بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنًى عنه ربنا، أحمده جل في علاه، أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فإن نعم الله على عباده لا سبيل إلى حصرها، ولا طاقة لهم على استقصائها عدًّا، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النحل: 18. ، فلا قدرة للخلق مهما جهدوا وبذلوا، على حساب ما أنعم الله به عليهم من أجناس النعم وأنواعها، بل أفرادها وآحادها، فلله الحمد أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا. وإن من نعم الله تعالى ما يسر من الأطعمة التي تقوم بها الأبدان، وتصلح بها الأجسام، فالطعام ضرورة حياتية لا يستغني عنها الأحياء. وقد امتن الله تعالى على عباده بأن رزقهم من ألوان الأطعمة، وأمرهم بالأكل من طيبات الأرزاق، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ البقرة: 172. . فالطيبات من المطاعم على اختلاف أصولها؛ الحيوانية والنباتية، داخلة فيما أمر الله تعالى بأكله؛ قال الله تعالى في الحيوان: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ المؤمنون:21.، وقال جل وعلا في النبات: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأنعام: 141..
وفي هذه الورقات، سأتناول نازلةً حادثةً من قضايا الأطعمة، ألا وهي "الأطمعة المعدلة وراثيًّا"، مبينًا موقعها في ميزان الحلال والحرام، فقد بات الحديث عن هذه القضية ضرورةً ماسةً، لاسيما وأن كثيرًا من الدراسات الاقتصادية والتنموية تشير إلى أن كثيرًا من دول العالم قد اعتمدت تقنية التعديل الوراثي كوسيلة رئيسة للحصول على زيادة الإنتاج في الأطعمة الحيوانية والنباتية، وبتكلفة أقل، وذلك لمواجهة الازدياد المطرد في النمو البشري، الذي يستدعي العمل على توسيع موارد الغذاء وزيادتها، كما أن عمليات التعديل الوراثي في الأطعمة بنوعيها الحيوانية والنباتية أصبحت من أكثر الصناعات المربحة، التي تتنافس فيها الشركات التجارية الكبرى. وإزاء هذا السباق المحموم كان لزامًا أن يبين فقهاء الشريعة وعلماؤها الأحكام الشرعية التي تتصل بهذه القضية. فهذه الورقة مساهمة متواضعة في هذا السياق، أسأل الله التوفيق والسداد.
وقد تناولت الموضوع وفق الخطة التالية:
أولًا: المبحث الأول: حقيقة الأطعمة المعدلة وراثيًّا.
وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: تعريف الأطعمة المعدلة وراثيًّا.
الفرع الأول: تعريف الأطعمة.
الفرع الثاني: تعريف التعديل الوراثي.
الفرع الثالث: أعراض التعديل الوراثي ولمحة عن مراحله.
المطلب الثاني: النشأة والتأريخ.
المطلب الثالث: فوائد التعديل الوراثي في الأطعمة ومضاره.
الفرع الأول: فوائد التعديل الوراثي في الأطعمة.
الفرع الثاني: مضار التعديل الوراثي في الأطعمة.
ثانيًا:المبحث الثاني: التكييف الفقهي لعمليات تعديل الأطعمة وراثيًّا.
المطلب الأول: التعديل الوراثي في المدونات الفقهية القديمة.
المطلب الثاني: أحكام التعديل الوراثي في الأطعمة.
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم إجراء عمليات التعديل الوراثي للحيوانات والنباتات.
الفرع الثاني: حكم أكل الأطعمة المعدلة وراثيًّا.
الفرع الثالث: حكم المتاجرة بالأطعمة المعدلة وراثيًّا.
ثالثًا: الخاتمة والتوصيات.
والله المسئول أن يعينني وأن يرزقني السداد في القول والعمل.