المطلبُ الأوَّلُ
التَّاريخُ والنَّشأةُ
عامَّةُ الفقهاءِ -رحمَهُمُ اللهُ- على أنهُ ليسَ ثمةَ سنٌّ للتَّزويجِ، وإنَّما قالَ ذلكَ بعضُهم حيثُ حدَّدوهُ بالبلوغِ ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/98)، الحاوي الكبير للماوردي (6/ 752)، الشرح الصغير على أقرب المسالك (1/133)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/38).، وبعضُهم خصَّهُ باليتيمةِ فلا تُزوَّجُ قبلَ البلوغِ ينظر: البيان والتحصيل (4/282)، حاشية الدسوقي (2/224)..
أما تحديدُ ذلكَ قانونًا، وإلزامُ النَّاسِ بهِ سلطةً أو نظامًا، فقد عُرفَ تحديدُ سنٍّ لابتداءِ الزَّواجِ، منذُ أواخرِ عهدِ الدَّوْلةِ العثمانيَّةِ، في أوَّلِ العامِ 1336هـ؛ حيثُ صدَّرتْهُ في مشروعِ قانونِ (قرارُ حقوقِ العائلةِ في النِّكاحِ المدنيِّ والطَّلاقِ)، فقد جاءَ في المادَّةِ السّابعةِ منهُ: «لا يجوزُ لأحدٍ أن يُزوِّجَ الصَّغيرَ الَّذي لم يُتمَّ الثَّانيةَ عشرةَ مِن عمرِهِ، ولا الصَّغيرةَ الَّتي لم تُتمَّ التَّاسعةَ مِن عمرِها» مجلة المنار (25/63).. وبعدَ مدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ طُرحَ موضوعُ تحديدِ سنِّ التَّزْويجِ في مصرَ، عامَ 1342هـ ينظر: المدخل للفقه الإسلامي للدكتور مدكور ص (112).، وتضمَّنَ ثلاثَ موادٍّ قانونيَّةٍ تتَّصلُ بتحديدِ سنِّ الزَّواجِ، فجاءَ في قانونِ الزَّواجِ ما نصُّهُ: «ولا تُسمعُ دعوى الزَّوْجيةِ، إذا كانتْ سنُّ الزَّوجةِ تقلُّ عن ستَّ عشرةَ سنةً، وسنُّ الزَّوْجِ تقلُّ عن ثمانيَ عشرةَ سنةً، وقتَ العقدِ، إلَّا بأمرٍ منَّا» مجلة المنار (25/63).. وفي المادَّةِ الثَّانيةِ: «ولا يجوزُ مباشرةُ عقدِ الزَّواجِ، ولا المصادقةُ على زواجٍ مسندٍ إلى ما قبلَ العملِ بهذا القانونِ، ما لم تكنْ سنُّ الزَّوْجةِ ستَّ عشرةَ، وسنُّ الزوجِ ثمانيَ عشرةَ سنةً، وقْتَ العقدِ» ينظر: مجلة المنار (25/63)، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية لعبد الوهاب خلاف ص (34)..
ثم تتابعتْ بعدَ ذلكَ الدُّوَلُ العربيَّةُ في سَنِّ القوانينِ التي تُحدِّدُ سنَّ التَّزويجِ ينظر: حكم تقنين منع تزويج الفَتَيَات «أقل من 18 سنة» وتحديد سنِّ الزواج للشثري ص (13-29).، وكانَ مِن أوائلِ الدُّوَلِ العربيَّةِ تقنينًا لسنِّ الزَّواجِ لبنانُ وسوريا يُنظر: محاضرات في عقد الزواج وآثاره لمحمد أبو زهرة ص (23، 25-26).، وكانَ أشدُّها فيما يظهرُ لي ما جاءَ في القانونِ التُّونسيِّ وكذا المصريِّ، حيثُ قضَى بفسادِ عقدِ الزَّواجِ، إذا كانَ أحدُ الزَّوْجينِ غيرَ بالغٍ ينظر: جريدة الاستقلال، عدد (49)، بتاريخ 21/2/1376هـ، بواسطة: الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري (2/890)..
أمَّا على مستوى قراراتِ المحافلِ الدَّوليَّةِ والمنظماتِ الأمميَّةِ، فكانَ مِن أوائلِ ذلكَ ما تضمَّنَهُ قرارُ الجمعيَّةِ العامَّةِ للأممِ المتَّحدةِ، رقم (843) في الدَّورةِ (9) في تاريخِ 17 ديسمبر 1954م، مِن حثِّ الدُّولِ الأعضاءِ على الإلغاءِ «التامِّ لزيجاتِ الأطفالِ ولخطبةِ الصَّغيراتِ قبلَ سنِّ البلوغِ، وبتقريرِ العقوباتِ الملائمةِ عندَ اللُّزومِ». وجاءَ في ذلكَ القرارُ في مادَّتِهِ الثَّانيةِ: «تقومُ الدُّوَلُ الأطرافُ في هذهِ الاتِّفاقيَّةِ: باتخاذِ التَّدابيرِ التشريعيَّةِ اللَّازمةِ لتعيينِ الحدِّ الأدنى لسنِّ الزَّواجِ، ولا يجوزُ التَّزوُّجُ قانونًا لمن لم يبلغْها، ما لم تُعْفِهِ السُّلْطةُ المختصَّةُ مِن شرطِ السنِّ لأسبابٍ جديَّةٍ، وتحقيقًا لمصلحةِ طالبِي الزَّواجِ» ينظر: حكم تقنين منع تزويج الفَتَيَات «أقل من 18 سنة» وتحديد سنِّ الزواج للشثري ص (17).. ثم تتابعتِ الدَّعواتُ والقراراتُ الأُمميَّةُ الَّتي تؤكِّدُ تحديدَ سنٍّ للتَّزويجِ، وتدعو إلى الإلزامِ بهِ، ومِن آخرِ ذلكَ ما تضمَّنَتْهُ اتِّفاقيَّةُ (سيداو) وهي: "اتّفاقيَّةُ القضاءِ على جميعِ أشكالِ التَّمييزِ ضدَّ المرأةِ" مِنَ الدَّعْوةِ إلى التزامِ حدٍّ أدنى للتّزويجِ سيداو في الميزان، للكاتب نزار عثمان، مقال في موقع صيد الفوائد. http://www.saaid.net/Doat/nizar/6.htm.