×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (78) المسجد الأقصى في قلوبنا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3312

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام لهذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
نُرَحِبُ بكم في مطلع هذا اللقاء ويسعد بصحبتكم في هذا البرنامج من الإعداد والتقديم محدثكم: "عبد الله الداني".
ويُنَفِّذ هذه الحلقة على الهواء الزميل: "خالد الزهراني".
كما يسرني أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد بن عبد الله المُصْلِح"، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
فالسلام عليكم ورحمة الله، وأهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكون لقاؤنا نافعًا مباركًا.
المقدم: اللهم آمين.
نرحب بكم مستمعينا الكرام كذلك في هذه الحلقة التي ستمتد بنا وبكم بإذنه تعالى نحو ساعة من الآن.
وحديثنا في هذه الحلقة عن:
"
المسجد الأقصى"
هذا المسجد المبارك، أُولى قبلتي المسلمين، وثالث الحرمَيْن الشريفَيْن، هذا المسجد الأقصى الذي يقعُ داخل الحرم القدسي الشريف، حيث ظل على مدى قرونٍ طويلة مركزًا لتدريس العلوم ومعارف الحضارة الإسلامية.
هذا المسجد الذي يُعْرَف بأسماء متعددة، تدل كثرتها على شرف وعلو مكانة المسمى.

وكما أنَّ هذا المسجد لا يكاد ولا يسلم من كيد الأعداء من الصهاينة اليهود الذين يحاولون بشكلٍ وبآخر إلحاق الضرر والأذى به.
سنتحدث -بإذنه تعالى- عن فضل هذا المسجد ومكانتِه، وكما نتحدث أيضًا في هذه الحلقة وهذا اللقاء عن الدور الواجب علينا تجاه هذا المسجد المبارك، كلٌّ بحسبه.
بهذا الحديث مستمعينا الكرام وبهذه الحلقة سيكون حديثنا بإذنه تعالى في برنامجكم "الدين والحياة".
لمن أراد أيضًا أن يتواصل معنا في هذه الحلقة، ومع فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المُصْلِح" الاتصال على الرقم: 0126477117 و 0126493028
رقم الواتس أب هو: 0582824040
ويسرنا كذلك أيضًا قراءة مشاركاتكم وتغريداتكم عبر هاشتاج البرنامج "الدين والحياة" وحساب الإذاعة على تويتر.
فضيلة الشيخ عندما نتحدث بدايةً عن مثل هذا الموضوع المهم، وربما كثيرٌ من الناس سيقولون: إننا أكثرنا من السماع، أو ربما يعضهم يقول: إننا مَللنا من السماع عن فضل هذا المسجد ومكانته، لكن ربما كل فترة يتجدد أو تتجدد هذه الأحداث التي تُذَكِّرُنا بهذا المسجد المبارك.
في البداية حَبَّذا لو نُقَدِّم هذه الحلقة بحديثٍ عن فضل هذا المسجد المبارك، ولِم كان هذا الاهتمام من المسلمين بهذا المسجد المبارك؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأُسِلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يُبارك في أوقاتنا وأعمالنا وأعمارنا، وأن يعيننا على ما فيه الرُّشْد والخير، وأن يُقِرَّ أعيننا بعزِّ هذه البقعة المباركة "المسجد الأقصى"، وأن يعيده لأهل الإسلام عَزيزًا سالمًا من الأذى والطمس الذي يُمَارسه أعداءُ هذه الأمة في هذه البُقْعَة المباركة.
المسجد الأقصى -أخي الكريم- هو من المساجد التي خصها الله -عزَّ وجلَّ- بمزايا عديدة ومناقب كثيرة، وهو من حيث الترتيب في وجود المساجد في الأرض وأماكن العبادة يلي مسجد الكعبة، يلي البيت الحرام، يلي البيت العتيق؛ ولذلك مكانته ومنزلته تَضْرِب في عُمْق التاريخ، فليس شيئًا حديثًا، أو شيئًا جديدًا، أو شيئًا مُكْتَسَبًا من اصطلاح أو تواطؤ أو توافق. ذلك شيءٌ دلت عليه الأدلة في قِدَمه ورسوخه في نفوس أهل الإيمان على عُمق الزمان وبُعْدِه، فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سُئِل عن أول مسجد بُنِي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ».
حيث سأله أبو ذر -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلا؟"، يعني: أي المساجد سبق في الوجود والحدوث؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، ثم قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأبي ذر: «ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى».
وفي هذا الحديث بيان أَقدمِيَّة هذه البقعة، وأنها بقعة قديمة وليست حديثة في تاريخ العبودية لله وتحقيق الطاعة له.
قال أبو ذر -رضي الله تعالى عنه-: "كم كان بينهما؟" -أي: من السنوات-، قَالَ: «أَرْبَعِونَ سَنَةً»، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ، فَثَمَّ مَسْجِدٌ»[صحيح البخاري:ح6633، صحيح مسلم:520/1].
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أقديمة هذا المسجد، وأنه يلي في الأقدمِيَّة المسجد الحرام.
والله تعالى قد ذكر في كتابه تَقَدُّمَ المسجد الحرام على المساجد في العبودية لله -عزَّ وجلَّ-، يقول -جلَّ في علاه-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًاآل عمران:96-97.
وهذا يبيِّن أن المسجد الحرام هو أول بقاع الأرض وأماكن العبادة فيها في تحقيق العبادة لله -عزَّ وجلَّ- وطاعته؛ ولذلك كان فضله ومنزلته في الظُّهور والجلاء والبيان والوضوح على هذا النحو الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًاآل عمران:96-97.
هذه المزايا والخصائص لهذه البقعة العظيمة -المسجد الحرام- ذكرها الله تعالى، ثم بعد ذلك ذكر وجوب قَصْدِ هذه البقعة المباركة فقال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاآل عمران:97.
بعد أن ذكر ما خَصَّه به من المزايا وما ميَّزَه به من الهِبات القدرِّية، ذكر الهبات الشرعية التي خصه بها، وهو فَرْضُ قصده على الناس كافة.
والمسجد الأقصى يلي هذا في الوجود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سُئِل عن أي المساجد أقدم، أو أيهما أول المسجد الحرام أم المسجد الأقصى؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى»، وقال في بيان المدة التي كانت بينهما: «أَرْبَعِونَ سَنَةً»، أي: أربعون عامًا.
هذا يُبَيِّن جانبًا من جوانب اختصاص هذه البقعة بهذه المزيَّة، ولا شك أن القِدَم له منزلة، وإلا لما ذكره الله تعالى في بيان أول خصائص البيت الحرام، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَآل عمران:96
وكلما كان المكان أقدم في الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله -عزَّ وجلَّ-، كان له من الفضل والمنزلة والمكانة ما يميِّزه ويجعله محلًّا للقصد والتقدير على غيره.
وهذا المسجد إضافة إلى قِدَمِه ذكر الله تعالى فيه جملة من المزايا والخصائص.
إذًا الميزة الأولى التي ينبغي أن نستحضرها فيما يتعلق بالمسجد الأقصى:
•    
قِدَم هذا المسجد، وأيضًا اقترانه بالمسجد الحرام في الحدوث الزمني، فهذا أبو ذر يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرض أَوَّلًا؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قلت: ثم أي؟ قال: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى»، قُلْتُ: وَكَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ«أَرْبَعُون سَنَةً».
ثم بيَّنَ أن هذه الأمة أمة سِعَة، وإن كانت في القِدم ضاربة ولها منزلة، لكنه أينما أدركت الإنسان الصلاة فإنه يصلي كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان خصائص الأمة: «جُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».[صحيح البخاري:ح335]
فقال -صلى الله عليه وسلم-:«ثُمَّ أيْنَما أَدْرَكَتْكَ بعْدُ الصَّلاةُ فَصَلِّ»، فإن الفرض فيها أي في الإتيان بها في المكان الذي تيَسَّر.
•    
أما ما يتعلق بالسِّمَّة أو الميزة الثانية فهي: ما ذكره الله تعالى في سياق خبره عن الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإنه ذكر من خصائص ومزايا هذه البُقعة أنها أرضٌ مباركة، فقال -جلَّ وعلا-: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1.
فذكر الله -عزَّ وجلَّ -في سياق الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر -جلَّ في علاه- هذه الخاصِيَّة وهذه الميزة، وهي ما خص الله تعالى به هذه البقعة من المُباركة.

 والبركة هي: كثرة الخير وتنوُّعه.
والخير هنا لا يقتصر فقط على الخير في جانب من الجوانب، بل يشمل كل الجوانب على تنوعها، وتفَنُّنِها، وتعلُّقها بمعاش الناس ومعادهم، يعني فيما يتعلق بأمر الدين، وفيما يتعلق بأمر الدنيا.
فقوله تعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُالإسراء:1 ليس خاصة فقط بما يكون فيه من بركة العبادة والثواب على ذلك وقِدَم الطاعة؛ فإن ذلك كله مما ثبت لهذه البقعة، لكن أيضًا ثمَّة مباركة دنيوية فيما يتعلق بكثرة الخيرات، وبركة الأشجار والثمار والأنهار.
وقد ذكر الله تعالى مباركة هذه البقعة في مواضع عديدة؛ ومن ذلك: قوله تعالى في إبراهيم -عليه السلام- ولوط: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَالأنبياء:71. فبركتها سابقة.
ويقول -جلَّ وعلا- في سليمان قال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَالأنبياء:81.
فالبَرَكَة هنا تشمل هذا وهذا، فبركة الأرض المباركة بيت المقدس والمسجد الأقصى وما حوله من البلاد المباركة في كثرة الخير والخِضب والأشجار والثمار والمياه كما ذكر ذلك كثير من أهل العلم، وكذلك أنها أرض النبوَّات، وأنَّ الله تعالى بعث منها أنبياء كُثُر دلُّوا عليه، وعرَّفوا به، وبيَّنوا ما يجب له -جلَّ في علاه-، وكل ذلك مما يُعَدُّ من بركة هذه الأرض المباركة التي ميَّزها الله تعالى بهذه المزايا وهذه الهبات.
وكما ذَكَرتُ لا تقتصر هذه البركة على جانب، بل تشمل بركات السماء، وبركات الأرض، وبركات الدين، وبركات الدنيا، وبركات الأولى والآخرة، فكل هذا مما خصَّ الله تعالى به هذه البقعة المباركة.
ولِيُعْلَم أيها الإخوة والأخوات أن هذه البُقعة بركتها ليست حادثة ولا محدودة، بل ظاهرُ الأدلة والنصوص دالٌّ على استمرار بركة هذه البقعة، وأنها مباركة على مر العصور وعلى توالي الدهور؛ وذلك لأن الله تعالى أثبت فيها البركة، ولم يَقْصُره في زمان، بل أخبر به في سالف الزمان، وأخبر به أيضًا عند الإسراء بسيد المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه-؛
ففيما يتعلق بالسالف من الزمان ذكر الله -عزَّ وجلَّ- في شأن مجيء إبراهيم ولوط إلى هذه الأرض، قال: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَالأنبياء:71.
وفي سليمان وهو من أنبياء بني إسرائيل قال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَاالأنبياء:81.
وفي الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1.
فهذه الآيات كلها دالة على هذا المعنى من ثبوت البركة قديمًا وحديثًا، وأنها بركة واسعة لم يَقْصُرها على نمطٍ أو نوع، وهو مما تشترك فيه هذه البقاع، فمكة البلد الحرام أرضٌ مباركة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَآل عمران:96.
وفي المسجد الأقصى قال -جلَّ وعلا-: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1.
وانظر لتعرف الفارق بين أهل الآيات أو البركة التي جعلها الله تعالى في مكة، وفي المسجد الأقصى:
في مكة قال الله -جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًاآل عمران:96، فأثبت البركة فيه.
وفي المسجد الأقصى قال تعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1
وهذا من اللفتات التي يتبيَّن بها الفرق بين بركة مكة، وبركة المسجد الأقصى، وكلاهما مبارك، لكن ثمَّة فرق؛ فمكة في ذاتها مباركة، وقد أثبت الله تعالى البركة فيها، وفي المسجد الأقصى ذكر البركة فيما حوله، وهذا لا ينفي عنه البركة في ذاته، بل فيه وفيما حوله.

بالتأكيد أن ما كان مباركًا في ذاته منصوصًا على بركته في ذاته أشرف وأعلى منزلةً؛ ولهذا يتبيَّن الفرق في ما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل المثال في مضاعفة الصلاة، قال: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ».[صحيح البخاري:ح1190]
وجاء في حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن قدر المضاعفة فقال: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَعْدِلُ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».[أخرجه ابن ماجه في سننه:ح1406، وأحمد في مسنده:ح14694، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب]
وهذا من أوجه البركة التي خصَّ الله تعالى بها هذه البقعة المباركة وهي المسجد الأقصى.
•    
مما تتميز به هذه البقعة أيضًا: أنَّ الله تعالى خصَّها بمسرى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهذه خاصية يتضح بها الارتباط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
فإن الله تعالى أسرى بنبيِّه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من البيت الحرام الذي جعله مباركًا إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، كما قال تعالى: : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1.
فخصَّه بهذه الخاصِيَّة؛ ليجمع له البركات من كل وجه؛ فبركة مكة وبركة هذا المكان المبارك جمعها الله تعالى برسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذه الآية العظيمة في مسرى رسوله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وقد جاء -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى وجمع الله له الأنبياء، فاجتمع الأنبياء للنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المسجد -المسجد الأقصى-، وصلى بهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، كما جاء ذلك في السنة -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فبيَّن ما لهذه البقعة من الميزة حيث جمع فيها سادات الدنيا، وأئمة الهدى من النبيين والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم-، وصلى بهم إمامهم وسيدهم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
•    
ومن خصائص هذه البقعة الدالة على تشريفها وعظيم بركتها: أنه أُعْرِج بالنبي
-صلى الله عليه وسلم- منها إلى السماء الدنيا، ثم إلى سائر ما يلي ذلك من السماوات؛ العروج به -وهو الصعود إلى السماء- كان من بيت المقدس، وهذه خاصِيَّة خصَّ الله تعالى بها هذه البقعة.
ونزل -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد أيضًا، ورجع منه إلى مكة، في تلك الآية العظيمة الباهرة الدالة على عظيم قُدرة الله -عزَّ وجلَّ- وكبير اصطفائه للنبي -صلى الله عليه وسلم- بما منحه إياه من هذه الآية العظيمة.
•    
أيضًا مما جاء في خصوصية هذه البُقْعة المباركة -بيت المقدس-: أنَّ الصلاة فيها جاء الخبر بمضاعفتها، والأخبار في ذلك عديدة، فالآثار والأحاديث الواردة في المضاعفة كثيرة، أمثلُها: ما جاء عن أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنه-: «أَنَّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ»[البيهقي في الشعب:ح3845، وحسنه الهيثمي في المجمع:ح5873، والبزار كما في فتح الباري:3/67]
فهو في المضاعفة يلي مسجد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ فالأعلى مضاعفةً من المساجد: المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ثم يليه مسجد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بألف صلاة، ثم يليه المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، كما دلت على ذلك الأحاديث.
وإن كان بعض أهل العلم يرى: أنه لم يثبت في المضاعفة في المسجد الأقصى حديثٌ صحيح، لكن مجموع الأحاديث يدل على أن له فضلًا ومضاعفةً، إضافةً إلى ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصى».[صحيح البخاري:ح1167]
وهذا يدل على: ميزته وخاصيته، وأنه يشترك مع المسجدين المباركين -المسجد الحرام والمسجد النبوي- في الفضيلة والقصد لشد الرحل إليهما؛ لما فيهما من الفضل، ولما فيهما من البركة، لما فيها من الفضل ولما فيها من البركة والخير العظيم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، أحسن الله إليكم.
نتواصل معكم مستمعينا الكرام، ومع فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المُصْلِح" في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة".
وحديثنا متواصل ومستمر عن "المسجد الأقصى".
أرقام التواصل لمن أراد أن يتداخل معنا في هذه الحلقة:
الرقم الأول هو: 0126477117 و0126493028
وأما رقم الواتس أب هو: 0582824040
أو يمكنكم كذلك -مستمعينا الكرام- مشاركتنا في البرنامج بالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"، أو حساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".
نستأذنك يا شيخ خالد في باب الاتصالات للمستمعين الكرام، وأول اتصال معنا من عبد العزيز الشريف من الرياض، تفضل يا عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: جزاك الله خيرًا شيخ عبد الله، كيف حالك؟
المقدم: أهلًا وسهلًا، حياك الله.
المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم جميعًا.
المقدم: حياك الله، تفضل.
المتصل: كما تعلمون -بارك الله فيكم- بلادنا السعودية دورها في البيت الأقصى وما قدمته لهذا المسجد من دعم مادي، ومعنوي، واهتمام، ولا أدلَّ من ذلك على أن خادم الحرمين -حفظه الله- كيف خرج بنفسه عندما قام هذا العدو الإسرائيلي بمنع المصلين من هذا المسجد، وكيف أن تدخله إيجابيًّا.
سؤالي بارك الله فيكم هناك من ينعق، وهناك من يقول: إن هذه الدولة لم تُقَدِّم شيئًا للأقصى، وتجدهم ينبحون في تويتر، وفي الفيسبوك، ويقولون: لماذا المملكة لم تتدخل، ولماذا، ولماذا؟
نأمل من الشيخ أن يبين دور هذه البلاد تجاه هذا المسجد الأقصى، ثالث المسجدين، ومسرى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد المبارك الذي بارك الله -عزَّ وجلَّ- حوله، وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا يا عبد العزيز.
من عبد العزيز الشريف من الرياض إلى المستمع مُحَمَّد من تبوك، تفضل يا محمد.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله. تفضل.
المتصل: أنا أؤكد وأحيي الشيخ، وأقول: لا شك أن الذين فرَّطوا في الأقصى، أول ما فرَّطوا فرطوا في جاه الله -عزَّ وجلَّ- عندما قصروا بفعل الذنوب التي تجعل العدو يسيطر علينا، فإن العدو لا يستطيع أن يسيطر على المسلمين إلا بذنوب المسلمين أنفسهم، وما نجده هذه الأيام من المهاترات من بعض الدول ومن بعض الشعوب، والمهاترات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، المطلوب منها شق عصا المسلمين وتفريق دينهم، وفي مصلحة العدو الرئيسي وهو اليهود، فنرجو من الشيخ أن يلمح في هذه المناسبةلدور الإسلامية والعربية والخليجية.
المقدم: شكرًا يا محمد.
طيب، شيخ خالد، الحديث متواصل عن: "المسجد الأقصى"، وربما سؤال الأخ عبد العزيز كان مُهمًّا فيما يتعلق بجهود المملكة، ودروها في القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وأيضًا المسجد الأقصى والحفاظ عليه وحمايته بشكل خاص، ولا أدلَّ على ذلك من تعاطيها الدائم والمستمر في كافة الأحداث التي تمس هذه القضية الهامة، والتي تحتل المكانة الكبرى في قلوبنا كمسلمين.
الشيخ: هو يا أخي الكريم، المسجد الأقصى من خيار بِقاع الدنيا بعد المسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ فهو قضية لا تتصل بعِرْق ولا بجنس، إنما هي مركوزة في صدور أهل الإيمان وأهل الإسلام منذ سالف الزمان؛ ولذلك الاهتمام والاعتناء بهذه البُقعة والمدافعة عنها والذَّبُّ قضية تنطلق من الإيمان بالله، والقيام بحقه، وتعظيم ما عظَّمه، وحفظ حُرمات الله -عزَّ وجلَّ- التي أمرنا بحفظها وتعظيمها، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِالحج:32.
ويقول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُالحج:30.
فالمحافظة على هذه البقعة والمناصرة لها والذَّبُّ عنها قضية إيمانية دينية، قضية تنبعث من سابق إيمان الشخص؛ ولهذا ينبغي أن يُعْرَف أن نُصْرَة هذه القضية ليست مرتبطة بجنس، ولا بشخص، ولا بفئة، بل هي قضية عموم المسلمين.
وهذه البلاد المملكة العربية السعودية من أعظم البلاد في الدنيا، وليس لها نظير في إقامة الشرائع، وتعظيم دين الله -عزَّ وجلَّ-، والقيام بنصرة الإسلام وأهله، على مر تاريخها وتعاقب وُلاتها وحكامها، فهي قضية لا تحتمل المُزايدة في اهتمام هذه البلاد وعنايتها بالقضية الفلسطينية على وجه العموم، وبالمسجد الأقصى على وجه الخصوص.
فمنذ عهد المؤسس الملك المغفور له الملك: عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -رحمه الله- آل سعود، وكذلك من بعده من الملوك وولاة الأمر، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبد الله، والملك سلمان، كلهم جارون في هذه القضية على أسس ثابتة راسخة لا تقبل المزايدة، وليست قابلة للتحولات والمناكفات، وما إلى ذلك مما يعتري المواقف السياسية أو المصالح الشخصية.
فموقفهم بارز وواضح في نُصرة القضية، وبذل الممكن والمتاح حسب ما تقتضيه الإمكانات لمناصرة هذه القضية، والذَّبّ عن هذه البقعة المباركة بكل ما تملكه من إمكانات سياسية وإمكانات وقدرات مكَّنَها الله تعالى منها؛ ولذلك ما يشيعه أعداء هذه البلاد من شائعات زور يغطون به دورها ويضللون به ما يقوم به ولاتها وشعبها من مناصرة هذه البقعة هو من البهتان الذي يرتد زوره وشره على أهله.
فعلى سبيل المثال: نسمع ذلك الضجيج الخالي من أي نُصرةٍ حقيقة لهذه البلاد وهذه البُقعة المباركة من جهاتٍ عديدة، لكنها لم تُقَدِّم للأمة خيرًا، بل سعت في إضعاف الأمة وتشتيت جهودها.
فعلى سبيل المثال: إيران التي تزعم زورًا وبهتانًا أنها تُناصر القضية الفلسطينية ما الذي قدمته للقضية الفلسطينية؟ إلا تفريق الفلسطينيين، إلا إشغال المسلمين بمنازعات في أرض العراق، وفي الشام، وفي اليمن، شتتت جهود أهل الإسلام، وبددت اجتماع كلمتهم على قضيتهم الأولى، والسعي في تفريق الصف، والنيل من وحدة المسلمين، كل هذا في سياق ما يزعمونه ويدَّعونه من نُصرة القضية الفلسطينية.
والإعلام الكاذب يُزوِّر الحقائق، وهذا من سمات آخر الزمان الذي يُصَدَّق فيه الكاذب ويُكَذَّب فيه الصادق، ويخوَّن فيه الأمين ويؤتمن فيه الخائن؛ ولهذا دورنا ينبغي أن نجتهد في إبراز كذب وزور هذه الدعاوى، والمناصرة الحقيقة التي تقوم بها البلاد الإسلامية ولا سيما هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية في مناصرة إخوانهم والقيام بكل ما هو سبب دفع هذا الاحتلال الغاشم، وهذا الاعتداء السافر على هذه البقعة المباركة، وعلى سائر البقاع الطاهرة في تلك الأرض العزيزة على قلوب المؤمنين.
وأنا أشكر الإخوان الذين داخلوا بخصوص هذه القضية؛ لأن ذلك يُقابل تلك الأبواق الكاذبة والنعيق الفاجر الذي يُحاول أن يغطي الشمس بغربال، ويحاول أن يحجب ضوء الحقيقة عن الناس في دور هذه البلاد المباركة في نصرة القضايا.
ونحن لا نقول هذا امتنانًا، فولاة أمرنا -وفقهم الله- لا يفعلون هذا طلبًا لمرضاة أحد، إنما يفعلونه من مُنطلقات السياسة التي بُنِيَت عليها هذه البلاد، القواعد التي بُنِي عليها الحكم في هذه البلاد، من أنه ينبثق من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
ومنزلة المسجد الأقصى أصيلة، وأكيدة، وراسخة في الكتاب والسنة، وفي نفوس أهل الإيمان؛ ولذلك يُفْعَل هذا بوجهٍ تلقائي إيماني، ليس لكسب تمجيد، ولا لمنافسة خَصْمٍ في مكانة، أو مِن مدحة، بل يُفْعَل ذلك ديانةً وعبادة.
وأسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يوَفِّق وُلاةَ أمرنا إلى كل خير، وأن يسدِّدَهم، وأن يغفر لأمواتهم الذين سعوا في نُصرة هذه القضية، وأن يبارك في خادم الحرمين الملك سلمان ويوفقه إلى عِزِّ الإسلام وأهله في كل مكان، وأن يُجري على يديه خيرًا عظيمًا لهذه الأمة.
المقدم: اللهم آمين، أيضًا سؤال الأخ محمد، أو النقطة التي أثارها حول مسألة تأثير الذنوب، والتهاء المسلمين بهذه الصوارف، وانشغالهم عن قضاياهم الأساسية، وكذلك أيضًا ابتعاد البعض عن تعليم الدين الإسلامي الحنيف، ألا ترون أن هذا أحد أسباب ضعف المسلمين، واجتراء أعدائهم عليهم؟
الشيخ: بالتأكيد أن الذنوب سبب لكل شر في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَالروم:41.
فلاشك أن الذنوب هي سبب كل ما ينزل بالناس من شر، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ذلك ما قال من الأحاديث المبيِّنة لخطورة الذنب وعظيم أثره، فالأدلة في الكتاب والسنة واضحة في تأثير الذنوب على مسار الإنسان وما ينزل به، لكن هذا لا يعني أن يكتفي الإنسان بهذا التوصيف دون ذِكر ما ينبغي أن يَعْقُب هذا من الإصلاح؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- لما ذكر ذلك لم يذكره خبرًا مجرَّدًا، قال: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَالروم:41.
لأن هذا قد يُقال أحيانًا في المصائب والنوازل، كالتبرير لهذه النازلة، أي: أنه بما أنه هكذا فإنه المطلوب هو المُكث وعدم بذل المستطاع في معالجة القصور والنقص، وهذا خطأ في المعالجة، لا شك أن الذنوب سبب، وقد ذكره الله -عزَّ وجلَّ- فيما أصاب المسلمين في غزوة أحد؛ حيث قال لما قال الصحابة: "من أين لنا هذا الذي أصابنا؟" قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْآل عمران:165.
لكن لم يقتصر النص على هذا، بل ذكر الأسباب الأخرى، وذكر المعالجة التي ينبغي أن تُعالَج بها مثل هذه الحوادث.
فالذنوب لا ينفك منها الناس بالتأكيد، ويُجري الله تعالى بها من البلاء عليهم ما يجري، ونحن مُطالَبون بالتوبة إلى الله -عزَّ وجلَّ- جميعًا كما قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالنور:31، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًاالتحريم:8.
كل هذا مما ينبغي أن يُستحضَر، لكن هذا لا يُوقِفنا من بذل ما نستطيعه من واجبات تجاه هذه الحوادث والوقائع التي تجري في عالمنا، أو في خاصة أنفسنا، ولا نستسلم بسبب أن هذا بسببه، بل نستتبعه بالتوبة والأسباب التي تُدفَع بها العقوبات.
أسأل الله أن يَجْمَع كلمتنا على الحق والهُدى، وأن ينصر الإسلام وأهله، وأن يجمع كلمتنا على ما فيه الخير.
المقدم: آمين، شيخ خالد، ذكرنا في بداية هذه الحلقة عددًا من الخصائص هذا المسجد المبارك، وأتينا أيضًا إلى بعض النقاط التي أثارها المُداخِلون معنا في هذه الحلقة من المستمعين الكرام، ربما نختم هذا الحديث وهذه الحلقة يا شيخ خالد إذا أذنتم، بما ينبغي علينا كمسلمين كأفراد ربما تجاه هذا المسجد المبارك كلٌّ بما يستطيع، ما هي الوسائل المتاحة التي من خلالها نستطيع بذل الواجب وأداء الواجب تجاه هذا المسجد المبارك؟
الشيخ: أخي الكريم، نحن قدمنا في حديثنا ببيان مكانة ومنزلة هذه البقعة المباركة، وهذا ليس بعيدًا عن ما سألت عنه؛ فإن معرفة مكانة هذه البقعة ومعرفة منزلتها مما يحمل النفوس على أداء الواجب تجاهها؛ ولذلك لن تتحرَّكَ النفوس في أمرٍ من الأمور إلا إذا أدركت منزلته وعظيم مكانته؛ ولهذا جاءت النصوص في بيان منزلة هذه البقعة المباركة، ورفيع مكانتها.
فينبغي أن تُعْرَف مكانة هذه البقعة، وأنها بقعة مباركة، وبقعة عظَّمَها الله -عزَّ وجلَّ-، ورفع قدرَها، ونوَّه بمنزلتها في كتابه، وكذلك رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، إذا عُرِف هذا فإنه ينبغي أن يُعْرَف أيضًا أن هذه الأرض المباركة ارتبط بها أهل الإسلام قبل أن تتكوَّن لهم دولة، وقبل أن يظهر أمر الإسلام في جزيرة العرب.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أسرى الله تعالى به إلى هذه البقعة المباركة قبل هجرته من مكة إلى المدينة، فسفرُه إلى هذه البقعة سابقٌ سفره إلى المدينة طيبة الطيِّبة، أنارها الله تعالى بالإسلام، وحفظها وسائر البلاد.
جاء هذا في بيان منزلة هذه البقعة، وأنها مرتبطة بدين الإسلام منذ نشأته، وقبل تكَوُّن دولته، وظهور جماعته بما فتحه الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- من الهجرة النبوية إلى طيبة الطيبة إلى المدينة.
كذلك تجدَّد الارتباط بفتح هذه البقعة المباركة، وكان فتح بيت المقدس على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، فقد سار -رضي الله تعالى عنه- في عام ثلاث وعشرين من الهجرة النبوية من المدينة إلى بيت المقدس، وفتح الله تعالى على يديه تلك البقعة، وسُلِّم مفاتيح بيت المقدس من أهله بالتراضي، بل لما رأوه -رضي الله تعالى عنه- أيقنوا بصدق نُبُوَّاتٍ كانت في كتابهم عن وصف من يدخل هذه البقعة المباركة فاتحًا عادلًا، فكانت مطابقة لأوصاف عمر -رضي الله تعالى عنه- ومن معه؛ ولذلك أعطاه القساوسة والرهبان والأحبار مفاتيح بيت المقدس عن رِضا، فدخلوها بفتحٍ مبين في يومٍ عظيم، فمُيِّز فتح بيت المقدس عن سائر فتوحات البلاد الإسلامية.
فكان فتحه بهذا الدخول المبارك لعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في سنة ثلاث وعشرين من هجرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وبَقِيَت هذه الأرض المباركة في ظل الحكم الإسلامي في الخلافة الراشدة، وما توالى على المسلمين من ولاة الأمر في الخلافات الإسلامية، والولايات الإسلامية، إلى أن حصل ما حصل من اعتداء الحملات الصليبية التي انتهكت حُرمة هذه البقعة، وسُفِكَت فيها الدماء، وبقيت ما قدر الله أن تبقى، ثم قشع الله تعالى ذلك بزواله على يد صلاح الدين الأيوبي، وأعاد هذا المكان على نحو ما كان من تعظيم شعائر الله، وإقامة دينه، والسماح لكل من أراد عبادة الله -عزَّ وجلَّ- بأن يقيم شعائر الله تعالى فيه بالتوحيد، وكذلك سائر الديانات الأخرى لم يُتَعرَّض لهم من اليهود والنصارى، فكانوا في ظل حكم الإسلام على أكمل ما يكون من عدلٍ، وإنصافٍ، وسلام.
وجرى ما جرى من احتلال هذه البقعة، حتى احتلت عام سبعة وستين، وهي تحت حكم الاحتلال من ذلك الزمان إلى يومنا هذا.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يُطَهِّر المسجد الأقصى، وأن يعيده إلى أهله، وأن يُعْلِي شأنه، وأن يحفظه من كيد الكائدين وعبث العابثين الذين يسعون إلى هدمه، وإزالة معالم الدين والعبادة القائمة في تلك البقعة المباركة.
المقدم: هنا - أيضًا - نشيد بدور الأبطال المرابطين هناك على بوابات المسجد الأقصى، والذين يدافعون عن هذا المسجد بكل ما أوتوا من قوة، ونشد على أيديهم، ونسأل الله لهم الظفر والنصر والتأييد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كذلك أيضًا إذا ما أتينا إلى هذه النقطة نتذكر أيضًا بعض الوسائل التي من خلالها الوسائل البسيطة التي يمكن من خلالها المساهمة نحن في القيام بدورنا وواجبنا تجاه هذا المسجد كإنتاج بعض الأفلام بلغات مختلفة، وتحكي عدوان هذا الاحتلال الصهيوني الغاشم.
كذلك أيضًا حق المسلمين في هذا المسجد المبارك، بخلاف ما يُشيعه هؤلاء الصهاينة، وخاصةً الجهات التي تشرف على التعليم لديهم، ويوزِّعون عددًا من الملصقات التي يزوِّرون فيها التاريخ والحقيقة، ويرسمون هذا المسجد بالهيكل المزعوم؛ ليغرسوا في عقول أبنائهم أنَّ هذا حق من حقوقهم، بينما هم يكذبون في ذلك.
كذلك أيضًا استغلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي كالتغريد في تويتر، أو كذلك التدوين على صفحات الفيسبوك، وغيرها من الوسائل الممكنة والمتاحة لنا جميعًا في أن نسهم في دورنا وواجبنا تجاه هذا المسجد المبارك.
الشيخ: بالتأكيد أن حِفْظ مكانة هذه البقعة والمشاركة في إظهار منزلتها وبيان الحقائق التي لا تحجبها التزويرات، ولا التصويرات، ولا الهياكل، ولا سائر ما يفعله العدو ينبغي أن يساهم فيه الجميع كلٌّ بما يمكنه، وكلٌّ بما يستطيعه، ولكن يؤكد على معنى مهم؛ وهو أنه ينبغي ألا نسمع لأولئك الناعقين الذين يحاولون في خِضَمِّ الأزمات يحاولون تعميق الفجوة، ويسعون إلى تفريق الصَّفِّ، وإشغال الأمة بعضها ببعض، فإن من الناس من لا هَمَّ له إلا العمل على تفريق الأمة والنيل منها، سواء كان النَّيل من الحكام، أو كان النيل من العلماء، أو النيل من المفكرين، أو النيل من عموم الأمة، كل هذا ينبغي الإعراض عنه، وعدم إتاحة المجال لهؤلاء المغرضين لا سيما ونحن نشهد حملات مشبوهة في وسائل التواصل للنيل من أهل الإسلام، من الحكام، والعلماء، والأمة على وجه العموم، في ظرفٍ ووقت نحن بحاجة ماسة إلى الالتئام والاجتماع، ونزع الفرقة، والسعي بالمستطاع الممكن، فاتقوا الله ما استطعتم؛ لنُصرة هذه القضية، فهذا من تشتيت الجهود، والبعد عما ينبغي أن نجتمع عليه.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ بلاد المسلمين، وأن يُوفِّق ولاتهم إلى ما فيه الخير، وأن يقطع عنا دابر السوء والشر، وأن يُبعد عنا أولئك المرجفين، وكيدهم، ومكرهم.
المقدم: شكر الله لكم، فضيلة الشيخ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف