×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (76) لزوم الجماعة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4609

المقدم: من جديد نحييكم، ونرحب بكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، مستمعينا الكرام إن الاجتماع على الحق، ولزوم الجماعة المتمسكة به، وعدم مفارقتهم هو من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومحاسنها، وفضائلها، ومن ميزة أهل السنة عن غيرهم من أهل الأهواء.

لذلك كان من ألقابهم الشرعية وصفهم بأنهم أهل السنة والجماعة، كما أن هناك كثيرًا من النصوص في الكتاب والسنة، وأقوال العلماء الواردة في الأمر بالتمسك بالجماعة ونبذ الفرقة.

حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة عن لزوم الجماعة، أرحب من جديد بضيفي الشيخ الدكتور خالد المصلح، حياكم الله شيخ خالد، وفي البداية لو نذكر بأهمية لزوم الجماعة، ولماذا هناك الكثير من النصوص الشرعية التي وردت في هذا الشأن وحثت عليه.

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مساكم الله بالخير، وأسأل الله تعالى أن يكون هذا اللقاء لقاءً نافعًا مباركًا، هذا الموضوع الذي نتحدث عنه في هذه الحلقة هو من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يعتني بها الجميع من أفراد المجتمع على اختلاف طبقاتهم، وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، ذلك أن لزوم الجماعة وهو أن يجتمع الناس على ولاة أمرهم، ويقيموا شرع الله -عز وجل-بقدر ما يمكنهم الله -عز وجل-يفتح عليهم في ذلك هو من النعم العظيمة التي امتنّ الله تعالى بها على هذه الأمة، وجعلها من أسباب تحقيق التقوى التي أمر الله تعالى بها الناس جميعًا، فقال الله -جلّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا آل عمران:102، 103 .

هذه الآيات الكريمات وضحت بجلاء أن التقوى التي أمر الله تعالى بها من أسباب تحقيقها وطرق الفوز بها في الدنيا والتزود هو أن يجتهد الإنسان في سبيل أن يجتنب الإنسان قدر إمكانه في تحقيق طاعة الله -عز وجل-من خلال لزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج عن الصراط المستقيم الذي يجتمع به شمل الأمة، ويتحقق به ما تؤمله من المصالح، وما تؤمله من الاجتماع على كلمة الحق والهدى.

هذا المعنى من المهمات التي يغفل عنها كثير من الناس، ويظنون أن تناول موضوع الجماعة موضوع الاجتماع هو موضوع هامشي أو موضوع مكرر أو موضوع ليس له تأثير في الديانة، وهذا من الجهل الكبير بمنزلة هذه القضية.

وحتى يتضح لك عظيم منزلة هذه القضية أن تنظر إلى ما ذكره الله تعالى فيما اجتمعت عليه شرائع النبيين صلوات الله وسلامه عليهم.

فإن الله تعالى ذكر في محكم كتابه ما وصى به،ما شرعه لمحمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقال: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ الشورى:13 .

فجعل الله -عز وجل- هذه الشريعة قائمة على هذه الوصية، وهي إقامة الدين، وعدم التفرق فيه، وثمة تلازم بين الأمرين، إنه لا يمكن أن يقوم دين بالفرقة والخلاف والنزاع والشقاق، ولا يمكن أن يقوم دين في حال غياب الاجتماع؛ لأن الشريعة جاءت بالاجتماع، والائتلاف، والتعاون على البر والتقوى، وعدم الخروج عما تلتئم عليه الجماعة، وتجتمع به الكلمة، ولهذا أمر الله تعالى الاعتصام بحبله؛ لأجل أن يتحقق للأمة المصلحة الكبرى التي يتحقق بها صلاح المعاش والمعاد للناس.

لذلك من المهم أن ندرك أن طرح هذه القضية هو طرح لقضية مهمة من حيث الأصل في كل زمان، وفي كل حال لكن يتأكد تناول هذا الموضوع، وطرح هذه القضية في مثل هذه الظروف التي تعيشها الأمة من التشرذم والفرقة والاختلال لأمنها، ومحاولة الأعداء على شتى صنوفهم، وتنوع أهدافهم على النيل منها، فإنهم مجتمعون على النيل من هذه الأمة بما يستطيعون من أوجه النَّيل، وأعظم الطرق التي ينال بها الأعداء منّا هي فرقتنا ونزاعنا، وخروجنا عن مقتضيات لزوم الجماعة والاجتماع على من لهم الولاية ممن جعلهم الله تعالى ولاة يسوسون أمر الدنيا، ويصلحون أمر الدين، ويقيمون شرائع الإسلام في بلاد المسلمين.

هذه القضية عندما يدرك الإنسان كيد أهل الفجور وأهل الفسق وأهل العناد والمحاربة للإسلام، وتأكيدهم عليها بدعاوى كثيرة يدرك أنه نحتاج إلى أن نعيد، ونقرر هذا المعنى الذي هو من المعاني العظيمة التي دلت عليها الأدلة في الكتاب والسنة.

