الفرعُ الثاني: تعريفُ الهدايا اصطلاحًا:
الهديةُ نوعٌ منَ الهبةِينظر: تبيين الحقائق (5/91)، مواهب الجليل (6/49)، مغني المحتاج (2/397)، الروض المربع ص (328).، وقدْ عرَّفَ الفقهاءُ الهبةَ بأنّها: تمليكٌ منْ غيرِ عوضٍينظر: حاشية ابن عابدين (5/687)، شرح حدود ابن عرفة (2/552)، شرح المحلي على منهاج الطالبين (13/110)، المقنع ص (164)، المحلى (9/123).، إلاَّ أنهمْ قالُوا: إنْ كانَ المقصودُ منَ الهبةِ الإكرامَ، أوِ التودُّدَ أوِ الصلةَ، أو التآلفَ، أو المكافأةَ، أو طلبَ حاجةٍ، أوْ نحوَ ذلكَ، فهوَ هديةٌينظر: مغني المحتاج (2/404)، مجموع الفتاوى (31/269)، الإنصاف (7/164). تنبيه: ذهب الحنفية، والمالكية إلى أن الهبة هي الهدية، فكل ما لا يُقصَد به وجه الله من التمليكات بلا عوض، فإنها هبات.[ينظر: بدائع الصنائع (6/115)، تكملة شرح فتح القدير (9/56)، مواهب الجليل (6/49)]..
فبناءً على هذا يمكنُ القولُ بأنَّ الهديَّةَ في اصطلاحِ الفقهاءِ: تمليكٌ من دونِ عوضٍ، لغيرِ حاجةِ المعطى.
وقدْ وسعَ الاستعمالُ المعاصرُ مفهومَ الهديةِ فأدخلَ فيها تمليكَ الخدماتِالخدمات: جمع خدمة، وهي أي عمل أو جهد يُبذل لتلبية وسدِّ احتياجات الآخرين أو طلباتهم، ويشمل ذلك المنافع العامة كخدمة الهاتف والنقل، وكذلك بعض الأعمال المهنية كالغسيل وتنظيف الملابس، وأعمال الصيانة والإصلاح، وما شابه ذلك.
[ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (496)، المعجم الوسيط، مادة (خدمة)، ص (221)].مجانًا.
ومنْ ذلكَ على سبيلِ المثالِ تقديمُ المنافعِ للمُهدَى إليهِ بدونِ عوضٍ؛ كتقديمِ الدوراتِ التدريبيةِ وتحمُّلِ تكاليفِ السفرِ ومنحِ خدمةِ العلاجِ، وما أشبهَ ذلكَ.
أمَّا في الاصطلاحِ الفقهيِّ فلا يدخلُ ذلكَ في مُسمَّى الهديةِ؛ لأنَّ الهديةَ في اصطلاحِ الفقهاءِ تمليكُ عينٍ منْ غيرِ عوضٍ لغيرِ حاجةِ المعطىينظر: بدائع الصنائع (6/116)، الشرح الصغير للدردير (3/223)، فتح الجواد (1/625)، الإنصاف (7/134)، المحلى (9/124).، والخدمةُ ليستْ عينًا، بلْ هيَ منفعةٌ. فهديةُ الخدمةِ حقيقتها عندَ المالكيةِينظر: مواهب الجليل (6/61)، منح الجليل (8/201-202).، والشافعيةِينظر: حاشية قليوبي وعميرة (3/112)، قلائد الخرائد (1/653).، والحنابلةِينظر: الإنصاف (7/164)، الشرح الكبير لابن قدامة (17/344).هبةُ منفعةٍ.
وأمّا عندَ الحنفيةِينظر: بدائع الصنائع (6/116-118)، البحر الرائق (7/285)، ملتقى الأبحر (5/150).فهيَ عاريةٌ أوْ إباحةُ نفعٍ؛ لأنَّ هبةَ المنافعِ عندهمْ لا تكونُ إلا عاريةً.
ولعلَّ هذا الاختلافَ منْ جملةِ الخلافِ اللفظِيِّ الذي لا يترتبُ عليهِ خلافٌ معنويٌّ.