المطلب الثاني: نشأة علم التعديل الوراثي وتاريخه:
علم التعديل الوراثي من مباحث علم الوراثة ومسائله، وقد سجل المؤرخون للعلوم أن بدايات العناية الفعلية بهذا العلم كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ومما يجدر التنبيه إليه أن السنة النبوية المطهرة قد جاء فيها الإشارة إلى بعض ما يتصل بعلم الوراثة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم السبب الطبيعي الذي يوجب الإذكار أو الإيناث بإذن الله، ففي صحيح الإمام مسلم رقم (315) من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب اليهودي الذي سأله عن الولد، فقال صلى الله عليه وسلم: «ماءُ الرَّجُلِ أبيضُ، وماءُ المرأةِ أصفرُ، فإذا اجتمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرجلِ منيَّ المرأةِ أَذكَرَا بإذنِ اللهِ، وإذا علا منيُّ المرأةِ منيَّ الرجلِ آنثَا بإذنِ اللهِ». وكذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم علة الشبه ووراثة الصفات الخلقية، وذلك فيما رواه البخاري (3329) من حديث أنس رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مَقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. وكان منها أنه قال: من أي شيءٍ ينزِع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأمَّا الشَّبَهُ في الولدِ، فإن الرجلَ إذا غَشِيَ المرأةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ، كان الشَّبَهُ له، وإذا سَبَقَ ماؤُها كانَ الشَّبَهُ لها».. وكان باكورة ذلك تجارب غريغور مندل على النباتات، في عام 1853 ميلاديةينظر: غريغور مندل وجذور علم الوراثة، لأدلسون، ص 53.. وتوالت الأبحاث في عمليات توليد النباتات وتهجينها، إلى أن عقد أول مؤتمر في علم الوراثة في لندن عام 1906 ميلادية، حيث اتفق على أن الأفكار الجديدة حول توليد النبات وتهجينه قد آذنت بولادة علم جديد اصطلح على تسميته بعلم الوراثةينظر: غريغور مندل وجذور علم الوراثة، لأدلسون، ص 119. تحديد فرص زيادة إنتاج المحاصيل من خلال رصد التطورات في مجال التقانة الحيوية. دبليو. جي. فان دير والت، ورقة تم تقديمها في المؤتمر السابع للإدارة الزراعية، مركز المؤتمرات بميدراند، جنوب أفريقيا، 25-26 اكتوبر 2000. الكائنات الحية المعدلة وراثيًّا، غاي أيودايز وكاثلين داميكو، جامعة ويزليان، قسم الأحياء، على الرابط: http://www.wesleyan.edu/pimms/LAMSS/GMOs%20(Genetically%20Modified%20Organisms)-revised.ppt.
وقد توالت الأبحاث وتتابعت الدراسات في علم الوراثة، إلى أن تم اكتشاف بنية المادة الوراثية، وهو ما يعرف بالحمض النووي dna، وذلك في منتصف القرن العشرينينظر: علم الوراثة د. ديكينسون ص 26.، وفي أوائل الثمانينات الميلادية، نجحت عملية إدخال جين غريب في نبات، وبعدها انطلقت عمليات التعديل الوراثي في النباتات، وفي عام 1982 ميلادية وافقت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية على أول عقار معدل وراثيًّا، وهو شكل من أشكال الأنسولين البشري، تنتجه البكتريا، ويعتبر هذا هو أول منتج استهلاكي تم صنعه باستخدام الهندسة الحيويةالكائنات الحية المعدلة وراثيًّا، غاي أيودايز وكاثلين داميكو، جامعة ويزليان، قسم الأحياء، على الرابط: http://www.wesleyan.edu/pimms/LAMSS/GMOs%20(Genetically%20Modified%20Organisms)-revised.ppt ... التقانة الحيوية الزراعية، تلبية احتياجات الفقراء. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة روما، 2004، على الرابط: http://www.fao.org/DOCREP/006/Y5160A/Y5160A00.HTM.
وفي التسعينيات من القرن الماضي أنجزت أول تجربة حقلية، على أصناف النباتات التي خضعت للتعديل الوراثي، وبعد ذلك تمت الموافقة من قبل وزارة الزراعة الأمريكية على الاستعمال التجاري للطماطم المعدلة وراثيًّا، التي تظل متماسكةً وصلبةً لفترة أطول. وفي عام 1992 ميلادية أعلنت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية أن الأغذية المعدلة وراثيًّا غير خطرة في حد ذاتها، وأنها لا تتطلب نظمًا قانونيةً خاصةً. وبعدها بعامين تمت الموافقة بفرنسا على أول المحاصيل المعدلة وراثيًّا للاتحاد الأوربي. ثم تتابع انتشار قبولها عالميا، حيث وافقت مائة وثلاثون دولةً على معاهدة السلامة الأحيائية الدولية، بمؤتمر التنوع البيولوجي في مونتريال بكندا، والتي تصادق على وضع علامات بالمحاصيل المعدلة وراثيًّا، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى المصادقة علي المعاهدة من قبل خمسين دولةً، قبل أن تصبح سارية المفعول.
ولقد تنامى اعتماد التعديل الوراثي في مجال الأغذية النباتية تناميًا مطردًا، حتى تجاوز الدول الصناعية إلى البلدان النامية ينظر: الأغذية المعدلة وراثيًّا تفتح باب المناقشة. وكالة المعايير الغذائية. المملكة المتحدة. على الرابط: http://www.food.gov.uk/multimedia/pdfs/gmbooklet.pdf .
وكذلك في مجال التعديل الوراثي في الحيوان خطت الأبحاث خطوات كبيرةً، وإن كانت متأخرةً عن التعديل الوراثي في النباتات، فقد كانت بداية ذلك في عام 1985 ميلادية، حيث ظهر أول تقرير يصف تكوين حيوانات غير جينية من حيوانات المزرعة (من أرانب، وأغنام، وخنازير). ثم توالت التجارب في هذا المجال، لتشمل الماشية والماعز والدجاج، وأنواعًا من الأسماك، فكان أول نتاج ملموس في مجال التعديل الوراثي في الحيوان عام 1993 ميلادية، حيث ابتكر الباحثون طريقة كانت سببًا في خلق ماعز يحمل جينات بشرية، وكان الهدف إنتاج بروتينات بشرية في حليبها لأغراض علاجية، ثم توالت الأبحاث والتطبيقات في التعديل الوراثيينظر: علم الوراثة د. ديكينسون ص55..