المطلبُ الثامنُ: التبرعُ بالدمِ وأخذُهُ للتحليلِ، وأثرُ ذلكَ على الصيامِ:
ذهبَ الجمهورُ مِن أهلِ العلمِ إلى كراهيةِ الحِجامةِ للصائمِ، وذهبَ الحنابلةُ إلى أنهُ مِنَ المفطِّراتِ، وألحقَ شيخُ الإسلامِ بالحجامةِ: الفَصْدَ، والشَّرْطَ، وغيرَهما مِن طرقِ استخراجِ الدمِ.
وممَّا جدَّ مِنَ المسائلِ: التبرعُ بالدمِ، أو أخذُهُ للتحليلِ، وقد ذهبَ شيخُنا رحمهُ اللهُ إلى التفطيرِ، إذا كانتْ كميةُ الدمِ المسحوبةُ كثيرةً، قياسًا على الحجامةِ، قالَ رحمهُ اللهُ: «إذا أخذَ الإنسانُ شيئًا مِنَ الدمِ قليلًا لا يؤثرُ في بدنِهِ ضعفًا، فإنهُ لا يُفطرُ بذلكَ، سواءٌ أخذَهُ للتحليلِ، أو لتشخيصِ المرضِ، أو أخذَهَ للتبرعِ بهِ لشخصٍ يحتاجُ إليهِ. أمَّا إذا أخذَ مِنَ الدمِ كميةً كبيرةً يلحقُ البدنَ بها ضعفٌ، فإنهُ يُفطرُ بذلكَ، قياسًا على الحِجامةِ التي ثبتتْ السنةُ بأنها مفطرةٌ للصائمِ» مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (17/185). وقال في فتوى أخرى (17/186): «تحليل الصائم؛ يعني أخذ عينة من دمه، لأجل الكشف عنها والاختبار لها، جائز ولا بأس به، وأما التبرع بالدم؛ فالذي يظهر أن التبرع بالدم يكون كثيرًا فيُعطى حكمَ الحجامة، ويقال للصائم صومًا واجبًا: لا تتبرع بدمك، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، فلا بأس بهذا، مثل لو قال الأطباء: إن هذا الرجل الذي أصابه النزيف إن لم نحقنه بالدم مات، ووجدوا صائمًا يتبرع بدمه، وقال الأطباء: لا بد من التبرع له الآن، فحينئذ لا بأس للصائم أن يتبرع بدمه، ويُفطر بعد هذا، ويأكل ويشرب بقية يومه؛ لأنه أفطر للضَّرورة؛ كإنقاذ الحريق والغريق»..