المقدم: وعلى بركة الله ـ تعالى ـ ابدأ هذه الحلقة فضيلة الشيخ، في قضية المسلمين الأولى قضية فلسطين، يعاني المسجد الأقصى هذه الأيام من اعتداء جديد ضمن سلسلة اعتداءات الصهاينة على أولى القبلتين ومسرى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المكان المبارك هو وما حوله، وهذا ليس جديدًا، هي سلسلة من سنوات قديمة عانى فيها هذا المكان المبارك، والرمز الإسلامي الكبير لاعتداءات الصهاينة، قوبلت هذه الأحداث الأخيرة به كثير من الاستنكار الإسلامي وكذلك العربي.
استنكر رئيس مجلس الوزراء السعودي قبل أيام هذه الاعتداءات، وطالب المفتي كذلك باحترام هذا المكان المقدس وعدم التعرض له بشيء، وللمصلين ومرتديه بشيء من السوء، وأن ذلك يسوء للمسلمين في كل مكان، تعليقكم فضيلة الشيخ؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فالمسجد الأقصى مسجد من المساجد العظيمة، وهي من شعائر المسلمين التي يحرص أهل الإسلام على صيانته، والذب عنه، والدفاع عنه بكل ما يستطيعون.
ولذلك قضية المسجد الأقصى ليست قضية تختص جنس أو فئة من الناس، إنما هي قضية كل مسلم حيثما كان، ولهذا نجد أن أهل الإسلام عندما يصيب هذا المكان المبارك من أذى المحتلين ما يصيبه، يتنادى الجميع ويشترك الجميع في استنكار ما يجري، وكلًا حسب ما يستطيع، من استطاع بجاهه، من استطاع بتحركه السياسي، من استطاع بقلمه، من استطاع بلسانه، كلًا يبذل ما يستطيع في بيان مكانة هذا المسجد المبارك وعظيم منزلته، ووجوب صيانته من هذه الاعتداءات التي لا تنفك، وتتوالى من عدو غاشم لا يحفظ لهذه البقعة حرمةً، ولا يحفظ للعرب والمسلمين عمومًا مكانةً.
فهم يعدون العربي أو المسلم عدوًا ويدربون أبناءهم ونساءهم، وجميع من يتبنى فكرهم الصهيوني على أنهم قتله، وعلى أنهم يستحقون القتل، ويستحقون السحق، ويستحقون الإبادة، وبالتالي كل هذه الاعتداءات فهي جارية في مساق الفكر الصهيوني الذي يجعل العداء للعرب والمسلمين عداءً متأصلاً يترجم عنه بكل أوجه الاعتداء، ومنه الاعتداء على مقدسات أهل الإسلام، ومقدسات لها مكانة ومنزلة.
فهذا المسجد: المسجد الأقصى ارتباطه بأمة الإسلام ليس ارتباطًا حديثًا، إنما هو ارتباط من فجر الرسالة فهو مسرى رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يهاجر، وقبل أن تتكون للمسلمين دولة في المدينة، ثم أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تجدد هذا الارتباط باستقباله عندما ذهب إلى المدينة، فاستقبله نحوًا من سنة وشيئًا من الأشهر، كل ذلك يبين منزلة هذا المسجد.
وثيق الصلة لا يمكن أن تمُحي هذه الصلة باحتلال، ولا يمكن أن تُمحى هذه الصلة بتضييق، ولا يمكن أن تُمحى هذه الصلة بمحاصرة للمسجد الأقصى ومنع المسلمين من الوصول إليه؛ فهو مسجد مرتبط بهذه الديانة، لا يمكن أن يمحى هذا الارتباط ولا يمكن أن يزول، ويحلم أولئك الذين يحاولون تغييب هذا الارتباط وإزالته.
لذلك يجب على كل من له قدرة أن يبذل وسعه في الدفاع عن هذا المسجد المبارك، وعن أهل هذه البقعة المباركة، وعن أولئك المرابطين الذين يبذلون جهدهم في دفع الاحتلال، وإعاقة مخططاته التي تهدف إلى النيل من هذه البقعة المباركة، وإقامة الحلم المزعوم الذي يزعمونه زورًا وبهتانًا؛ أنه موقع هيكل سليمان أو داود أو ما إلى ذلك مما يزعمه هؤلاء الصهاينة الذين يبحثون عن مبرر لطمث ارتباط هذه البقعة ببلاد الإسلام.
أنا أقول من المهم أن تتكاتف الجهود، يا أخي عندما تقرأ بعض ما يكتبه الناس في صفحات التواصل الاجتماعي من التنابذ بالألقاب، وتناول الحكام أو العلماء أو البلدان بالسباب والشتائم؛ هذا يا أخي لن يقدم خيرًا إنما هذا كالذي يصب الزيت على النار، ويسعى في تفريق أهل الإسلام. ليس ثمة مسلم على وجه الأرض إلا ويتألم لما يجري في هذه البقعة من الاعتداء، لكن ينبغي أن نسعى إلى الاجتماع لا إلى التفريق، نسعى إلى نبذ كل ما هو من أسباب الفرقة إذا كنا لا نستطيع أن نجمع قلوبنا في مثل هذه المصيبة، بالعكس يسعى بعض الكُتاب وبعض الذين يظهرون الغيرة على المسجد الأقصى للنيل من الحكام، والنيل من العلماء، والنيل من البلدان، والنيل من الناس كل هذا من كيد الشيطان الذي يُفقد القضية زخمها الذي تكتسبه من اجتماع المسلمين، والتئامهم، ولزوم جماعتهم، وبذل الممكن في رأد الصدع، ودفع الأذى عن المسجد وعن مرتديه من أهل الإسلام.
أسأل الله أن يعيده إلى الإسلام وأهله عزيزًا وأن يدفع عنه كيد الكائدين، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يوفق ولاة المسلمين إلى ما فيه الخير، وأن يجعلهم سببًا لصيانة هذه البقعة المباركة من سوء وشر.
المقدم: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، استأذنك معي أبو عبد الله تفضل.