ولهذا كان من سمات من يسير على طريق السلف الصالح من العلماء والمجتمعات أنهم يجتمعون ولا يفترقون، أنهم يأتلفون ولا يتشرذمون، أنهم يسعون إلى حفظ بيضة الإسلام بالالتئام والاجتماع على كل ما يمكن أن يكون من دعاوى الفرقة والخلاف، والشقاق، والخروج عن جماعة أهل الإسلام، وبهذا يعملون بالوصايا الإلهية والنبوية والكلمات التي اجتمع عليها علماء الأمة في التأكيد على ضرورة الاجتماع على الكتاب والسنة، وترك منابذة الأئمة، والخروج على ولاة الأمر الذين أثبت التاريخ أن الخروج عليهم هو من أعظم أسباب فساد معاش الناس وخراب دينهم.

ولهذا ينبغي التحقق من ضرورة العناية بهذا الموضوع، وأننا لا نتكلم عن هذا الموضوع؛ لأنه موضوع يعني من الموضوعات الهامشية، بل هو من الموضوعات الأساسية من قواعد الدين، ومن أصوله التي بها يُحفظ الشرع ويقوم دين رب العالمين وتصلح أحوال المسلمين، ويُكتب لهم الظفر والظهور في الأرض.

هذه نبذة مختصرة عما يتعلق بمعنى لزوم جماعة المسلمين وأهمية الموضوع، معنى لزوم جماعة المسلمين هي أن يحفظ الإنسان جماعة أهل الإسلام بالاجتماع على ولاة أمرهم وعدم الخروج عليهم بأي مسوغ من المسوغات التي يسوغها أهل الخروج وأهل الشقاق وأهل الفرقة والخلاف.

وأما ما يتعلق بأهمية الموضوع فهو وصية الله للأمة، وهو ما أوصى به نوحًا وموسى وعيسى بن مريم، أوصى به أولي العزم من الرسل، فالموضوع في غاية الأهمية، هذا من حيث أصله، ومن حيث واقعه أننا نعيش في جو موبوء بالفرقة والخلاف والنزاع، ولا يسلم مجتمع من غوائل وشرور هذه البيئة إلا باجتماعها على ما أمر الله تعالى بالاجتماع عليه من الكتاب والسنة وحفظ بيضة الإسلام والاجتماع على ولاة الأمر، ومن جعل الله تعالى الاجتماع عليهم سبيلًا للخروج من كل المآزق والبلايا.

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخ خالد، أيضًا عندما نتحدث عن هذا الأمر وأهميته ربما يعني يتبادر إلى الذهن أمر آخر ألا وهو الأخطار التي تحصل من وراء هذا النزاع والشقاق والاختلاف والفرقة، وما يمكن أن يعقب هذا الأمر من كسر شوكة المسلمين وبالتالي تسلط الأعداء عليهم، وهو ما كان واضحًا بجلاء في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ الأنفال:46 .

وهذا الأمر ليس مقصورًا فقط على الجنس البشري بل حتى الحيوان مُحذَّر من هذا التفرق عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»[أخرجه الحاكم في مستدركه:ح765 وحسنه، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود:556].

 هذا الأمر حذر منه حتى الحيوان في مسألة يعني ضرورة اجتماعه وكيف يمكن أن تتحقق له هذه القوة من خلال هذا الاجتماع وهذا التجمع؟ وإذا ما حصلت الفرقة كان هناك الهلاك المبين، يعني هذا الأمر ليس فقط مقصورًا على الجنس البشري بل حتى الحيوان مقصود بذلك، فهذا أيضًا من الأمور التي يمكن أن تضمن بقاء واستمرارية هذه الخلائق إلى يوم القيامة، إضافة إلى ما يمكن أن تحققه هذه الجماعة من قوة لهذا الجنس من الناس أو سواء كان الحيوان أو غير ذلك، ونستحضر في هذا السياق أيضًا الكثير من الآيات والأحاديث التي تدل على فضل الجماعة والحذر من الخروج عن هذه الجماعة، وتم في كثير من النصوص سواء في الكتاب والسنة التحذير من الخارجين والمارقين عن هذه الجماعة، ورُتِّب على هذا الخروج يعني العقاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة.

الشيخ: بالتأكيد ما ذكرته يؤكد أهمية هذا الموضوع وضرورة العناية به، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر الأمة من الفرقة، وأخبر بأن ما يكون من اختلاف أحوال الناس موجب للعناية بلزوم الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.

ففي وصية النبي صلى الله عليه وسلم الشهيرة التي أوصاها -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وكانت تشبه أن تكون وصية مودِّع، قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم: «من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا»وهذا الاختلاف هو التغير والتحول الذي يجري على الأفراد والمجتمعات، وليس فقط على مستوى الأفراد بل الأفراد والجماعات، ثم قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد أن أخبر بما أخبر به من حصول الاختلاف قال: «من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كلَّ مُحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»[أخرجه أبوداود في سننه:ح4607، والترمذي في سننه:ح2676، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]، الحديث في أوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصيته في حال وجود هذا الاختلاف في حال وجود هذا التغير قال: «أوصيكم بتقوى الله»، فتقوى الله صيانة وحصانة تقي الإنسان من الوقوع في ترك الواجبات أو التورط في المحرمات.

