تمهيدٌ
أولًا: تعريفُ الزَّواجِ والتَّزويجِ:
الزَّواجُ في اللُّغةِ مصدرٌ مِن "زَوَّجَ" مثلُ: سلَّمَ سلامًا وكلَّم كلامًا المصباح المنير ص (136).. وأصلُ المادَّةِ يدورُ «على مقارنةِ شيْءٍ لشيْءٍ، مِن ذلكَ: الزَّوْجُ زوْجُ المرأةِ، والمرأةُ زوْجُ بعلِها» معجم مقاييس اللغة ص (2/35)..
أمَّا الزَّواجُ في الاصطلاحِ فهو النِّكاحُ ينظر: حاشية رد المحتار (3/3)، المغني (7/333)، أنيس الفقهاء ص (145). وقد عرَّفَهُ الفقهاءُ بتعريفاتٍ متقاربةٍ، يجمعُها أنَّهُ عقدُ التَّزويجِ ينظر: الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص (17). وهو «عقدٌ يُفيدُ حِلَّ استمتاعِ كلٍّ مِنَ العاقدينِ بالآخرِ، على الوجهِ المشروعِ» عقد الزواج وآثاره لأبي زهرة ص(37)، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية (6/10)..
أما التَّزويجُ لغةً، فهو مصدرُ "زوَّجَ" أي: قَرَنَ بينَ شيئينِ. وفي الشَّرعِ: التَّزويجُ هو الإنكاحُ.
ثانيًا: تعريفُ القاصراتِ:
القاصراتُ لغةً جمعُ قاصرةٍ، والقاصرةُ مَنْ لم تبلغْ سنَّ الرُّشْدِ الرُّشْد: هو حسن النظر في التَّصرُّف ووضْعُ الأمورِ في مواضعها، فهو عقل وزيادة. فالقِصَرُ يُقابلُ الرُّشْدَ المعجم الوسيط (2/738)، العامي الفصيح من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة (21/13)..
أما في اصطلاحِ الفقهاءِ وعلماءِ الشَّريعةِ المتقدِّمينَ، فلم يكنْ هذا اللَّفْظُ شائعًا بينهم فيما وقفْتُ عليهِ، لكنِ استَعمَلَ بعضُ الفقهاءِ وصفَ القاصرِ بمعنى الصَّغيرِ الَّذي لم يبلغْ في هذا البابِ، مِن ذلكَ قولُ ابنِ نُجَيمٍ: «هذا إذا كانَ في تزويجِ الصَّغيرِ مصلحةٌ، ولا مصلحةَ في تزويجِ قاصرٍ...» البحر الرائق شرح كنز الدقائق (11/228).، وقالَ الهيتميُّ: «فلا بدَّ مِن إذنٍ منها، إن كانت بالغةً، وإلا فلا تُزوَّجُ اهـ. صريحٌ في عدمِ صحَّةِ تزويجِ أمةِ البكرِ القاصرِ» تحفة المحتاج شرح المنهاج (7/250).. والشَّائعُ استعمالُهُ مِنَ الألفاظِ فيمَن لم يبلغِ الحُلُمَ، الصَّغيرُ والصَّبِيُّ والجاريةُ، وهم مَنْ دونَ البلوغِ، سواءٌ أكانَ مميِّزًا أم غيرَ مميِّزٍ، فالبلوغُ بهِ ينتهي حدُّ الصِّغَرِ في الشَّرعِ ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/98)، الحاوي الكبير للماوردي (6/ 752)، الشرح الصغير على أقرب المسالك (1/133)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/38).، عرَّفَهُ بعضُ المالكيَّةِ فقالَ: "هو قوَّةٌ تحدثُ في الصَّبِيِّ، يخرجُ بها عن حالةِ الطفوليَّةِ إلى غيرِها" شرح خليل للخرشي (17/ 109).، وهِيَ حالُ التَّكليفِ الصغير بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء: ص(37).، كما دلَّ عليهِ قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رُفعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ الصَّغيرِ حتَّى يبلغَ...» وأخرجه أحمد في مسنده برقم (1328)، والنسائي في الكبرى رقم (7347)، وأخرجه أبو داود (4403)، وأخرجه ابن ماجه (2042). وله شاهد من حديث عائشة في المسند رقم (25114)، وقد صححه ابن حبان (142)..
وأكثرُ مَنْ يستعملُ هذا التَّوصيفَ بهذا المعنى، هُمُ الحُقوقيُّونَ والقانونيُّونَ، وقد عرَّفوا القاصرَ بأنَّهُ مَنْ لم يكنْ راشدًا، ومعيارُ الرُّشْدِ في اصطلاحِهِم هو مَنْ بلغَ عمرُهُ ثمانيةَ عشرَ عامًا، وهو عاقلٌ غيرُ محجورٍ عليهِ، هذا هو المؤهَّلُ لنَيْلِ ومباشرةِ حقوقِهِ المدنيَّةِ ينظر: معجم مصطلحات الشريعة والقانون، للدكتور عبد الواحد: ص (231).، وهذا المعنى يلتقي معَ ما ذكرَهُ صاحبُ معجمِ لغةِ الفقهاءِ، حيثُ قالَ: «القاصرُ العاجزُ عنِ التَّصَرُّفِ السَّليمِ» ص (354)..
ثالثًا: الفرقُ بينَ القاصرةِ والصَّغيرةِ:
القاصرةُ هي مَنْ لم تبلغِ الرُّشْدَ، وكذا هي الصَّغيرةُ، فهي مَنْ لم تبلغِ الحُلُمَ ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/290).، إلا أنَّ الفرقَ بينهما يظهرُ في المعنى الاصطلاحيِّ وتحديدِ معيارِ الرُّشْدِ، ففي حينِ تتوافقُ أكثرُ القوانينِ على تحديدِ سنِّ الرُّشْدِ بسنِّ الثمانيةَ عشرَ عامًا ينظر: القانون المدني، للعوجي: ص (397).، فإنَّ مَظِنَّة الرُّشْدِ في الشَّرعِ البلوغُ، وقد يتأخَّرُ عنهُ، قالَ تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ سورة النساء آية: (6).، قالَ القُرْطبيُّ رحمَهُ اللهُ: «فجمَعَ بينَ قوَّةِ البدنِ وهو بلوغُ النِّكاحِ، وبينَ قوَّةِ المعرفةِ وهو إيناسُ الرُّشْدِ» الجامع لأحكام القرآن (7/135)..
لم يحدِّدِ الفقهاءُ سِنًّا معيَّنةً للرُّشدِ، لكنْ لما كانَ البلوغُ مَظِنَّةَ الرُّشْدِ، فيمكنُ الاسترشادُ بما ذكروهُ في سنِّ البلوغِ لمعرفةِ سنِّ الرُّشْدِ، وقد تنوَّعتْ كلماتُ الفقهاءِ في تحديدِ سنِّ البلوغِ، وذهبَ جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ سِنَّ البلوغِ هو تمامُ خمسةَ عشرَ عامًا ينظر: البيان للعمراني (6/219)، الشرح الكبير لابن أبي عمر (13/356).، وقيلَ: ثمانيةَ عشرَ عامًا، كما هو مذهبُ الحنفيَّةِ ينظر: بدائع الصنائع (7/171).، والمالكيَّةِ ينظر: شرح خليل للخرشي (17/109)..