المطلبُ الثاني: الطرقُ الطبيةُ لتحديدِ جنسِ الجنينِ
الطرقُ الطبيةُ التي يُسعى مِن خلالِها إلى تحديدِ جنسِ المولودِ على اختلافِها تجتمعُ في كونِها تسعَى إلى تلقيحِ البويضةِ بالحيواناتِ المنويةِ الحاملةِ للجنسِ المرغوبِ فيهِ، بعدَ العملِ على فصلِها بالوسائلِ المختلفةِ. وهناكَ طرقٌ عديدةٌ لفصلِ الحيواناتِ المنويةِ للحصولِ على الجنسِ المطلوبِ؛ فمنها ما يعتمدُ على الغربلةِ، ومنها ما يعتمدُ على الطردِ المركزيِّ، ومنها ما يعتمدُ على اختلافِ الشحناتِ الكهربائيةِ، إلا أنَّ هذهِ الوسائلَ جميعَها لم تحققْ نتائجَ مرضيةً، الأمرُ الذي دفعَ العلماءَ للبحثِ عن طرقٍ أكثرَ دقةً، وأكثرَ نجاحًا وفعاليةً. ومعَ توالِي الأبجاثِ والدراساتِ للوصولِ إلى وسيلةٍ تكونُ أكثرَ دقةً، لجأَ العلماءُ إلى طريقةِ فصلِ الحيواناتِ المنويةِ بالاعتمادِ على محتوياتِ المادةِ الوراثيةِ (DNA)، ثم تطورَ الأمرُ إلى تقنيةِ فصلِ الأجنةِ وهي مِن أنجحِ الوسائلِ التي توصلَتْ إليها الأبحاثُ والدراساتُ لتحديدِ جنسِ الجنينِ.
وبعدَ نجاجِ عمليةِ الفصلِ يتمُّ التلقيحُ بعدَ ذلكَ؛ إمَّا عن طريقِ التلقيحِ الصناعيِّ، أو عن طريقِ أطفالِ الأنابيبِ التلقيحِ المجهريِّ.
وملخصُ ما يجري فى عمليةِ التلقيحِ الصناعيِّ أنهُ يتمُّ متابعةُ التبويضِ، ثم حقنُ الحيواناتِ المنويةِ المذكرةِ أو المؤنثةِ داخلَ الرحمِ فى وقتِ التبويضِ وتبلغُ نسبةُ حدوثِ الحملِ 25٪، ويكونُ الجنينُ مِنَ الجنسِ المرغوبِ فيهِ سواءٌ أكانَ ذكرًا أم أنثى بنسبةِ 80٪.
أمَّا طريقةُ التلقيحِ المجهريِّ فهي أكثرُ دقةً وفيها يتمُّ متابعةُ التبويضِ، ثم ارتشافُ البويضاتِ خارجَ جسمِ المرأةِ عن طريقِ المهبلِ (بدونِ جراحةٍ)، ويلي ذلكَ تلقيحُ البويضاتِ بالحيواناتِ المنويةِ بعدَ فصلِها، وفي اليومِ الثالثِ بعدَ التلقيحِ يتمُّ فصلُ خليةٍ واحدةٍ مِنَ البويضةِ الملقَّحة Aوفحصُها وراثيًّا لمعرفةِ جنسِ الجنينِ، ثم إعادةُ البويضاتِ المطلوبةِ فقط إلى الرحمِ، وتبلغُ نسبةُ الحملِ في هذهِ الطريقةِ 50٪، ونسبةُ حصولِ الجنينِ المرغوبِ فيهِ أكثرُ مِن 99٪ الوراثة والإنسان ص 164، دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة 2/859-861، كيف تختار جنس مولودك للدكتور لاندروم والدكتور دافيد ص 222-224..
والحقيقةُ أنَّ هذهِ الوسائلَ على تنوُّعِها واختلافِها يجري فيها مِن حيثُ تكييفُها الواقعيُّ وحكمُها الشرعيُّ ما ذكرَهُ العلماءُ في مسألةِ التلقيحِ الصناعيِّ وأطفالِ الأنابيبِ.
وقد أصدرَ المجمعُ الفقهيُّ فيها قرارًا تضمنَ جوازَ الصورتينِ التاليتينِ:
الأولى: أنْ تؤخذَ نطفةٌ مِن زوجٍ وبويضةٌ مِن زوجتِه ويتمُّ التلقيحُ خارجيًّا ثم تُزرعُ اللقيحةُ في رحمِ الزوجةِ.
الثانيةُ: أنْ تؤخذَ بذرةُ الزوجِ وتُحقنُ في الموضعِ المناسبِ مِن مهبلِ زوجتِهِ أو رحمِها تلقيحًا داخليًّا.
فجاءَ في قرارِ المجلسِ فيما يخصُّ هاتينِ الصورتينِ ((فقد رأى مجلسُ المجمعِ أنهُ لا حرجَ مِنَ اللجوءِ إليهما عندَ الحاجةِ معَ التأكيدِ على ضرورةِ أخذِ كلِّ الاحتياطاتِ اللازمةِ)) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي. ص 74-76، الدورة الثالثة مجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بِعَمَّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ، 11-16 أكتوبر 1986م..
فالذي يظهرُ جوازُ استعمالِ هذهِ الوسائلِ الطبيةِ معَ مراعاةِ الضوابطِ السابقةِ الذكرِ، ولا سيَّما اتخاذُ الضماناتِ اللازمةِ والتدابيرِ الصارمةِ لمنعِ أيِّ احتمالٍ لاختلاطِ المياهِ المفضِي إلى اختلاطِ الأنسابِ. ولا يغيبُ التأكيدُ على حفظِ العوراتِ وصيانتِها مِنَ الهتكِ، وذلكَ مِن خلالِ قصرِ الكشفِ على موضعِ الحاجةِ قدرًا وزمانًا، وأنْ تكونَ العمليةُ مِنَ الموافقِ في الجنسِ درءًا للفتنةِ ومنعًا لأسبابِها.