الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنَّ الاشتغالَ بالعلم من أعظم القُرُبات، وأجلِّ الطاعات، وبه يُدرِك المرء خيري الدنيا والآخرة، فمن يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدِّين، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصَّحيحين" من حديث معاوية رضي الله عنه.
ولما كان طلبُ العلم طريقًا يُوصل إلى مرضاة الله عزَّ وجلَّ، كان تيسيرُه وتسهيله من الإعانة على طاعة الله تعالى، وتحقيقًا لسِمَة يُسْرِ الشريعة، ولهذا اجتهد العلماء -رحمهم الله- قديمًا وحديثًا، في تيسير العلم على طلابه، وتقريبه لمريديه بكلِّ وسيلة ممكنة، شرحًا وبيانًا واختصارًا، نثرًا ونظمًا، تقعيدًا وتأصيلًا.
ومن أعظم ما يُوقِفُ الإنسان على حقائق العلم، ويُيسر له إدراكه: اشتغالُه بضوابط العلوم وقواعدها، فإنَّ القواعد والضوابط من أنفع طرق التعلم، فهي تنتظم منثور المسائل، وتقيِّد شواردها، وتُقرِّب متباعدها، وتُكسِب العارفَ بها ملكةً وقدرة على النَّظر فيما يستجدُّ من الحوادث والوقائع الَّتي لا تنقضي على مرِّ الزَّمان، كما أنَّها تُفيد في الاضطراد والسَّلامة من التَّناقض، ولهذا توافرت كلماتُ العلماء قديمًا وحديثًا على أهمية العناية بالتأصيل والتقعيد، ويتأكد ذلك في الفقه، ولا سيَّما في أبواب المعاملات، حيث إن غالب ما ورد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هو قواعد من جوامع الكلم، التي يندرج تحتها ما لا حصر له من المسائل، ولهذا جمعتُ في هذه الورقات ما تيسر من أصولٍ تنبني عليها المعاملات المالية، وحرصتُ فيها على الاختصار، والاقتصار على مُهِمَّات الأصول، التي تدخل في جميع أبواب المعاملات، وإليها تُرجَع غالب قواعده ومسائله.
والعلم بهذه القواعد والأصول، يفتح كثيرًا من المُغلَقات على طلاب العلم في باب المعاملات؛ لذلك لا يستغني عنها الطالب المبتدئ، كما ينتفع منها المرتقي.
وقد اصطفيت من قواعد الباب وأصوله سبعة أصول، هي أُمَّاتُ قواعد هذا الباب، وهي كما يلي:
1-الأصل في المعاملات.
2- منع الظلم.
3- منع الرِّبا.
4- منع الغرر.
5- منع المَيسِر.
6- منع التَّدليس والغش.
7-سدُّ الذرائع.
واللهَ تعالى أسألُ أن ينفع بهذه الورقات مُطالِعَها، وأن يُبارك فيها لقارئها، وأن يجعل ما عَلِمناه منها مفتاحًا لفهم هذا الباب وإتقانه.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.