المطلبُ الثالثُ: عنايتُهُ بالاستدلالِ العقليِّ النظريِّ في إثباتِ الأحكامِ:
يقسِّمُ شيخُنا رحمهُ اللهُ الأدلةَ إلى قسمينِ في الجملةِ: أدلةٌ سمعيةٌ، وأدلةٌ عقليةٌ؛ فالأدلةُ السمعيةُ هي الأدلةُ «الخبريةُ مِن كتابِ اللهِ تعالى وسنةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ» مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/80).. أمَّا الأدلةُ العقليَّةُ النظريَّةُ فهي «ما ثبتَ بالنظرِ والتأمُّلِ» شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين ص (4). وقد عرفه الجويني في البرهان في أصول الفقه (1/49): «قال الأصوليون: الأدلة العقلية: هي التي يقتضي النظر التام فيها العلم بالمدلولات».. وقد أكَّدَ -رحمهُ اللهُ- أهميةَ الأدلةِ العقليةِ، فقالَ: «لا بدَّ أن تُطَعَّمَ الأدلةُ الشرعيةُ، معَ ناقصِ الإيمانِ، بدليلٍ مِنَ العقلِ ليقتنعَ، ولهذا تجدونَ القرآنَ مملوءًا بالأدلةِ العقليةِ؛ لأنهُ يخاطبُ قومًا ليسَ عندهم مِنَ الدينِ ما يحملُهُم على قبولِ الحقِّ مِنَ الكتابِ والسنةِ» لقاء الباب المفتوح (66/13). وقال أيضًا في شرح رياض الصالحين (1/762): «ومن الناس من لا يكتفي بالأدلة الشرعية، بل يحتاج أن تسند الأدلة الشرعية عنده بأدلة عقلية، ولهذا يستدل الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بالأدلة العقلية على ما أوحاه إلى نبيه من الأدلة الشرعية»..
ومعَ تأكيدِهِ رحمهُ اللهُ أهميةَ الأدلةِ العقليةِ إلا أنهُ بيَّنَ منزلتَها، وأنَّ الأصلَ في الاستدلالِ الكتابُ والسنةُ، يقولُ رحمهُ اللهُ: «الأصلُ عندَ أهلِ السنةِ: هو الأثرُ، لا في الأمورِ العلميةِ ولا في الأمورِ العمليةِ. فهم يُحكِّمونَ كتابَ اللهِ وسنةَ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في كلِّ شيءٍ» شرح العقيدة السفارينية (1/59).، «لكنْ لا مانعَ مِن أن يكونَ لدى الإنسانِ أدلةٌ عقليةٌ يؤيِّدُ بها الكتابَ والسُّنَّةَ» لقاء الباب المفتوح (72/4).، فالأدلةُ النظريةُ تعاضدُ الأدلةَ السمعيةَ الأثريةَ.