×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المطلب الثاني   حكم تزويج القاصرة   مما تناوله الفقهاء حكم تزويج القاصرة أو الصغيرة، وهي من دون البلوغ، وقد نقل الإجماع على الجواز غير واحد من أهل العلم، والواقع أن ثمة خلافا، فللعلماء قولان:   القول الأول: جواز تزويج الصغيرة، وبه قال عامة الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم، وقد حكي الإجماع على ذلك، كما سيأتي عند ذكر الأدلة.   القول الثاني: لا يجوز تزويج الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وبهذا قال ابن شبرمة، وأبو بكر بن الأصم، وعثمان البتي +++ينظر: أحكام القرآن للجصاص (2/43)، بدائع الصنائع (2/240)، المحلى (9/459).---، وقد قوى شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله هذا القول، واستدل له فقال: «ولكن هل يجوز لأبيها أن يزوجها في هذه الحال –أي: الصغيرة-؟ نقول: الأصل عدم الجواز» +++الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58).---، بل رجح شيخنا قول ابن شبرمة صراحة، حيث قال بعد كلامه: «وهذا القول هو الصواب: أن الأب لا يزوج بنته حتى تبلغ، وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى» +++الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58).---.   أدلة القول الأول   استدل القائلون بجواز تزويج الصغيرة، بأدلة متنوعة، أبرزها ما يلي:   الأول: قول الله تعالى: ﴿واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات...﴾ +++سورة الطلاق، آية:(4).---.   وجه الدلالة: أن الآية الكريمة تضمنت ذكر عدة المرأة التي لم تحض، وممن يدخل في ذلك عدة من لم تحض لصغر، «فحكم بصحة طلاق الصغيرة التي لم تحض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة» +++أحكام القرآن للجصاص (2/346).---.   الثاني: قول الله تعالى: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع...﴾ +++سورة النساء، آية:(3).---، وقوله تعالى: ﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما﴾ +++سورة النساء، آية:(127).---.   وجه الدلالة: دلت الآيتان على جواز تزويج اليتيمة، وهي من دون البلوغ +++ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (32/45،49)، فتح الباري لابن حجر (9/197).---. وأما قول بعضهم: المراد باليتم قريبة العهد بالبلوغ، فوصفها باليتم اصطحابا للحال القريبة، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: «ولو أريد باليتيم ما بعد البلوغ فبطريق المجاز؛ فلا بد أن يعم ما قبل البلوغ وما بعده، أما تخصيص لفظ اليتيم بما بعد البلوغ، فلا يحتمله اللفظ بحال؛ ولأن الصغير المميز يصح لفظه مع إذن وليه، كما يصح إحرامه بالحج بإذن الولي، وكما يصح تصرفه في البيع وغيره بإذن وليه، عند أكثر العلماء، كما دل على ذلك القرآن بقوله: ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم﴾ الآية +++سورة النساء، آية: (6).---، فأمر بالابتلاء قبل البلوغ؛ وذلك قد لا يأتي إلا بالبيع ولا تصح وصيته وتدبيره عند الجمهور، وكذلك إسلامه؛ كما يصح صومه وصلاته وغير ذلك، لما له في ذلك من المنفعة، فإذا زوجها الولي بإذنها من كفؤ جاز، وكان هذا تصرفا بإذنها، وهو مصلحة لها، وكل واحد من هذين مصحح لتصرف المميز» +++مجموع الفتاوى (32/48).---    الثالث: زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، فقد قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين» +++أخرجه البخاري، باب إنكاح الرجل ولده الصغار، رقم (4840)، ومسلم، باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة، رقم (3479)، من حديث عائشة رضي الله عنها.---.   وجه الدلالة: أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة في هذا السن، يصلح أن يكون أصلا في جواز تزويج الصغيرة، قال القاضي عياض: «وحديث عائشة هذا، أصل في جبر الآباء بناتهم الأبكار، وتزويج الصغار منهن، ولا خلاف بين العلماء في جواز تزويج الأب ابنته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها» +++إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/572).---.   المناقشة:   أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم له خصائص في باب الزواج، وهذا منها +++ينظر: بدائع الصنائع (2/240)، المحلى (9/459)، فتح الباري لابن حجر (9/197).---.   الإجابة:   أجيب بأن الأصل عدم الخصوصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد جعله الله تعالى أسوة للأمة، في أقواله وأفعاله، ما لم يرد دليل على التخصيص «فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت لقوله؛ لقول الله عز وجل: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ +++سورة الأحزاب، آية (21).---، فكل ما فعله عليه الصلاة والسلام، فلنا أن نتأسى به فيه، إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص» +++المحلى (9/460).---.   الرابع: الإجماع، فقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم، منهم المهلب +++ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/247). قال: «أجمع العلماء على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها».---، وابن المنذر +++ينظر: الإجماع ص(103). قال: «وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوجها بكفء».---، والنووي +++ينظر: شرح النووي على مسلم (9/ 206). قال: «وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة».---، وابن قدامة +++ينظر: المغني (7/ 379). قال: «البكر الصغيرة فلا خلاف فيها».---. وقد نفى الخلاف في ذلك الشافعي +++ينظر: اختلاف الحديث ص(517). قال: «وإنكاح الآباء الصغار قديما، وإن لم يختلف أحد أن ذلك جائز عليهن».--- وأحمد +++ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (3/129). سئل عن:« الجارية الصغيرة يزوجها أبوها؟ قال: ليس بين الناس في هذا اختلاف».---.   المناقشة:   نوقش هذا بأن ثمة خلافا في المسألة، حيث نقل غير واحد من أهل العلم خلاف جماعة من الفقهاء في ذلك، كابن شبرمة وغيره كما سيأتي، وهذا الخلاف لن يغيبه أو يلغيه الإجماع المحكي، مهما تعدد ناقلوه.   الخامس: ما ورد من آثار الصحابة في تزويجهم صغار بناتهم قبل البلوغ +++ينظر: الأم (9/118).---، كما جاء عن علي في تزويجه ابنته أم كلثوم، وهي صغيرة لم تبلغ فقد زوجها عمر رضي الله عنهما +++أخرجه البيهقي (7/114).---.       أدلة القول الثاني:   الأول: ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا﴾ +++سورة النساء، آية:(3).---.   وجه الدلالة: أن الله جعل بلوغ الحلم بلوغا للنكاح، «فلو جاز التزويج قبل البلوغ، لم يكن لهذا فائدة» +++المبسوط للسرخسي (4/387).---.   المناقشة:   نوقش بأن المراد بالنكاح هنا الحلم أي: الاحتلام وليس التزويج +++ينظر: جامع البيان للطبري (7/574).---، فلا يكون في الآية دليل على تحديد سن الزواج بالاحتلام، وأنه لا يجوز قبله.   الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح البكر حتى تستأذن» +++أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب استئمار البكر والثيب، رقم (2186)، ومسلم، كتاب النكاح، استئذان الثيب في النكاح بالنطق، رقم (1419). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.---.   وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح البكر حتى تستأذن، فمن كانت صغيرة «دون التسع سنين ليس لها إذن معتبر؛ لأنها ما تعرف عن النكاح شيئا، وقد تأذن، وهي تدري، أو لا تأذن؛ لأنها لا تدري، فليس لها إذن معتبر» +++الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58).---.   المناقشة:   نوقش بأنه جاء في رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليتيمة تستأمر» +++كتاب النكاح، باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج، رقم (1027).---، «قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ رحمه الله: يشبه أن يكون قوله في الحديث: والبكر تستأمر، إنما أراد البكر اليتيمة» +++معرفة السنن والآثار للبيهقي (10/52).---.   الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله عنهم: «إنها صغيرة، فخطبها علي، فزوجها منه» +++أخرجه النسائي، كتاب النكاح، باب تزوج المرأة مثلها في السن، رقم (3221). قال الحاكم في مستدركه (2/181): «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي في التلخيص، وخرجه ابن حبان في صحيحه (15/399)، رقم (6948). من حديث بريدة رضي الله عنه.---.   المناقشة:   نوقش بأن اعتذار النبي صلى الله عليه وسلم بأن فاطمة صغيرة، أي: بالنظر إلى سن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لذا ترجم النسائي الباب الذي خرج فيه هذا الحديث: «باب تزوج المرأة مثلها في السن»، فالصغر أمر نسبي، وهو ضد الكبر +++ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/290).---، ولا يلزم حمله في كل موارده على ما دون البلوغ.   الرابع: عللوا بعدة تعليلات، أبرزها أنه: «لا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعا: هو قضاء الشهوة، وشرعا: النسل، والصغر ينافيهما» +++الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58).---.   المناقشة:   نوقش بأن الحاجة إلى النكاح ليست الشهوة فقط، فثمة حوائج ومصالح أخرى تحصل بالنكاح +++ينظر: المبسوط للسرخسي (4/387).---.   الترجيح:   الراجح من هذين القولين، ما ذهب إليه عامة الفقهاء، من جواز تزويج الصغيرة من حيث الأصل، لقوة ما استدلوا به، وسلامته من المناقشات، وضعف حجة المانعين.    وينبغي أن يلاحظ أن هذا الترجيح، ليس معناه أن يزوج الصغار كيفما اتفق، بل يجب على الولي أن يتحرى مصلحة الصغيرة في تزويجه +++ينظر: تبين الحقائق (2/119)، أسنى المطالب (3/136)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/137)---. ولكون الأمر قد يلتبس، فقد استحب الشافعي وأصحابه: «ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ، ويستأذنها؛ لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ، إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها» +++شرح النووي على مسلم (5/128).---.  

المشاهدات:4904
المطلبُ الثَّاني
 
حكمُ تزويجِ القاصرةِ
 
مما تناولَهُ الفقهاءُ حكمُ تزويجِ القاصرةِ أوِ الصَّغيرةِ، وهي مَنْ دونَ البلوغِ، وقد نقلَ الإجماعَ على الجوازِ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلمِ، والواقعُ أنَّ ثمَّةَ خلافًا، فللعلماءِ قولانِ:
 
القولُ الأوَّلُ: جوازُ تزويجِ الصَّغيرةِ، وبهِ قالَ عامَّةُ الفقهاءِ مِنَ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِهِمْ، وقد حُكِيَ الإجماعُ على ذلكَ، كما سيأتي عندَ ذكرِ الأدلَّةِ.
 
القولُ الثَّاني: لا يجوزُ تزويجُ الصَّغيرةِ حتَّى تبلغَ وتأذنَ، وبهذا قالَ ابنُ شُبْرُمةَ، وأبو بكرِ بنُ الأصمِّ، وعثمانُ البتيُّ ينظر: أحكام القرآن للجصاص (2/43)، بدائع الصنائع (2/240)، المحلى (9/459).، وقد قوَّى شيخُنا محمَّدُ بنُ عثيمينٍ رحمَهُ اللهُ هذا القولَ، واستدلَّ لهُ فقالَ: «ولكنْ هل يجوزُ لأبيها أن يُزوِّجَها في هذهِ الحالِ –أي: الصغيرةِ-؟ نقولُ: الأصلُ عدمُ الجوازِ» الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58).، بل رجَّحَ شيخُنا قولَ ابنِ شبرمةَ صراحةً، حيثُ قالَ بعدَ كلامِهِ: «وهذا القولُ هو الصَّوابُ: أنَّ الأبَ لا يُزوِّجُ بنتَهُ حتَّى تبلغَ، وإذا بَلَغَتْ فلا يُزوِّجُها حتَّى ترضى» الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58)..
 
أدلَّةُ القولِ الأوَّلِ
 
استدلَّ القائلونَ بجوازِ تزويجِ الصَّغيرةِ، بأدلةٍ متنوِّعةٍ، أبرزُها ما يلي:
 
الأوّلُ: قوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ...﴾ سورة الطلاق، آية:(4)..
 
وجْهُ الدِّلالةِ: أنَّ الآيةَ الكريمةَ تضمَّنتْ ذكرَ عِدَّةِ المرأةِ الَّتي لم تحِضْ، وممَّن يدخلُ في ذلكَ عِدَّةُ مَن لم تحِضْ لصِغَرٍ، «فحَكَمَ بصحَّةِ طلاقِ الصغيرةِ التي لم تحِضْ، والطلاقُ لا يقعُ إلَّا في نكاحٍ صحيحٍ، فتضمَّنَتِ الآيةُ جوازَ تزويجِ الصَّغيرةِ» أحكام القرآن للجصاص (2/346)..
 
الثَّاني: قوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ...﴾ سورة النساء، آية:(3).، وقوْلُهُ تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ سورة النساء، آية:(127)..
 
وجْهُ الدِّلالةِ: دلّتِ الآيتانِ على جوازِ تزويجِ اليتيمةِ، وهي مَنْ دونَ البلوغِ ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (32/45،49)، فتح الباري لابن حجر (9/197).. وأمَّا قوْلُ بعضِهم: المرادُ بِالْيُتْمِ قريبةُ العهدِ بالبلوغِ، فوصْفُها بِالْيُتْمِ اصطحابًا للحالِ القريبةِ، فقد أجابَ عنهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، فقالَ: «ولو أُرِيدَ باليتيمِ ما بعدَ البلوغِ فبطريقِ المجازِ؛ فلا بدَّ أن يعمَّ ما قبلَ البلوغِ وما بعدَهُ، أما تخصيصُ لفظِ اليتيمِ بما بعدَ البلوغِ، فلا يحتملُهُ اللفظُ بحالٍ؛ ولأنَّ الصغيرَ المميِّزَ يصحُّ لفظُهُ معَ إذنِ وليِّهِ، كما يصحُّ إحرامُهُ بالحجِّ بإذنِ الوليِّ، وكما يصحُّ تصرفُهُ في البيعِ وغيرِهِ بإذنِ وليِّهِ، عندَ أكثرِ العلماءِ، كما دلَّ على ذلكَ القرآنُ بقولِهِ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ الآية سورة النساء، آية: (6).، فأمَرَ بالابتلاءِ قبلَ البلوغِ؛ وذلكَ قد لا يأتي إلا بالبيعِ ولا تصحُّ وصيتُهُ وتدبيرُهُ عندَ الجمهورِ، وكذلكَ إسلامُهُ؛ كما يصحُّ صومُهُ وصلاتُهُ وغيرُ ذلكَ، لما لهُ في ذلكَ مِنَ المنفعةِ، فإذا زوَّجَها الوليُّ بإذنِها مِن كفؤٍ جازَ، وكانَ هذا تصرُّفًا بإذنِها، وهو مصلحةٌ لها، وكلُّ واحدٍ من هذيْنِ مصحِّحٌ لتصرفِ المميِّزِ» مجموع الفتاوى (32/48). 
 
الثَّالثُ: زواجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقد قالتْ: «تزوَّجَنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لستِّ سنينَ، وبَنَى بي وأنا بنتُ تسعِ سنينَ» أخرجه البخاري، باب إنكاح الرَّجل ولده الصغار، رقم (4840)، ومسلم، باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة، رقم (3479)، من حديث عائشة رضي الله عنها..
 
وجْهُ الدِّلالةِ: أنَّ تزوُّجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن عائشةَ في هذا السِّنِّ، يصلُحُ أن يكونَ أصلًا في جوازِ تزويجِ الصَّغيرةِ، قالَ القاضي عياضٌ: «وحديثُ عائشةَ هذا، أصْلٌ في جبرِ الآباءِ بناتِهِم الأبكارِ، وتزويجِ الصِّغارِ منهنَّ، ولا خلافَ بينَ العلماءِ في جوازِ تزويجِ الأبِ ابنتَهُ الصَّغيرةَ الَّتي لا يُوطأُ مثلُها» إكمال المعلِم بفوائد مسلم (4/572)..
 
المناقشةُ:
 
أنَّ هذا مِن خصائصِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لهُ خصائصُ في بابِ الزواجِ، وهذا منها ينظر: بدائع الصنائع (2/240)، المحلى (9/459)، فتح الباري لابن حجر (9/197)..
 
الإجابةُ:
 
أُجيبَ بأنَّ الأصلَ عدمُ الخصوصيَّةِ، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جعلَهُ اللهُ تعالى أسوةً للأمَّةِ، في أقوالِهِ وأفعالِهِ، ما لم يردْ دليلٌ على التَّخصيصِ «فمن ادَّعى أنهُ خصوصٌ لم يُلتفتْ لقولِهِ؛ لقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ سورة الأحزاب، آية (21).، فكلُّ ما فعلَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلَنَا أنْ نتأسَّى بهِ فيهِ، إلا أنْ يأتيَ نصٌّ بأنَّهُ لهُ خصوصٌ» المحلى (9/460)..
 
الرَّابعُ: الإجماعُ، فقد حكَى الإجماعَ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلمِ، منهم المهلَّبُ ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/247). قال: «أجمعَ العلماءُ على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يُوطأُ مثلها».، وابنُ المنذرِ ينظر: الإجماع ص(103). قال: «وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوَّجها بكفء».، والنَّوويُّ ينظر: شرح النووي على مسلم (9/ 206). قال: «وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة».، وابنُ قدامةَ ينظر: المغني (7/ 379). قال: «البكر الصغيرة فلا خلاف فيها».. وقد نفى الخلافَ في ذلكَ الشَّافعيُّ ينظر: اختلاف الحديث ص(517). قال: «وإنكاح الآباء الصغار قديمًا، وإن لم يختلف أحدٌ أنَّ ذلكَ جائزٌ عليهنَّ». وأحمدُ ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (3/129). سئل عن:« الجارية الصغيرة يُزوِّجها أبوها؟ قال: ليسَ بين الناس في هذا اختلاف»..
 
المناقشةُ:
 
نوقشَ هذا بأنَّ ثمَّةَ خلافًا في المسألةِ، حيثُ نَقَلَ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلمِ خلافَ جماعةٍ مِنَ الفقهاءِ في ذلكَ، كابنِ شُبرمةَ وغيرِهِ كما سيأتي، وهذا الخلافُ لن يُغيِّبَهُ أو يُلغِيَهُ الإجماعُ المحكيُّ، مهما تعدَّدَ ناقلوهُ.
 
الخامسُ: ما وردَ مِن آثارِ الصَّحابةِ في تزويجِهِم صغارَ بناتِهِم قبلَ البلوغِ ينظر: الأم (9/118).، كما جاءَ عن عليٍّ في تزويجِهِ ابنتَهُ أمَّ كلثومٍ، وهيَ صغيرةٌ لم تبلغْ فقد زوَّجَهَا عمرَ رضيَ الله عنهما أخرجه البيهقي (7/114)..
 
 
 
أدلَّةُ القوْلِ الثَّاني:
 
الأوَّلُ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ سورة النساء، آية:(3)..
 
وجْهُ الدِّلالةِ:
أنَّ اللهَ جعلَ بلوغَ الحُلُمِ بلوغًا للنِّكاحِ، «فلو جازَ التَّزويجُ قبلَ البلوغِ، لم يكنْ لهذا فائدةٌ» المبسوط للسرخسي (4/387)..
 
المناقشةُ:
 
نوقشَ بأنَّ المرادَ بالنِّكاحِ هنا الحُلُمُ أيِ: الاحتلامُ وليسَ التَّزويجَ ينظر: جامع البيان للطبري (7/574).، فلا يكونُ في الآيةِ دليلٌ على تحديدِ سنِّ الزواجِ بالاحتلامِ، وأنهُ لا يجوزُ قبلَهُ.
 
الثَّاني: قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكَحُ البكرُ حتَّى تُستأذنَ» أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب استئمار البكر والثيب، رقم (2186)، ومسلم، كتاب النكاح، استئذان الثيب في النكاح بالنطق، رقم (1419). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه..
 
وجْهُ الدِّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عن نكاحِ البكرِ حتَّى تُستأذنَ، فمَن كانت صغيرةً «دونَ التسعِ سنينَ ليسَ لها إذنٌ معتبرٌ؛ لأنها ما تعرفُ عنِ النِّكاحِ شيئًا، وقد تأذنُ، وهي تدري، أو لا تأذنُ؛ لأنَّها لا تدري، فليسَ لها إذنٌ معتبَرٌ» الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58)..
 
المناقشةُ:
 
نوقِشَ بأنَّهُ جاءَ في روايةِ الترمذيِّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «اليتيمةُ تُستأمرُ» كتاب النكاح، باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج، رقم (1027).، «قالَ أبو الحسنِ عليُّ بنُ عمرَ الدارقطنيُّ الحافظُ رحمَهُ اللهُ: يُشبهُ أن يكونَ قولُهُ في الحديثِ: والبكرُ تُستأمرُ، إنما أرادَ البكرَ اليتيمةَ» معرفة السنن والآثار للبيهقي (10/52)..
 
الثَّالثُ: قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لما خطبَ أبو بكرٍ وعمرُ فاطمةَ رضي الله عنهم: «إِنَّها صغيرةٌ، فخطبَها عليٌّ، فزوَّجَها منه» أخرجه النسائي، كتاب النكاح، باب تزوج المرأة مثلها في السن، رقم (3221). قال الحاكم في مستدركه (2/181): «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي في التلخيص، وخرجه ابن حِبَّان في صحيحه (15/399)، رقم (6948). من حديث بُرَيْدَةَ رَضِيَ الله عنه..
 
المناقشةُ:
 
نوقشَ بأنَّ اعتذارَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ فاطمةَ صغيرةٌ، أيْ: بالنَّظرِ إلى سنِّ أبي بكرٍ وعمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، لذا ترجمَ النَّسائيُّ البابَ الَّذي خرَّجَ فيهِ هذا الحديثَ: «باب تُزَوَّجُ المرأةُ مثلَها في السِّنِّ»، فالصِّغَرُ أمرٌ نسبيٌّ، وهو ضدُّ الكِبَرِ ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/290).، ولا يلزمُ حملُهُ في كلِّ مواردِهِ على ما دونَ البلوغِ.
 
الرَّابعُ: علَّلوا بعدَّةِ تعليلاتٍ، أبرزُها أنَّهُ: «لا حاجةَ بهما إلى النِّكاحِ؛ لأنَّ مقصودَ النِّكاحِ طبعًا: هو قضاءُ الشَّهْوةِ، وشرْعًا: النَّسْلُ، والصِّغَرُ ينافيهما» الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/58)..
 
المناقشةُ:
 
نوقشَ بأنَّ الحاجةَ إلى النِّكاحِ ليستِ الشَّهْوةَ فقط، فثمَّةَ حوائجُ ومصالحُ أخرى تحصلُ بالنِّكاحِ ينظر: المبسوط للسرخسي (4/387)..
 
التَّرجيحُ:
 
الرَّاجحُ مِن هذيْنِ القوليْنِ، ما ذهبَ إليه عامَّةُ الفقهاءِ، مِن جوازِ تزويجِ الصَّغيرةِ مِن حيثُ الأصلُ، لقوَّةِ ما استدلُّوا بهِ، وسلامتِه مِنَ المناقشاتِ، وضعفِ حُجَّةِ المانعينَ. 
 
وينبغي أن يُلاحظَ أنَّ هذا التَّرْجيحَ، ليسَ معناهُ أن يُزوَّجَ الصِّغارُ كيفما اتُّفِقَ، بل يجبُ على الوليِّ أن يتحرَّى مصلحةَ الصَّغيرةِ في تزويجِهِ ينظر: تبين الحقائق (2/119)، أسنى المطالب (3/136)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/137). ولكونِ الأمرِ قد يلتبسُ، فقدِ استحبَّ الشافعيُّ وأصحابُهُ: «ألَّا يُزوِّجَ الأبُ والجدُّ البكرَ حتى تبلغَ، ويستأذنَها؛ لئلَّا يوقعَها في أسْرِ الزوجِ وهي كارهةٌ، وهذا الذي قالوهُ لا يُخالفُ حديثَ عائشةَ؛ لأنَّ مرادَهم أنهُ لا يُزوجُها قبلَ البلوغِ، إذا لم تكنْ مصلحةٌ ظاهرةٌ يُخافُ فوتُها بالتأخيرِ كحديثِ عائشةَ، فيُستحبُّ تحصيلُ ذلكَ الزوجِ؛ لأنَّ الأبَ مأمورٌ بمصلحةِ ولدِهِ فلا يُفوِّتُها» شرح النووي على مسلم (5/128)..
 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85925 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80418 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74727 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61753 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56327 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53324 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50883 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50586 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات45989 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45532 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف