إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، بَعَثَهُ اللهُ بَيْنَ يَدِيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، أَقامَ اللهُ تَعالَى بِهِ الملَّةَ، وَهَدَى بِهِ إِلَى أَفْضَلِ سُنَّةٍ، أَقامَ اللهُ تَعالَى بِهِ الدِّينَ، وَبيَّنَ بِهِ مَعالمَ الطَّرِيقِ المُوصِلِ إِلَيْهِ جَلَّ في عُلاهُ.
وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعالَى فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آلِ عِمْرانَ:102 ، فاتَّقُوا اللهَ تَعالَى في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَفي المنْشَطِ وَالمكْرَهِ، وَفي الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، وَارْجُوا ما عِنْدَ اللهِ تَعالَى في ذلكَ؛ فِإِنَّ قِوامَ التَّقْوَى عَلَى طاعَةِ اللهِ تَعالَى بِفِعْلِ ما أَمَرَ، وَتَرْكِ ما نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, إِنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ دِينٌ وَلا يَقُومُ في دُنْيا النَّاسِ إِسْلامٌ إِلَّا بِالاجْتِماعِ عَلَى الطَّاعاتِ وَالإِحْسانِ، وَتَحْقِيقِ ما أَمَرَ بِهِ المَلِكُ الدَّيَّانُ مِنَ الاعْتِصامِ بَحَبْلِ اللهِ المتينِ؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ تَعالَى بَعْدَ التَّقْوَى بِالاعْتِصامِ بِحَبْلِهِ جَلَّ في عُلاهُ، فَقالَ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ آل عمران:103 ، ثم يُبين ما امتن به عليهم من الاعتصام بحبله المتين، والقيام بما فرض الله تعالى من الاجتماع وترك الخِلاف والفُرقة، ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران: 103 .جَمَعَ اللهُ تَعالَى قُلُوبَ المؤْمِنينَ بِأَوْثَقِ رِباطٍ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات:10 ، جَمَعَ اللهُ قُلُوبَ المؤْمِنينَ فَأَلَّفَ بَيْنَها، وَقَدِ امْتَنَّ اللهُ تَعالَى عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَذَكَرَهُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ، فَقالَ: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الأنفال:62-63 ، فَجَمَعَ اللهُ تَعالَى القُلُوبَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالشَّتاتِ، جَمَعَها عَلَى دِينِهِ الحَقِّ، وَعَلَى هُدَي نَبِيِّهِ القَوِيمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَيَّرهُمْ بِذَلِكَ جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ كانُوا أَشْتاتًا، وَصارُوا بِذَلِكَ إِخْوانًا بَعْدَ أَنْ كانوا أَعْداءً، فَللهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ عَلَى ما مَنَّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الاجْتِماعِ عَلَى كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرْكِ الفُرْقَةِ وَالشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَسائِرِ سَيِّئِ الأَخْلاقِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ الفُرْقَةَ مِنْ علائِمِ الشَّرِّ وَدَلائِلِهِ؛ وَلِذلِكَ ذَكَرَها رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - فِيما يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ مِنَ افْتِراقِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ القِتالِ بَيْنَهُمْ، فَذاكَ مِنْ دَلائِلِ غِيابِ الشَّرِيعَةِ، وَذَهابِ أَعْلامِها، وَانْتِفاءِ مَقاصِدِها.
عِبادَ اللهِ, رَوَى البُخارِيُّ في صَحيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمانِ - رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ - قالَ: «كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتَ أَسْأَلَهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافَةَ أَنْ يُدْرِكَني»، ثُمَّ قالَ - رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ - في مَسائِلِهِ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -، «فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ: إِنَّا كُنَّا في جاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ»، أَيْ قَبْلَ مَجِيئِكَ وَمَجِيءِ هَذا الدِّينِ القَويمِ، «كُنَّا في جاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجاءَنا اللهُ بِهَذا الخَيْرِ»، يَعْنِي دِينَ الِإسْلامِ «فَهَلْ بَعْدَ هَذا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: نَعَمْ، قُُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ»، ثُمَّ قالَ زَائِدًا عَلَى جَوابِهِ الأَوَّلِ: «وَفِيهِ دَخَنٌ» فَقالَ حُذَيْفَةُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَما دَخَنُهُ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِيِ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، أَيْ: أَنَّ عِنْدَهُمْ مِنْ مُخالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالخُروجِ عَنْ هَدْي الأَئِمَّةِ وَالعَمَلِ بِما كانَ عَلَيْهِ الخُلَفاءُ الرَّاشِدُونَ في صَدْرِ الأُمَّةِ ما جَعَلَهُمْ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، أَيْ: تَعْرِفُ بَعْضَ أَعْمالهِمْ وَتُنْكِرُ بَعْضَ أَحْوالهِمْ، «قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قالِ: نِعِمْ، دُعاةٌ عَلَى أَبْوابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجابَهُمْ إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيها»، وَهذا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ البُعْدِ الَّذي يَجْرِي في الأُمَّةِ بَعْدَ هَذا القَرْنِ أَوْ بَعْدَ هَذِهِ الطَّبَقَةِ، وَبَعْدَ هَذِهِ الحالِ مِنْ أَحْوالها، فدُعاةٌ عَلى أَبْوابِ جَهَنَّمَ يَكُونُونُ في كُلِّ ما يَكُونُ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، يَدْعُونَهُمْ إِلَى الخُرُوجِ عَنِ الصِّراطِ المسْتَقِيمِ، عَنِ الخُروجِ عَنَ الهُدَي القَويمِ، وَالتَّوَرُّطِ في حَبائِلِ الشَّيْطانِ، وَما زَيَّنَهُ لِلنَّاسِ مِنْ مُخالَفَةِ شَرائِعِ الرَّحْمَنِ، نعم «دُعاةٌ عَلَى أَبْوابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجابَهُمْ إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيهِ، قُلْتَ: يا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنا»، أَيْ: بَيِّنْ أَحْوالهَمْ وَأَوْصافَهُمْ وَأَعْمالهُمْ، فَقالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَوابٍ مُخْتَصَرٍ في بَيانِ صِفَتِهِمْ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنا»، وَهَذا يُبَيِّنُ أَنَّ أَمْرَهُمْ خَفِيٌّ وَأَنَّهُمْ لا يَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ مَظْهرًا جَلِيًّا يَتَّضِحُ لِلنَّاسِ مُعاداتُهُمْ لِلأُمَّةِ وَما جاءَ بِهِ مِنْ دِينِ الحَقِّ - صَِلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتَنا، «قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، فَما تَأْمُرُني إَنْ أَدْرَكَني ذَلِكَ؟»، أَيْ: ما الَّذي يُخْرِجُني مِنْ شَرَّهِمْ، ويُسَلِّمَني مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِلَى أَبْوابِ جَهَنِّم،َ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَلْزَمُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ وَإِمامَهُمْ، قُلْتَ: يا رسُولَ اللهِ، فِإِنْ لمْ يَكُنْ لهمْ جَماعةٌ وَلا إِمامٌ؟»، أَيْ: لمْ يَكُنْ لهُمْ مَنْ يجْتَمَعُونَ عَلَيْهِ، وَلا مَنْ يَأْتَمِرُونَ بِهِ، وَإِنَّما النَّاسُ مُتَفَرِّقُونَ شِيَعًا لَيْسَ لَهُمْ ما يَجْمَعُهُمْ، وَلا مَنْ يَلْتَئِمُونَ تَحْتَ رَايَتِهِ، قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرَكَكَ الموْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، هَكذا أَوْصَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «فاعْتَزِلْ تَلْكَ الفِرَقَ كُلَّها، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرَكَكَ الموْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ(3606).
وَقَدْ جاءَتْ هَذِهِ المسائَلَةُ بَيْنَ حُذَيْفَةَ وَرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيما رَواهُ الإِمامُ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ، فَقالَ فِيها: «يا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا بَشَرٌ، فَجاءَ اللهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَراءِ هَذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ وَراءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ وَراءَ ذَلِكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قالَ - رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – قُلْتُ: كَيْفَ؟»، أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ الأَمْرُ في هَذِهِ الحالِ الأَخْيرَةِ، قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّياطِينِ في جُسْمانِ إِنْسٍ، قالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟» أَيْ: إِنْ أَدْرَكْتُ هَذا الزَّمانَ الَّذي تَكُونُ حالُهُ كَما قُلْتُ، قالَ: «تَسْمَعُ وَتُطيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخْذَ مالَكَ فاسْمَعْ وَأَطِعْ»، وَهَذا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرِّوايَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَما أَخْبَرَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - عَنْ حالِ «دُعاةِ عَلَى أَبْوابِ جَهنَّمَ مَنْ أَجابَهُمْ إِلَيهْا قَذَفُوهُ فِيها»، قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سَأَلَهُ حُذَيْفَةُ: «وَما تَأْمُرُني إِنْ أَدْرَكَني ذَلِكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ وَإِمامَهُمْ».أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(1847).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, هَذا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ أَحْوالَ الأُمَّةِ وَطَبَقاتِها، وَما تَرَكَ خَيْرًا إِلَّا دَلَّنا عَلَيْهِ، وَلا شَرًّا إِلَّا حَذَّرَنا مِنْهُ، وَهُوَ يُوصِي الأُمَّةَ في هَذا الزَّمانِ الَّذي وَصَفَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَظيمِ المخالَفَةِ لِهَدْيِهِ، وَالخُرُوجِ عَنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَحْرِصَ المؤْمِنُ عَلَى الجَماعَةِ، وَأَنْ يَلْتَزِمَ ما يَكُونُ مِنَ الخَيْرِ الَّذي يَأْمُرُ بِهِ وُلاةُ الأَمْرِ، حَيْثُ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمْيرِ»، أَيْ: مَنَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَأْمِيرِهِ، ثُمَّ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مالَكَ فاسْمَعْ وَأَطِعْ»، هَكَذا يُوَجِّهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْكِيدًا عَلَى وُجُوبِ لُزُومِ الجَماعَةِ وَعَدَمِ الخُرُوجِ عَنْها، وَأَنَّ لُزومَ جَماعَةَ المسْلِمينَ مِنَ الدِّينِ الَّذي يَقُومُ بِهِ دِينُ رَبِّ العالمينَ، وَتَرْكِ القِيامِ بِهذا الأَمْرِ الَّذي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أَزْمانِ الشَّرِّ مِمَّا يُوجِبُ زَيادَةِ الشَّرِّ وَالفَسادِ في النَّاسِ، فَها هُوَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَما تَقَدَّمَ يَصِفُ أَئِمَّةَ أَزْمِنَةِ الشَّرِّ بِأَنَّهُمْ «دُعاةٌ عَلى أَبْوابِ جَهنَّمَ مَنْ أَجابَهُمْ إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيها»، وَمَعَ هَذا يَقُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: «تَلْزَمُ جَماعَةِ المُسْلِمينَ وَإِمامَهُمْ»، فَلَمَّا قالَ لَهُ: فَإِنَّ لمْ يَكُنْ لَهُمْ جَماعَةٌ وَلا إِمامٌ، فَقالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - في بَيانِ ما يَجِبُ، قالَ: «فاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الموْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، فالْزَمُوا عِبادَ اللهِ جَماعَةَ المسْلِمينَ، فَإِنَّ لُزومَ الجَماعَةِ مِمَّا يَقِي اللهُ تَعالَى بِهِ الشَّرَّ وَالفَسادَ، وَيُحَقِّقُ بِهِ ما أَمَرَ مِنَ الاعْتِصامِ وَالائْتِلافِ وَالالْتِئامِ، وَذاكَ دِينُ رَبِّ العالمينَ الَّذي لا دِينَ يَكُونُ في النَّاسِ إِلَّا بِِه، ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ الشورى:13
