المطلبُ السابعُ: الإبرُ العلاجيةُ والمغذيةُ وأثرُها في الصومِ:
ومما يُعدُّ مِنَ النَّوازلِ المستجِدةِ فيما يتعلقُ بالمفطِّراتِ، الإبرُ بأنواعِها: العلاجيةُ والمغذيةُ، وقد فصَّلَ شيخُنا رحمهُ اللهُ القولَ فيها، وكانَ اعتبارُ العلةِ حاضرًا في التوصُّلِ إلى حكمِها، يقولُ رحمهُ اللهُ في جوابِ سؤالٍ: هناكَ أمورٌ استجدَّتْ في رمضانَ؛ كالقطرةِ والإبرةِ فما هو حكمُها في رمضانَ؟
«هذهِ الأمورُ التي جَدَّتْ، قد جعلَ اللهُ تعالى في الشريعةِ الإسلاميةِ حَلَّها مِن كتابِ اللهِ تعالى، أو سنةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وذلكّ أنَّ الأدلةَ الشرعيةَ مِنَ الكتابِ والسنةِ تنقسمُ إلى قسمينِ:
1- قسم ينصُّ على حكمِ الشيءِ بعينِهِ.
2- قسم يكونُ قواعدَ وأصولًا عامةً؛ يدخلُ فيها كلُّ ما جَدَّ وما حدثَ مِنَ الجزئياتِ.
فمثلًا مفطِّراتُ الصائمِ التي نصَّ اللهُ عليها في كتابِهِ؛ هي الأكلُ والشربُ والجماعُ؛ كما قالَ اللهُ تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} سورة البقرة، آية رقم (187). وجاءتِ السُّنةُ بمفطراتٍ أخرى؛ كالقيءِ عمدًا والحجامةِ.
وإذا نظرْنا إلى هذهِ الإبرةِ التي حدثَتِ الآنَ، وجدنا أنها لا تدخلُ في الأكلِ ولا الشربِ، وأنها ليستْ بمعنى الأكلِ ولا بمعنى الشربِ، وإذا لم تكنْ أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكلِ والشربِ، فإنها لا تؤثرُ على الصائمِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ صومَهُ الذي ابتدأَهُ بمقتضَى الشريعةِ صومٌ صحيحٌ، حتى يوجدَ ما يفسدُهُ بمقتضَى الشريعةِ، ومَنِ ادَّعى أنَّ هذا الشيءَ يفطرُ الصائمَ مثلًا، قلْنا لهُ: ائتِ بالدليلِ، فإن أتى بالدليلِ، وإلا فالأصلُ صحةُ الصومِ وبقاؤُهُ.
وبناءً على ذلكَ نقولُ: الإبرُ نوعانِ: نوعٌ يقومُ مقامَ الأكلِ والشربِ، بحيثُ يعوِّضُ المريضَ عنِ الطعامِ والشرابِ، فهذا يفطِّر الصائمَ؛ لأنهُ بمعنى الأكلِ والشربِ، والشريعةُ لا تفرِّقُ بينَ متماثلينِ، بل تجعلُ للشيءِ حكمَ نظيرِهِ.
والنوعُ الثاني: إبرٌ لا يُستعاضُ بها عنِ الأكلِ والشربِ، ولكنها للمعالجةِ وتنشيطِ الجسمِ وتقويتِهِ، فهذهِ لا تضرُّ، ولا تؤثرُ شيئًا على الصيامِ، سواءٌ تناولَها الإنسانُ عن طريقِ العضلاتِ، أو عن طريقِ الوريدِ، وسواءٌ وجدَ أثرَها في حلقِهِ أو لم يجدْهُ؛ لأنَّ الأصلَ كما ذكرْنا آنفًا صحةُ الصومِ، حتى يقومَ دليلٌ على فسادِهِ» مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (17/158-159)..