×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / الأصول الثلاثة / الدرس التاسع والأخير من الأصول الثلاثة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس التاسع والأخير من الأصول الثلاثة
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى : وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، والدليل قوله تعالى: ] رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[([1])وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[([2])وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: ] ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[([3]).   هذا هو الأصل الثالث مما جاءت به الرسل، ألا وهو وجوب الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى، أرسل إلى خلقه رسلا بعثهم يدعون الناس إلى التوحيد، ويحذرونهم من الشرك. قال المؤلف رحمه الله: ( وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، ) يبشرون من أقر لهم بالإيمان والطاعة، والمستجيبين لهم من الموحدين وينذرون من أنكره من أهل الكفر والمعصية والشرك. قال: ( والدليل قوله تعالى: ] رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما[([4])) أي: الدليل على أن الله بعث رسلا وأرسلهم، هذه هي الغاية من بعثة الرسل، والحكمة قطع حجة المحتجين بأن الله لم يبلغهم ما يجب عليهم. قال: ( وأولهم أي: أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد r، وهو خاتم النبيين،) أما كون آخر الرسل محمدا rفهذا أمر مجمع عليه، فإنه قد أجمعت الأمة على أنه لا نبي بعد النبي rينتظر، ولا كتاب يرتقب، فآخر الرسل محمد r، فكل دعوى النبوة بعده ضلال وكفر، وأمر لا خلاف فيه بين أهل الإسلام، وأما كون أولهم نوحا فهذا الذي دل عليه كتاب الله عز وجل، ودلت عليه السنة، وبه نعلم خطأ كثير من المؤرخين الذين يجعلون أول الرسل إدريس، ويقولون: إن إدريس قبل نوح، فهذا مخالف لظاهر كتاب الله عز وجل ولصريح السنة. قال: والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى: ] إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين [([5])وجه الدلالة على أن أول الرسل نوح قوله: ]والنبيين من بعده[ ، ففهم من ذلك أنه لم يكن رسول قبل نوح، وأما آدم فالصحيح أنه نبي وليس برسول، وأيضا فإنه لم يرسل إلى أحد، وإنما علم أبناءه التوحيد، والناس كانوا على الفطرة، وليس هناك رسول، وإنما جاءت الرسل لما حصل الشرك، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس: أن الناس بقوا على التوحيد عشرة قرون، ثم بعد ذلك حصل الشرك فبعث الله نوحا عليه السلام يأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك، ومن السنة أيضا حديث الشفاعة، فإن الناس إذا حزبهم كرب ذهبوا إلى الأنبياء، وممن يذهبون إليه بعد آدم: نوح عليه السلام، ويقولون له: (( أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ))([6])، فدل ذلك على أن نوحا أول من أرسله الله عز وجل إلى الناس. قال: ( وكل أمة بعث الله إليهم رسولا من نوح إلى محمد rيدعوهم إلى عبادة الله وحده. وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: ] ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [([7]))وهذا من الأدلة المتكررة في كلام العلماء الدالة على أن الله سبحانه وتعالى أمر الناس بعبادته وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك به، وذلك في قوله: ]واجتنبوا الطاغوت [ ويدل على ذلك قوله تعالى: ] وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[([8])ومنه قوله تعالى: ]واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [([9])كل هذه وغيرها من الأدلة تدل على أن الرسل اتفقوا في الدعوة إلى التوحيد، وأن دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك.   وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى:] لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم[([10])وهذا معنى لا إله إلا الله، وفي الحديث: ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ). والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.   بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد. . فهذا هو المقطع الأخير من هذه الرسالة المباركة - ثلاثة الأصول - للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة. . قال رحمه الله: ( وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله)افترض أي: أوجب سبحانه وتعالى على العباد على جميعهم، فالعباد هنا يصدق أو يندرج تحته كل عباد الله عز وجل ممن وجه إليه الخطاب وكلف من الجن والإنس، افترض الله عز وجل على جميع عباده الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، وبدأ المؤلف رحمه الله بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، لأن الله سبحانه وتعالى بدأ بهما في قوله جل وعلا: ] لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم[ ([11])، فابتدأ بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، لأن الكفر بالطاغوت تخلية القلب وتخليصه وتصفيته من كل شر، يعقب ذلك التحلية بالإيمان بالله عز وجل، فلا يستقيم الإيمان بالله عز وجل إلا إذا صفا القلب وخلص من كل شائبة وكفر، فإذا خلص ونقي فعند ذلك تفرغت طاقته وتوفرت همته على الإيمان بالله، وذلك بأن القلب إذا شغل بغير الله عز وجل انشغل عنه، وهذا معنى ينبغي التنبه له، فإن من ملأ قلبه بهم الدنيا شغله ذلك عن هم الآخرة، ومن ملأ قلبه بهم الآخرة اشتغل بها عن غيرها، وأصبحت هي التي بين عينيه، وهي التي تقيمه وتقعده، فيجب على المؤمن أن يحرص على هذين المعنيين: الكفر بالطاغوت، وهو تخلية القلب من كل شائبة شرك دقيق أو جليل، ثم الإيمان بالله، وهو أن يعمر قلبه بكل ما يزينه ويجمله ويحقق عبوديته لله عز وجل، ويحقق فيه وصفي السلامة والإنابة، فالسلامة والإنابة عليهما علق الله عز وجل النجاة يوم القيامة، فمن جاء بقلب سليم، ومن جاء بقلب منيب حصل له فوز الدنيا والآخرة. ثم بين المؤلف رحمه الله معنى الطاغوت الذي افترض الله جل وعلا على العباد الكفر به، ولم يبين الإيمان بالله، لأنه تقدم بيان معنى الإيمان بالله في الرسالة التي بين أيدينا بيانا واضحا شافيا بالأدلة، لكن لما كان الكفر بالطاغوت يحتاج إلى بيان فإنه خصه ببيان واف واضح.  قال رحمه الله: ( قال ابن القيم رحمه الله: معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع،)هذا تعريف الطاغوت اصطلاحا، وهو أحد ما قيل في تعريف الطاغوت، والطاغوت في الأصل مشتق من الطغيان، والطغيان هو: مجاوزة الحد في كل شيء، وهو على وزن فعلوت، وأصله طغيوت، فقدمت الياء فصار طيغوت، وقلبت الياء ألفا، فصار طاغوت على وزن فلعوت، هذا من حيث الاشتقاق، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فإن الطاغوت فسر في كلام السلف بمعان عديدة، ولم يرد في كتاب الله عز وجل إلا ذمه والأمر بالكفر به، حيث جاء ذكره وقد جمعت هذه التفاسير بما قاله ابن القيم رحمه الله في معنى الطاغوت، حيث قال: الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع، ( من معبود هنا )قوله: (من)هذه بيانية لما يقع فيه التجاوز، يعني سواء كان التجاوز في عبادة بصرفها إلى غير الله، أو متبوع باتباعه على ضلالة، أو مطاع بطاعته فيما لا يجوز طاعته فيه، وقد عرفه جماعة من العلماء بتعاريف أخر، فقال شيخ الإسلام رحمه الله في تعريفه: الطاغوت اسم جنس لما عبد من دون الله، وقال في موضع آخر: الطاغوت اسم يطلق على كل ذي طغيان، وعرفه أيضا في موضوع آخر فقال: الطاغوت اسم جنس يدخل فيه الشيطان، والكاهن، والوثن، والدرهم والدينار، وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت: أنه اسم جنس لما يعبد من دون الله، ولمن دعا الناس إلى ضلالة، سواء أكان هذا الداعي من الشياطين، أو من الإنس، هذا أجمع ما قيل في معنى الطاغوت. قال رحمه الله: ( والطواغيت كثيرون، )الطواغيت جمع طاغوت، والطاغوت يطلق على الجمع والمفرد، لكن جمعه هنا باعتبار أجناسه، فأجناس ما يحصل به الطغيان كثيرة، وليست نوعا واحدا كما سيبين المؤلف رحمه الله أصول ما يحصل به الطغيان في قوله رحمه الله: ورؤوسهم خمسة، والأصل أن يطلق ذلك على كل مجاوزة للشرع ولو لم تكن كفرا، وبه نفهم أن ما يحصل به الطغيان والطاغوت ليس على درجة واحدة، فمنه ما هو كفر، ومنه ما هو شرك، ومنه ما هو معصية، ومنه ما هو بدعة، فما يحصل به الطغيان على درجات وليس على درجة واحدة. قال رحمه الله: ( ورؤوسهم خمسة، )أي: رؤوس الطواغيت، وقوله: (رؤوسهم)الرؤوس جمع رأس، والرأس في كل شيء أعلاه، فقوله: ( ورؤوسهم خمسة، )أي: أعلى ما يحصل به الطغيان ويصدق عليه وصف الطاغوت خمسة أمور، واعلم أن قوله رحمه الله: ( خمسة )ليس تحكما من قبل نفسه، إنما هو بالاستقراء، وإلا لو طلبت دليل ذلك في الكتاب والسنة لم تقف على دليل معين، إنما جاء ذلك بالاستقراء وبتتبع ما قاله أهل العلم في بيان معنى الطاغوت تبين أنه يرجع إلى خمسة أمور، وهذا كثير في كلام أهل العلم، يذكرون أعدادا في أمور شرعية، وهذه الأعداد ليس عليها دليل منصوص، أي لم يرد بها نص، إنما عرف هذا العدد وتوصل إليه بالتتبع والاستقراء والنظر في الأدلة، وهذا دليل يستعمله كثير من أهل العلم والمحققين، ولا إشكال فيه. قال رحمه الله في بيان هذه الرؤوس الخمسة: (إبليس لعنه الله)، هذا أول الطواغيت، واعلم: أن إبليس هو أكبر الطواغيت وأعظمها شرا، وأخطرها أمرا، وأشدها طغيانا، أما من أين للمؤلف رحمه الله أن إبليس من رؤوس الطواغيت فنقول: إن جماعة من السلف فسروا الطاغوت بالشيطان، ففي مثل قوله تعالى: ] فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله [([12])ورد تفسير معنى الطاغوت عن جماعة من الصحابة بأن الطاغوت هو الشيطان، وكذلك في قوله تعالى:] ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت [([13])والآية الثانية ]يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت[([14])قالوا: يتحاكموا إلى الشيطان، وورد تفسير الطاغوت بأنه الشيطان عن ابن عباس وعن غيره من السلف، ولا شك أن إبليس هو أصل الطغيان، كما قال الله جل وعلا حاكيا عنه: ] قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين[([15])فقد تكفل وتعهد وأقسم بعزة الله عز وجل أن يضل بني آدم، وإضلالهم من الطغيان، ولا يكون إضلالا إلا بطغيان، هذا الرأس الأول، وهو أصل ما بعده من الطواغيت والشرور، الثاني: قال رحمه الله: (ومن عبد وهو راض)،فكل من صرفت له العبادة بطلب منه أو بغير طلب منه وهو راض عن هذه العبادة فإنه طاغوت، لأنه مما يحصل به التجاوز، وذلك أن العبد لا يصلح أن يكون ربا ولا يصلح أن تصرف إليه أنواع العبادة، فمن صرف إلى غير الله عز وجل شيئا من العبادة فقد تجاوز به الحد وطغى فيه، فلذلك كان طاغوتا، ودليل ذلك قوله تعالى: ] قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت [([16])وقوله:]وعبد الطاغوت [ معطوفة على ]من لعنه الله [ وليست معطوفة على ] وجعل منهم القردة والخنازير [ فتنبه. هؤلاء وصفهم الله عز وجل بأنهم عبدوا الطاغوت، وكذلك في قوله: ] ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت [([17]) فهؤلاءزكوا عبادة المشركين، فكل من عبد من دون الله وهو راض بهذه العبادة فإنه طاغوت، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه كذلك. يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها أو منافقوها))([18]) فالشاهد هنا قوله: ((ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ))وهذا يشمل كل معبود من دون الله، فكل من عبد من دون الله وهو راض فإنه طاغوت بنص الكتاب والسنة، ومن حيث المعنى موافق ومطابق، لأنه تجاوز بالعبد عن حده، وعن قدره الذي يناسبه. ثم قال رحمه الله في عد ثالث الطواغيت: ( ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه )هذا ثالث الطواغيت، سواء أطاعوه أم لم يطيعوه، فإنه طاغوت، لأنه تجاوز بنفسه عن حده، وهو العبودية إلى أن يكون معبودا، ولا يلزم أن يوافق وأن يطاع، ولكن كل من ادعى الربوبية وكل من ادعى الألوهية فإنه طاغوت، ولذلك ورد تسمية فرعون بالطاغوت، لأنه قال:]فقال أنا ربكم الأعلى[([19])وقال:] ما علمت لكم من إله غيري[([20])فجاء وصفه بهذا الاسم. الرابع من الطواغيت، قال رحمه الله:(من ادعى شيئا من علم الغيب )علم الغيب هو ما استأثر الله سبحانه وتعالى به دون خلقه من العلم، وهو نوعان: غيب مطلق وغيب نسبي، فالغيب المطلق هذا لا يعلمه أحد إلا الله، ومفاتحه خمس: وهي في قوله تعالى:] إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [([21])هذه هي مفاتح الغيب كما فسرها النبي r، فمن ادعى علم شيء من هذه الأمور فإنه كافر بالقرآن العظيم، لأن الله عز وجل قال: ]قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون[([22])ومعنى قوله: ] وما يشعرون أيان يبعثون[ أي لا يعلمون متى يبعثون، وكذلك قال سبحانه وتعالى:]عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا `إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا[([23]) فعلمه سبحانه وتعالى بالغيب المطلق مما اختص به هو جل وعلا دون غيره، أما الغيب النسبي فهذا قد يعلمه بعض الناس، فهو كثير، وهو كل ما غاب عنا مما علمه غيرنا فهو غيب بالنسبة لنا، وعلم بالنسبة لمن علمه، فالغيب النسبي يعني بالإضافة، أي: بالنسبة إلى أشخاص دون أشخاص، وإلى أناس دون أناس، فمن ادعى علم شيء من ذلك فإن كان تحصيله بأسباب معلومة -كأن يسأل ويتوصل - فهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في ادعاء علم الغيب المطلق الذي فيه الإخبار عن المستقبل. يقول المؤلف رحمه الله: ( ومن ادعى شيئا من علم الغيب )، هذا هو رابع رؤوس الطواغيت، لأن هذا طغى وتجاوز حده، لأن الله سبحانه وتعالى أعلمنا وأخبرنا في كتابه أنه لا يعلم الغيب إلا هو جل وعلا، فكل من ادعى علم الغيب فقد تجاوز حده وطغى، فهو طاغوت، هذا من حيث المعنى، أما من حيث النقل فقد فسر جماعة من السلف - منهم سعيد بن جبير وأبو العالية - الطاغوت في قوله تعالى: ]يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت[([24])بالكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فعلى هذا يكون كل من أخبر عن المغيبات في المستقبل طاغوتا بتفسير السلف. خامس وآخر ما ذكره رحمه الله من الطواغيت أو من رؤوس الطواغيت هو قوله: ( ومن حكم بغير ما أنزل الله )أي فهو طاغوت، يعني من الشرع، فكل من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، لكن هل هذا الطاغوت كفر أو ليس بكفر ؟ هذه مسألة أخرى، فالإنسان الذي تعرض عليه قضية ويعلم أن حكم الله فيها كذا ويعرض عنه ويحكم بغيره لأجل هواه فهذا حكم بغير ما أنزل الله، ومثل هذا قد لا يكون كافرا إذا كان حكم لأجل الهوى فإنه لا يكون كافرا، وبهذا نعلم أنه ليس كل حكم بغير ما أنزل الله كفرا، بل يجب التفصيل كما فصل الله عز وجل في الحكم بما أنزل الله، ففي موضع قال: ]ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [([25])وفي موضع قال: ] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون[([26])وفي موضع قال: ] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [([27])وهذه مراتب في أحوال من يحكم بغير ما أنزل الله، واعلم أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يكون كفرا إلا إذا استحله من حكم به، ولو في قضية واحدة، بل ولو لم يحكم في أي قضية من القضايا بغير ما أنزل الله فإنه يكون كافرا إذا كان يعتقد أنه يحل له أن يحكم بغير الشريعة، فلا يلزم أن يكمل ذلك بالعمل كما هي الحال فيمن أنكر وجوب الصلاة وهو في الصف الأول في الروضة وراء الإمام أيكون كافرا أو لا ؟ نعم يكون كافرا إذا أنكر الوجوب، لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه كافر، وكذلك من اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله فهو كافر، أما من حكم لأجل الهوى فإنه لا يكون كافرا، ولذلك ينبغي التفصيل في هذه المسألة الكبيرة. بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر هذه الرؤوس الخمسة وهي رؤوس الطواغيت أعاذنا الله وإياكم منها ومن الطغيان دقيقه وجليله ذكر الدليل على ذلك، واعلم أن كل هذه الأنواع الخمسة لها دليل، وأشرنا إلى أدلتها في أثناء الكلام إلا النوع الأخير في قوله: ( إلا من حكم بغير ما أنزل الله )فدليله قوله تعالى:] يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت[([28])فجعل الله عز وجل الإعراض عن حكمه إلى حكم غيره من التحاكم إلى الطاغوت، وهذه الآية قد ورد في سبب نزولها أثر صحيح، وهو أن منافقا اختصم مع يهودي، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، لأنه علم أن النبي rلا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لأنه كان يعلم أنهم يأخذون الرشوة، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات في فضح المنافقين ]ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به[ فجعل طلب الحكم من غير الشريعة من التحاكم إلى الطاغوت، ثم ذكر الدليل على ما تقدم فقال: والدليل قوله تعالى: ]لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم[([29])فهذه الآية دليل على أن الله افترض على عباده الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وهل في الآية دليل على الرؤوس الخمسة من الطواغيت ؟ نعم يصلح في الدلالة على الرؤوس الخمسة من الطواغيت ولذلك فسر جماعة من السلف الطاغوت بهذه المعاني السابقة، وقد جمع ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير، ذكر الأقوال في تفسير الطاغوت، وأكثرها مما تقدم ذكره في قول المؤلف رحمه الله: ورؤوسهم خمسة. ثم قال رحمه الله: ( وهذا معنى قول: لا إله إلا الله )  المشار إليه الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، هذا معنى ( لا إله إلا الله ) كيف يكون معنى لا إله إلا الله ؟ ( لا إله ) هذا هو الكفر بالطاغوت، لأنه ينفي العبادة عن كل معبود، وقوله: ( إلا الله ) إثبات لجميع أنواع العبادة لله وحده، وهذا هو الإيمان بالله عز وجل، إذا قوله: معنى ( لا إله إلا الله ) أي: ما تضمنته هذه الآية من حصول الإيمان، وذلك بترتيب الاستمساك بالعروة الوثقى على هذين الأمرين: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله. ثم قال رحمه الله في ختام هذه الرسالة المباركة: ( وفي الحديث: (( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))([30])، وهل ذكر المؤلف لهذا الحديث على أنه دليل لما تقدم ؟ الجواب أن بعض الشراح قال: إنه دليل على الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وبعضهم قال: إنما أراد المؤلف رحمه الله ختم الرسالة بهذا الحديث، لما تضمنه من المعاني العظيمة، وهي بيان رأس الأمر، وبيان بما يقوم، وبيان بما يبلغ الغاية، وعندي أن هذا دليل وبراعة اختتام. أما الدليل ففي قوله: (( رأس الأمر الإسلام ))والأمر هنا المراد به الدين، يعني رأس الدين الإسلام والمراد به هنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( الشهادتان ) ولذلك جاء في رواية لهذا الحديث: (( رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )) فالإسلام يراد به هنا الشهادتان، وهو الاستسلام لله عز وجل بالعبودية، يعني: إفراد الله جل وعلا بالعبادة وحده دون غيره، هذا هو المراد بالإسلام هنا، وعلى هذا يكون فيه دليل على ما تقدم ، لأن شهادة أن لا إله إلا الله هي الإيمان بالله تعالى والكفر بالطاغوت، فيكون فيها دليل لما ذكره رحمه الله في قوله: افترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وأما قوله rفي الحديث: (( وعموده الصلاة ))فهذا فيه بيان مرتبة الصلاة في هذا الدين، وأنها من هذا الدين كالعمود للخيمة، وليس للخيمة قيام بلا عمود، بل لا قيام للفسطاط إلا بعمود ، فمن لا صلاة له لا إسلام له، هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وورد مثل ذلك عن علي بن أبي طالب: (لاحظ في الإسلام لمن لا صلاة له ) كل هذا مما ورد عن الصحابة وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين: لم يكن شيء من العمل تركه كفر يعني عند الصحابة tأي لم يكن أصحاب النبي rيرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، فالصلاة شأنها كبير وأمرها خطير، ويكفي في الوصف فيها قول النبي r: (( وعموده الصلاة )) وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: من أراد أن يعرف قدر الإسلام في قلبه فلينظر إلى قدر الصلاة في قلبه، فبقدر ما يكون مع الإنسان من تعظيم الصلاة والاهتمام بها والعناية بها والإقبال عليها والتبكير إليها وتعلق القلب بها يكون معه بقدر ذلك من الإسلام، ولذلك كان أول ما يسأل عنه الناس من الأعمال بعد التوحيد مما يتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى الصلاة، فهي أول مسؤول عنه، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعتني بهذه العبادة الجليلة، وأن يهتم بها، وأن تكون منه على البال دائما، فهذا هو المعيار والميزان الدقيق، فإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في قلبك فانظر إلى قدر الصلاة في قلبك، هذا القول عن الإمام أحمد ذكره في كتاب (تعظيم قدر الصلاة). وأما قوله: (( وذروة سنامه الجهاد ))فذروة الشيء أعلاه، والمراد أعلى شيء في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله، يعني الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، واعلم أن الجهاد والصلاة هما العبادتان اللتان تكرر الأمر بهما، والثناء على أهلهما في الكتاب والسنة، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: لم يرد من الأحاديث قدر ما ورد في الصلاة والجهاد حثا وأمرا وفضلا، وهذا يجعل الإنسان يحرص على أن يكون نصيبه وافرا في الأمرين، والجهاد في سبيل الله يكون على مراتب، منه ما يكون جهادا للكفار، ومنه ما يكون جهادا للمنافقين، ومنه ما يكون جهادا للعصاة، وقد ذكر جميع هذه المراتب ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، ومنه ما يكون جهادا بالسيف والسنان، ومنه ما يكون بالعلم والبيان، فطلاب العلم الذين يبذلون أوقاتهم في تحصيل العلم وتحري المسائل ومعرفتها على أصولها هم من المجاهدين في سبيل الله تعالى إذا احتسبوا وأخلصوا النية، لأن به تحفظ الشريعة، كما أن الشريعة تحفظ بالسيف فهي تحفظ بالعلم، لكن ينبغي للإنسان أن يكون صاحب نية في الأمر، ليحصل له ما يريد من الخير، وقول النبي r: (( وذروة سنامه الجهاد ))أي: أفضل الأعمال بعد الواجبات، فأعلى الأعمال بعد الواجبات المفروضة على العموم الجهاد في سبيل الله، ثم إن الجهاد منه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو فرض عين، لكنه في حالات محدودة، قد ذكرها الفقهاء وأهل العلم في كتبهم، والأصل في حكمه أنه فرض كفاية.   براعة الختام:أن المؤلف رحمه الله ذكر أنه لا يكفي في تحقيق التوحيد والفوز بهذه الأصول مجرد القول، بل لابد من العمل أولا، ولابد من بلوغ العمل غايته، فالشهادتان اللتان هما الإقرار لله بالألوهية وللنبي rبالرسالة لابد أن ينضاف إلى ذلك المحافظة على الأعمال الصالحة، وذكر أشرفها وأعلاها وهي الصلاة، ثم لا يقتصر على المفروضات، بل يسارع إلى النوافل التي تقربه إلى الله عز وجل، وأشار إلى ذلكم بقوله: (( وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))فختم هذه الرسالة ببيان: بماذا يثبت الدين، وعلى ماذا يقوم، وبماذا يحفظ، فيثبت الدين بالشهادتين، ويقوم بالصلاة، ويحفظ بالجهاد. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وبهذا تكون قد تمت الأصول الثلاثة التي تضمنتها هذه الرسالة المباركة، للإمام العالم المجدد / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عنا خير الجزاء.   ([1])  النساء: 165. ([2])  النساء:163. ([3])  النحل: 36. ([4]) النساء: 165. ([5]) النساء: 163. ([6]) أخرجه البخاري في الأنبياء، برقم: 3092، وفي تفسير القرآن، برقم: 4343، ومسلم في الإيمان، برقم: 287، والترمذي في صفة القيامة، برقم: 2358، وأحمد في مسند المكثرين، برقم: 9250. ([7])النحل: 36. ([8])الأنبياء: 25. ([9]) الزخرف: 45. ([10])البقرة:256. ([11]) البقرة: 256. ([12]) البقرة: 256. ([13]) النساء: 51. ([14]) النساء: 60. ([15]) ص: 82. ([16]) المائدة: 60. ([17]) النساء: 51. ([18]) أخرجه البخاري في التوحيد برقم 6885، وأخرجه مسلم في الإيمان برقم 267. ([19]) النازعات: 24. ([20]) القصص: 38. ([21])لقمان: 34. ([22])النمل: 65. ([23]) الجن: 26-27. ([24]) النساء: 60. ([25]) المائدة: 44. ([26]) المائدة: 45. ([27]) المائدة: 47. ([28]) النساء: 60. ([29]) البقرة: 256. ([30]) أخرجه ابن ماجه في الفتن، برقم: 3963، والترمذي في الإيمان، برقم: 2541، وأحمد في مسند الأنصار، برقم: 21008.

المشاهدات:4496

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، والدليل قوله تعالى: ] رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[([1])وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: ]إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ[([2])وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: ] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[([3]).

 

هذا هو الأصل الثالث مما جاءت به الرسل، ألا وهو وجوب الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى، أرسل إلى خلقه رسلاً بعثهم يدعون الناس إلى التوحيد، ويحذرونهم من الشرك.

قال المؤلف رحمه الله: ( وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، )

يبشرون من أقرّ لهم بالإيمان والطاعة، والمستجيبين لهم من الموحدين وينذرون من أنكره من أهل الكفر والمعصية والشرك.

قال: ( والدليل قوله تعالى: ] رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[([4])) أي: الدليل على أن الله بعث رسلاً وأرسلهم، هذه هي الغاية من بعثة الرسل، والحكمة قطع حجة المحتجين بأن الله لم يبلغهم ما يجب عليهم.

قال: ( وأولهم أي: أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد r، وهو خاتم النبيين،)

أما كون آخر الرسل محمداً rفهذا أمر مجمع عليه، فإنه قد أجمعت الأمة على أنه لا نبي بعد النبي rينتظر، ولا كتاب يرتقب، فآخر الرسل محمد r، فكل دعوى النبوة بعده ضلال وكفر، وأمر لا خلاف فيه بين أهل الإسلام، وأما كون أولهم نوحاً فهذا الذي دل عليه كتاب الله عز وجل، ودلت عليه السنة، وبه نعلم خطأ كثير من المؤرخين الذين يجعلون أول الرسل إدريس، ويقولون: إن إدريس قبل نوح، فهذا مخالف لظاهر كتاب الله عز وجل ولصريح السنة.

قال: والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى: ] إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ [([5])وجه الدلالة على أن أول الرسل نوح قوله: ]وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ[ ، ففهم من ذلك أنه لم يكن رسول قبل نوح، وأما آدم فالصحيح أنه نبي وليس برسول، وأيضاً فإنه لم يرسل إلى أحدٍ، وإنما علّم أبناءه التوحيد، والناس كانوا على الفطرة، وليس هناك رسول، وإنما جاءت الرسل لما حصل الشرك، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس: أن الناس بقوا على التوحيد عشرة قرون، ثم بعد ذلك حصل الشرك فبعث الله نوحاً عليه السلام يأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك، ومن السنة أيضاً حديث الشفاعة، فإن الناس إذا حزبهم كرب ذهبوا إلى الأنبياء، وممن يذهبون إليه بعد آدم: نوح عليه السلام، ويقولون له: (( أنت أول رسولٍ أرسله الله إلى أهل الأرض ))([6])، فدل ذلك على أن نوحاً أول من أرسله الله عز وجل إلى الناس.

قال: ( وكل أمة بعث الله إليهم رسولاً من نوح إلى محمد rيدعوهم إلى عبادة الله وحده. وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: ] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [([7]))وهذا من الأدلة المتكررة في كلام العلماء الدالة على أن الله سبحانه وتعالى أمر الناس بعبادته وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك به، وذلك في قوله: ]وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [ ويدل على ذلك قوله تعالى: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[([8])ومنه قوله تعالى: ]وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [([9])كل هذه وغيرها من الأدلة تدل على أن الرسل اتفقوا في الدعوة إلى التوحيد، وأن دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك.

 

وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادّعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى:] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[([10])وهذا معنى لا إله إلا الله، وفي الحديث: ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ). والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد. .

فهذا هو المقطع الأخير من هذه الرسالة المباركة - ثلاثة الأصول - للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رحمة واسعة. .

قال رحمه الله: ( وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله)افترض أي: أوجب سبحانه وتعالى على العباد على جميعهم، فالعباد هنا يصدق أو يندرج تحته كل عباد الله عز وجل ممن وجه إليه الخطاب وكلف من الجن والإنس، افترض الله عز وجل على جميع عباده الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، وبدأ المؤلف رحمه الله بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، لأن الله سبحانه وتعالى بدأ بهما في قوله جل وعلا: ] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ ([11])، فابتدأ بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، لأن الكفر بالطاغوت تخلية القلب وتخليصه وتصفيته من كل شر، يعقب ذلك التحلية بالإيمان بالله عز وجل، فلا يستقيم الإيمان بالله عز وجل إلا إذا صفا القلب وخلص من كل شائبة وكفر، فإذا خلّص ونقّي فعند ذلك تفرغت طاقته وتوفرت همته على الإيمان بالله، وذلك بأن القلب إذا شغل بغير الله عز وجل انشغل عنه، وهذا معنى ينبغي التنبه له، فإن من ملأ قلبه بهمِّ الدنيا شغله ذلك عن هم الآخرة، ومن ملأ قلبه بهمِّ الآخرة اشتغل بها عن غيرها، وأصبحت هي التي بين عينيه، وهي التي تقيمه وتقعده، فيجب على المؤمن أن يحرص على هذين المعنيين: الكفر بالطاغوت، وهو تخلية القلب من كل شائبة شرك دقيق أو جليل، ثم الإيمان بالله، وهو أن يعمر قلبه بكل ما يزينه ويجمله ويحقق عبوديته لله عز وجل، ويحقق فيه وصفي السلامة والإنابة، فالسلامة والإنابة عليهما علق الله عز وجل النجاة يوم القيامة، فمن جاء بقلب سليم، ومن جاء بقلب منيب حصل له فوز الدنيا والآخرة.

ثم بين المؤلف رحمه الله معنى الطاغوت الذي افترض الله جل وعلا على العباد الكفر به، ولم يبين الإيمان بالله، لأنه تقدم بيان معنى الإيمان بالله في الرسالة التي بين أيدينا بياناً واضحاً شافياً بالأدلة، لكن لما كان الكفر بالطاغوت يحتاج إلى بيانٍ فإنه خصه ببيانٍ وافٍ واضح.

 قال رحمه الله: ( قال ابن القيم رحمه الله: معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع،)هذا تعريف الطاغوت اصطلاحاً، وهو أحد ما قيل في تعريف الطاغوت، والطاغوت في الأصل مشتق من الطغيان، والطغيان هو: مجاوزة الحد في كل شيء، وهو على وزن فَعَلوت، وأصله طغيوت، فقدمت الياء فصار طيغوت، وقلبت الياء ألفاً، فصار طاغوت على وزن فلعوت، هذا من حيث الاشتقاق، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فإن الطاغوت فسر في كلام السلف بمعانٍ عديدة، ولم يرد في كتاب الله عز وجل إلا ذمّه والأمر بالكفر به، حيث جاء ذكره وقد جمعت هذه التفاسير بما قاله ابن القيم رحمه الله في معنى الطاغوت، حيث قال: الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع، ( من معبود هنا )قوله: (من)هذه بيانية لما يقع فيه التجاوز، يعني سواء كان التجاوز في عبادةٍ بصرفها إلى غير الله، أو متبوعٍ باتباعه على ضلالة، أو مطاعٍ بطاعته فيما لا يجوز طاعته فيه، وقد عرّفه جماعة من العلماء بتعاريف أخر، فقال شيخ الإسلام رحمه الله في تعريفه: الطاغوت اسم جنس لما عبد من دون الله، وقال في موضع آخر: الطاغوت اسم يطلق على كل ذي طغيان، وعرّفه أيضاً في موضوع آخر فقال: الطاغوت اسم جنس يدخل فيه الشيطان، والكاهن، والوثن، والدرهم والدينار، وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت: أنه اسم جنس لما يعبد من دون الله، ولمن دعا الناس إلى ضلالة، سواء أكان هذا الداعي من الشياطين، أو من الإنس، هذا أجمع ما قيل في معنى الطاغوت.

قال رحمه الله: ( والطواغيت كثيرون، )الطواغيت جمع طاغوت، والطاغوت يطلق على الجمع والمفرد، لكن جمعه هنا باعتبار أجناسه، فأجناس ما يحصل به الطغيان كثيرة، وليست نوعاً واحداً كما سيبين المؤلف رحمه الله أصول ما يحصل به الطغيان في قوله رحمه الله: ورؤوسهم خمسة، والأصل أن يطلق ذلك على كل مجاوزة للشرع ولو لم تكن كفراً، وبه نفهم أن ما يحصل به الطغيان والطاغوت ليس على درجةٍ واحدة، فمنه ما هو كفر، ومنه ما هو شرك، ومنه ما هو معصية، ومنه ما هو بدعة، فما يحصل به الطغيان على درجات وليس على درجة واحدة.

قال رحمه الله: ( ورؤوسهم خمسة، )أي: رؤوس الطواغيت، وقوله: (رؤوسهم)الرؤوس جمع رأس، والرأس في كل شيء أعلاه، فقوله: ( ورؤوسهم خمسة، )أي: أعلى ما يحصل به الطغيان ويصدق عليه وصف الطاغوت خمسة أمور، واعلم أن قوله رحمه الله: ( خمسة )ليس تحكماً من قبل نفسه، إنما هو بالاستقراء، وإلاّ لو طلبت دليل ذلك في الكتاب والسنة لم تقف على دليل معين، إنما جاء ذلك بالاستقراء وبتتبع ما قاله أهل العلم في بيان معنى الطاغوت تبين أنه يرجع إلى خمسة أمور، وهذا كثير في كلام أهل العلم، يذكرون أعداداً في أمور شرعية، وهذه الأعداد ليس عليها دليل منصوص، أي لم يرد بها نص، إنما عرف هذا العدد وتوصل إليه بالتتبع والاستقراء والنظر في الأدلة، وهذا دليل يستعمله كثير من أهل العلم والمحققين، ولا إشكال فيه.

قال رحمه الله في بيان هذه الرؤوس الخمسة: (إبليس لعنه الله)، هذا أول الطواغيت، واعلم: أن إبليس هو أكبر الطواغيت وأعظمها شراً، وأخطرها أمراً، وأشدها طغياناً، أما من أين للمؤلف رحمه الله أن إبليس من رؤوس الطواغيت فنقول: إن جماعةً من السلف فسروا الطاغوت بالشيطان، ففي مثل قوله تعالى: ] فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [([12])ورد تفسير معنى الطاغوت عن جماعة من الصحابة بأن الطاغوت هو الشيطان، وكذلك في قوله تعالى:] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [([13])والآية الثانية ]يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ[([14])قالوا: يتحاكموا إلى الشيطان، وورد تفسير الطاغوت بأنه الشيطان عن ابن عباس وعن غيره من السلف، ولا شك أن إبليس هو أصل الطغيان، كما قال الله جل وعلا حاكياً عنه: ] قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[([15])فقد تكفل وتعهد وأقسم بعزة الله عز وجل أن يضل بني آدم، وإضلالهم من الطغيان، ولا يكون إضلالاً إلاّ بطغيان، هذا الرأس الأول، وهو أصل ما بعده من الطواغيت والشرور، الثاني: قال رحمه الله: (ومن عبد وهو راضٍ)،فكل من صرفت له العبادة بطلب منه أو بغير طلب منه وهو راضٍ عن هذه العبادة فإنه طاغوت، لأنه مما يحصل به التجاوز، وذلك أن العبد لا يصلح أن يكون رباً ولا يصلح أن تصرف إليه أنواع العبادة، فمن صرف إلى غير الله عز وجل شيئاً من العبادة فقد تجاوز به الحد وطغى فيه، فلذلك كان طاغوتاً، ودليل ذلك قوله تعالى: ] قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [([16])وقوله:]وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [ معطوفة على ]مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [ وليست معطوفة على ] وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [ فتنبه.

هؤلاء وصفهم الله عز وجل بأنهم عبدوا الطاغوت، وكذلك في قوله: ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [([17]) فهؤلاءزكوا عبادة المشركين، فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ بهذه العبادة فإنه طاغوت، وقد جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا))([18]) فالشاهد هنا قوله: ((وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ ))وهذا يشمل كل معبود من دون الله، فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ فإنه طاغوت بنص الكتاب والسنة، ومن حيث المعنى موافق ومطابق، لأنه تجاوز بالعبد عن حده، وعن قدره الذي يناسبه.

ثم قال رحمه الله في عدِّ ثالث الطواغيت: ( ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه )هذا ثالث الطواغيت، سواء أطاعوه أم لم يطيعوه، فإنه طاغوت، لأنه تجاوز بنفسه عن حده، وهو العبودية إلى أن يكون معبوداً، ولا يلزم أن يوافق وأن يطاع، ولكن كل من ادعى الربوبية وكل من ادعى الألوهية فإنه طاغوت، ولذلك ورد تسمية فرعون بالطاغوت، لأنه قال:]فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[([19])وقال:] مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[([20])فجاء وصفه بهذا الاسم.

الرابع من الطواغيت، قال رحمه الله:(من ادعى شيئاً من علم الغيب )علم الغيب هو ما استأثر الله سبحانه وتعالى به دون خلقه من العلم، وهو نوعان: غيب مطلق وغيب نسبي، فالغيب المطلق هذا لا يعلمه أحد إلا الله، ومفاتحه خمس: وهي في قوله تعالى:] إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ٌ[([21])هذه هي مفاتح الغيب كما فسرها النبي r، فمن ادعى علم شيء من هذه الأمور فإنه كافر بالقرآن العظيم، لأن الله عز وجل قال: ]قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[([22])ومعنى قوله: ] وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[ أي لا يعلمون متى يبعثون، وكذلك قال سبحانه وتعالى:]عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً `إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً[([23]) فعلمه سبحانه وتعالى بالغيب المطلق مما اختص به هو جل وعلا دون غيره، أما الغيب النسبي فهذا قد يعلمه بعض الناس، فهو كثير، وهو كل ما غاب عنا مما علمه غيرنا فهو غيب بالنسبة لنا، وعلم بالنسبة لمن علمه، فالغيب النسبي يعني بالإضافة، أي: بالنسبة إلى أشخاص دون أشخاص، وإلى أناسٍ دون أناس، فمن ادعى علم شيءٍ من ذلك فإن كان تحصيله بأسبابٍ معلومةٍ -كأن يسأل ويتوصل - فهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في ادعاء علم الغيب المطلق الذي فيه الإخبار عن المستقبل. يقول المؤلف رحمه الله: ( ومن ادعى شيئاً من علم الغيب )، هذا هو رابع رؤوس الطواغيت، لأن هذا طغى وتجاوز حده، لأن الله سبحانه وتعالى أعلمنا وأخبرنا في كتابه أنه لا يعلم الغيب إلاّ هو جل وعلا، فكل من ادعى علم الغيب فقد تجاوز حده وطغى، فهو طاغوت، هذا من حيث المعنى، أما من حيث النقل فقد فسر جماعة من السلف - منهم سعيد بن جبير وأبو العالية - الطاغوت في قوله تعالى: ]يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ[([24])بالكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيّبات في المستقبل، فعلى هذا يكون كل من أخبر عن المغيبات في المستقبل طاغوتاً بتفسير السلف.

خامس وآخر ما ذكره رحمه الله من الطواغيت أو من رؤوس الطواغيت هو قوله: ( ومن حكم بغير ما أنزل الله )أي فهو طاغوت، يعني من الشرع، فكل من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، لكن هل هذا الطاغوت كفر أو ليس بكفر ؟ هذه مسألة أخرى، فالإنسان الذي تعرض عليه قضية ويعلم أن حكم الله فيها كذا ويعرض عنه ويحكم بغيره لأجل هواه فهذا حكم بغير ما أنزل الله، ومثل هذا قد لا يكون كافراً إذا كان حكم لأجل الهوى فإنه لا يكون كافراً، وبهذا نعلم أنه ليس كل حكم بغير ما أنزل الله كفراً، بل يجب التفصيل كما فصل الله عز وجل في الحكم بما أنزل الله، ففي موضع قال: ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [([25])وفي موضع قال: ] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[([26])وفي موضع قال: ] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [([27])وهذه مراتب في أحوال من يحكم بغير ما أنزل الله، واعلم أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يكون كفراً إلاّ إذا استحله من حكم به، ولو في قضية واحدة، بل ولو لم يحكم في أي قضية من القضايا بغير ما أنزل الله فإنه يكون كافراً إذا كان يعتقد أنه يحل له أن يحكم بغير الشريعة، فلا يلزم أن يكمل ذلك بالعمل كما هي الحال فيمن أنكر وجوب الصلاة وهو في الصف الأول في الروضة وراء الإمام أيكون كافراً أو لا ؟ نعم يكون كافراً إذا أنكر الوجوب، لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه كافر، وكذلك من اعتقد أن حكم غير الله خير من حكم الله فهو كافر، أما من حكم لأجل الهوى فإنه لا يكون كافراً، ولذلك ينبغي التفصيل في هذه المسألة الكبيرة.

بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر هذه الرؤوس الخمسة وهي رؤوس الطواغيت أعاذنا الله وإياكم منها ومن الطغيان دقيقه وجليله ذكر الدليل على ذلك، واعلم أن كل هذه الأنواع الخمسة لها دليل، وأشرنا إلى أدلتها في أثناء الكلام إلا النوع الأخير في قوله: ( إلاّ من حكم بغير ما أنزل الله )فدليله قوله تعالى:] يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ[([28])فجعل الله عز وجل الإعراض عن حكمه إلى حكم غيره من التحاكم إلى الطاغوت، وهذه الآية قد ورد في سبب نزولها أثر صحيح، وهو أن منافقاً اختصم مع يهودي، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، لأنه علم أن النبي rلا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لأنه كان يعلم أنهم يأخذون الرشوة، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات في فضح المنافقين ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ[ فجعل طلب الحكم من غير الشريعة من التحاكم إلى الطاغوت، ثم ذكر الدليل على ما تقدم فقال: والدليل قوله تعالى: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[([29])فهذه الآية دليل على أن الله افترض على عباده الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وهل في الآية دليل على الرؤوس الخمسة من الطواغيت ؟ نعم يصلح في الدلالة على الرؤوس الخمسة من الطواغيت ولذلك فسر جماعة من السلف الطاغوت بهذه المعاني السابقة، وقد جمع ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير، ذِكْرَ الأقوال في تفسير الطاغوت، وأكثرها مما تقدم ذكره في قول المؤلف رحمه الله: ورؤوسهم خمسة.

ثم قال رحمه الله: ( وهذا معنى قول: لا إله إلاّ الله )

 المشار إليه الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، هذا معنى ( لا إله إلاّ الله ) كيف يكون معنى لا إله إلاّ الله ؟ ( لا إله ) هذا هو الكفر بالطاغوت، لأنه ينفي العبادة عن كل معبود، وقوله: ( إلاّ الله ) إثبات لجميع أنواع العبادة لله وحده، وهذا هو الإيمان بالله عز وجل، إذاً قوله: معنى ( لا إله إلاّ الله ) أي: ما تضمنته هذه الآية من حصول الإيمان، وذلك بترتيب الاستمساك بالعروة الوثقى على هذين الأمرين: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.

ثم قال رحمه الله في ختام هذه الرسالة المباركة: ( وفي الحديث: (( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))([30])، وهل ذكر المؤلف لهذا الحديث على أنه دليل لما تقدم ؟ الجواب أن بعض الشرّاح قال: إنه دليل على الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وبعضهم قال: إنما أراد المؤلف رحمه الله ختم الرسالة بهذا الحديث، لما تضمنه من المعاني العظيمة، وهي بيان رأس الأمر، وبيانٌ بما يقوم، وبيانٌ بما يبلغ الغاية، وعندي أن هذا دليل وبراعة اختتام.

أما الدليل ففي قوله: (( رأس الأمر الإسلام ))والأمر هنا المراد به الدين، يعني رأس الدين الإسلام والمراد به هنا شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ( الشهادتان ) ولذلك جاء في روايةٍ لهذا الحديث: (( رأس الأمر شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله )) فالإسلام يراد به هنا الشهادتان، وهو الاستسلام لله عز وجل بالعبودية، يعني: إفراد الله جل وعلا بالعبادة وحده دون غيره، هذا هو المراد بالإسلام هنا، وعلى هذا يكون فيه دليل على ما تقدم ، لأن شهادة أن لا إله إلاّ الله هي الإيمان بالله تعالى والكفر بالطاغوت، فيكون فيها دليل لما ذكره رحمه الله في قوله: افترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وأما قوله rفي الحديث: (( وعموده الصلاة ))فهذا فيه بيان مرتبة الصلاة في هذا الدين، وأنها من هذا الدين كالعمود للخيمة، وليس للخيمة قيام بلا عمود، بل لا قيام للفسطاط إلاّ بعمود ، فمن لا صلاة له لا إسلام له، هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وورد مثل ذلك عن علي بن أبي طالب: (لاحظّ في الإسلام لمن لا صلاة له ) كل هذا مما ورد عن الصحابة وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين: لم يكن شيء من العمل تركه كفر يعني عند الصحابة tأي لم يكن أصحاب النبي rيرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلاّ الصلاة، فالصلاة شأنها كبير وأمرها خطير، ويكفي في الوصف فيها قول النبي r: (( وعموده الصلاة )) وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: من أراد أن يعرف قدر الإسلام في قلبه فلينظر إلى قدر الصلاة في قلبه، فبقدر ما يكون مع الإنسان من تعظيم الصلاة والاهتمام بها والعناية بها والإقبال عليها والتبكير إليها وتعلق القلب بها يكون معه بقدر ذلك من الإسلام، ولذلك كان أول ما يسأل عنه الناس من الأعمال بعد التوحيد مما يتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى الصلاة، فهي أول مسؤول عنه، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعتني بهذه العبادة الجليلة، وأن يهتم بها، وأن تكون منه على البال دائماً، فهذا هو المعيار والميزان الدقيق، فإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في قلبك فانظر إلى قدر الصلاة في قلبك، هذا القول عن الإمام أحمد ذكره في كتاب (تعظيم قدر الصلاة).

وأما قوله: (( وذروة سنامه الجهاد ))فذروة الشيء أعلاه، والمراد أعلى شيءٍ في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله، يعني الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، واعلم أن الجهاد والصلاة هما العبادتان اللتان تكرر الأمر بهما، والثناء على أهلهما في الكتاب والسنة، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: لم يرد من الأحاديث قدر ما ورد في الصلاة والجهاد حثاً وأمراً وفضلاً، وهذا يجعل الإنسان يحرص على أن يكون نصيبه وافراً في الأمرين، والجهاد في سبيل الله يكون على مراتب، منه ما يكون جهاداً للكفار، ومنه ما يكون جهاداً للمنافقين، ومنه ما يكون جهاداً للعصاة، وقد ذكر جميع هذه المراتب ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، ومنه ما يكون جهاداً بالسيف والسنان، ومنه ما يكون بالعلم والبيان، فطلاّب العلم الذين يبذلون أوقاتهم في تحصيل العلم وتحري المسائل ومعرفتها على أصولها هم من المجاهدين في سبيل الله تعالى إذا احتسبوا وأخلصوا النية، لأن به تحفظ الشريعة، كما أن الشريعة تحفظ بالسيف فهي تحفظ بالعلم، لكن ينبغي للإنسان أن يكون صاحب نيةٍ في الأمر، ليحصل له ما يريد من الخير، وقول النبي r: (( وذروة سنامه الجهاد ))أي: أفضل الأعمال بعد الواجبات، فأعلى الأعمال بعد الواجبات المفروضة على العموم الجهاد في سبيل الله، ثم إنّ الجهاد منه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو فرض عين، لكنه في حالات محدودة، قد ذكرها الفقهاء وأهل العلم في كتبهم، والأصل في حكمه أنه فرض كفاية.

 

براعة الختام:أن المؤلف رحمه الله ذكر أنه لا يكفي في تحقيق التوحيد والفوز بهذه الأصول مجرد القول، بل لابد من العمل أولاً، ولابد من بلوغ العمل غايته، فالشهادتان اللتان هما الإقرار لله بالألوهية وللنبي rبالرسالة لابد أن ينضاف إلى ذلك المحافظة على الأعمال الصالحة، وذكر أشرفها وأعلاها وهي الصلاة، ثم لا يقتصر على المفروضات، بل يسارع إلى النوافل التي تقربه إلى الله عز وجل، وأشار إلى ذلكم بقوله: (( وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))فختم هذه الرسالة ببيان: بماذا يثبت الدين، وعلى ماذا يقوم، وبماذا يحفظ، فيثبت الدين بالشهادتين، ويقوم بالصلاة، ويحفظ بالجهاد.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وبهذا تكون قد تمت الأصول الثلاثة التي تضمّنتها هذه الرسالة المباركة، للإمام العالم المجدد / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عنا خير الجزاء.

 


([1])  النساء: 165.

([2])  النساء:163.

([3])  النحل: 36.

([4]) النساء: 165.

([5]) النساء: 163.

([6]) أخرجه البخاري في الأنبياء، برقم: 3092، وفي تفسير القرآن، برقم: 4343، ومسلم في الإيمان، برقم: 287، والترمذي في صفة القيامة، برقم: 2358، وأحمد في مسند المكثرين، برقم: 9250.

([7])النحل: 36.

([8])الأنبياء: 25.

([9]) الزخرف: 45.

([10])البقرة:256.

([11]) البقرة: 256.

([12]) البقرة: 256.

([13]) النساء: 51.

([14]) النساء: 60.

([15]) ص: 82.

([16]) المائدة: 60.

([17]) النساء: 51.

([18]) أخرجه البخاري في التوحيد برقم 6885، وأخرجه مسلم في الإيمان برقم 267.

([19]) النازعات: 24.

([20]) القصص: 38.

([21])لقمان: 34.

([22])النمل: 65.

([23]) الجـن: 26-27.

([24]) النساء: 60.

([25]) المائدة: 44.

([26]) المائدة: 45.

([27]) المائدة: 47.

([28]) النساء: 60.

([29]) البقرة: 256.

([30]) أخرجه ابن ماجه في الفتن، برقم: 3963، والترمذي في الإيمان، برقم: 2541، وأحمد في مسند الأنصار، برقم: 21008.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86259 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46186 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف