المطلبُ الخامسُ: اعتبارُهُ المآلاتِ ونظرُهُ في العواقبِ:
المآلاتُ؛ هي نهاياتُ الأشياءِ وعواقبُها وما تصيرُ إليهِ، واعتبارُها والنَّظرُ فيها مِن أهمِّ ما يُعنى بهِ الفقيهُ والمفتي عندَ تنزيلِ الأحكامِ على الوقائعِ والحوادثِ، ولذلكَ عدَّ الشاطبيُّ اعتبارَ المآلاتِ إحدى خصائصِ العالِم الراسخِ والفقيهِ العاقلِ والـربانيِّ الحكيمِ: «والثاني: أنهُ ناظرٌ في المآلاتِ قبلَ الجوابِ عنِ السؤالاتِ» الموافقات (4/232).. والنظرُ في مآلاتِ الأفعالِ والأقوالِ معتبرٌ دلَّتْ عليهِ الأدلةُ مِنَ الكتابِ والسنةِ، يقولُ الشاطبيُّ رحمهُ اللهُ: «النَّظرُ في مآلاتِ الأفعالِ معتبرٌ مقصودٌ شرعًا، كانتِ الأفعالُ موافقةً أو مخالفةً: وذلكَ أنَّ المجتهدَ لا يحكمُ على فعلٍ مِنَ الأفعالِ الصَّادرةِ عنِ المكلفينَ بالإقدامِ أو بالإحجامِ، إلا بعدَ نظرِهِ إلى ما يؤولُ إليهِ ذلكَ الفعلُ:
-مشروعًا، لمصلحةٍ فيهِ تُستجلَبُ أو لمفسدةٍ تُدْرَأُ، ولكنْ لهُ مآلٌ على خلافِ ما قُصِدَ فيهِ.
-وقد يكونُ غيرَ مشروعٍ لمفسدةٍ تنشأُ عنهُ أو مصلحةٍ تندفعُ بهِ، ولكنْ لهُ مآلٌ على خلافِ ذلكَ.
فإذا أُطْلِقَ القولُ في الأولِ بالمشروعيةِ، فرُبَّما أدَّى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكونُ هذا مانعًا مِن إطلاقِ القولِ بالمشروعيةِ، وكذلكَ إذا أُطلقَ القولُ في الثاني بعدمِ مشروعيةٍ، ربما أدى استدفاعُ المفسدةِ إلى مفسدةٍ تساوي أو تزيدُ، فلا يصحُّ إطلاقُ القولِ بعدمِ المشروعيةِ، وهو مجالٌ للمجتهدِ صعبُ الموردِ، إلا أنهُ عذبُ المذاقِ محمودُ الغِبِّ، جارٍ على مقاصدِ الشريعةِ» الموافقات (4/194-195)..
وقد راعَى شيخُنا ذلكَ، بل وأوصى بمراعاةِ هذا في الأقوالِ والأفعالِ، قالَ رحمهُ اللهُ: «ينبغي أن نعلمَ أنَّ الشيءَ قد يكونُ حسنًا في حدِّ ذاتِهِ وفي موضوعِهِ، لكن لا يكونُ حسنًا، ولا يكونُ مِنَ الحكمةِ، ولا مِنَ العقلِ، ولا مِنَ النُّصحِ، ولا مِنَ الأمانةِ أن يُذْكَرَ في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ، أو في مكانٍ مِنَ الأماكنِ، أو في حالٍ مِنَ الأحوالِ، وإن كانَ هو في نفسِهِ حقًّا وصدقًا وحقيقةً واقعةً» شرح رياض الصالحين (1/8)..