المقدم:حياكم الله من جديد مستمعينا الركام ونرحب بكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة".
فرحة العيد، والعيد فرحة هذا هو موضوع حلقتنا في هذا اليوم، فإن لكل أمة من الأمم عيدًا يأنسون فيه ويفرحون، وهذا العيد يتضمن عقيدة هذه الأمة وأخلاقها وفلسفة حياتها، فمن الأعياد ما هو منبثق من الأفكار البشرية البعيدة عن وحي الله تعالى، وهي أعياد العقائد غير الإسلامية، وأما عيد الفطر وعيد الأضحى فقد شرعه الله –سبحانه وتعالى- لأمة الإسلام.
يأتي عيد الفطر بعد ركن من أركان الإسلام، وكذلك عيد الأضحى فعيد الفطر يكون بعد عبادة الصوم، أما عيد الأضحى فيكون بعد عبادة الحج، وحُقَّ لنا أن نفخر بهذين العيدين اللذين ميزنا الله –سبحانه وتعالى- بهما وخصنا بهما –سبحانه وتعالى- في هذه الشريعة السمحاء.
شيخ خالد عندما نتحدث عن فرحة العيد ما هي الأمور التي يمكن التذكير بها في مطلع حديث كهذا؟.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل منا ومنكم جميعًا صالح العمل، وأن يعفو عن التقصير والزلل، وأن يجعل ما مضى من موسم البركات والخيرات موسمًا قرَّبنا إليه وحببنا إليه، وجعلنا من أوليائه. لاشك أن العيد فرحة، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبَّهُ»[صحيح البخاري:7492، صحيح مسلم:1151/164].
ولكن تلك الفرحة فُسرت بفرحة يومية، وهي ما يكون من فرحة المؤمن عند فطره كل يوم، والفرحة الكبرى التي تكون بتمام العدة وكمالها عندما يفرح المؤمن بما يسَّر الله تعالى له من الصالحات وما فتح عليه من الخيرات ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[البقرة: 185].
فيفرح المؤمن بهذا العيد لما يسر الله تعالى له من صالح العمل، وما من عليه من كمال الطاعة والإحسان، وكما نوَّهت وأشرت أخي عبد الله الأعياد في الشريعة الإسلامية أعياد ترتبط بمقصود الوجود وهو العبودية لله –عز وجل-، فالعيد الحقيقي هو عندما يقوم الإنسان والفرحة الحقيقية هو عندما يقوم الإنسان بما يرضي الله –عز وجل- وبما حقق الغاية من الوجود.
ولهذا كانت الأعياد في الشريعة مرتبطةً بالعبادات، فالله تعالى يقول:﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖجَعَلۡنَا مَنسَكٗا ﴾[الحج:34]أي عيدًا كما قال ذلك ابن عباس في بعض ما نقل عنه في تفسير هذه الآية، ونقل ذلك ابن جرير وغيره.[تفسير الطبري:18/679]
والعيد ذكر الله تعالى في موضعين كلاهما يتصل بعبادة فقال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْإِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾[الكوثر: 1- 3] فقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ هي صلاة العيد يوم الأضحى، وما يكون بعدها من النحر والتقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والأضاحي وسائر ما يتقرب به أهل الإيمان، وعيد الفطر كذلك يأتي عقب هذه العبادة الجليلة التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبَّهُ».[سبق تخريجه]
فيوم فطره يصدق على يوم العيد، فهو يوم فرحة ولهذا بين النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هذا اليوم يوم بهجةٍ وسرور وفرح وإظهار لسعة الإسلام وقد جاء ذلك في ما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قال: «أنَّ الحَبَشةَ كانوا يَلعَبون عندَ رسولِ اللهِ ﷺفي يَومِ عيدٍ، قالت: فاطَّلَعتُ من فوقِ عاتِقِه، فطَأطَأَ لي رسولُ اللهِ ﷺمَنكِبَيهِ، فجَعَلتُ أنظُرُ إليهم من فوقِ عاتِقِه حتى شَبِعتُ، ثم انصَرَفتُ»[صحيح البخاري:454، مسلم:892/18]هذا نموذج من نماذج التوسعة في هذا اليوم المبارك في يوم العيد الذي يفرح فيه المؤمنون بما فتح الله تعالى عليهم من الطاعات، وبما يسر لهم من الصالحات، ونظير ما جاء في الحديث أيضًا وهو في الصحيحين من حديث عائشة دخل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على بيته وعندها جاريتان تغنيان وليست بمغنيتين يعني ليست هذه مهنتهما، إنما كغناء الصغار في وقت اللهو والسرور فاضطجع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهر هذا الذي شاهده وقال: «مزمارةُ الشيطانِ عند النبي فأقبلَ رسولُ اللهِ فقال دعهما» ثم قال: «يا أبا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنا»[صحيح البخاري:952، مسلم:892/16].