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنَّا، أَلْزِمْنا شَرْعَكَ، وَأَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقَّ وَالهُدَى، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوء وَالشَّرِّ وَالرَّدَى، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغُفُورُ الرَّحِيمِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ الفاتَحَةُ:2-4 أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهِ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَأَقِيمُوا دِينِ اللهَ تَعالَى في أَنْفُسِكُمْ، وَاحْرِصُوا عَلَى تَطْبِيقِ شَرْعِهِ فِيما تَسْتَطِيعُونَ كَما أَمْرَكُمْ اللهُ تَعالَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ التغابن:16 ، الْزَمُوا دِينِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمْرُهُ وَنَهْيَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَجاةٌ لَكُمْ في دُنْياكُمْ وَأُخْراكُمْ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, لا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ما جَرَى في كَثِيرٍ مِنْ بِلادِ المسْلِمينَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالنِّزاعِ وَالخِلافِ الَّذي كانَ سَبَبًا عَظيمًا لِفَشَلِهِمْ، وَذَهابِ رِيحِهِمْ، وَتَفَرُّقِ كَلِمَتِهِمْ، وَفَقْدِهِمْ كَثِيرًا مِمَّا كانُوا عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ بِسَبَبِ فُرْقَتِهِمْ وَخِلافِهِمْ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّهُ لا أَكْمَلُ نُصْحًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُمَّتِهِ، وَقَدْ نَصَحَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأُمَّةِ بِالاجْتِماعِ، وَنَهَىَ عَنِ الفُرْقَةِ وَالخِلافِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ لُزُومَ الجَماعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى ما يَكُونُ مِنَ الشُّرورِ بِدَفْعِها بِالطُرُقِ الشَّرْعِيَّةِ مِمَّا يُحَقِّقُ اللهُ تَعالَى بِهِ الفَلاحَ وَالنَّجاحَ، وَلِهذا لما خالَفَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَدْيِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَرَجُوا عَمَّا أَمَرَ بِهِ وَوَجَّهَ كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلَفسادِ العَرِيضِ، وَالشَّرِّ الكَبيرِ الَّذي وَقَعَ في النَّاسِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, عِبادَ اللهِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ في جامِعِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: خَطَبَنا عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ -، فَقالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقامِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحابي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ»، ثُمَّ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيما أَخْبَرَ بِهِ عُمَرُ مِنْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيانُهُ، قالَ: «ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرُّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَدُ، أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كانَ ثالِثُهُما الشَّيْطانُ»، ثُمَّ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالجَماعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطانَ مَعَ الواحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ»، أَيْ مَنْ أَرادَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْها، وَأَنْ يَنالَ مِنْها مَنْزِلًا وَاسِعًا فَسِيحًا «فلْيِلْزَمِ الجَماعَةَ»، ثُمَّ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَساءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذاكَ المؤْمِنُ»أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(2165), وَقالَ: حَسَنٌ صَحيحٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَساءَتْهُ سَيِّئاتُهُ يا رَبَّ العالمَينَ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ نِعْمَةَ اللهِ تَعالَى عَلَيْكُمْ في هَذِهِ البِلادِ بِهذا النِّظامِ المحْكَمِ القائِمِ عَلَى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ نِعْمَةٌ عُظْمَى يَجِبُ عَلَى المؤْمِنِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ تَعالَى عَلَيْها؛ فَإِنَّها نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ حُرِمَها كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ وَذَاكَ أَنَّ تَحْكِيمَ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَفْقِ ما كانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ مِمَّا يُخْرِجُ اللهُ تَعالَى بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَمِمَّا يُدْرِكُونَ بِهِ بَركاتِ الدُّنْيا وَبَرَكاتِ الآخِرَةِ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ الأعراف:96 ، فاحْمَدُوا اللهَ تَعالى عَلَى ذَلِكَ، وَالْزَمُوا جَماعَةَ المسْلِمينَ، وَاحْرِصُوا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى كُلِّ مَنْ يُريدُ نرَ شائِعَةٍ تُفَرِّقُ، أَوْ نَشْرِ خَبَرٍ يُفْضِي إِلَى فُرْقَةٍ واخْتِلافٍ؛ فَإِنَّ ما أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ لا تَزُولُ إِلَّا بِمَعْصِيَةِ وَتُحْفَظُ بِشُكْرِ اللهِ تَعالى وَالقِيامِ بِحَقِّهِ جَلَّ في عُلاهُ، فاحْفَظُوا حَقَّ اللهِ تَعالَى في هَذِهِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ عَلَيْها، احْفَظُوا حَقَّ اللهِ تَعالَى في هَذِهِ النِّعَمِ بِصَرْفِها فِيما يُرْضِيهِ، احْفَظُوا حَقَّ اللهِ تَعالَى في هَذِهِ النِّعَمِ بِتَوَقِّي أَسْبابِ زَوالها وَارْتِفاعِها وَذَهابِها، احْرِصُوا عَلَى الاجْتِماعِ وَالأُلْفَةِ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لمنْ وَلَّاهُ اللهُ تَعالَى أَمْرَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الخَيْرَ في الجَماعَةِ، وَأَنَّ رَأْيَ الفَرْدِ قَرِيبٌ مِنَ الضَّلالِ وَالانْحِرافِ، وَأَنَّ الجَماعَةَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوابِ فالْزَمُوا أَمْرَ الجَماعَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالخُروجِ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ بِلُزُومِ ما كانَ عَلَيْهِ عُلَماءُ الأُمَّةِ وَما جَرَى عَلَيْهِ جَمْعُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقِيكُمُ الشَّرَّ وَالفَسادَ؛ وَلهِذا قالَ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ في قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جَوابِ حُذَيْفَةَ عِنْدَما أَخْبَرَهُ عَنْ «دُعاةٌ عَلَى أَبْوابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجابَهُمْ إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيها»، قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُذَيْفَةَ لماَّ سَأَلَهُ: فَما تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَني ذَلِكَ؟ قالَ: «تَلْزَمُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ وَإِمامَهُمْ»,أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ(3606)، وَجَماعَةُ المسْلِمينَ هُوَ ما كانَ عَلَيْهِ سَوادُهُمْ، وَما كانَ عَلَيْهِ عُلماؤُهُمْ، وَما اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الائْتِلافِ عَلى أُمَرائِهِمْ وَتَرْكِ الفُرْقَةِ وَالخِلافِ فَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلشَّرِّ وَالفَسادِ.
ومَن قلَّبَ نَظَرَهُ في الواقِعِ وَالتَّارِيخِ وَجَدَ أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ خَرَجُوا عَلَى أَئِمَّتِهِمْ وَنَبْذُوهُمْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الفَسادِ وَالفُرْقَةِ وَالشَّرِّ أَعْظَمُ مِمَّا يَؤُمِّلُونَهُ مِنَ الخَيْرِ بِخُروجِهِمْ، وَعَدَمِ طاعَتِهِمْ وَمُفارَقَتِهِمْ لِلجَماعَةِ.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ قُلُوبَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، اللَّهُمَّ اجْمَعْ قُلُوبَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلوبِنا وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا، اللَّهُمَّ مَنْ سَعَى بَيْنَنا بِفَسادٍ وَفُرْقَةٍ وَشَرٍّ وَشِقاقٍ فاجْعَلْ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَاكْفِ المسْلِمينَ شَرَّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ أَنْ تَرْزُقَنا الاسْتِقامَةَ في السِّرِّ وَالعَلَن، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَى، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَوَفِّقَنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَنْ تَصْرِفَ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، ثَبِّتْنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، وَإِذا أَرَدْتَ بِعِبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْنا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، اللَّهُمَّ أَعِذْنا مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، اللَّهُمَّ أَعِذْنا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ في القَوْلِ وَالعَمَلِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِتَأْيِيدِكَ، وَأَعِنْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَأَمِدَّهُ بِعَوْنِكَ، وَاجْعَلْهُ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ مُسَدَّدًا مُصِيبًا، مُوَفَّقًا رَشِيدًا، اللَّهُمَّ وَاجْمَعْ بِهِ كَلِمَةَ المسْلِمينَ، اللَّهُمَّ وَاجْمَعْ بِهِ كَلِمَةَ المسْلِمينَ، وَارْفَعْ بِهِ رايَةَ الدِّينِ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، أَعِنْهُمْ عَلَى ما فِيهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، وَوَفِّقْهُمْ إِلَى ما فِيهِ خَيْرُ بُلْدانِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ يا ذا الجلالِ وَالإِكْرامِ.
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلإِخْوانِنا الَّذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًا لِلذينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ.
عِبادَ اللهِ, صَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمِّدٍ صِلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ في يَوْمِكُمْ هَذا؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنْ الصَّلاةَ عَلَيْهِ في هَذا اليَوْمِ لها مَزِيدُ فَضْلٍ وَلها مَزِيدُ عِنايَةٍ عَنْ سائِرِ الأَوْقاتِ وَالأَيَّامِ، اللَّهُمَّ صَلٍّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.