الفرعُ الثاني: تطبيقاتُ الضابطِ المعاصرةُ
بناءً على هذا الضابطِ فإنَّ كلَّ الهدايا التي تُقدَّمُ لموظفي القطاعِ العامِ كموظفي الدولةِ بجميعِ قطاعاتها وعلى اختلافِ مسمياتِها ومراتبِها، وكذلكَ الهدايا المُقدَّمةِ لموظفي القطاعِ الخاصِ كموظفي الشركاتِ والمؤسساتِ على اختلافِها يجوزُ قبولها إذا كانتْ مما جرى العرفُ على التسامحِ فيهِ، فإنَّ ذلكَ ليسَ داخلًا في هدايا العمالِ والموظفينَ التي جاءتْ النصوصُ بتحريمها. يستوي في ذلكَ جميعُ أنواعِ الهدايا، سواءُ الهدايا ذاتُ القيمِ معنويةٍ؛ كالهدايا التذكاريةِ والفخريةِ، أوِ الهدايا ذاتُ القيمِ الماديةِ كالهدايا العينيةِ منْ نقدٍ أوْ غيرهِ، والهدايا النفعيةِ كالتسهيلاتِ والخدماتِ والتخفيضاتِ ونحوِ ذلكَ.
ومما يندرجُ في هذا الضابطِ الهدايا المقدمةُ لموظَّفينَ الجهاتِ العامةِ، وكذلكَ ما يقدمُ للجهاتِ الخاصةِ منْ الهدايا التذكاريةِ؛ كالتقاويمِ السنويةِ أوْ الفصليةِ، أوْ المفكراتِ، أوْ غيرِ ذلكَ منْ الأدواتِ المكتبيةِ، والشخصيةِ، أوْ الدعائيةِ؛ سواءٌ أكانتْ مقدمةً لجهةِ العملِ، أمْ لموظفيها ومنسوبيها؛ وسواءٌ أكانتْ الهدايا مقدمةً ممنْ لهُ معاملةٌ معَ الجهةِ أمْ ممنْ لمْ يكنْ لها معاملةٌ. ومثلها أيضًا الهدايا الإعلانيةُ التي تقدمُ للتعريفِ بسلعةٍ جديدةٍ، أوْ تجربةِ السلعةِ ومعرفةِ مدى تلبيتها للحاجةِينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (486)، الأنشطة الترويجية للشركات السعودية للدكتور المتولي ص (45، 48)، الإعلان للدكتور أحمد المصري ص (97، 56)..
ومما يندرجُ في ذلكَ أيضًا ما يقدمُ لبعضِ أصحابِ الأعمالِ الخدميةِ كعمالِ النظافةِ والنقلِ والصيانةِ، وكذلكَ ما يقدمُ للعاملينَ في القطاعِ الصحِي؛ كموظفي التمريضِ ونحوهمْ منَ المراجعينَ، أوْ المرضى منْ هدايا، وإكرامياتٍ مما جرى العرفُ والعادةُ بالإذنِ فيهِ.
ومما يندرجُ في ذلكَ أيضًا ما يقدمُ منَ الهدايا ذاتِ القيمةِ المعنويةِ للعاملينَ في قطاعِ التعليمِ من معلمينَ ومشرفينَ وإداريينَ منْ قِبلَ بعضِ الطلابِ، أوْ أولياءِ الأمورِ؛ كالدروعِ، وشهاداتِ التقديرِ، ونحوها.
ومما يندرجُ في ذلكَ أيضًا ما يقدمُ من الهدايا في الاحتفالياتِ للمدراءِ والرؤساءِ والمسؤولينَ منْ أصحابِ الولاياتِ شريطةَ ألا يكونَ ثمَّةَ نظامٌ يمنعُ قبولَ مثلَ هذه الهدايا، وألا يكونَ مدعاةً للخيانةِ. ومنَ الضروري لتحقيقِ هذا أنْ يكونَ هناكَ حدٌّ لمقدارِ الهدايا التي تقدمُ في مثلِ هذهِ المناسباتِ منعًا للمباهاةِ وصيانةٍ للذممِ منَ الفسادِ. فإنْ كانَ هذا البابُ لا يُوصَدُ إلا بالمنعِ الكليِّ فالمصيرُ إليهِ متعيَّنٌ.
ومما ينبغي التنبهُ لهُ أنهُ رغمَ ما نقلْتُهُ في تأصيلِ الضابطِ منْ كلامِ أهلِ العلمِ على اختلافِ مذاهبهمْ منْ جوازِ هدايا العمالِ والموظفينَ التي جرى العرفُ على التسامحِ فيها، وليستْ مَبْعَثَ تهمةٍ وخيانةٍ، وقدْ مضى على هذا جماعةٌ منْ أهلِ العلمِ المعاصرينَ وبهِ صدرتْ عدةُ فتاوى، إلا أنهُ ذهبَ جماعةٌ منْ أهلِ العلمِ إلى القولِ بتحريمِ هدايا عمالِ الخدمةِ ونحوهمْ؛ إعمالًا للأصلِ في هدايا العمالِ والموظفينَ، ففي جوابِ سؤالٍ وردَ على اللجنةِ الدائمةِ للإفتاءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ برئاسةِ شيخنا عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ رحمهُ اللهُ حولَ ما يعطيهُ بعضُ المشترينَ منْ مالٍ لبعضِ الموظفينَ في المحلاتِ على سبيلِ البقشيشِ: «لا يجوزُ لكَ أخذُ ذلكَ المالِ؛ لأنهُ نوعٌ منَ الرِّشوةِ، وهيَ محرمةٌ»فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/553)..
وفي جوابِ سؤالٍ وُجِّهَ للشيخِ صالحِ الفوزانِ عنْ إعطاءِ العاملِ مبلغًا منَ المالِ إكراميةً؛ حيثُ إنهُ تعودَ أخذهُ منَ الناسِ؟ قالَ: «إذا كانَ هناكَ عاملٌ منَ العمالِ لهُ راتبٌ ولهُ أجرٌ مقطوعٌ منْ صاحبِ العملِ؛ فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعطيهُ؛ لأنَّ هذا يفسدهُ على الآخرينَ؛ لأنَّ بعضَ الناسِ فقراءٌ لا يستطيعونَ إعطاءَهم؛ فهذا العملُ سنةٌ سيئةٌ»المنتقى في فتاوى الشيخ الفوزان (3/233)..
وقدَ ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّ الورعَ عدمُ القبولِ مثلِ هذهِ الهدايا، جاءَ في ذلكَ في جوابٍ لشيخِنا الشيخِ محمدٍ العثيمينِ -رحمهُ اللهُ حيثُ قالَ في جوابِ منْ سألهُ عما يقدمُ للعمالِ الذينَ يذهبونَ للبيوتِ للإصلاحاتِ منْ هدايا وإكرامياتٍ، وهمْ موظفونَ في شركاتِ صيانةٍ، ولهمْ مرتباتٌ:«الورعُ ألا تَقبَلَ هذا الشيءَ، وأنْ تدعَهُ»، وقالَ أيضًا: «الأورعُ ألا تقبلَ شيئًا غيرَ راتبكَ»فتاوى علماء البلد الحرام ص (565)..