أولًا: المراد بالأصول:
"الأصول" جمع أصل، وهو لغةً: أسفلُ الشيء، وأساسه الَّذي يَعتمد عليه البناء. ولهذا قيل: الأصل؛ ما يُبنى عليه غيرُه، عكس الفرع فإنَّه ما ينبني على غيره. وقيل: ما منه الشيء، وقيل: ما يتفرَّع عنه غيرُه، وقيل: المحتاجُ إليه. وقيل: ما يستندُ ذلك الشيء إليه.
أمَّا الأصل في الاصطلاح:
فيُطلَق على عدَّة معانٍ، كلُّها جرى به الاستعمالُ في كلام أهل العلم، أبرزها ما يلي:
أولًا: الدليل؛ كقولنا: الأصل في التيمم الكتاب، والأصل في المسح على الخفين السُّنَّة؛ أي: دليل ثبوت التيمم من الكتاب، ودليل ثبوت المسح من السُّنَّة.
ثانيًا: القاعدة الكلية المستمرة؛ كقولهم: تحمُّل العاقلة للدية خلاف الأصل، وقولهم: الأصل أنَّ النص مقدم على الظاهر.
ثالثًا: الراجح؛ كقولهم: الأصلُ في الكلام الحقيقة.
رابعًا: المستصحبُ؛ كقولهم: الأصلُ في الأشياء الإباحة.
والمقصود بالأصل في هذه الورقات؛ القاعدة الكليَّة المستمرَّة، والأمر المستصحب في باب المعاملات الماليَّة.
ثانيًا: المراد بالمعاملات:
المعاملات: جمع معاملة، على وزن مُفَاعلة من الفعل عَامَل، ومعناها لغةً: التَّعامليُنظَر: تاج العروس، مادة (عمل)، (8/36).، وقال في المصباح المنير: ((عاملتُه في كلام أهل الأمصار يُراد به: التَّصرُّف، من البيع، ونحوه)) ينظر: المصباح المنير، مادة (عمل)، ص (222)..
أما معناها في اصطلاح الفقهاء وعلماء الشرع، فإنَّها تُستعمل فيما يُقابل العبادات، فالمعاملات تبحث في حقوق الخلق، والعباداتُ تبحث في حقوق الرَّبِّ - جلَّ وعلا -ينظر: شرح فتح القدير (6/244)، حاشية ابن عابدين (4/500)، الخرشي على مختصر خليل (5/2-3)، نهاية المحتاج (1/59)، شرح منتهى الإرادات (1/9).، ومع هذا الاتفاق من حيث استعمال هذا اللفظ، إلا أنهم اختلفوا في تفاصيل ما يندرج تحت كلِّ قسم على قولين في الجملة:
القول الأول: أنَّ المعاملات هي المعاوضات المالية، وما يتصل بها كالبيع، والسَّلَم، والإجارة، والشَّرِكة، والرَّهن، والكفالة، والوكالة، ونحو ذلك، وهذا هو مذهب المالكية ينظر: الخرشي على مختصر خليل (5/2- 3).
تنبيه: قسّم متأخرو المالكية الفقه إلى قسمين؛ الأول: العبادات، والملحق بها، والثاني: البيع، وتوابعه، ثم قسموا كل قسم إلى قسمين: فصار الفقه عندهم أربعة أقسام؛ الأول: ربع العبادات؛ والثاني: ربع النكاح، وتوابعه، والثالث: ربع البيع، وتوابعه، والرابع: ربع الإجارة، وتوابعها. [ينظر: حاشية الشيخ علي العدوي (5/2)].، والشافعيةينظر: نهاية المحتاج (1/59).، والحنابلةينظر: شرح منتهى الإرادات (1/9)..
القول الثاني: أنَّ المعاملات تشمل كلَّ ما كان راجعًا إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوض، أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب، والمنافع، والأبضاعينظر: الموافقات للشاطبي (2/10، 9).، فتشمل بهذا: المناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتَّركات، وهذا مذهبُ الحنفيَّةينظر: حاشية ابن عابدين (1/79).، وقول الشَّاطبيِّ من المالكية ينظر: الموافقات للشاطبي (2/10، 9)..
والمقصود بالمعاملات في هذه الورقات؛ هو المعاوضاتُ الماليَّة، وقد جرى على هذا أهلُ العلم المعاصرون ينظر: القاموس الفقهي ل (أبو جيب)، مادة (المعاملات) ص (263)، المعجم الوسيط، مادة (عَمِل)، ص (628)..