فالمقصود أن هذا العيد يمتزج فيه الفرح بالشكر، بالاستقامة لله تعالى أن يقبل صالح العمل، وهذه اللحظات لحظات يتذكر فيها المؤمن إنعامَ الله عليه بالهداية إلى هذا الدين القويم ويتذكر فتح الله تعالى عليه بما يسر من الصالحات وما فتح من البركات وأيضًا في يوم العيد يبتدئ المؤمن عيدَه بالصدقة والتقرب إلى الله –عز وجل- بإخراج زكاة الفطر، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بالصدقة في أول اليوم حيث جاء في الصحيح أنه –صلى الله عليه وسلم-قال:«فرض زكاة الفطر صاعًا من طعام» ثم قال ابن عمر: وأمر بأن تخرج قبل الصلاة[صحيح البخاري:1503]، يعني قبل صلاة العيد وذلك بعد فجرها، هذا أفضل أوقات إخراج زكاة الفطر.
وافتتاح اليوم في الصلاة المفروضة، ثم بعد ذلك بالصدقة، ثم الاجتماع لهذا اليوم المشهود العظيم وهو يوم العيد كل هذه المعاني تؤكد أن هذا اليوم يوم فرح وسرور بطاعة الله –عز وجل- وأنه يتعبد المؤمن لله –عز وجل- بالفرح كما أمر تعالى في قوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس: 58] فهو فرح مأمور به، فرح يثاب عليه المؤمن، فرح يعطي الإنسان فيه نفسه حظها في البهجة والسرور ما يجب مراعاته من حق الله –عز وجل- وقد جاء في اختصاص أهل الإسلام بهذا العيد وهذه الفرحة، وأن هذه الفرحة فرحة مميزة ما في الصحيح، الحديث الصحيح من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين من أعياد الجاهلية التي كانوا يجرون فيها أنواع من الاحتفالات فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لهم في ذلك: «كان لَكُمْ يَوْمانِ تَلْعَبُونَ فيهِما، وقد أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهما خيرًا مِنْهُما: يومَ الفِطْرِ، ويومَ الأَضْحى»[أخرجه النسائي في الصغرى:1556، وأحمد في مسنده:12827. وصحح الحاكم على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط مسلم. المستدرك:1091].
فالمقصود أن هذا اليوم يوم عظيم، هو يوم وقار، يوم سرور، يوم بهجة، يوم اجتماع على الطاعة والعبادة، وهذه المعاني كلها تؤكد ضرورة التقرب إلى الله بهذه الفرحة، ولذلك العيد فرحة نعم العيد فرحة، لكنها فرحة تحمل المؤمن على مزيد تقرب إلى الله –عز وجل-، شكر، سرور بإنعام الله –عز وجل-، قيام بحقه جل في علاه بخلاف الذين يجعلون الأعياد مواضع للمعصية والخروج عن طاعة الله والإسراف على النفس بألوان من المعاصي، فهؤلاء لم يفرحوا بالعيد على النحو الذي أمروا به.
وهذه الفرحة فرحة مذمومة وليست فرحة محمودة؛ لأن الفرحة المحمودة هي الفرحة التي يكون فيها الإنسان قريبًا من الله –عز وجل- قائمًا بحقه، حريصًا على مرضاته جل في علاه، هذا ما ينبغي أن يستحضر، ولذلك قول الله –عز وجل-: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾[القصص: 76] هذا ليس نهيًا عن الفرح في كل صوره، لكنه نهيٌ عن الفرح الذي يحمل الإنسان على المعصية والإساءة والخروج عن مقصود الشارع من هذا الوجود، وهو عبادة الله –عز وجل- حق عبادته.
ولعلنا نلقي الضوء أيضًا بعد قليل على شيء مما يتعلق بالفرح المنهي عنه.
المقدم:- شيخ خالد أيضًا عندما قبل أن نتحدث عن بعض الآداب والأحكام التي تكون في فرحة العيد، ربما نعرج إذا كان بالإمكان على مظهر من مظاهر التيسير والسماحة في هذا الدين العظيم ألا وإن هذا المظهر يتجلى في كون هذه المواسم تأتي ثم بعد أن تذهب هذه المواسم يشرع للمؤمن أيضًا كما كان منقطعًا متبتلًا للعبادة، أيضًا أن يكون فرحًا ومتواصلًا مع أهله وأقاربه يلعب ويلهو بما هو حلال وبما أحله الله –عز وجل- يعني يتقلب بين فرح، ويتقلب بين عبادة حتى هذا الفرح الذي يبذله الإنسان إذا لم يخرج عن الإطار الشرعي يكون ضمن هذه العبادة، فديننا ليس فيه كما يصوره البعض من أعداء الإسلام بأنه انقطاع دائم أو تبتلٌ دائم، أو أنه ربما ينقطع الإنسان فيه من كل مظاهر الفرح والسرور والأنس وغير ذلك من الصور المبهجة، يعني حبذا لو يكون هناك إضاءات حول هذه النقطة يا شيخ.
الشيخ:- هو يا أخي هذه النقطة كما ذكرت تلتبس على بعض الناس، وقد يتوهم أن هذه الشريعة ليست إلا الجد والاجتهاد والغفلة عن ما تقتضيه الطبيعة، وتستلزمه الحياة من جهة نقص حظها فيما يتصل بالفرح.
الفرح أخي الكريم أخي عبد الله وهو نوع من السرور الذي يغشى القلب، وبطبيعة الإنسان عندما يسرف في أمر من الأمور يكون ذلك حاملًا له على أنواع من الإثم والخطأ.
ولهذا جاءت النصوص بتقييد النفس عما يمكن أن يكون سببًا لمواقعتها بما يخرج بها عن مقصود الوجود وهو أنها خلقت لعبادة الله والتزود بالدار الآخرة، هذه الحياة ليست دار قرار وإنما هي دار عبور يتزود فيها الإنسان من طاعة الله وما يقربه إليه ويعطي نفسه الحظ الذي يعينه على مواصلة المسير إلى الله –عز وجل-.
فقول الله تعالى على سبيل المثال: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾[القصص: 76] نهى الله تعالى عن الفرح بالمال أو فتح الدنيا الذي يحمل الإنسان على الأشر والبطش والطغيان، والغفل عن المنعم الذي له الحق جل في علاه، ومن أعظم ما يوقع الإنسان في الغفلة هو إسرافه في الفرح على حساب القيام بحق الله كما قال تعالى: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الرعد: 26] وقوله في عقوبة بعض من عاقبهم قال: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ﴾[غافر: 75] وما أشبه ذلك من الآيات التي فيها بيان أن الفرح والمقصود به الفرح لمعصية الله، الفرح بما يخزي الإنسان عن طاعة الله ويوقعه في البطر والأشر والخطأ والزلل، كل ذلك مما حرمه الله تعالى.
فقوله تعالى: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾[القصص: 76] ينبغي أن ينظر إلى سياق الآية التي ورد فيها هذا النهي، فإن الله تعالى ذكر قارون وما كان معه من المال والقوة والقدرة التي فتح الله تعالى عليه فيها وما قال له قومه من تذكيره بألا يبطر فإن الفرح الذي نهي عنه وما كان من البطر والأشر وما كان من الغفلة عن مقصود الوجود وشكر المنعم والفساد في الأرض.
ولذلك قالوا له: ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[القصص: 77] فالفرح الذي يُنهى عنه أو يذم هو إذا وقع الإنسان في معصية الله –عز وجل- ومغاضبه أما الفرح الذي يحمله على إعطاء نفسه حظها من السرور، والذي يعينه على طاعة الله –عز وجل- والذي يشكر به نعم الله تعالى عليه، فهذا قد أقرَّته الشريعة في قول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس: 58] وقوله –صلى الله عليه وسلم-: «ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبَّهُ».[تقدم]
هذا كله يدل على أن الفرح في هذه الشريعة وسطٌ بين الأشر والبطر، وبين التبتل والانقطاع وهضم النفس حقوقها وعدم إعطائها ما تقتضيه جبلتها وفطرتها، والله –جل وعلا- قد قال في محكم كتابه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[البقرة: 143]، فوسطية الأمة هي الوسطية التي تضمن لها السلامة من الانحراف، السلامة من الزلل، السلامة من الضلال، السلامة من الخطأ، وبقدر ما يحقق المؤمن من هذه المعاني يفوز بما يؤمل من أجر الله –عز وجل- وسرور الدنيا وفرح الآخرة.
هو غاية المنى ومنتهى الأمل وهو المطلوب الذي يدعى له ويبذل لإدراكه.
فالمقصود أخي عبد الله أنه ينبغي أن نعي أن هذا الفرح الذي نهت عنه الشريعة في قوله: ﴿لا تَفْرَحْ﴾[القصص: 76] هو نهي عن الفرح المُوقِع في مغاضب الله –عز وجل-.
اليوم يوم عيد وهذا نعمة من الله –عز وجل- ورأينا من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ما يبين مظاهر الفرح وإدخال السرور على النفوس بما يقربها إلى الله ولا يوقعها في محظور بتوسط جميل واعتدال واضح في إعطاء النفس حظها دون إغضاب الله –عز وجل-، فينبغي أن نسير على هذا، ولهذا ندخل على الأولاد السرور، الاجتماع، الفرحة، البسمة، كل ذلك مما ينبغي أن يراعيه الإنسان ويجهد ويبذل وسعه في البعد عن مخالفة الرحمن.
المقدم:- شيخ خالد لعله من الجوانب التربوية التي يُنصح بها خاصة فيما يتعلق بالناشئة عندما يتم حثهم على الإكثار من العبادات والطاعات في مثل هذه المواسم ويعرفون أن بعد ذلك تكون هناك أيضًا لهم هباتٌ وأعطيات وغير ذلك من الناس أيًّا كانوا، سواء من أحد والديهم أو من الناس الآخرين الأقارب أو غيرهم، فيكون هناك مثل التشويق، وكذلك أيضًا التحفيز ويربط هذا المثال أيضًا الدنيوي بمثال أخروي، فيصور للأبناء أن هذه الصورة تكون بأفضل منها بمراحل عديدة، وليس هناك تقارب بين الصورتين بل هناك بَونٌ شاسع، ولكن كنوع من التقريب حتى يتحقق الهدف التربوي من خلال هذه العبادة التي اجتهد فيها هؤلاء الناشئة وهؤلاء الأبناء ويعرفون أن بعد هذا الاجتهاد يكون هناك أيضًا يأتيهم الخير من الأعطيات وأيضًا المساحات الواسعة من الوقت للعب ولإعطاء أنفسهم أيضًا الفسحة وغير ذلك من الأمور التي تدخل عليهم السرور.
الشيخ:- بالتأكيد يعني هذا النبي –صلى الله عليه وسلم- أشار إلى هذا المعنى في بيان، أن المؤمن يدرك بطاعته شيئا من الأجر في الدنيا والآخرة، ولذلك لما ذكر –صلى الله عليه وسلم- الصوم قال: «ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبَّهُ»[تقدم تخريجه] وهذه فرحة معجلة وهي جزاء تعبه وكده واجتهاده في منع نفسه من الملاذ والمشتهيات رغبة فيما عند الله –عز وجل- وأملا في إدراك مرضاته جل في علاه.
فهذا النموذج الذي ذكرته هو أن يستشعر الإنسان جزاء الله تعالى، ويشعر من حوله بهذا المعنى بالتأكيد أنه واضح وجلي في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث: «ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبَّهُ» فهذه الفرحة المعجلة هي شيء من جزاء العمل الصالح لما يدركه الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا من المهم أن يعرف المؤمن أن ما يكون من الصالحات، ما يكون من الطاعات، ما يكون من المضرات ما يكون من الخيرات، الله تعالى يثيب العبد عليه في الدنيا قبل الآخرة، فإن المؤمن يدرك من فضل الله وعطائه وبره وإحسانه في الدنيا ما يُسرُّ به، ولكن الفرحة الكبرى والفرحة العظمى هي في الآخرة عندما يلقى العبد جزاء عمله عند ذلك يعطى على القليل الكثير، فينبغي أن يستشعر هذا المعنى وأن يفرح المؤمن بطاعة الله –عز وجل- ويشعر غيره بأن هذه الفرحة هي ثمرة طاعة الله –عز وجل- هي ثمرة القيام بحقه جل في علاه، هي جزء من الثواب المعجل للمؤمن.
ولذلك ينبغي ألا يكون هذا الفرح حاملًا للإنسان على هدم ما بنا، ولا على الوقوع في نقض ما نظم، أو إبطال ما كسب؛ فإن ذلك خسران يكون أبعد ما يكون عن الفرح الحقيقي، الفرح الحقيقي هو الفرح بثواب الله –عز وجل- وأجره وتحقيق مرضاته، وما يكون يوم القيامة من عطاء وفرح لا حزن معه ولا أثر.
فجدير بالمؤمن أن يستشعر هذه المعاني وأن لا يحوِّل فرحة العيد إلى فرصة للاستكثار من المعاصي والسيئات، بل هو فرصة لإعطاء النفس حظها، فرصة لإعطاء العمال ما يسرون به من عطاء الله –عز وجل- وإحسانه وتوسعته، لكن دون أن يكون ذلك مُوقعا فيما يغضب الله –جل وعلا- أو يبعدهم عنه؛ لأن هذا كالذي يحقق نجاحًا ثم يبدد مكاسبه فيما يعود عليه بخسارة، وفي أي موسم كمواسم التجارة في الدنيا يجتهد التجار في كسب الأموال في مواسم الكسب، ولكن عندما تنتهي المكاسب ومواسمها لا تبدد تلك المكاسب إنما تبدد بالقدر الممكن، ويستفاد منها بما ييسر دين الإنسان على نفسه دون إسراف، فلو أسرف أو بدد لعادت حاله إلى بؤسٍ وفقر وهكذا العمل الصالح.
المقدم:- كما قال –سبحانه وتعالى- في سورة النحل: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[النحل: 92] هو يعني ينطبق على هذه الصورة التي ذكرتموهما شيخ في مسألة أن الإنسان يبدد ما جمعه من خير ومن عبادات وطاعات خلال مواسم الخيرات بهذا الفرح الغير مشروع الذي يخرج عن إطار الشريعة، ربما يا شيخ قبل أن ندخل في مسألة الفرح غير المشروع أيضًا هناك من يخرج عن إطار الوسطية، فيشدِّد أيضًا أو يشنع على الأبناء مثلا في يوم العيد، ويعطل فرحهم فيما هو مشروع من الفرح به ولا يعطيهم راحتهم في أخذ فرصتهم في الفرح المشروع.
الشيخ:- بالتأكيد هو يا أخي ما في أمر إلا وله طرفان، والاستثناء والنجاح والسلامة في أن يكون الإنسان محققًا الوسطية التي ميز الله تعالى بها الأمة المحمدية ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾[البقرة: 143]، فلا تقصير على الحق وإلغاء لمقتضيات الطبيعة من السرور والبهجة ولا إسراف يحمل الإنسان على أن يفرح فرحًا يجعله واقعًا فيما يغضب ربه –جل وعلا-، من الفرح الذي يقوده إلى المعاصي، يوقعه في الخطأ، يجعله على نحو من الاستعداد لهدم ما بنا من صالح العمل. لابد أن يستشعر المؤمن في فرحه وفي كل أحواله أنه إن شدد فقد حمل نفسه ما لا يشرع، وإن فتح لنفسه الخطأ وأبواب الشر فإنه قد لا يتمكن من إيصادها وإلغائها، فلذلك من الضرورات التي ينبغي للمؤمن أن يبادر إليها، وأن يتوب إلى الله –عز وجل-، وأن يتوسط في قصد الأطراف، فلا يجنح يمينًا ولا يجنح يسارًا، بل يكون في وسط فيفرح بما لا يوقعه في محرم، ويوسع على نفسه، ويوم العيد فيه لهو والنبي –صلى الله عليه وسلم- أقرَّ شيئا من ذلك في الجاريتين اللتين كانتا تغنيان[سبق]، وكذلك في لعب الحبشة[سبق]، وهو نوع من الرقص في يوم العيد الذي أخبرت عنه عائشة رضي الله تعالى عنها.
المقدم:- أيضًا ربما ما تحدثنا أيضًا عن هذا الفرح المشروع يجدر بنا أيضًا أن نحذِّر من الفرح الخارج عن إطار الشريعة الذي يكون داخلًا ضمن البطر بنعمة الله –سبحانه وتعالى- الحسية والمعنوية التي أنعم الله –سبحانه وتعالى- بها علينا خلال فترة الصيام والقيام في موسم الخيرات، وكذلك أيضًا النعمة التي أنعم الله بها علينا –عز وجل- من خلال ما نلمسه ونشاهده في واقعنا من الأمن والأمان، وكذلك أيضًا من النعم الوافرة التي تمتلئ بها بيوتنا- ولله الحمد- ،وكذلك أيضًا من طيب الملبس وطيب المأكل إلى ما هنالك من النعم التي تغدق على هذا المؤمن الذي ربما أحيانًا تنسيه كثرتها عن أداء واجباتها.
الشيخ:- نعم بالتأكيد يا أخي الكريم يعني كل فرح يوقع الإنسان في معصية الله، فإن عاقبته ندم، هذه قاعدة مطردة، كل فرح يوقع الإنسان في معاصي الله –عز وجل- ويغضبه فلن يدوم بل سيمضي وتبقى وصمه تلاحق الإنسان سواء في الدنيا أو في الآخرة.
ولهذا لابد من التأكيد على أن الفرح ليس في معصية الله ولا بالتضييق على النفس، إنما بالمأذون شرعا والقصد والاعتدال بعدم إسراف الخارج عن حدود الشريعة حتى في العبادة لما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كلُوا واشربوا وتصدَّقوا في غيرِ مخيلةٍ ولا سرفٍ»[علقه البخاري مجذوما به في صحيحه:7/140. وأخرجه ابن ماجه في سننه:3605، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. المستدرك:7188]، فالصدقة والعبادة الإسراف فيها مذموم، فكيف بالفرح الذي الإسراف فيه قد يوقع الإنسان فيما لا تحمد عقباه، فبعض الناس يجعل هذه الأيام أيام خروج عن الشريعة بأنواع من المحرمات فقد يقع بعض الناس في مشكلات، قد يقع في تبرج، قد يقع في اختلاط محرم، قد يقع في أذى للناس بأنواع من الأذى، قد يقع بعض الناس في ترك بعض الصلوات هذا أخطر وأعظم قد يقعد عن العبادة كلها مما ينبغي للمؤمن أن يتوقاه وأن يحذره، هذا ليس فرحًا، شرب المسكرات والإسراف في المعاصي والسيئات هذه أتراح وليست أفراحًا.
وأشد ما تعقبه هذه المخالفات على القلوب من الظلمة والكدر وسلب الفرحة الحقيقية ينبغي أن يفرحها الإنسان ويسر بها، الفرح ليس بطرًا إنما الفرح يكون لنفسك وطمأنينتها وبهجتها بما تقربت به إلى الله –عز وجل- هذه فرحة العيد أن يفرح بما أتمَّ الله عليه من النعمة بما وصله من صالح الأعمال، بما يسر له من الخيرات، وهذا بالنسبة للعامل وبالنسبة للصغار ومن يغلب عليهم اللهو، أيضًا يعطون حظهم في الراحة بعد هذا الجهد وهذا الجد أنام وأقوم وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني[حديث النبي في هذا المعنيى أخرجه البخاري في صحيحه:5063,وفيه: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي].
كل هذه المعاني حاضرة وبقوة في الفرح، لكن ينبغي أن نبين حقيقته يعني أن من الناس من يحول هذا الفرح إلى موسم معصية، وهنا نقول: هذا ليس مشروعًا، ولم يأمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا يسوغ أن يقال: ترك المعاصي تشدد، ترك المعاصي عبادة وليس تشددًا والمطلوب في يوم العيد وفي غيره.
لكن المطلوب هو التوسعة بالمباح، التوسعة بالمأذون، التوسعة بما لا يوقع الإنسان في مغاضب الله –عز وجل- هذا المعنى لابد أن يتأكد في أذهاننا وأيضًا أن يكون لدينا حرص على سؤال الله –عز وجل- القبول للأعمال ولذلك كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إذا لقي بعضهم بعضا، تهنئتهم في هذا اليوم هي ما كانوا يقولوه بعضهم لبعضهم: تقبل الله، تقبل الله[قال الحافظ في الفتح(2/446): وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك]، هذه التهاني وهي أوفى دعاء بعد نصب وعمل.
فالقبول مُنية العاملين كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[المائدة: 27]، يعني ينبغي أن ندرك أننا في عيدنا نفرح ونبتهج ونسر ونوسع على أنفسنا وعلى أهلينا وعلى أولادنا، ننشر البسمة ننشر المودة، ننشر الرحمة، ننشر التواصل، ننشر التقارب، ننشر التآلف، لكن ليس طريق هذا هو معصية الله –عز وجل- بل صنيع هذا هو حمد الله على النعم، والقيام بحقه والتوسعة بما لا يوقع في محرمات.
وينبغي أيضًا يعني إذا سمحت لي في ظل هذه الفرحة أن نشكر الله –عز وجل- على ما منَّ به علينا من نعم كثرت في بلادنا من الأمن والأمان ورغد العيش، والسعة في إدراك المصالح، والتآلف بين القيادة والشعب، وبين ولاة الأمر وعامة الناس.
هذا الشعور العام بالالتئام والانتماء نعمة عظمى، ونحن نشاهد ما يجري في كثير من البلدان من الفرقة والنزاع والخلاف والقتال والتشرد والبؤس والفقر والبأساء والضراء وسائر ما يكون مما نشاهده، نحن نعيش في نعمة بل نفرح بهذه النعمة مع سائر النعم بشكر الله تعالى عليها، وكما أنه يعني من المهم أن نتذكر جنودنا الذين يحققون لنا تمام هذه الفرحة، أرأيتم لو كان هؤلاء لم يقوموا بما يقومون به من عمل بصد عدوان المعتدين وكيد الكائدين والدفاع عن هذه البلاد سواء كانوا جنودًا في الحدود أو كانوا جنودًا في سائر مواقعهم؟ لأن الجميع مشترك في صيانة هذه البلاد، وكذلك رجال الأمن الذين يبذلون قصارى جهدهم في حفظ أمننا وتأمين حياتنا ومعاشنا وقطع دابر الفساد والشر والجريمة وما يعكِّر صفو الناس. هؤلاء كلهم يصنعون لنا الفرحة ومن حقهم علينا أن نشكرهم وأن ندعو لهم، لو لم يسخرهم الله –عز وجل- ويفتح عليهم بما فتح من توفيق في حفظ أمننا وفي ردِّ كيد أعدائنا لما كنا على هذه الحال التي نشاهدها، ننام آمنين، ونقوم آمنين، نذهب لمساجدنا ومصالحنا، ونجتمع مع قريبنا وبعيدنا، الواحد منا يقطع البلاد بآلاف الكيلومترات في جهاتها كلها وهو آمن على نفسه وأهله وماله، في سربه آمن، هذا يا أخي من أكبر النعم التي ينبغي أن تُذكر ويُفرح بها ويُسعى للحفاظ عليها، والحفاظ عليها إنما يكون بطاعة الله تعالى، فالله نسأل أن يرزقنا وإياكم شكر النعم والقيام بحقه.
المقدم:- شيخ خالد فيما أيضًا تبقى من هذا الوقت ربما جميلٌ أن ننوه إلى بعض الآداب التي تكون في هذه الأعياد وهذه المناسبات الدينية، ربما التذكير بمسألة صلة الأرحام والتغاضي والتغافل والعفو عن الزلات، وكذلك أيضًا نسيان الشحناء، ونسيان الترسبات السابقة خاصة بين الأقارب يا شيخ وخاصة بين الأصحاب وغيرهم، عندما يكون هناك عندما يكون العيد فرصة للتسامح وتنقية وتصفية النفوس ونسيان كل ما مضى واستقبال المستقبل بوجه جديد وبصفحة جديدة، جميل أن يمكن يتم تذكيرٌ بمثل هذه الأمور التي حثَّ عليها الدين الحنيف واستغلال هذه المناسبة لتجديد العلاقات بين الناس.
الشيخ:- والله أخي العيد الحقيقي فرصة ينبغي ألا يفوِّتَها الإنسان في تحقيق الألفة والتسامح وتصفية النفوس وإزالة كل ما يمكن أن يكون من أسباب الشحناء والبغضاء.
الشريعة حرصت غاية الحرص على لمِّ الشمل، على جمع الكلمة، على إزالة كل ما يمكن أن يكون من تباغض أو شحناء أو تفرق بين الناس، ولهذا من المهم أن يستشعر المؤمن هذه المعاني فإن العيد فرصة؛ لأن النفوس مهيأة للتسامح والتصالح ونزع فتيل الخصومة والنزاعات، وأيضًا تحقيق نوع من التقارب الذي إن لم ينزل كل ما في النفوس فهو كفيل بتيسير هذه الشحناء التي يمكن أن تكون في النفوس بسبب ما يكون من خلافات أو نزاعات بين الناس.
لذلك أنا أقول يعني من كان بينه وبين أخيه شحناء، فليتذكر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد قال: «لا يحِلُّ لِمُؤمِنٍ أنْ يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثةِ أيّامٍ»[صحيح البخاري:6065، صحيح مسلم:2558/23]، والشحناء سبب لحجب العفو والمغفرة من الله –عز وجل- وتأخير ذلك كما جاء ذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة أن الأعمال يرفعها الله –عز وجل- كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله تعالى لكل مسلم إلا مشرك أو مشاحن. فيقول المشاحن يعني اللي بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أجِّلوا هذين حتى يصطلحا. [صحيح مسلم:2565/35]
فنقول: يعني من كان في قلبه على أخيه شيء، فينبغي أن ينزع ذلك ويتصافي ويتصالح ويعطي ما ينبغي من الحقوق لذوي الحقوق، حق المسلم على المسلم ينبغي أن يصان، حق القريب على قريبه ينبغي أن يصان، ووجود الخصومات لا يعني إسقاطَ الحقوق، وجود الخصومات يعني أو النزاعات على أموال، نحن لا نقول: إنه العيد فرصة لإسقاط الحقوق هذا إذا حصل فهذا طيب، لكن من الناس من يرغب في استيفاء حقه وله الحق في ذلك، لكن طلبك حقًّا حتى لو أوصلته إلى المحكمة أو خاصمت فيه عند جهة لا يستلزم أن تملأ قلبك شحناءَ وبغضاء وسوء وكراهية، بل يمكن أن يكون ذلك كله دون أن تشحن قلبك على أخيك بما يكون من المشاعر السلبية التي تؤدي إلى التقاطع والتهاجر وصد بعضكم عن بعض.
بل الاعتدال والتوسط هو المطلوب أسأل الله أن يجعل هذا العيد عيدًا تجتمع فيه القلوب وتأتلف ويصلح الله تعالى به أحوالنا جميعًا.
المقدم:- شيخ خالد أيضًا من الأمور التي ينبغي التذكير بها في مثل هذه المواسم الجميلة والرائعة في هذه الأيام والتي يكثر فيها فرحُ الناس وتباهيهم بما أنعم الله عليهم –سبحانه وتعالى- به في هذه الأيام من ملبوسات وغيرها من نعم، ربما تشاهد وربما أيضًا تنقل بواسطة هذه الوسائل للتقنية المختلفة ربما من المناسب أن تذكير هؤلاء الذين وسَّع الله عليهم –سبحانه وتعالى- بألا يستخدموا هذه النعم صوتًا يجلدون بها ظهور الفقراء والمحاويج وممن ضُيق عليهم في معيشتهم وفي حياتهم.
الشيخ:- ما في شك أخي أن استشعار النعمة في هذا العيد واضحة، وذلك بتوجيه النبي –صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر وتأكيده هذا المعني بقوله –صلى الله عليه وسلم- «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» [ابن زنجويه في الأموال:2397، والدارقطني في سننه:2133، وفي إسناده أبو معشر، وهو ضعيف.وضعف إسناده ابن حجر في الفتح:3/375، وابن عبد الهادي في التنقيح:1592] وعن التواصي في هذا اليوم يعني عن طلب الإعانة.
هذا الحديث وإن كان في إسناده مقال لكنه يدل أصل مشروعية الزكاة في هذا اليوم تدل على شعور المؤمن بذوي الحاجات، وحرص أهل الإسلام على الرأفة والرحمة، وأن تكون البهجة ليست مقصورة على فئة أو محصورة بمن كان عنده مال أو كان عنده قدرة، بل تراعي كل أطياف المجتمع من الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، كذلك من المهم أن نستشعر هذا المعنى وأن نقوم بما وجه إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- من مراعاة الفقراء في سد حاجتهم.
لاسيما الحاجات الأساسية، وأيضًا ألا يُظهر الإنسان من حاله ما يكون سببًا لضيق غيره، لاسيما إذا كان ذلك على وجه المباهاة والمفاخرة والعلوّ، أما إذا كان يحدد بلبس الجميل والزينة المباحة فدون أن يكون في ذلك أشر ولا بطر، هذا مما أُذن له فيه، وليس في ذلك حرج، وإذا وجد الفقير في نفسه شيئًا من ذلك فليقل: الحمد لله، ويسأل الله من فضله كما قال الله تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾[النساء: 32] يعني مراعاة هذه النفوس لتطييبها بشيء من الصدقة يذهب مثلَ هذه المشاعر التي يمكن أن تكون سببًا لنوع من الحزن أو ضيق عند ذوي الحاجات.
المقدم:- شيخ لعلنا نختم بنقطة مهمة جدًا، ألا وهي هذه الفئة التي هي متأصلة وأساسية في مجتمعنا ولا يمكن أن يخلو منها مجتمع من المجتمعات، لكنها تحتاج إلى التفاتةٍ، تحتاج إلى يد حانية وتحتاج إلى السؤال والاطمئنان والتفقد، وأيضًا ربما أن يكون هناك تبادل للهدايا أو تعهدهم بالهدايا والعطيات والهبات وغير ذلك كنوع من شكر الله –سبحانه وتعالى- على النعمة التي أعطانا الله –سبحانه وتعالى- إياها.
تلك الفئة التي ربما أغلب المجتمع أو هي في الغالب تكون مُهمَّشة وتكون ربما خارج دائرة الاهتمام في الغالب من المُسنِّين الذين يقبعون في دار المسنين أو في دور الرعاية أو في المستشفيات وغيرهم ممن يحتاجون إلى نوع من التفقد ونوعٍ أيضًا من وصلهم مما أعطانا الله –سبحانه وتعالى- ومما أنعم الله تعالى علينا –سبحانه وتعالى- حتى يدوم لنا الخير.
الشيخ:- بالتأكيد تلمُّس أحوال الناس والقيام بما يدخل عليهم السرور هو من العمل الصالح، وهو من الفرحة التي ينبغي أن نتنبه إليها ونستشعرها، يعني مثل ما ذكرت يا أخي، ثمة من يحتاج إلى يد حانية أو إلى لفتة رحيمة من أصحاب الحوائج سواء كانوا فقراءَ أو كانوا مرضى أو كانوا ممن انتهت بهم الحال إلى دور الرعاية ويحتاجون إلى لفتة وليعلم المؤمن أنه يفتح الله له من أبواب الخير والأجر والمثوبة والتوفيق والتسديد والسرور والبركة بإحسانه إلى الخلق ما لا يرد له على بال ولا يرد له على خاطر.
فينبغي أن يبادر كل واحد منا إلى كل باب من أبواب الخير سواء في الزيارة، في التواصل، سواء أحيانًا الزيارة حتى في البيوت لبعض من لا يخرج أو لا يستطيع الخروج لتقديمها، ولو كانت هدية يعني لا يجب أن تكون شيئًا يكلِّف الإنسان إذا كان لا يقدر، ولو كان في شيء هدية رمزية هي تحمل معنى أكثر من قيمة مادية، هذه كلها معاني ينبغي أن نحرص عليها ونسأل الله تعالى أن يعيننا على بذل ما يكون قربة لنا لديه.
المقدم:-شيخ خالد يعني عفوا ربما تناقل بعض الناس أن يعني التواصل وصلة الأرحام وتفقد الناس بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي الحديث هي ربما نوع من البدعة هل هذا الشيء صحيح يا شيخ؟ أو أنه يجوز؟
الشيخ:- لا، ليست بدعة، بدعة يعني يقصد أنه كل بدعة ضلالة لا، إما إذا كان يقصد أنه شيء جديد نعم هو شيء جديد؛ لأنه لم يوجد من قبل، ولكن أنا أقول فيما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي يعني أحيانا يكون الوصل فيها قد يؤدي لاسيما في المجموعات الأسرية طيب هذا ويحصل به تقارب وتعارف ووصل، لكني أوصي بأن لا نكتفي بذلك؛ لأنه أحيانا يعني يكتفي الواحد برسالة:" كل عام وأنتم بخير"" أو تقبل منا ومنكم" ويرسلها على هذه المجموعة من أقاربه وانتهت السالفة ليس ثمة اتصال ولا تفقد حال ولا سلام.
ولاشك أن هذا نوع من الوصل، لكنه قد لا يؤدي ما ينبغي من الوصل في حق من له حق، أكثر من أن يوصل بهذه الطريقة لأن الوصل متفاوت وليس على درجة واحدة وذلك بالنظر إلى درجة القربى فوصل الوالد والوالدة والإخوة والأخوات ونحو ذلك ليس كتواصل الأباعد من الأقارب فيما ينبغي أن يوصل بهم.
فالمقصود أنه يعني هذه الشبكات تحقق نوعًا من التواصل، ولكن ينبغي ألا نقتصر عليها ونغفل أوجه تواصل أوثق وأهم وأكبر وأبلغ.
المقدم:-جزاكم الله خير وأحسن إليكم شكر الله لكم فضيلة الشيخ في هذا اللقاء الذي قضيناه معكم خلال هذه الساعة في برنامج الدين والحياة حديثنا كان عن فرحة العيد، وقد أتينا على العديد من النقاط المهمة التي يجدر بنا أن نتمثلها وأن ننتبه إليها شكر الله لكم وبارك الله في علمكم شيخ خالد.
الشيخ:-آمين وبارك الله فيك.
وفي ختم هذا اللقاء، نسأل الله العزيز رب العرش الكريم أن يحفظ بلادنا وولاتنا وجنودنا ورجال أمننا وجميع أفراد مجتمعنا وجميع المسلمين في كل مكان، وأن يجعل هذا العيد داخلًا عليهم بالسرور والبهجة وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى وأن يكفينا شر كلِّ ذي شرٍّ هو آخذ بناصيته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:-سلام ورحمة الله وبركاته شكرا لكم وشكرا لكل المستمعين والمستمعات الذين كانوا معنا عبر الأثير في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم الدين والحياة، لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه –سبحانه وتعالى- في موعد جديد وحلقة جديدة وموضوع جديد في حلقة الأسبوع المقبل في تمام الساعة الثانية ظهرًا من يوم الأحد المقبل حتى ذلكم الحين تقبلوا تحياتي أنا عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل مصطفي الصحفي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.