المقدمة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيداً, أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, فهدى بنوره من الضلالة, وبصر به من العمى, وأرشد به من الغي, وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإن من المشكلات الاقتصادية الكبرى التي تواجه دول العالم على اختلافها التضخم النقدي الذي يتهدد اقتصاديات كثير من الدول ويزعزع استقرارها ويعيق نموها أو يربكه. والذي رشح التضخم النقدي لهذا التأثير الواسع ما يترتب عليه من آثار كثيرة تطال جوانب عديدة من حياة الناس، سواء الدينية والدنيوية: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولما كان التضخم النقدي بهذه المنزلة فقد تنادى الاقتصاديون وخبراء المال والمختصون في مراكز البحوث والدراسات الاقتصادية في العالم لدراسة التضخم النقدي: حقيقته وأسبابه وآثاره ووسائل معالجته. ولم تكن الدراسات الفقهية والبحوث الشرعية في منأى عن دراسة أحكام التضخم النقدي وبحث المسائل الشرعية المترتبة عليه، فقد تناول جماعة من الباحثين الشرعيين بعض المسائل المترتبة على التضخم النقدي بالدراسة والبحث. بل إن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وهو مجمع علمي فقهيمجمع الفقه الإسلامي: هو مجمع علمي، أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وعلمية وثقافية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها ،وهو منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي(1/18) ، كرر النظر والبحث في بعض مسائل التضخم النقدي عدة مـرات في عـدة دورات: في دورة المجمع الثالثة، والدورة الخامسة، والدورة الثامنة، والدورة التاسعة، وكذلك في دورته الأخيرة الدورة الثانية عشرة المنعقدة في الرياض عام 1421هـ، وهذا مما يبرز أهمية هذا الموضوع، وعناية الباحثين الشرعيين به.
وهذه الدراسة التي نحن في أول منازلها بعنوان التضخم النقدي في الفقه الإسلامي إسهام في بيان الأحكام الفقهية المترتبة على التضخم النقدي وتجليتها، وهي أيضاً إسهام في تقويم الحلول المقترحة لمعالجته وفق النصوص الشرعية وفي ضوء القواعد الفقهية المرعيَّة، فالله أسأل أن يعين ويسهل.