ذلك على نحوِ صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد قال لرجلٍ سأله عن صلاة الليل؟ قال: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». صحيح البخاري (990)، ومسلم (749)

سلِّ اللهَ من فضله، تعرَّض لعطائهِ وبرّه، وأمِّل منهُ الخيرَ، فإنه ـ جلَّ وعلا ـ يُعطي على القليل الكثير، وهؤلاء الذين  قامت أقدامُهم بينَ يدي ربِّهم، وركعوا لله خاشعين، وخَرُّوا لهُ ساجدين باكينَ، هم عباد الرحمن الذين  تبوءُوا منزلةً عُليا عندهُ ـ جلَّ في علاه ـ يقضي حوائجهم، يجيبُ سؤالهم، يغيثُ ملهوفهم، ينصرُ مستنصراهم، فلا تحرم نفسك ذلكَ الفضل بشيءٍ من الكسلِ الذي يمنعُك أن تبلُغ تلكَ المنزلة.

جدَّ واجتهد، وجدِّي واجتهدي، وسلوا اللهَ من فضله، وليكن لكم نصيبٌ من الليل تخلونَ فيهِ بربِّكم، وتنزلونَ بهِ حاجاتكم.

أسألُ اللهَ العظيم ربَّ العرش الكريم أن يرزقني وإياكم، الطاعة والإحسان، وأن يسلك بنا سبيل أوليائه، وأن يجعلنا من عباد الرحمن.

إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف