المطلبُ الثاني: ضوابطُ في تحديدِ جنسِ الجنينِ:
نظرةٌ عجْلَى فيما اشتملتْ عليهِ التقاريرُ والأخبارُ عن حالِ الناسِ معَ ما أفرزَهُ التطورُ في عمليةِ تحديدِ جنسِ الجنينِ تُظْهِرُ أنَّ هناكَ إشكاليةً تحتاجُ إلى معالجةٍ شرعيةٍ وقانونيةٍ واجتماعيةٍ للحدِّ مِنَ الاستعمالِ السيِّئِ لهذا التقدمِ الطبيِّ والإنجازِ العلميِّ ولتسخيرِهِ في خدمةِ البشريةِ. فإذا لم يمكنِ ذلكَ إلا بالمنعِ والتحريمِ، فهو حينئذٍ وجيهٌ مبرَّرٌ، ((فإنَّ الشرائعَ مبناها على المصالحِ بحسبِ الإمكانِ وتكميلِها وتعطيلِ المفاسدِ بحسبِ الإمكانِ وتقليلِها)) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/11، الفروق للقرافي 2/126، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 28/596، مدارج السالكين 1/419.. فإذا اجتمعتْ في أمرٍ ما مصالحُ ومفاسدُ وتعذَّرَ درءُ المفاسدِ وتحصيلُ المصالحِ فإنْ كانتْ المفسدةُ أعظمَ مِنَ المصلحةِ تعيَّنَ درءُ المفسدةِ ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام1/98، الفروق 2/188., كما قالَ تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ البقرة: 219.. والإنسانُ بطبعِهِ يؤثرُ ما رجحتْ مصلحتُهُ على مفسدتِهِ ويتوقَّى ما رجحتْ مفسدتُهُ على مصلحتِهِ قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/11.. لهذا كانتِ الضوابطُ المانعةُ مِن مفاسدِ تحديدِ جنسِ الجنينِ ممَّا تداعى إليهِ المهتمونَ على اختلافِ أديانِهِم وبلدانِهِم.
ويمكنُ إجمالُ ما ذُكِرَ مِن ضوابطَ فيما يأتي:
الأولُ: ألَّا تكونَ عمليةُ تحديدِ جنسِ الجنينِ قانونًا ملزمًا، وسياسةً عامَّةً. وقصرُ الجوازِ على تحقيقِ الرغباتِ الخاصةِ للأزواجِ في اختيارِ جنسِ الجنينِ دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة 2/880..
الثاني: قَصْرُ عمليةِ تحديدِ جنسِ الجنينِ بما إذا دعتْ إليه الحاجةُ، أمَّا في حالِ عدمِها فتركُ الأمرِ على طبيعتِهِ دونَ تدخُّلٍ هو المسلكُ القويمُ. فقد أثبتتْ إمكانيةُ تحديدِ جنسِ الجنينِ الفعاليةَ في حلِّ كثيرٍ مِنَ المشكلاتِ الاجتماعيةِ والطبيةِ، كتحقيقِ رغبةِ الزوجينِ في إنجابِ مولودٍ مِن جنسٍ معينٍ، بعدما أنجبوا لمراتٍ عدةٍ مِنَ الجنسِ الآخرِ. كما أنها أثبتتْ فاعليةً في التقليلِ مِنِ احتمالاتِ الإصابةِ بالأمراضِ الوراثيةِ التي تنتقلُ إلى أحدِ الجنسينِhttp://www.syria-news.com/index.php. ومِن وسائلِ ضبطِ الاستعمالِ الراشدِ لهذهِ العمليةِ ما تطبقُهُ بعضُ الدولِ التي تأذنُ بإجراءِ عمليةِ تحديدِ جنسِ الجنينِ مِن قيودٍ صارمةٍ على المراكزِ الطبيةِ والمستشفياتِ المتخصصةِ في إجراءِ هذا النوعِ مِنَ العملياتِ. فعلى سبيلِ المثالِ في بريطانيا والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ لا تُقبَلُ طلباتُ تحديدِ الجنسِ إلا مِن أُسَرٍ لديها أطفالٌ مِنَ الجنسِ الآخرِ، أو في حالةِ الأمراضِ الوراثيةِ دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة 2/880. موقع د. نجيب ليوس، http://www.layyous.com ... موقع البي بي سي http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1423000/1423648.stm.
الثالثُ: اتخاذُ الضماناتِ اللازمةِ والتدابيرِ الصارمةِ لمنعِ أيِّ احتمالٍ لاختلاطِ المياهِ المفضِي إلى اختلاطِ الأنسابِ.
الرابعُ: التأكيدُ على حفظِ العوراتِ وصيانتِها مِنَ الهتكِ، وذلكَ مِن خلالِ قصرِ الكشفِ على موضعِ الحاجةِ قدرًا وزمانًا، وأنْ يكونَ مِنَ الموافِقِ في الجنسِ درءًا للفتنةِ ومنعًا لأسبابِها.
الخامسُ: المراقبةُ الدائمةُ مِنَ الجهاتِ ذاتِ العلاقةِ لنسبِ المواليدِ وملاحظةِ الاختلالِ في النسبِ واتخاذِ الإجراءاتِ المناسبةِ مِنَ القوانينِ والتنظيماتِ لمنعِهِ وتوقِّيهِ كما جرى في ماليزيا والصينِ تقدم قريبًا..
السادسُ: أنْ يكونَ تحديدُ جنسِ الجنينِ بتراضي الوالدينِ: الأبِ والأمِّ. لأنَّ لكلِّ واحدٍ منهما حقًّا في الولدِ فإنِ اختلفا. فالأصلُ بقاءُ الأمرِ على حالِهِ دونَ تدخُّلٍ في التحديدِ درءًا لمفسدةِ الشقاقِ.
السابعُ: اعتقادُ أنَّ هذهِ الوسائلَ ما هي إلا أسبابٌ وذرائعُ لإدراكِ المطلوبِ لا تستقلُّ بالفعلِ ولا تخرجُ عن تقديرِ اللهِ وإذنِهِ، فللهِ الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ الشورى:49-50..