وهذه وصية عامة في كل زمان ومكان وفي كل حال ولكل إنسان، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم وصية خاصة تتعلق بحصول الفرقة والاختلاف الذي يمكن أن يكون في المجتمعات، قال: «والسمع والطاعة»، «أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالسمع والطاعة» أي لمن ولّاه الله تعالى الأمر قال: «وإن عبدًا حبشيًّا» يعني وإن كان من له ولاية عليكم على هذا النحو ممن تأنف النفوس لا سيما نفوس من يخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم من العرب أن ينقادوا له وأن يطيعوه، فقال: «وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا» والسمع والطاعة هو الضمانة التي تقي الإنسان الفتن.

ولهذا في وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره في أجوبته صلى الله عليه وسلم على أسئلة حذيفة -رضي الله تعالى عنه- يبرز هذا جليًّا، ففي صحيح الإمام البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة ابن اليمان يقول:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، هذه مقدمة يخبر فيها حذيفة عن عنايته بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرور والباعث على السؤال ليس الاستطلاع والتشوف إلى المعرفة، إنما لتوقي ما يسأل عنه من الشرور، ولذلك مخافة أن يدركني، يعني حتى أعرف كيف أتوقي هذه الشرور" كنت أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشر مخافة الوقوع فيه، فقلت: يا رسول الله، عرفت تلك الأسئلة التي سألها هذه المسائل التي ذكرها -رضي الله تعالى عنه- في هذا الحديث، فقلت: يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشرٍّ، فجاءنا الله بهذا الخير، وهو ما كان من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وهداياته والنور الذي جاء به، هل بعد هذا الخير من شرٍّ؟ قال: «نعم»، وهذا خبر عما سيكون في المستقبل من حصول شرٍّ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دَخَن» يعني ثمة خير قادم، ولكن هذا الخير القادم ليس خالصًا بل فيه دخن، وهو ما يشوبه ويعكر صفاءه، ويكون من موجبات نقصه، قلت: وما دخنه؟ حذيفة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخن هذا الخير الذي يأتي بعد الشر قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكِر» يعني قوم، وهنا قوم يشمل الأفراد والمجتمعات الحاكم والمحكوم، قوم يهدون بغير هدي أي يكون منهم هجران للسنة، وعدم العمل بها على الوجه الذي ينبغي، لكن هذا الهجران ليس مغيرًا لهم تمامًا عن هدي الإسلام وآدابه وسننه، تعرف منهم وتنكر، يعني فيهم وفيهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: «نعم» هذا جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وصف ذلك الشر بقوله: «دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها»، أي: قوم يقومون، وينتدبون إلى دعوة الناس إلى أبواب جهنم، ما هي أبواب جهنم؟ أبواب جهنم هي كل طريق يخرج بالإنسان عن صراط الله المستقيم، كل طريق يخرجك عن طاعة ما أمر الله تعالى به من الواجبات، وعن طاعة الله -عز وجل- فيما زجر عنه من المحرمات، فإنه باب من أبواب جهنم.

«من أجابهم» أي: من قبل دعوتهم إلى هذه الأبواب فإنه إنما يتقحم نار جهنم، قلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا، قال: «هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ هنا الشاهد، عندما تكثر الشرور، وتكثر البلايا، وتكثر أسباب الانحراف، وتكثر الفتن، وتكثر الشبهات، وتكثر الشهوات، وتروج سوق الخروج عن الصراط المستقيم، ما طريق السلامة من ذلك؟ فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «تلزم جماعةَ المسلمين وإمامَهم»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3606] هنا تأكيد إلى ضرورة لزوم الجماعة لتوفير الحصانة، جماعة المسلمين ولا جماعة للمسلمين إلا بإمام، ولا جماعة إلا بسمع وطاعة.

ولذلك ثمة تلازم بين هذه الأمور وتتابع وتسلسل بين هذه القضايا، ولذلك ينبغي أن يُعلم أنه لا يتحقق لأحد لزوم جماعة المسلمين، ولا الزوم إمام المسلمين إلا بالأخذ بالأسباب التي أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بها، وأبرز ذلك ورأسه وأساسه هو السمع والطاعة لمن ولّاه الله تعالى الأمر في المعروف، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ النساء:59 .

فطاعة ولاة الأمر هي مما يحصل به إقامة الدين وما يحصل به صلاح المعاش والميعاد ويحصل به الخروج والسلامة من الفتن، ولهذا أكدّ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المخرج من الفتن ليس في أن يأخذ الإنسان بطرق الانحراف، ولا في أن يسلك سبل الانفراد والشذوذ، ولا في الفرقة والتشرذم ولا في التحزب والتفرق، إنما في لزوم جماعة المسلمين.

وما جرّ على المسلمين في هذه العصور بل في ما مرَّ العصور السابقة وفي هذا العصر من الشر مثل ما جرّه عليهم التحزب والتفرق سواء كانت تلك الأحزاب بمسميات قَبَلية، أو بمسميات دينية، أو بغير ذلك مما يمكن أن يتحزب عليه الناس مما يوجب الفرقة والخلاف والنزاع والتشرذم.

فإن هذه الأمة جماعة، وهي أمة واحدة، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً الأنبياء:92  فكل من فرقّها وقسمها وشرذمها وشتتها فإنه أتى بخلاف المقصود، حتى ولو كان هذا بشعار ديني، ولهذا ينبغي أن لا تنطلي علينا هذه الشعارات التي قد يرفعها أصحاب الأحزاب لنصرة أحزابهم أو لتسويق وترويج أفكارهم تحت مظلة هذه الأحزاب التي قد ترفع شعارات دينية أو ترفع أسماء دينية وتكون أسماءً خالية من المضمون، فإن الاسم الشرعي إذا خلا من المقصود الشرعي فإنه لا ينفع صاحبه بل يكون وبالًا عليه، بل يكون من دعوى الجاهلية التي يُنهى عنها.

وقد جرى هذا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما تحزّب المهاجرون والأنصار إلى هذين الاسمين المباركين الذين جاء الثناء عليهما في كتاب الله وفي سنة رسول الله، لكن لما سيق في مساق التفريق والتشرذم والتشتيت لجماعة المسلمين كانت هذه الأسماء مفرغة عن مضمونها ومذمومة بل سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية عندما قال صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أَظْهُرِكُم؟»، وذلك أن رجلين اختصما في اجتماع الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- حيث إن أحدهم مازح رجلًا كما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فكَسَع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، يعني استنصر بالأنصار وهو اسم شرعي في سياق مذموم، وهو تفريق المسلمين والاستنصار بهؤلاء على جاهلية، فقال المهاجري: يا لَلمهاجرين، وكلاهما من الأسماء المحمودة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بالُ دعوى الجاهلية؟»، فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- عما وقع أن رجلا من المهاجرين كسع رجلًا من الأنصار، فكانت هذه المناداة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها مُنْتِنَة»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح4905] دعوها أي: اتركوها فإنها منتنة أي شديدة خبث الرائحة الذي يفضي إلى تعكر المزاج، وسوء الحال وفساد الجماعة.

ولهذا يعني ينبغي التأكيد على أن لزوم الجماعة هي أن يرتضي الإنسان الجماعة السواد الأعظم من جماعة المسلمين، ويجتمع على من اجتمعوا عليه ممن له الولاية، وممن ارتضوا إمارته وقيادته، ولا ينازع في ذلك، ولا يخرج عما تقتضيه ذلك الاجتماع من الائتلاف وترك أسباب الفرقة والنزاع، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، أو المصالح الجزئية فإن ذلك مما يضمن اجتماع الأمة وترك الفرقة والخلاف.

لهذا من المهم أن نفهم أن للزوم الجماعة أسبابًا، ومن أعظم أسباب لزوم الجماعة أن يسمع المؤمن ويطيع لمن ولّاه الله تعالى الأمر، من أعظم أسباب لزوم الجماعة أن يُنبذ كل ما يمكن أن يكون من أسباب الفرقة، وأن يتيقين أن كل ما يفضي إلى الفرقة فهو من دعوى الجاهلية كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في قوله: «ما بال دعوى الجاهلية؟».

والأمر الثالث: أن يقطع المؤمن الطريق على كل من سعى بالفرقة بين المسلمين وبين جماعة المسلمين وهذا من المهمات التي يغفل عنها كثير من الناس، وهي أنه قد يتجاوب مع بعض الدعاوى التي قد تتزيى بزي الإصلاح، قد تظهر بمظهر النصح، وقد يكون منهم ناصح لكن لا يسلك في النصح السبيل القويم، ولا ما تقتضيه الشريعة من حفظ الجماعة وعدم منازعة الأئمة، فيكون ذلك من أسباب الفرقة والخلاف والخروج عن الطريق المستقيم.

فمن المهم، من المهم أن يعرف المؤمن أن كل من دعا إلى فرقة فإن الواجب على الأمة قطع الطريق عليه، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم -عن ذلك بخبر جليّ بيَّن في بيان عظيم وجوبَ التحذير من هؤلاء، وأن يُبعدوا وأن يُعزلوا عن التأثير على الناس بما يقطع شرهم.

ففي صحيح الإمام مسلم من حديث عرفجة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون هنّات وهنّات» أي إشكالات وفرقة ونزاع وشر «فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميعًا» مجتمعة على الكتاب والسنة وعلى طاعة ولاة الأمر والأئمة «فاضربوه بالسيف كائنًا من كان»[مسلم:1852/59].وهذا يبيّن أن مصلحة الجماعة تتضاءل أمامها كل الأوهام التي يمكن أن تقود بعض الناس إلى تفريق الجماعة بدعوى الإصلاح، تفريق الجماعة بدعوى النصح، تفريق الجماعة بدعوى أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو غير ذلك مما يمكن أن يكون سببًا للفرقة، بل النبي صلى الله عليه وسلم حسم الأمر على وجه لا يقبل الالتباس قال صلى الله عليه وسلم: «فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان».

المقدم: جميل، أحسن الله إليكم وبارك الله فيكم وفي علمكم، متواصلون معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا متواصل ومستمر عن لزوم الجماعة مع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، أرقام التواصل: 0126477117، 0126493028 رقم الواتس آب للبرنامج 0582824040، وأيضًا يمكنكم التغريد هاشتاج البرنامج الدين والحياة أو على حساب الإذاعة على تويتر نداء الإسلام، نأخذ أول اتصال معنا في هذه الحلقة من عبد العزيز الشريف، تفضل عبد العزيز آسفين على الإطالة.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: سلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.

