×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / الأصول الثلاثة / الدرس السادس من الأصول الثلاثة.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس السادس من الأصول الثلاثة.
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى : المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والدليل قوله تعالى:] إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون[([1]) وقوله: ]وتوكل على العزيز الرحيم `الذي يراك حين تقوم `وتقلبك في الساجدين` إنه هو السميع العليم[ ([2])  وقوله: ] وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين[([3]). والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. فقال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها ؟ قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: فمضى، فلبثنا مليا. فقال: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ).   هذه المرتبة الثالثة من مراتب الدين قال رحمه الله في بيانها: الإحسان ركن واحد،وكما بينا في الإيمان نقول هنا: إن الإحسان الذي بينه حديث جبريل والذي يتكلم عنه الشيخ رحمه الله هنا هو المضمون المقترن بالإيمان والإسلام، فتنبه لهذا، فليس التعريف هنا للإحسان على وجه الإطلاق، بل الإحسان الذي يقترن بالإيمان والإسلام، ودليل هذا لو أن شخصا أقر بالأصول الستة في أركان الإيمان لكنه لم يصل ولم يحج ولم يقر بوجوب هذه الأشياء فإنه لا يكون مؤمنا بإجماع أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك من أتى بالشهادتين وأتى بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولكنه لم يؤمن بوجوب الإيمان بالأركان الستة المذكورة في الآية والحديث. ولا يكون من هذا حاله مسلما بإجماع أهل العلم ، فتنبه لهذا. وإنما كرر لأهميته. قوله رحمه الله: ( ركن واحد )أي ليس فيه تعدد، ولكن ركن الإحسان له مقامان، قال رحمه الله: ( وهو أن تعبد الله كأنك تراه )هذا هو المقام الأول، وهكذا جاء بيانه عن النبي rفي حديث جبريل، (فإن لم تكن تراه)هذا هو المقام الثاني، فإنه يراك وانظر كيف بدأ بأعلى ما يكون من الإحسان، وهو أن يعبد العبد ربه سبحانه وتعالى كأنه يراه، يعني وحاله حال الذي يعبد الله وهو يشاهده وينظر إليه، وكيف تكون الحال إذا كان العبد في عباداته وفي ذهابه وإيابه وفي معاملاته وفي جميع شؤونه، يتصرف وهو كالناظر إلى رب السماوات والأرض فوق سماواته مستو على عرشه، يراه ويراقبه ويطلع عليه، وتكون حاله في أعلى درجات الإيمان، وأعلى درجات الدين وهي درجة الإحسان، بل أعلى المقامين في الإحسان، وهو أن يعبد العبد ربه كأنه يراه. فهذا المقام كبير وشأنه عظيم، ويحتاج إلى استحضار تام وشهود متواصل، وأن يعلم العبد أنه لا تخفى على الله منه خافية، ويحتاج إلى زيادة العناية بمطالعة ما ذكره الله عن نفسه من الأسماء والصفات، فإن القلب إذا توالى عليه ما أخبر الله به عن نفسه وما أخبر به رسوله rعن ربه قوي قلبه، وأصبح العلم كالمشاهدة، أي: يكون كالذي يشاهد ربه بعينه في تصرفه، في عمله، في قيامه، في قعوده، في خروجه، في عبادته، وهذا المعنى أكثر الناس يغفلون عنه، إذا: هذا هو المقام الأول، وهو أعلى مقامات الدين. المقام الثاني: وهو منزلة دون المنزلة الأولى، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو استحضار مراقبة الله عز وجل واستحضار اطلاعه سبحانه وتعالى عليك يا عبد الله، واعلم أن اطلاع الله ونظره ورؤيته وعلمه لا يقتصر على ظاهر حالك، بل الظاهر والباطن عند الله سواء، قال النبي r: (( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم))([4])، فنظر الله عز وجل لا يقتصر على حال الإنسان الظاهرة، بل يشمل الظاهر والباطن، ثم ذكر رحمه الله الدليل على هذه المرتبة فقال: والدليل قوله تعالى: ]إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون[([5])فأثبت الإحسان في قوله: ]والذين هم محسنون[ وهذا يشمل درجة الإحسان ومقامي الإحسان، المقام الأول: أن تعبد الله كأنك تراه، والمقام الثاني: فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وقوله: ]وتوكل على العزيز الرحيم`الذي يراك حين تقوم`وتقلبك في الساجدين`إنه هو السميع العليم[([6])فيها دليل على المقام الثاني، وهو استحضار رؤية الله عز وجل للعبد، فالله عز وجل يأمر نبيه rأن يتوكل عليه فيقول: ] وتوكل على العزيز الرحيم[ وانظر كيف ذكر هذين الوصفين في باب التوكل، العزيز الذي يمنعك، والرحيم الذي يوصل إليك البر والإحسان، وبهما يحصل للخائف والقلق مقصوده، وهو الأمن وسكون النفس من الخوف، ولا يكون فيها نظر إلى غير الموصوف بهذين الوصفين، لأن الذي يطلب أمرا ويسعى في تحقيقه سواء دفعا أو جلبا إذا علم أنه يستند ويعتمد على من يمنعه ومن يوصل إليه الخير فإنه لا يكون في قلبه نظر إلى غير من يتصف بهذين الوصفين، وهما العزة والرحمة، وهذا هو السر في ذكر هذين الاسمين في مقام التوكل، ]الذي يراك حين تقوم[ وهذا فيه إثبات رؤية الله عز وجل لعباده، حين تقوم أي: في صلاتك وعبادتك ]وتقلبك في الساجدين[ أي: تغير أحوالك في العبادة من قيام وركوع وسجود، وهذا فيه الحامل للعابد أن يحسن العبادة، أنت إذا وقفت في صف الصلاة وأردت الدخول فيها فاستحضر هذا الأمر، أن الله جل وعلا يراك، وستجد في هذا الاستحضار أثرا في إحسان العبادة وتجويدها وإصلاحها والمبالغة في إحسان العمل، قال: ]وتقلبك في الساجدين `إنه هو السميع العليم[ هذا فيه إثبات سمعه سبحانه وتعالى، وفيه إثبات علمه جل وعلا، وليس السمع كالعلم ، فالعلم أشمل وأوسع، فالله يسمع مقالك ويعلم بجميع أحوالك ما تتلفظ به ومالا تتلفظ به. ثم قال: وقوله تعالى: ]وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه[([7])هذه الآية ذكر الله فيها عز وجل أمورا خاطب فيها النبي rفقال:]وما تكون في شأن [ الخطاب للنبي r، ما تكون في شأن يعني: ما تكون في حال من الأحوال ] وما تتلو منه من قرآن [ الضمير في قوله: ]منه[ إما أن يعود على شأن، يعني وما تتلو من شأن من القرآن، فيكون المعنى: وما تتلو من شأن من شؤونك، ف (من ) هنا للسببية، يعني: لسبب من الأسباب، وحال من أحوالك، ما تتلو منه من قرآن إلا والله عز وجل عالم به كما سيأتي، وقيل: إن الضمير في قوله: ]منه[ عائد إلى القرآن نفسه، فيكون المعنى: وما تتلو من القرآن من قرآن، وهذا المعنى هو الذي حققه بعض المرجحين من المفسرين، قال: ]ولا تعملون من عمل [ ما تعملون من عمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، و تدخل الأقوال في ذلك ، لأنها نوع عمل،]إلا كنا عليكم شهودا [ وهذا هو الشاهد من الآية، وهو إثبات شهود الله عز وجل على أحوال العبد، وأنه يراه وأنه مطلع عليه سبحانه وتعالى، لا تخفى عليه من شؤون العبد خافية قال: ] إذ تفيضون فيه [ يعني: إذ تدخلون وتشرعون وتقبلون فيه، يعني في هذه الأعمال التي قال: ]وما تعملون من عمل[ ، وهذا فيه تمام شمول علم الله عز وجل واطلاعه على حال العبد، وهو دليل على المقام الثاني من مقامات الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ثم بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر هذه المراتب وأدلتها من الكتاب انتقل إلى بيان الدليل من السنة على هذه المراتب جميعا، التي بينها حديث جبريل، وهو الحديث المشهور الطويل المعروف الذي اتفق أهل العلم على صحته وتلقته الأمة بالقبول، وقد رواه عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما في الصحيحين، كما رواه غيرهما أيضا في صحيح مسلم. يقول رحمه الله: والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. فقال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها ؟ قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: فمضى، فلبثنا مليا. فقال: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم )).    واعلم أن هذا الحديث اشتمل على أصول الدين التي يجب اعتقادها، والتي يسميها العلماء الإيمان المجمل، قال رحمه الله: قال عمر رضي الله عنه: (( بينما نحن جلوس عند النبي rإذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ))([8]). وفائدة هذه المقدمة : بيان غرابة حال هذا السائل، رجل ليس من المدينة وحاله حال المقيم في ثوبه وبدنه، فشعره شديد السواد، وثوبه شديد البياض، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، قال: (( فجلس إلى النبي rفأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ))وهذا فائدته: العناية الفائقة بما سيطرحه، ولفت الانتباه إلى ذلك، قال: (( قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ ))دعاه باسمه لا بوصفه، والسبب في هذا: أنه جاء عليه السلام على صورة أعرابي يستبين أمر الدين، ولذلك لم يقل يا رسول الله، إنما دعاه باسمه الذي عرف به ((أخبرني عن الإسلام ؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )). وهذه هي أركان الإسلام، وتقدم الكلام عليها (( قال: صدقت ))هذه الأركان الجامع فيها ما تقدم من أنها شرائع الإسلام التي هي من العمل الظاهر. قال رضي الله عنه في سياق الحديث: إن جبريل (( قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه)) فحال هذا غريب، حيث جاء في الظاهر ليسأل عما لا يعلمه من أمر دينه ثم يصدق على الجواب، (( قال: أخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ))وقد تقدم الكلام على هذه الأركان قبل قليل، وقلنا: إن الجامع لها أعمال القلب، وهي أعمال الباطن. قال بعد ذلك: (( أخبرني عن الإحسان ))هذا سؤال عن أعلى مراتب الدين وهي: أن تعبد الله كأنك تراه (( فقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))وبهذا تكون قد تمت مراتب الدين. وهذه المراتب قد دل عليها كتاب الله عز وجل، فجاءت في قوله تعالى: ] ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه [([9])هذه مرتبة الإسلام، وهي الإتيان بالعمل الظاهر، ] ومنهم مقتصد [ وهي مرتبة الإيمان، ] ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله [ وهي مرتبة الإحسان التي هي أعلى المراتب، وقد ذكر الله هذه المراتب في غير هذا الموضع، كما في سورة الواقعة، وبالتأمل يجدها الإنسان في كتاب الله عز وجل. بعد أن فرغ من هذه الأسئلة (( قال: أخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ))فهنا سأله عن الساعة يعني عن قيام يوم القيامة، فأجاب النبي rبقوله: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) مما يفهم من هذه العبارة: أنه rلا يعلم الغيب، ولا يعلم متى الساعة، وعلى هذا فالذي يستدل بهذا الحديث على أن النبي rيعلم متى تقوم الساعة،  يكون قوله هذا  تحريفا وتشبيها وتضليلا بلا ريب .  زعم بعض المعطلة من غلاة الصوفية: أن النبي rيعلم الساعة، لأنه يعلم أن السائل الذي أتاه جبريل، وجبريل يعلم متى الساعة، فلما سأله عن الساعة قال: (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ))يعني: كلانا مشتركان في علم الساعة، هكذا زعموا، وهل هذا يفهمه صاحب لسان عربي فصيح إطلاقا، بل المقصود: أن النبي rأراد نفي علم الساعة عن نفسه، لكن الشيطان زين لهم سوء أعمالهم، ثم إن الجواب على هذه الشبهة: أن النبي rلم يعلم من هو السائل، كما جاء في بعض الروايات (( لم يخف عليه أمره كما خفي عليه في هذه المرة )) فإن النبي rأجاب وهو لا يعلم من السائل، ولذلك جاء في آخر الحديث لما طال مقام الصحابة عنده قال: (( يا عمر أتدرون من السائل ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ))، ولو كان الأمر واضحا له من أول الأمر لما انتظر مليا، أي: طويلا، بل كان سيبين لهم من هو من أول وهلة، المهم أن هذه شبهة ساقطة لا نحتاج إلى الإطالة فيها. قال: (( أخبرني عن أماراتها ))يعني عن علاماتها، قال: (( أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان )) هذا بيان لبعض أماراتها الصغرى، وذكر في هذا الحديث علامتين (( أن تلد الأمة ربتها ))أي: سيدتها (( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: فمضى فلبثت مليا ))يعني طويلا ثم الباقي تكلمنا عليه، ثم قال: (( يا عمر أتدرون من السائل ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ))وفي رواية (( دينكم ))ففهم من هذا: أن المراتب الثلاث هي مراتب الدين. ([1]) النحل:128. ([2]) الشعراء: 217-220. ([3]) يونس:61. ([4]) أخرجه مسلم في البر والصلة، برقم: 4651، وابن ماجه في الزهد، برقم: 4133. ([5]) النحل: 128. ([6]) الشعراء: 217. ([7]) يونس: 61. ([8]) أخرجه مسلم في الإيمان، برقم: 9، والنسائي، في الإيمان وشرائعه برقم: 4904، وأبو داود، برقم: 4075، وأحمد في مسند العشرة، برقم: 346، و 352. ([9]) فاطر: 32.

المشاهدات:4632

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والدليل قوله تعالى:] إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[([1]) وقوله: ]وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ `الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ `وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ` إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ ([2])  وقوله: ] وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[([3]). والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. فقال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها ؟ قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: فمضى، فلبثنا مليّاً. فقال: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ).

 

هذه المرتبة الثالثة من مراتب الدين قال رحمه الله في بيانها: الإحسان ركن واحد،وكما بينّا في الإيمان نقول هنا: إن الإحسان الذي بينه حديث جبريل والذي يتكلم عنه الشيخ رحمه الله هنا هو المضمون المقترن بالإيمان والإسلام، فتنبه لهذا، فليس التعريف هنا للإحسان على وجه الإطلاق، بل الإحسان الذي يقترن بالإيمان والإسلام، ودليل هذا لو أن شخصاً أقر بالأصول الستة في أركان الإيمان لكنه لم يصلِ ولم يحج ولم يقر بوجوب هذه الأشياء فإنه لا يكون مؤمناً بإجماع أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك من أتى بالشهادتين وأتى بالصلاة والزكاة والصيام والحج ولكنه لم يؤمن بوجوب الإيمان بالأركان الستة المذكورة في الآية والحديث.

ولا يكون من هذا حاله مسلماً بإجماع أهل العلم ، فتنبه لهذا. وإنما كرر لأهميته.

قوله رحمه الله: ( ركن واحد )أي ليس فيه تعدد، ولكن ركن الإحسان له مقامان، قال رحمه الله: ( وهو أن تعبد الله كأنك تراه )هذا هو المقام الأول، وهكذا جاء بيانه عن النبي rفي حديث جبريل، (فإن لم تكن تراه)هذا هو المقام الثاني، فإنه يراك وانظر كيف بدأ بأعلى ما يكون من الإحسان، وهو أن يعبد العبد ربه سبحانه وتعالى كأنه يراه، يعني وحاله حال الذي يعبد الله وهو يشاهده وينظر إليه، وكيف تكون الحال إذا كان العبد في عباداته وفي ذهابه وإيابه وفي معاملاته وفي جميع شؤونه، يتصرف وهو كالناظر إلى رب السماوات والأرض فوق سماواته مستوٍ على عرشه، يراه ويراقبه ويطلع عليه، وتكون حاله في أعلى درجات الإيمان، وأعلى درجات الدين وهي درجة الإحسان، بل أعلى المقامين في الإحسان، وهو أن يعبد العبد ربه كأنه يراه. فهذا المقام كبير وشأنه عظيم، ويحتاج إلى استحضار تام وشهود متواصل، وأن يعلم العبد أنه لا تخفى على الله منه خافية، ويحتاج إلى زيادة العناية بمطالعة ما ذكره الله عن نفسه من الأسماء والصفات، فإن القلب إذا توالى عليه ما أخبر الله به عن نفسه وما أخبر به رسوله rعن ربه قوي قلبه، وأصبح العلم كالمشاهدة، أي: يكون كالذي يشاهد ربه بعينه في تصرفه، في عمله، في قيامه، في قعوده، في خروجه، في عبادته، وهذا المعنى أكثر الناس يغفلون عنه، إذاً: هذا هو المقام الأول، وهو أعلى مقامات الدين.

المقام الثاني: وهو منزلة دون المنزلة الأولى، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو استحضار مراقبة الله عز وجل واستحضار اطلاعه سبحانه وتعالى عليك يا عبد الله، واعلم أن اطلاع الله ونظره ورؤيته وعلمه لا يقتصر على ظاهر حالك، بل الظاهر والباطن عند الله سواء، قال النبي r: (( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم))([4])، فنظر الله عز وجل لا يقتصر على حال الإنسان الظاهرة، بل يشمل الظاهر والباطن، ثم ذكر رحمه الله الدليل على هذه المرتبة فقال: والدليل قوله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[([5])فأثبت الإحسان في قوله: ]وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[ وهذا يشمل درجة الإحسان ومقامي الإحسان، المقام الأول: أن تعبد الله كأنك تراه، والمقام الثاني: فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

وقوله: ]وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ`الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ`وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ`إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[([6])فيها دليل على المقام الثاني، وهو استحضار رؤية الله عز وجل للعبد، فالله عز وجل يأمر نبيه rأن يتوكل عليه فيقول: ] وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيم[ وانظر كيف ذكر هذين الوصفين في باب التوكل، العزيز الذي يمنعك، والرحيم الذي يوصل إليك البر والإحسان، وبهما يحصل للخائف والقلق مقصوده، وهو الأمن وسكون النفس من الخوف، ولا يكون فيها نظر إلى غير الموصوف بهذين الوصفين، لأن الذي يطلب أمراً ويسعى في تحقيقه سواء دفعاً أو جلباً إذا علم أنه يستند ويعتمد على من يمنعه ومن يوصل إليه الخير فإنه لا يكون في قلبه نظر إلى غير من يتصف بهذين الوصفين، وهما العزّة والرحمة، وهذا هو السر في ذكر هذين الاسمين في مقام التوكل، ]الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ[ وهذا فيه إثبات رؤية الله عز وجل لعباده، حين تقوم أي: في صلاتك وعبادتك ]وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ[ أي: تغير أحوالك في العبادة من قيام وركوع وسجود، وهذا فيه الحامل للعابد أن يحسن العبادة، أنت إذا وقفت في صف الصلاة وأردت الدخول فيها فاستحضر هذا الأمر، أن الله جل وعلا يراك، وستجد في هذا الاستحضار أثراً في إحسان العبادة وتجويدها وإصلاحها والمبالغة في إحسان العمل، قال: ]وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ `إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ هذا فيه إثبات سمعه سبحانه وتعالى، وفيه إثبات علمه جل وعلا، وليس السمع كالعلم ، فالعلم أشمل وأوسع، فالله يسمع مقالك ويعلم بجميع أحوالك ما تتلفظ به ومالا تتلفظ به.

ثم قال: وقوله تعالى: ]وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ[([7])هذه الآية ذكر الله فيها عز وجل أموراً خاطب فيها النبي rفقال:]وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ [ الخطاب للنبي r، ما تكون في شأنٍ يعني: ما تكون في حالٍ من الأحوال ] وَمَا تتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآن ٍ[ الضمير في قوله: ]مِنْهُ[ إما أن يعود على شأنٍ، يعني وما تتلو من شأنٍ من القرآن، فيكون المعنى: وما تتلو من شأنٍ من شؤونك، فـ (من ) هنا للسببية، يعني: لسبب من الأسباب، وحالٍ من أحوالك، ما تتلو منه من قرآنٍ إلاّ والله عز وجل عالم به كما سيأتي، وقيل: إن الضمير في قوله: ]مِنْهُ[ عائد إلى القرآن نفسه، فيكون المعنى: وما تتلو من القرآنِ من قرآنٍ، وهذا المعنى هو الذي حققه بعض المرجحين من المفسرين، قال: ]وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ [ ما تعملون من عمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، و تدخل الأقوال في ذلك ، لأنها نوع عمل،]إلاَّّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً [ وهذا هو الشاهد من الآية، وهو إثبات شهود الله عز وجل على أحوال العبد، وأنه يراه وأنه مطلع عليه سبحانه وتعالى، لا تخفى عليه من شؤون العبد خافية قال: ] إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [ يعني: إذ تدخلون وتشرعون وتقبلون فيه، يعني في هذه الأعمال التي قال: ]وَما تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ[ ، وهذا فيه تمام شمول علم الله عز وجل واطلاعه على حال العبد، وهو دليل على المقام الثاني من مقامات الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ثم بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر هذه المراتب وأدلتها من الكتاب انتقل إلى بيان الدليل من السنة على هذه المراتب جميعاً، التي بينها حديث جبريل، وهو الحديث المشهور الطويل المعروف الذي اتفق أهل العلم على صحته وتلقته الأمة بالقبول، وقد رواه عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما في الصحيحين، كما رواه غيرهما أيضاً في صحيح مسلم.

يقول رحمه الله: والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. فقال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها ؟ قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: فمضى، فلبثنا ملياً. فقال: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم )).

 

 واعلم أن هذا الحديث اشتمل على أصول الدين التي يجب اعتقادها، والتي يسميها العلماء الإيمان المجمل، قال رحمه الله: قال عمر رضي الله عنه: (( بينما نحن جلوس عند النبي rإذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ))([8]).

وفائدة هذه المقدمة : بيان غرابة حال هذا السائل، رجل ليس من المدينة وحاله حال المقيم في ثوبه وبدنه، فشعره شديد السواد، وثوبه شديد البياض، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، قال: (( فجلس إلى النبي rفأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ))وهذا فائدته: العناية الفائقة بما سيطرحه، ولفت الانتباه إلى ذلك، قال: (( قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ ))دعاه باسمه لا بوصفه، والسبب في هذا: أنه جاء عليه السلام على صورة أعرابي يستبين أمر الدين، ولذلك لم يقل يا رسول الله، إنما دعاه باسمه الذي عرف به ((أخبرني عن الإسلام ؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً )).

وهذه هي أركان الإسلام، وتقدم الكلام عليها (( قال: صدقت ))هذه الأركان الجامع فيها ما تقدم من أنها شرائع الإسلام التي هي من العمل الظاهر.

قال رضي الله عنه في سياق الحديث: إن جبريل (( قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه)) فحال هذا غريب، حيث جاء في الظاهر ليسأل عما لا يعلمه من أمر دينه ثم يصدق على الجواب، (( قال: أخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ))وقد تقدم الكلام على هذه الأركان قبل قليل، وقلنا: إن الجامع لها أعمال القلب، وهي أعمال الباطن.

قال بعد ذلك: (( أخبرني عن الإحسان ))هذا سؤال عن أعلى مراتب الدين وهي: أن تعبد الله كأنك تراه (( فقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))وبهذا تكون قد تمت مراتب الدين.

وهذه المراتب قد دل عليها كتاب الله عز وجل، فجاءت في قوله تعالى: ] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [([9])هذه مرتبة الإسلام، وهي الإتيان بالعمل الظاهر، ] وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد ٌ[ وهي مرتبة الإيمان، ] وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [ وهي مرتبة الإحسان التي هي أعلى المراتب، وقد ذكر الله هذه المراتب في غير هذا الموضع، كما في سورة الواقعة، وبالتأمل يجدها الإنسان في كتاب الله عز وجل.

بعد أن فرغ من هذه الأسئلة (( قال: أخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ))فهنا سأله عن الساعة يعني عن قيام يوم القيامة، فأجاب النبي rبقوله: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) مما يفهم من هذه العبارة: أنه rلا يعلم الغيب، ولا يعلم متى الساعة، وعلى هذا فالذي يستدل بهذا الحديث على أنّ النبي rيعلم متى تقوم الساعة،  يكون قوله هذا  تحريفاًٍ وتشبيهاً وتضليلاً بلا ريب .

 زعم بعض المعطلة من غلاة الصوفية: أن النبي rيعلم الساعة، لأنه يعلم أن السائل الذي أتاه جبريل، وجبريل يعلم متى الساعة، فلما سأله عن الساعة قال: (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ))يعني: كلانا مشتركان في علم الساعة، هكذا زعموا، وهل هذا يفهمه صاحب لسان عربي فصيحٍ إطلاقاً، بل المقصود: أن النبي rأراد نفي علم الساعة عن نفسه، لكن الشيطان زين لهم سوء أعمالهم، ثم إن الجواب على هذه الشبهة: أن النبي rلم يعلم من هو السائل، كما جاء في بعض الروايات (( لم يخفَ عليه أمره كما خفي عليه في هذه المرة )) فإن النبي rأجاب وهو لا يعلم من السائل، ولذلك جاء في آخر الحديث لما طال مقام الصحابة عنده قال: (( يا عمر أتدرون من السائل ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ))، ولو كان الأمر واضحاً له من أول الأمر لما انتظر ملياً، أي: طويلاً، بل كان سيبين لهم من هو من أول وهلة، المهم أن هذه شبهة ساقطة لا نحتاج إلى الإطالة فيها.

قال: (( أخبرني عن أماراتها ))يعني عن علاماتها، قال: (( أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان )) هذا بيان لبعض أماراتها الصغرى، وذكر في هذا الحديث علامتين (( أن تلد الأمة ربتها ))أي: سيدتها (( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: فمضى فلبثت ملياً ))يعني طويلاً ثم الباقي تكلمنا عليه، ثم قال: (( يا عمر أتدرون من السائل ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ))وفي رواية (( دينكم ))ففهم من هذا: أن المراتب الثلاث هي مراتب الدين.


([1]) النحل:128.

([2]) الشعراء: 217-220.

([3]) يونس:61.

([4]) أخرجه مسلم في البرّ والصلة، برقم: 4651، وابن ماجه في الزهد، برقم: 4133.

([5]) النحل: 128.

([6]) الشعراء: 217.

([7]) يونس: 61.

([8]) أخرجه مسلم في الإيمان، برقم: 9، والنسائي، في الإيمان وشرائعه برقم: 4904، وأبو داود، برقم: 4075، وأحمد في مسند العشرة، برقم: 346، و 352.

([9]) فاطر: 32.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86260 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50935 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46186 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف