المطلب الثالث: ضوابطُ العمل بقاعدة سدِّ الذرائع:
قاعدةُ سدِّ الذرائع من قواعد الشرع العظيمة ينظر: إغاثة اللهفان (1/381).، وقد وضع العلماءُ للعمل بها ضوابط مهمة، هي كما يلي:
أولًا: أن يكون الفعلُ المأذون فيه يُفضي إلى مفسدةٍ غالبًا. فإن كان إفضاؤه إلى المفسدة نادرًا لا غالبًا، فإنه لا يُمنع لذلك؛ بل هو باقٍ على الأصل، ولا حاجةَ إلى طلب دليل الإباحة، لأنه ثابتٌ بالدَّليل السابق ينظر: مجموع الفتاوى (29/228)، إعلام الموقعين (3/148)، الموافقات للشاطبي (2/348-349)..
ثانيًا: أن تكون المفسدةُ المترتِّبة على فعل المأذون فيه، مساويةً لمصلحته أو زائدةً عليها ينظر: الفروق للقرافي (3/33)، مجموع الفتاوى (32/288)، إعلام الموقعين (3/148).. فما كان كذلك فإنه يُمنع؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وتقليل المفاسد وتعطيلها ينظر: مجموع الفتاوى (24/278-279)، (30/234).. من هذا الباب نهى الله- سبحانه وتعالى- عن سبِّ آلهة الكفار بين ظهرانِيهِم مع ما في ذلك من المصلحة؛ لكون ذلك سببًا لوقوع مفسدةٍ أعظم من تلك المصلحة؛ وهي سبُّ الله تعالى ينظر: إعلام الموقعين (3/148)، الموافقات للشاطبي (3/360)، (4/200).. أمَّا إذا كانت المصلحةُ المترتبة على الفعل أكبرَ من المفسدة التي يفضي إليها؛ فإنه لا يُمنع تقديمًا للمصلحة الراجحة وعملًا بها ينظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص (31)، مجموع الفتاوى (15/419)، روضة المحبين ص (109)..
ثالثًا: لا يُشترط في العمل بسدِّ الذرائع قصدُ المكلَّف إلى المفسدة؛ بل يكفي كثرةُ قصد ذلك في العادة، وذلك؛ لأنَّ القصد لا ينضبطُ في نفسه غالبًا، إذ إنه من الأمور الباطنة التي يصعب اعتبارها؛ فاعتُبرت مظنة القصد، ولو صحَّ تخلُّفه ينظر: إعلام الموقعين (3/148)، إغاثة اللهفان (1/376)، الموافقات للشاطبي (2/361)..
رابعًا: ما منع سدًّا للذريعة أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه ينظر: إعلام الموقعين (2/142)، روضة المحبين (112).، كنظر الخاطب والطبيب وغيرهما إلى الأجنبية، فإنه يباح للحاجة إذا أُمِنَت المفسدة ينظر: مجموع الفتاوى (15/419)، (21/251)..