المتصل: حياكم الله أستاذ عبد الله، كيف حالك؟

المقدم: أهلًا وسهلًا، حياك الله.

المتصل: عساك طيب، سعداء بسماع صوتك.

المقدم: الله يرفع قدرك، وبارك الله فيك.

المتصل: أحييكم وأحيي فضيلة الشيخ.

المقدم: بارك الله فيك، تفضل.

المتصل: بالنسبة للزوم الجماعة الآن منبر الجمعة الذي يجتمع إليه خلق كثير، للأسف نسمع من بعض الخطباء حشو كلام، ما سمعنا إنه يدعو للجماعة لإصلاح ولي الأمر، الأحداث الأخيرة الآن منبر الجمعة غائب عنها، توجيه الأئمة والخطباء إلى أن يتطرقوا إلى مثل هذه المواضيع المهمة التي تهم الأمة جميعًا الوحدة والاجتماع والاتفاق، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه وفي أحاديثه وفي المجتمعات يدعو إلى الوحدة والاجتماع وينهى عن الافتراق ويحذر منه.

السؤال الثاني: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ستفترِق هذه الأمة على ثنتي وسبعين فرقة»[أخرجه ابن ماجه في سننه:ح3993، وأحمد في مسنده:ح12479، والحاكم في مستدركه:8325، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "] هذه الفرق الآن التي انتشرت وفشت في المجتمع كيف للمسلم أن يحذرها؟ وكيف يبتعد عنها؟ مع أنها تتكلم بالإسلام، وتدعو بالإسلام، وتحث على الإسلام، وظاهرهم الإسلام، وأنهم كلامهم طيب عسل كما قال الله: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمد:30  ويقول الله -عز وجل-: ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ المنافقون:4  كيف يحذر المسلم من هذه الأصوات الذي ظاهرها العسل والحب والخير ولكن باطنها الشر والأذى والإيذاء للإسلام والمسلمين، فما موقف المسلم تجاه هذه الجماعات التي دخلت المجتمع؟ وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: شكرًا لك أخ عبد العزيز، شيخ خالد الأخ عبد العزيز يمكن أثار نقطة يعني مهمة قبل أن نأتي على مسألة دور الخطباء في يعني جمع كلمة المسلمين، وأيضًا الحث على أهمية هذه الجماعة ولزومها، مسألة كيف يمكن لنا أن نحذر أيضًا أبواق الفتنة والأصوات التي تفرق بشكل أو بآخر بعضها ربما تظهر النصح والشفقة وغير ذلك من المظاهر التي تبدو في يعني بادئ الأمر أنها تدعو إلى الاجتماع وتدعو إلى الخير، بينما هي باطنها أو هي تسعى في حقيقتها إلى تفريق وشق صف المسلمين، وهذا حاصل ولا شك في ذلك، وأن أيضًا هذه الجماعة ربما تستخدم بعد النصوص لخدمة أغراضها بتأويلات فاسدة وتستند إلى هذه النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لخدمة أهدافها وأجندتها المشبوهة، ولجذب أكبر قدر ممكن من الأتباع لتحقيق هذا الشر العظيم، يمكن لنا أن نحذر هذه الفتنة يا شيخ؟

الشيخ: أولًا يا أخي الكريم نحن في هذه البلاد -ولله الحمد- جماعة واحدة، وليس عندنا جماعات وأحزاب، هذا الذي يجب أن يكون ويجب أن يعيه كل مسلم يعيش على ثرى هذه البلاد المباركة، هذه البلاد قامت على الكتاب والسنة، ولاتها وعلماؤها مجتمعون على بذل الوسع في إقامة دين الله -عز وجل- في أنفسهم وفي مجتمعهم وفي أنظمتهم حسب الطاقة والقدرة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16 .

وليس لدينا -ولله الحمد- في هذه البلاد ما يكون من الأحزاب سواء كانت تتسمى بأسماء دينية، أو ما يكون منها الأحزاب التي يكون لها خروج عن الشريعة أو أحزاب مدنية، إنما الجميع يستظلون بظل ولاية شرعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتبذل جهدها في إقامة الشريعة، وفي إصلاح أمر المعاش والميعاد، هذه قضية ينبغي أن تكون واضحة، ولا يجوز لمؤمن أن يتحزب وأن يخرج عن هذه المظلة الواسعة التي تضم جميع من تحت قبة سماء هذه البلاد ويعيش فوق ثرى أرضها، يجب أن يُقطع الطريق على كل من يحاول الشرذمة والتفريق سواء كان ذلك بجماعات تتسمى باسم الإسلام أو بجماعات تدعو إلى شيء مما تزعم أنه نصح، أو شيء مما تزعمه إصلاحًا، ثمة- ولله الحمد- طرق راسخة، ومناهج قويمة في إيصال النصيحة على ما توجبه الشريعة، ويحقق الله تعالى بها من الصلاح والإصلاح للأمة ما يحفظها بها ويرتقي بها إلى المأمول من السمو في أمور الدين والدنيا.

ولهذا لا بد من التأكيد على أن أي تجمع خارج عن هذه المظلة الواسعة التي تنطوي تحت بيعة شرعية وولاية شرعية لإمام المسلمين في هذه البلاد أن ذلك خروج عما توجبه الشريعة من الاجتماع، وخروج عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من لزوم الجماعة التي جعلها صلى الله عليه وسلم ضمانة للوقاية من دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها.

لذلك كل من دعا إلى فرقة سواء كان بمسميات أحزاب، أو بمسميات جماعات، أو بمسميات كيانات ترتضي لنفسها توصيفًا ينابذ التوصيف الذي يجمع هذه البلاد، وتعطي الطاعة لغير من له الطاعة من ولي الأمر، ومن ينيبه فهذا كله من الخروج عن حدود الشريعة، ولهذا ينبغي أن يؤكد على أن كل المناهج والمدارس التي تقدم الإسلام على خلاف هذا المنهج هي مناهج منحرفة خارجة عن الصراط المستقيم خارجة عن طريقة السلف في جمع الكلمة والخروج عن موجبات الفرقة.

فأهل السنة والجماعة يجتمعون على ولاة الأمر ويقيمون الشعائر معهم ويحفظون حقهم أبرارًا كانوا أو فجارًا ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون بما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح481] يأمرون بالمعروف وينهون علن المنكر في لزوم لما توجبه الشريعة دون خروج عن الصراط المستقيم، بل هم في ذلك على الصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى المقصود.

لذلك هذه الأحزاب التي قد تكون موجودة في خارج البلاد، وقد تسعى إلى اكتساب بعض أفراد هذا المجتمع بكسب ولاءاتهم أو انتماءاتهم أو بأخذ البيعة منهم، كل هذا مما يجب التحذير منه، وهو نوع من التفريق لجماعة المسلمين، وخروج عما تقتضيه وصية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في قوله لحذيفة: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»[تقدم]، وهذا المعنى ينبغي أن يكون صريحًا واضحًا.

ولهذا أقول بعبارة واضحة: مثل جماعة "الإخوان المسلمين" على سبيل المثال التي تنشر يعني أفرادها في عرض العالم وطوله هي مما فرق المسلمين، ومما ترتب على منهجها وطريقها مفاسد عظيمة كثيرة حذَّر منها العلماء وبينوها، وما يُزعم من وجود خير ومصالح لا يوازي ما ينتج عن هذا المسلك، وهذه الطريقة التي تفرق وتشرذم المسلمين من المفاسد والعطلات.

لذلك من الضروري أن يُقطع الطريق على كل من يسعى إلى تفريق جماعة المسلمين وعلى الخروج عن بيعة ولي الأمر الذي يجب حفظ حقُّه وصيانة عهده الذي أمرنا الله تعالى بحفظه بما أوجب علينا من السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، فهذه من صور المنازعة القائمة، هي كسب هذه الولاءات لتلك الجماعات التي يترتب على الانتماء إليها أو القبول بمناهجها يترتب عليه من الفساد والشر ما الله تعالى به عليم، مما يحصل به من تفريق جماعات المسلمين في هذه البلاد، ويخرج عما تقتضيه الأدلة في الكتاب والسنة وما سار عليه سلف الأمة من الاجتماع على الهدى ودين الحق.

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا أنتم أوردتم هذا الأمر كنوع أيضًا أو كنموذج من النماذج التي يتمتع بها أو تتمتع بها الدعوة السلفية في التزامها الكتاب والسنة في كل ما تأتي وتذر حتى وإن ربما وصِمَت ببعض الألفاظ السيئة، أو التي أحيانًا يكون فيها نوع من الانتقاص، أو هي فيها انتقاص واضح وشديد اللهجة لكنها ثابتة على ما فيها من مبدأ، أثبتت الوقائع والأحداث صدق هذه الدعوى، وصدق أيضًا يعني انتمائها، وكذلك أيضًا صدق استقائها هذه التعاليم من هذين المصدرين، هذين الوحيين الذين هما صالحان لكل زمان ومكان، وفعلًا يعني تأكد هذا الأمر عندما كان علماؤنا يحذرون ممن يدعون إلى إحياء هذه الثورات أو ما يسمى بالمظاهرات وغيرها كوسيلة للمطالبة بمطالب، أو لإبراز مطالب الشعوب وغيرها، وكان علماؤنا يحذرون من هذا الأمر، وكان لم يسلم علماؤنا لم يسلموا من هذا الانتقاص الذي ذكرناه في بداية هذا الأمر، ولكن الوقائع والأحداث صدقت ما كانوا يدعون إليه في بادئ الأمر رغم ما كانوا يتعرضون إليه من تنقص ومن نوع من الازدراء، ذلك لأنهم كانوا يعني يصدرون عن الكتاب والسنة فيما أتوا به من حديث ومن نصيحة كان باطنها وظاهرها الشفقة والنصح للأمة.

وها هم الناس يعني يعودون إلى ما كان يتفضل به ويتحدث به علماؤنا من أن لزوم الجماعة وعدم الخروج عن هذه الجماعة هو وسيلة مهمة جدًّا يعني لاستقرار المجتمعات، ولأن يكون فيها ظل الأمن وارفًا، ومتربعًا، ولا تمس هذه الجماعة بأي سوء وأذى.

الشيخ: بالتأكيد أخي الكريم، ولكن علماء الأمة أثرهم في الناس جميل، ويحتسبون الأجر عند الله فيما يبينونه، وبالتأكيد أن ما ذكرت، من أن العلماء الصادقين، قد يَلْقَون مِمن يخالفهم من أصحاب الأهواء ما يلقون، هذه سنة الله تعالى في المرسلين وفيمن تبعهم، ممن سار على طريقهم، فالأمة القائمة بدين الله -عز وجل- هي التي تجتمع على الكتاب والسنة، وعلى ما كان عليه سلف الأمة، وواجب العلماء أن يتقوا الله تعالى، وأن يبينوا للناس ما يصلح به حالهم، لا ما يشتهون سماعه؛ لأن ما يشتهي الناس سماعه قد لا يكون هو الحق، وقد لا يكون هو الهدى، وقد لا يكون هو المحقِّق لمصلحة الجماعة، والأفراد، ولهذا العالم -عالم الملة- هو من يقول بالحق، لا يرجو من ذلك ثناء، ولا نفعًا من الناس، ولا مصلحة، ولا يرجو بذلك إلا الله -عز وجل-، ويصبر على ما يلقاه من الأذى.

ولذلك كان مما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، ثم كان من ذلك أيضًا ما ذكره -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أن نقول بالحق، لا نخاف في الله لومة لائم، وهذا سواء كان ذلك فيم يتعلق بقول الحق الذي يغضب كائنًا من كان من الناس.

فينبغي أن يعرف للعلماء مكانتهم، وأن يحفظ منهج طريق أهل السنة والجماعة، الذي سار عليه سلف الأمة من تأكيد الاجتماع، والنهي عن كل فرقة، ولا شك -ما أشرت إليه- من أنهم يَلقَون أذًى ممن يسخر منهم، لا سيما يعني المخالفون لهم ممن تشربت قلوبهم المناهج المنحرفة، يصفونهم بأنهم منافقون، وبأنهم علماء سلطان، وبأنهم لا ينصحون للأمة، وبأنهم جبناء، وبأنهم، وبأنهم من الأوصاف الكثيرة التي تدور على التزهيد في طريقهم، والتحذير من سبيلهم، وسبيلهم هو الحق الذي ينبغي أن يلزم، وهو الذي أثبتت الوقائع، والحوادث، والتاريخ أنه الضمانة التي تقي الأمة من الغوائل، والشرور، والأضرار، والمفاسد، وأنه لا سبيل يحقق لهذه الأمة المصلحة بهذه الثورات، ولا بهذه المنازعات، ولا بهذه المظاهرات، ولا بهذه الدعوات التي تدعوا إلى منابذة ولاة الأمر، وتحرف القلوب لتبذر فيها بذور الشقاق والنفاق، والخروج عن طاعة ولاة الأمر، فإن ذلك كله سبيل يشهد الناس آثارَه الرديئة، وعواقبه الوخيمة فيما يرونه من حال الدول التي تفرقت، وتشرذمت، وتشتت، ووقع عليها من الشر ما وقع، فجدير بنا ونحن -ولله الحمد- ننعم في هذه البلاد بهذه النعم العظيمة الدينية والدنيوية، والخيرات الجزيلة الكثيرة، والولاية الشرعية الباذلة لكل جهد في نصرة الإسلام، والقيام به، وتبنِّي قضايا أهله، وخدمة الحرمين الشريفين، وخدمة قاصديهما، جدير بنا ونحن ننعم بهذه النعم أن نحافظ على مكتسباتنا، وأن نقطع الطريق على أولئك المتربصين، سواء تسمَّوا بأسماء إسلامية، أو بأسماء مدنية، أو بأسماء حضارية، أو بأسماء ليبرالية، أو بأي اسم من الأسماء، نحن -ولله الحمد- في هذه البلاد يد واحدة، تحت ولاية شرعية، تحت إمام يسعى إلى إقامة الشريعة جهده وطاقته، ومعه من أعانهم الله تعالى، على القيام بذلك من الأمراء، والوزراء، والعلماء، وسائر أفراد المجتمع، كل حسب طاقته، وكل حسب موقعه، في حفظ هذه البلاد، والارتقاء بها، وتحقيق نظامها القائم على الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.

هذه نعمة يا أخي الكريم، وأنا أقول: أيها الإخوة والأخوات نحن -ولله الحمد- في نعمة عظمى ينبغي أن لا تقع أعيننا على مواطن النقص فيأتي عدونا ليجعل عليها أكبر المكبرات التي تُعمينا عن رؤية الصورة الكلية لهذه البلاد المبارك، التي خيرها ظاهر، وبِرُّها يشهد به القريب والبعيد، ولا ينكره إلا جاحد، مُلئ قلبه بالحقد، وكفران النعم، والتعامي عن الفضائل.

فنحمد الله تعالى على ذلك، ونسأل الله أن يدفع عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.

المذيع: شيخ خالد؛ أيضًا ربما نقطة مهمة جدًّا تقع على عاتق الذين يتصدرون المشهد في وسائل التواصل سواء من أهل العلم، والرأي، والفكر، والثقافة، وغيرهم من نخب المجتمع، وما يقع على عاتقهم من دور كبير في أهمية الحث على جمع الكلمة، ولزوم الجماعة، بدءًا من المنابر المختلفة، ليس فقط على مواقع التواصل، بل بدءًا من المسجد، وانتهاء بمواقع التواصل التي باتت الآن بين يدي كثير من الناس، أو غالب الناس، وبالتالي هناك أيضًا دور كبير ينبغي أن يبذل في هذا السياق.

الشيخ: بالتأكيد، أنا أقول: الأخ عبد العزيز ذكر عما يتعلق بخطباء الجمعة، وأنا أقول: خطباء الجمع، والكلمات التوجيهية، والحديث في وسائل الإعلام، وكذلك شبكات التواصل، والحديث، والإعلام الحديث، كلها منابر ينبغي أن تُستغل في تقرير هذه القضية، والتأكيد على ضرورة لزوم الجماعة، وحفظ حقوق الأمة في اجتماعها على ولاة أمرها، وقطع الطريق على الذين يستعملون هذه الوسائل، للتفريق، والتشكيك، وإشاعة الشبهات، ونشر الافتراءات، التي غرضها، وغايتها هو زوال ما نحن فيه من نعم.

يا أخي أنت إذا نظرت إلى شبكات التواصل على سبيل المثال، وتلك المعرفات التي -سواء كانت بأسماء مجهولة، أو أسماء معروفة- وتسعى إلى نشر الشائعات، وتلقط الزلات، وليس تلقط، في أحيان كثيرة اختراع القصص، واختراع الأخطاء، وأيضًا..

المذيع: نسج القصص، وتأليفها..

الشيخ: .. الكاذبة، والافتراءات التي يقصدون منها زعزعة ثقة هذه البلاد بولاتها، أو ثقة هذه البلاد بعلمائها، أو التفريق بين نسيج المجتمع، ومحاولة إيجاد الفرقة، كل هذه مما ينبغي أن نسعى إلى إيقافه، ولا فرق في ذلك بين ما يروجه الإرهابيون المتطرفون من الدواعش، والقاعدة، ولا من كان من الأحزاب، والجماعات الإرهابية الأخرى التي تتخفى بزي غير ظاهر لترويج أفكارها، وللدعوة إلى مبادئها من خلال هذه الوسائل، والتشكيك في هذه البلاد، وجعلها محل شك.

يا أخي؛ هناك من يربي المجتمع، وهناك من يربي النشء على عدم الثقة بولاة أمره، عدم الثقة بالعلماء، عدم الثقة بمنجزات هذه البلاد، وبالتالي تنشأ النفسية، متهيأة لقبول أي إشاعة كاذبة، متهيأة لقبول أي نوع من أنواع الاختراعات التي تخترع على هذه البلاد، وعلى ولاتها، وعلى علمائها، وعلى من يدير الأمور فيها؛ لأجل أن يحقق بذلك غايتهم، وغرضهم من زعزعة أمن هذه البلاد، والنيل منها، وتفريق جمعها، وإذهاب مكتسباتها، أسأل الله أن يخيب سعيهم، وواجبنا أن نقف يدًا واحدة.

أنا أقول: من الضروري، ومن المهم، ومن الواجبات الشرعية، بل من أوجب الواجبات أن نصطف صفًّا واحدًا، وأن نكون يدًا واحدة، وأن نتسامح عن حظوظ أنفسنا، ومصالحنا، وأن نقف مع ولاة أمرنا إزاء الأخطار التي تتهدد بلادنا، وأن نكون مع علمائنا في تحقيق لُحمة هذه البلاد، واجتماع كلمتها مع الأخطار التي تتهددها، والله -عز وجل- من وراء القصد، وهو غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المذيع: وهو كما تفضلتم يا شيخ خالد فعلا هذا الاجتماع هو ما يولد القوة، وفي الجانب الآخر الاختلاف هو الذي يولد الفشل، والهلكة، هذا الأمر أيضًا يذكرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «ثلاث خصال لا يُغل عليهن قلب مسلم أبدًا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم»[أخرجه الحاكم:296 ، وابن حبان:67 ، وصححاه] ، كما قال أيضًا في هذا الحديث ابن تيمية رحمة الله، قال في هذا الحديث: "إن هذه الثلاث خصال، تجمع أصول الدين وقواعده، وتنتظم أيضًا بهذه الخصال مصالح الدنيا والآخرة[مجموع الفناوى1/18]، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحقق لنا هذه الجماعة، وأن يكفينا شرَّ كل من به شرٌّ، وكذلك أيضًا أن يكفينا كل من يدعو إلى الفرقة والاختلاف، وأن يجمع كلمتنا على الحق دائمًا وأبدًا.

شكرًا لكم فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح.

الشيخ: بارك الله فيك، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقر أعيننا بعز بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يسدد ولي أمرنا، وأن يقيض له من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يثبته على الحق، وأن يجمع به كلمة المسلمين، وأن يوفق ولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر.

وأن يوفق جميع من نصح في هذه البلاد من المسؤولين، ومن العلماء، ومن الدعاة إلى ما فيه خير العباد والبلاد.

كما لا يفوتنا أن ندعوا الله -عز وجل- لرجال أمننا بالحفظ، والصون، والعز، والتمكين، والنصر على أعدائهم، وكذلك جنودنا المقاتلون، أسأل الله أن يثبت أقدامهم، وأن يسددهم، وأن ينصرهم على من عاداهم.

وأن يعز الإسلام وأهله حيث كانوا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف