المطلبُ الأولُ: أثرُ معالحةِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ في التطهيرِ:
ممَّا أنتجَهُ شُحُّ المواردِ المائيةِ العمَلُ على معالجةِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ؛ لِسَدِّ كثيرٍ مِنَ الحاجاتِ. وقد بحثَ الفقهاءُ المعاصرونَ أثرَ هذا التكريرِ في تطهيرِ تلكَ المياهِ، وقد ذهبَ شيخُنا إلى طهارتِها بتلكَ المعالجةِ، قالَ رحمهُ اللهُ: «في حالِ تكريرِ الماءِ التكريرَ المتقدمَ الذي يُزيلُ تلوُّثَهُ بالنجاسةِ، حتى يعودَ نقيًّا سليمًا مِنَ الروائحِ الخبيثةِ، ومِن تأثيرِها في طعمِهِ ولونِهِ، مأمونَ العاقبةِ مِنَ الناحيةِ الصحيةِ، في هذهِ الحالِ لا شكَّ في طهارةِ الماءِ، وأنهُ يجوزُ استعمالُهُ في طهارةِ الإنسانِ وشربِهِ وأكلِهِ وغيرِ ذلكَ؛ لأنَّهُ صارَ طهورًا، لزوالِ أثرِ النجاسةِ طعمًا ورائحةً ولونًا» مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (11/ 88)..
وقالَ أيضًا: «ولأنَّ أهلَ العلمِ مُجمعونُ على أنَّ الماءَ إذا أصابتْهُ النجاسةُ، فغيَّرَتْ ريحَهُ أو طعمَهُ أو لونَهُ صارَ نجسًا، وإن لم تُغيِّرْهُ فهو باقٍ على طهوريَّتِهِ، إلا إذا كانَ دونَ القُلَّتَيْنِ، فإنَّ بعضَهم يرى أنهُ ينجُسُ وإن لم يتغيرْ، والصحيحُ أنهُ لا ينجسُ إلا بالتغييرِ؛ لأنَّ النظرَ والقياسَ يقتضِي ذلكَ، فإنَّهُ إذا تغيَّرَ بالنجاسةِ فقد أثرتْ فيهِ خبثًا، فإذا لم يتغيَّرْ بها فكيفَ يُجعلُ لهُ حُكمُها؟!... إذا تبيَّنَ ذلكَ، وأنَّ مدارَهُ نجاسةُ الماءِ على تغيُّرِهِ، فإنهُ إذا زالَ تغيُّرُهُ بأيِّ وسيلةٍ عادَ حكمُ الطُّهوريَّةِ إليهِ؛ لأنَّ الحكمَ يدورُ مع علَّتِهِ وجودًا وعدمًا» مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (11/ 88)..