الفرع الثالث: حكم الاتجار بالأطعمة المعدلة وراثيًّا:
الأصل في البيوع: الحل والإباحة ينظر: غمز عيون البصائر (1/223)، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (66)، الذخيرة للقرافي (1/155)، نشر البنود شرح مراقي السعود ص (20-21)، غياث الأمم في التياث الظلم ص (492)، المحصول في علم الأصول (6/97)، التمهيد في أصول الفقه (4/269-271)، شرح الكوكب المنير (1/325)، شرح مختصر الروضة (1/399)، القواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (210). ، فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا ببينة وبرهان، وقد سبق أن صناعة الأطعمة المعدلة وراثيًّا تواجه انتقادات شديدة، وتستند إلى أن هناك أضرارًا محتملةً وأخطارًا متوقعةً من هذه التقنية، فهي غير مأمونة العواقب، وليس هناك أحد من كبار منتجي المواد المعدلة وراثيًّا يستطيع ضمان عدم وجود ضرر في المزروعات المعدلة وراثيًّا، أو عدم وجود مخاطر في إدخال مواد محظور استهلاكها بشريًّا في المنتجات الغذائية ثار جدل شديد حول المنتجات المعدلة وراثيًّا، في مؤتمر دولي عقد في كوالالمبور، جريدة الشرق الأوسط، العدد (9129): http://www.aawsat.com/default.asp..
ومثل هذا لا يقوى أن يكون مستندًا للقول بعدم جواز بيع الأطعمة المعدلة وراثيًّا؛ فإن ضررها لم يثبت، فضلًا عن أن تكون مضارها أرجح من منافعها؛ ولهذا فإن الأصل المستصحب هو جواز بيعها والاتجار بها، لكن لما كانت صناعة الأطعمة المعدلة وراثيًّا مثار نقاش محتدم حول مضارها وأخطارها، كما أن من الناس من يتحاشاها ويتجنب شراءها، كان بيان حالها من لوازم البيان الواجب في البيوع الداخل فيما رواه الشيخان من حديث حَكيم بن حِزَام - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَالَمْ يَتَفَرَّقَا - أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا - فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» "صحيح البخاري" (2079)، و"صحيح مسلم "(1531)..
فالصدق والبيان من آكد أسباب المباركة في الرزق والمال، والكذب والكتمان من أعظم أسباب المحق والخسار.
ولهذا فإن كتمان كون الأطعمة معدلةً وراثيًّا لا يجوز، بل هو حرام؛ لكونه من الغش، وقد حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - (الغش في المعاملات كلها، من التجارة والإجارة والمشاركة وكل شيء، فإنه يجب في المعاملات الصدق والبيان، ويحرم فيها الغش والتدليس والكتمان) الإرشاد إلى معرفة الأحكام: ص(116).، ففي "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصاحب الطعام الذي أخفى عيب طعامه: «مَا هَذَا يَا صاحِبَ الطَّعامِ؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَرَاهُ الناسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، رقم (102) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه..
وهذا التوجه متسق مع ما تدعو إليه التنظيمات العالمية، التي تلزم ببيان الأطعمة والمواد التي جرى عليها تعديل وراثي، من خلال وضع ملصق يوضح طبيعة هذه الأطعمة والمواد ومصدرها، ونسبة التعديل الطارئ عليها، فعلى سبيل المثال فرضت دول الاتحاد الأوربي في عام 2000م على المنتجين والتجار الإعلان عن احتواء الأغذية على مواد معدلة وراثيًّا بنسبة (1%) على الأقل؛ حرصًا على صحة وسلامة المستهلك ينظر: الهندسة الوراثية الأسس والتطبيقات: ص 90. 91.، وقد صدرت عدة تنظيمات للاتجار بالمواد المعدلة وراثيًّا، من القرارات الدولية، والاتفاقات العالمية، ومن ذلك برنامج الأمم المتحدة للبيئة المتمثل في ((إجراءات تجارية واتفاقيات بيئية متعددة الأطراف))، والذي تم إعداده من قبل مركز القانون الدولي للبيئة، بما فيها بروتوكول قرطاجنة للسلامة الحيوية منظمة الأغذية والزراعة والمنظمات والهيئات الأخرى التابعة للأمم المتحدة، ومراكز البحوث: http://www.fao.org/biotech/news_listlhttp://egypt-bic.com/book7.htm.http://www.unep.ch/etb/areas/pdf//.
ثم توسعت دائرة تنظيم الاتجار بالمواد المعدلة وراثيًّا، وذلك في مؤتمر مونتريال الذي انعقد في فبراير 2000م، حيث ((توصل مندوبو أكثر من 130 دولةً إلى اتفاق حول الأمن الحيوي لتنظيم صادرات المنتجات المعدلة وراثيًّا، ولتجنب أي مخاطر على البيئة. ويفرض الاتفاق مراقبة كل مبادلات المنتجات المعدلة وراثيًّا، من بذور أو منتجات زراعية مخصصة للاستهلاك البشري أو الحيواني أو للصناعات الغذائية، ويسمح للدول الأعضاء بالاعتراض على استيراد منتجات معدلة وراثيًّا إذا اعتبرت أنها تشكل خطرًا على البيئة أو الصحة. ويخضع استيراد البذور المعدلة وراثيًّا للمرة الأولى لموافقة مسبقة من البلد المستورد، بعد تقييم المخاطر التي يمكن أن تشكلها زراعتها على البيئة)) أغذية الهندسة الوراثية.. الأرباح أولًا، وجدي سواحل: http://www.onislam.net/arabic/nama/news..