الفرعُ الأولُ: تأصيلُ الضابطِ
كلُّ ما يقدَّمُ للعاملِ أوِ الموظفِ منْ أوجهِ المنافعِ كالخدماتِ والتسهيلاتِ والتخفيضاتِ والمحاباةِ ونحوها حكمها حكمُ هدايا الموظفينَ حِلًّا وحُرمةً منعًا وإباحةً.
ومستندٌ في هذا الضابطِ عمومُ أدلَّةِ تحريمِ هدايا العمالِ والموظفينَ على اختلافِ مراتبهم وجهاتِ عملهمْ، فالأصلُ أنَّ كلَّ ما يستفيدهُ الموظفُ منْ تمليكاتٍ عينيةٍ أوْ نقديَّةٍ وما يُمْنَحْهُ منَ التسهيلاتِ أوْ الخدماتِ لأجلِ عملهِ منْ غيرِ ربَّ العملِ عدمُ الجوازِينظر: مواهب الجليل (4/253)، طرح التثريب (3/217)، تحفة المحتاج (6/296)..
وقدْ نصَّ جماعةٌ منْ الفقهاءِ على منعِ الموظفِ منْ قَبولِ ما يُقدَّمُ له منْ المنافعِ ذاتِ الثمنِ والضيافةِ والاستعارةِ ونحوُ ذلكَ من الأشياء التي يكونُ العملُ والوظيفةُ سببًا في تقديمِها.
قالَ في "أسنى المطالبِ": ((ويظهرُ المنعُ في المنافعِ المقابلةِ بالأموالِ كدارٍ يسكنُها ودابةٍ يركبُها ونحوُ ذلكَ بخلافِ ما لا يقابلُ غالبًا... ولمْ تجرِ العادةُ ببذلِ المالِ في مقابلتهِ كاستعارةِ كتبِ العلمِ ونحوُ ذلكَ))(4/300). وينظر: تحفة المحتاج (10/136)..
وإلى هذا ذهبَ الحنفيةُ فقالُوا: إنَّ الدعوةَ الخاصةَ التي تقامُ لأجلِ القاضي فيكونُ هوَ المقصودَ بالحضورِ هيَ كالهديةِ في الحكمِينظر: حاشية ابن عابدين (5/374)..
وكذلكَ فقهاءُ الشافعيةِ حيثُ قالُوا: ((الضيافةُ والهبةُ كالهديةِ والعاريةِ إنْ كانتْ مما يقابلُ بأجرةٍ فحكمها كالهديةِ))ينظر: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/619)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/288)..
وبمثلِ هذا قالَ فقهاءُ الحنابلةِ قالَ في مطالبِ أولي النهى: ((حكمُ ضيافةٍ خُصَّ بها القاضي كحكمِ هديةٍ))(6/482).
ومما يندرجُ في هذا ما ذكرهُ بعضُ أهلِ العلمِ منْ أنَّ ((محاباةَ الولاةِ في المعاملةِ من المبايعةِ والمؤاجرةِ والمضاربةِ والمساقاةِ والمزارعةِ، ونحوِ ذلكَ هوَ منْ نوعِ الهديةِ.
ولهذا شاطَر عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ منْ عمالهِ منْ كانَ لهُ فضلٌ ودينٌ لا يتهمُ بخيانةٍ، وإنما شاطرهمْ لما كانُوا خصُّوا بهِ لأجلِ الولايةِ منْ محاباةٍ وغيرِها))مجموع الفتاوى (28/281).