×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (79) إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5872

المقدم: من جديد نحييكم ونرحب بكم مستمعينا الكرام في برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا حول:
وقفاتٍ، أو موضوعنا في هذه الوقفات: من قوله -سبحانه تعالى-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53
شيخ خالد، في بَدْءِ هذا الحديث ربما نستحضر بداية هذه الآية الكريمة في قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًاالإسراء:53.
هذه الآية الكريمة في سورة الإسراء، ولعل ورود هذه اللفظة وهذه العبارة أن الشيطان ينزغ بين الناس ويُفْسِد بينهم أنها حكمة، وكذلك أيضًا ربما نستفيد من سياق هذه الآية الكثير من الفوائد، لعلنا نطلَّع عليها ونتعرف عليها عبر هذا الحديث الشيِّق معكم -بإذن الله- في الحلقة، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، والسراج المنير، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فموضوع نزغ الشيطان بين الناس هو من الكيد الذي يتوجَّه به الشيطان إلى الإنسان في كل جُهْدِه وعمله وسعيه، ولا ينفك عن ذلك في كل أحواله، فهو العدو المبين الذي يتربَّص بالإنسان كل سوءٍ وشر، ولا يفتأ ولا يَفْتُر عن هذه العداوة، بل هو عدوٌّ للإنسان يتربص به، ويتلَّمس مواطن الدخول عليه والنيل منه منذ أن خلقه الله تعالى، بل قَبْل نفخ الروح في الإنسان الشيطان يتلَّمس مواطن الضعف والنيل من هذا المخلوق الجديد.
فقد جاء في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذَكَر أن: «الشَّيْطَانُ عِنْدَمَا صَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ فِي الْجَنَّةِ وَتَرَكَهُ عَلَى صُورَتِهِ مَا شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ -قبل أن ينفخ فيه الروح- جَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ -يعني يأتي ويذهب ويمر من عنده ويدور حوله، ينظر ما هو هذا المخلوق العجيب الجديد- فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ –أي: له جَوْف، وليس مُصْمَتًا- عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ»[صحيح مسلم:2611/111]، يعني: خَلقًا يتسرب إليه الضعف، خَلْقًا يتمكن منه؛ ولهذا «الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»[صحيح البخاري:2038]كما أخبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان عظيم تربُّص الشيطان بالإنسان، وترصده، وعظيم ترصده فيما يتعلق بالنيل منه؛ لهذا الشيطان لا يَنْفَكُّ مِن السعي في كل ما يُضْعِفُ الإنسان، في كل ما يُدْخِل عليه السُّوء والشر، فهو العدو المُرْصِد الذي قال الله تعالى عنه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّافاطر:6.
فأَمَرَنا الله تعالى باستحضار عداوته، باستحضار هذه العداوة؛ ليكون ذلك عونًا لنا على توقي كيدِه ومكره وشره وأذاه، فإن مَنْ استحضر هذه العداوة تمكَّنَ مِنْ أن يَتَوقع شرَّه وكيده وأذاه، بخلاف ذاك الذي استسلم لهذا العدو بالغَفْلَة عنه، أو باتباع كيده ومكره، فإنه عند ذلك سينالُ منه أبلغَ النَّيْل، وسيصيبه في أبلغ أسباب الهلاك والشر؛ لهذا ذكَّرنا اللهُ تعالى هذه العداوة ونبَّهنا إليها؛ لأجل أن نَعِيَ أساليبَه وندرك خطورة ما يدعو إليه؛ ولهذا يقول الله تعالى في بيان استمرار هذا الكيد، وأنه كيد متواصل: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِفاطر:6.
إذًا كلُّ ما يسعى إليه الشيطان، كل ما يعمل عليه الشيطان هو الإيقاع بهذا الإنسان، النيل منه فيما يؤول به إلى الجحيم، فيما يؤول به إلى الشقاء والتعاسة في الدَّارَيْن؛ لهذا ينبغي استحضار هذا الأمر، والحيطة التامة باستحضار هذه العداوة حتى لا يقع الإنسان في حبائل الشيطان.
والله تعالى عندما خَلَق آدم وظهرت عداوة الشيطان له قَبْل أن يدخل الجنة قال -جلَّ في علاه- لآدم: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىطه:117.
وهذا التَّحذير الإلهي الأول من الشيطان وكيده؛ لأجل أن يَعِيَ الإنسان أنَّ طاعة الشيطان ستُفْضِي به إلى الهلاك، ستفضي به إلى الوبال والخسارة والضياع، وكل ما يكون من فساد الحال والمآل.
ومما ينبغي أن يُعْرَفَ: أن الشيطان في عداوته يسلك مسالك شتَّى وطُرقًا عِدَّة.

 من أعظم ما يدخل به الشيطان على الإنسان هو: إيقاع الشر بين بني آدم؛ الإغراء، التحريش، السعي في النزغ بين الناس بالعداوات، وبالإِحَن، وبالأذى الذي يوقع بينهم المفاسد، ويُنيلهم الشرَّ، ويوقعهم في الرَّدَى، من ذلك ما قصَّه الله تعالى في أول جريمة وقعة للبشرية فيما ذكره الله تعالى في خبر ابني آدم حيث قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَالمائدة:27.
هذا الموقف الذي ذكره الله تعالى في مُحْكَم كتابه فيما وقع بين ابني آدم من الفساد والشر الذي أفضى إلى القتل، كما قال تعالى في قصة ابني آدم: ﴿لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَالمائدة:28
فهذا الحسد الذي وقع من الأخ لأخيه كان مبعثه الشيطان الذي حذَّرنا الله تعالى منه، فإن الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين؛ حيث ذكره الله تعالى في قصة يوسف -عليه السلام- فيما يتصل بما جرى بين يوسف وإخوته حيث قال له أبوه في تحذيره من أن يُخْبِر إخوانه بالرؤيا: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًايوسف:5
ثم بعد أن ذكر الكيد النابع عن الحسد، النابع عن الشحناء، ذكر الباعث لذلك المُحَرِّض عليه قال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌيوسف:5.
هنا بعد أن حذَّره من كيد إخوانه بسبب ما فضَّله الله تعالى به عليهم من المنزلة والمكانة، فقال ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًايوسف:5، ذكر الباعث الذي يُعِين على هذا الكيد ويُحَرِّض عليه فقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌيوسف:5.
لهذا ينبغي أن نُدْرِك أنَّ الشيطان يحرِص غاية الحرص على إيقاع الشرِّ بين الناس، على النيل منهم بكل وسيلة، ومن ذلك ما يكون من تشويش العلاقات بين الناس.
ولما كان أكثر ما يكون التشويش ناشئًا عن عمل أو قول -والقول في حياة الناس أكثر من العمل- أمر الله تعالى بتطييب القول؛ لسد الطريق على الشيطان؛ لأجل ألا ينال من الإنسان بسبب قولٍ سيءٍ، أو كلامٍ يُفْهَم على غير وجهه يُفضي إلى الفُرقة، يفضُي إلى النزاع، يفضي إلى الشر الذي يُؤَمِّنُه الشيطان من الأذى وإيقاعه في الناس؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُالإسراء:53.
الله -عزَّ وجلَّ- أمرنا بإغلاق الطريق على الشيطان؛ وذلك بأن نقول أحسن ما يمكننا من القول، أطيب ما نستطيعه من الكلام.
الإنسان في كثير من الأحيان يصل إلى مُراده بألفاظ متعددة، بكلمات مختلفة، الله -عزَّ وجلَّ- أمرنا في حديثنا وكلامنا أن نقطع الطريق على الشيطان فيما يسعى إليه من إفساد ما بيننا وبين الناس، وفي إفساد ما بيننا وبين إخوتنا، فيأمرنا -جلَّ في علاه- بالقول الحسن، وبالقول الطيب؛ بالقول الأحسن، وليس فقط الحسن، فيكون ذلك قاطعًا للطريق. ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53.
﴿يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53 بسبب كلمة، بسبب تعليق، بسبب لفظة، بسبب أسلوب، بسبب طريقة أداء الكلمة، قد تكون الكلمة عادية، لكن أحيانًا يأتي الإشكال من طريقة أدائها.
كل هذا ينبغي أن يُرَاعَى؛ لأجل قطع الطريق على الشيطان فيما يتصل بالأقوال التي يَنْتُج عنها الشر، ينتج عنها الفساد، ينتج عنها مداخل للشيطان؛ لإيغار الصدور والتفريق بين المؤمنين؛ ولهذا يقول الله تعالى بعد أن أمر بالقول الأحسن قال:  ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًاالإسراء:53--، أي: عدوًّا ظاهر العداوة، لا يحتاج إلى معرفة عداوته إلى كبير اجتهاد، فعداوته ظاهره بيِّنه، يُدْرِكُها كل عارفٍ عالمٍ بكيده ومكره.
المقدم: أحسن الله إليكم.
الشيخ: هذا فيما يتعلق بالأقوال.
أما فيما يتعلق بالأفعال: أيضًا ما ذكرته قبل قليل في وصية يعقوب ليوسف -عليه السلام-؛ ألا يتكلم بما أنعم الله عليه من فَضْلٍ بين إخوانه، أيضًا هذا سواء ذلك بالإخبار عن الأفعال أو المِنَح أو العطايا، أيضًا هذا مما يقطع على الشيطان كيده ومكره؛ ولهذا قال تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌيوسف:5.
في آخر السورة عندما ذكر الله تعالى ما آل إليه حال يوسف وإخوته، ذكر يوسف -عليه السلام- في سياق الثناء على الله فيما مَنَّ عليه: ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾يوسف:100.
 
فكل هذه المعاناة التي طالت يوسف -عليه السلام-، وعَكَّرت عليه حياته، وأصابته بما أصابته من الشدة والبلاء العظيم، كانت بسبب نزغ الشيطان بسبب التحريش بينه وبين إخوانه فيما رأوا من نعم الله تعالى على يوسف -عليه السلام-؛ ولهذا أنا أقول: من المهم لكل مؤمن ومؤمنة أن يقطع أسباب الشر بينه وبين الناس، في قوله، وفي عمله ومعاملته.
في قوله: بأن يأخذ بوصية الله التي قال فيها: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53.
وفي عمله: بأن يُبْعِد عن كل سبب يمكن أن يكون مُفْضِيًا إلى فُرْقة، مُفْضِيًا إلى حسد، مُفْضِيًا إلى نزاع، مُفْضِيًا إلى شقاق.
واليوم نحن في الحقيقة نجد سوق الشيطان رائجة في التحريش والتفريق بين الناس وبث أسباب الفرقة بسبب إهمال الناس لهذه الوصايا الإلهية الربَانِيَّة، التي تَكْفُل لهم السلامة في معاشهم، والسلامة في معادهم، سلامة دينهم، تكفُل لهم سلامة دينهم وسلامة دنياهم؛ لهذا نقول: من الضروري ونحن نعيش في هذه البيئة المفتوحة التي القول له فيها حضور كبير في كثير من الناس لا يحْسِمون أقوالهم.
البنان بالكتابات التي تنتشر وتطير في الآفاق أيضًا لها حضور واسع وكبير عبر وسائل التواصل، وعبر الوسائل التي يتواصل من خلالها الناس من البريد الإلكتروني وما أشبه ذلك، سواءً وسائل التواصل الاجتماعي، أو كتابات من وسائل أخرى.
أيضًا الأفعال التي أيضًا تُنْقَل وتُبَثُّ عبر الصورة، والنقل الحي أو النقل المُسَجَّل، كل هذه أمور ينبغي أن يستحضر فيها الإنسان أن هناك مَنْ يتربَّص به، وأن شيطانًا قد تكَّفل بالقعود على الصراط المستقيم للنيل من الإنسان، فليحذر هذا العدو، يحذر هذا العدو المُرْصِد الذي قال: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَالأعراف:16-17.
فضروريٌّ أيها الإخوة والأخوات، أيها الأكارم والكريمات، أيها المستمعون والمستمعات، ضروري أن نَعِيَ خطورة ما نتكلم به، وأن نَبْعُد عن كل ما يكون سببًا للفُرْقَة والتشاحن والتباغض ومداخل الشيطان، ضروري أن نَبْعُد أيضًا عن الممارسات والأفعال التي تكون سببًا للشر والفساد، حتى أحيانًا قد يفعل الإنسان أمرًا لدفع الشرِّ، وإن كان المُتَعَامَل معه لا يستحق هذا الإكرام، ومنه ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل الذي دخل فقيل: "استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ»، في بيان قُبْحِ سيرته، وأخلاقه، وعمله.
فلما دخل هذا الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استقبله باستقبالٍ حسن، بل قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ سَمِعْتُ ضَحِكَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه". يعني هو الضحك يعني: السماع.
وهذا يدل على: أنه لم تكن قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم، بل سمعت، وليس تَبَسُّمًا، إنما شيء بلغها بالصوت، وهذا فيه غاية الانبساط مع الإنسان.
"
فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ سَمِعْتُ ضَحِكَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ -يعني قال فيه: «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ»، ثم أَذِنَ له-، ثُمَّ لَمْ تَنْشَبْ أَنْ ضَحِكْتَ مَعَهُ؟ فَقَالَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ شَرَّ النَّاسِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ أو وَدَعَهُ النَّاس؛ اتِّقَاءَ فُحْشِه».[صحيح البخاري6054]
كل هذا يبيِّن أنه ينبغي فيما نتعامل به مع الناس أن نقطع الطريق على كل ما يكون سببًا لدخول الشيطان بيننا ونيله منا بالتفريق والتحريش، حتى لو كان الشخص الذي تتعامل معه قد لا يكون مُسْتَحِقًّا لهذا الإكرام، قد ترى أنه فيه من الموجبات عدم الاعتناء ما فيه، لكن ينبغي أن يُحْسَن إليه ولو كان فظًّا غليظ القلب؛ لأجل دفع ما يُمكن أن يكون من المفاسد المترتبة في العلاقات، وقد ذكر الله -جلَّ وعلا- أمرًا عامًّا في هذا في قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌفصلت:34.
فأمر الله تعالى بالدفع بالتي هي أحسن؛ لأجل تطييب الصِّلات، تطييب العلاقات، البُعْد عن دخول الشيطان الذي يُفْضِي دخوله إلى مفاسد كبيرة؛ ولذلك فَسَّر العلماء قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُفصلت:34 هو: الصبر عند الغضب، هو العفو عند الإساءة، هو مقابلة الإساءة بالإحسان، هو محاولة التجاوز والتغافل عن الخطأ؛ لأجل تغليب مصلحة الاجتماع، وقطع أسباب الفُرقة والخلاف والشر التي يدخل من خلالها الشيطان؛ ليَبْلُغ ما يُؤَمِّل من الفساد والشر.
المقدم: أحسن الله إليكم.
متواصلين معكم مستمعينا الكرام مع فضيلة الشيخ الدكتور: "خالد المصلح"، وحديثنا في هذه الحلقة من برنامجكم "الدين والحياة" حول قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53".
أرقام التواصل لمن أراد أن يتفاعل معنا في هذه الحلقة ويطرح ما لديه من الأسئلة حول موضوعنا في هذا اليوم: 0126477117 و0126493028
رقم الواتس أب هو: 0582824040
وكذلك أيضًا عبر هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"، وحساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".
شيخ خالد عندما نتأمل في كثيرٍ من القضايا المطروحة على الدوائر الشرعية في المحاكم المختلفة، وكذلك أيضًا كثيرٍ من الدوائر أو كثيرٍ من مراكز الشُّرَطِ وغيرها، نجد أن أغلب أسباب هذه المشكلات الكُبرى التي ألجأ الناس إلى الاحتكام إلى هذه الأماكن، أو ألجأ الناس إلى اللجوء إلى هذه الأماكن، هو ربما بسبب كلمةٍ خرجت بقصدٍ أو بغير قصد، أو حوارٍ ربما بدأ بشكل سليم وانتهى ربما إلى شجارٍ، أو إلى خصامٍ، أو إلى شيءٍ لم تكن عاقبته حميدة، ما هو الشيء الذي يمكن أن نُوصي به المسلمين خاصةً فيما يتعلق بالحديث بينهم، والحوار بينهم؟
وفي نفس الوقت أيضًا مسألة استحضار أنَّ الشيطان يتربَّص وينتظر الفُرْصَة، أو نصف الفرصة أو أقل من الفرصة يأتي ليدخل بين هؤلاء المتحاورين أو هذين المتحاوِرَينِ ليُفْسِد بينهم، أو يفسد بينهُمَا ويهيِّج بينهم الشرَّ، خصوصًا إذا ما استحضرنا أن هذا الشيطان هو من كان عدوًّا لآدم وذريته، وقد أبان الله -سبحانه وتعالى- للناس عامةً عداوة هذا الشيطان لهم بما أظهر لأبيهم آدم من الحسد وغروره حتى أخرجه من الجنة.
الشيخ: هو يا أخي الكريم من المهم العناية بالأصل الذي انطلقنا منه، وهو الذي أشرت إليه قبل قليل "استحضار عداوة الشيطان للإنسان"، هذا الاستحضار الذي ذكَّرنا الله تعالى به وأمرنا باستحضاره في آياتٍ عديدة هو مما يقطع على الشيطان كيده في مواطن كثيرة؛ لأنه إذا استحضر الإنسان هذه العداوة وكانت منه على بال فإنه سيسعى جُهْدَه في البُعد عن خطوات الشيطان التي توقع الإنسان في الشر والفساد؛ لذلك تجد أن الآيات الكريمة تُحذِّر من خطوات الشيطان، وهي ما يكون من الاستدراج الذي يظهر في بداية الأمر أنه لا شيء فيه فيُفْضي به إلى الخروج عن الجادة والوقوع في الفساد.
الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةًالبقرة:208، يعني: ادخلوا في شرائع الدين، وأحكامه، وما أمركم الله تعالى به، بالكلية في أقوالكم، وأعمالكم، وأخلاقكم، في معاملاتكم مع الله -عزَّ وجلَّ- وفي معاملتكم مع الخلق، ثم يذكر أعظم ما يُخْرِج الناس عن هذا فقال: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌالبقرة:208.
ثم لما كان هذا الشيطان الإنسان لا ينفك عن كيده ومكره وسعيه؛ فَتح الله تعالى باب العودة والأوبة والرجوع إليه بتذكير الناس بضرورة المعاودة بعد الزلل؛ ولذلك يقول: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌالبقرة:209.
فبادروا إلى التوبة، بادروا إلى الأوبة، بادروا إلى الرجوع إلى الله -عزَّ وجلَّ-؛ لهذا قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌالبقرة:208.
ذكره الله تعالى في مواضع عديدة، ذكره في سورة البقرة في موضعين، ذكره في سورة الأنعام، ذكره -جلَّ في علاه- في غير ذلك من المواطن التي يُذَكِّر بها خطورة الاستجابة لهذه الخطوات والتورط فيها، فمن المهم أن نستحضر هذا الأمر، وبالتالي إذا استحضرنا هذه العداوة فإننا سنُغْلِق الأبواب أمام هذا العدو فنكون على حذر، وحتى لو فرَّطنا سنكون سريعي الأوبة، سريعي العودة والتوبة إلى الله -عزَّ وجلَّ-.
الأمر الثاني: استحضار هذه العداوة يستوجب أن نأخذ الأساليب الأسباب والتدابير، والأساليب التي نَسْلَم من خلالها من التورط في خطواته، سواءً كان ذلك في الأقوال فينبغي للإنسان أن يُطِيب قوله، «وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»[صحيح البخاري:ح2989] كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».[صحيح البخاري:6018]
اللسان من أعظم ما يُوْرِد الناس المهالك؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، قال: "أَوَإِنَّا مُؤَاخَذُونَ بِمَا نَقُول يا رسول الله؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَمَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».[أخرجه الترمذي في سننه:ح2616، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]
فضروري أن يُحْكِم الإنسان قوله؛ أن يكون رقيبًا علىكلماته، ألا يترك للسانه العِنَان في الأقوال وفي الأساليب التي تكون سببًا لنزغ الشيطان.
يا أخي أحيانًا يرمي الإنسان كلمة يترتب عليها مفاسد عظيمة وشرور كبيرة، وكثير من الشرِّ الواقع بين الناس كان سببه كلمات صدرت من هذا أو ذاك وترتب عليها من الفساد مِنْ سفك الدماء، والتباغض، والشرور، وفساد الأموال، وهلاك الصِّلات، بسبب هذه الكلمات التي قد يكون قائلها لم يَرْعَ حق الله تعالى في أن يحفظ لسانه من قول السوء والشر.
"
والحرب -كما قيل- أولها كلام"، فالحرب أولها، أول ما تبدأ تبدأ بكلمات، وهذا فيما يتعلق بعلاقات المجتمعات والقبائل والتجمعات؛ فلذلك من الضروري أن نستحضر خطورة الكلمة، وأن نُحْكِم ألسنتنا؛ لنُغْلِق على الشيطان الطريق.
يا أخي الشيطان لا يترك سبيلًا ولا مَنْفَذًا إلا ويحرص غاية الحرص أن يدخل منه للتفريق بين الناس؛ ولهذا يُحَذِّر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر هذه القضية على وجهٍ جليٍّ كما في الصحيح من حديث جابر يقول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ».
فجزيرة العرب دانت بالإسلام وظهرت فيها أعلامه فلا يقوم فيها شركٌ غالب، لا شك أنه ثمَّة مخالفات قد تقع في تصرفات الأفراد، لكن أن يكون هذا ظاهرًا في جزيرة العرب على وجهٍ تنمحي فيه آثار الرسالة هذا لا يكون؛ ببشارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أَيِسَ الشيطان من أن يجتمع الناس في جزيرة العرب على عبادته، لكنه لم ييأس من التحريش؛ ولذلك قال: «وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».[صحيح مسلم:ح2812/65]
معنى قوله: «فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»، أي: في إثارة الفتن، في إثارة الحروب، في إثارة أسباب الفُرْقَة، في إثارة أسباب النزاع، سواءً كان على مستوى الأفراد أو مستوى التجمعات، كل ذلك مما ينبغي للمؤمن أن يحرص على الحذر منه والتَّنَبُّه إليه؛ لأجل أن يقطع على الشيطان الطريق؛ ولذلك الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53.
والنزغ هو: الإغراء، هو الإثارة، هو إيغار الصدور، هو السعي في أسباب الفُرْقَة، هو تضخيم الكبير، وهو الانطلاق من سوء فهم؛ لحصول المقصود من الشر بين الناس.
ولِيُعْلَم أنَّ الشيطان يفرح بكل إنجاز، يعني لا يظن الظانُّ أنه هذا فقط فيما يتعلق بالعلاقات بين القبائل، بالعلاقات بين الدول، بالعلاقات بين المجتمعات الكبيرة، بل حتى على المستوى الصغير يفرح الشيطان بكل إنجاز يحصل فيه التفريق بين الناس.
وإليك هذا الحديث الذي يبيِّن ما عليه الشيطان من عظيم الحرص الكبير الذي لا ينفك ليل نهار في التفريق بين الناس؛ لأن إثارة العداوات هو مفتاح الشرور على مَرِّ التاريخ والعصور؛ أن البشرية إذا شاعت بينها الإِحَن، شاعت بينها النزاعات، شاعت بينها الأحقاد، فسدت حياتهم، وتعطل معاشهم، وفسدت آخرتهم.
فيما رواه مسلم من حديث جابر قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:  «عَرْشُ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ».
والمقصود بعرشه: أي مكان إقامته، سريره الذي يجثم عليه لإدارة الشر الذي يكون في الناس.
«عَرْشُ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ»، يقول: «فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ -أي: جنوده وحزبه-  فَيُفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ -يعني: أعظم هؤلاء الجنود عند إبليس- أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً».
يعني: أعظمهم إفسادًا، أعظمهم إيقاعًا للشرور والفساد في الناس؛ ولهذا يأتي إليه هؤلاء وقد أدركوا ما أدركوا من الفساد الذي يريدونه في البشرية، وكل من جاءه بشيء ردَّه، «وَقَالَ: لَمْ تُنْجِزْ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ مَنْ قَالَ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، أَدْنَاهُ وَقَالَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَنْتَ»[صحيح مسلم:ح2813/67]، أي: أنت الذي حقَّقْتَ الغرض والمقصود.
انظر كيف هذا الحرص الشديد على تخريب العلاقات الأُسَرِّية؟ وهي مصدر لنواة المجتمع، نواة الأمة التي تتكون من هذه التجمعات الصغيرة التي إذا فسدت وخربت علاقاتها انعكس هذا على سائر المجتمع، فإن فساد الأسرة وفساد المجتمع مبعثه فساد الارتباط، مبعثه ومبدؤه فساد العلاقة بين الزوجين.
المقدم: ولأن هذا يتوسع إلى هذا المجتمع يا شيخ خالد، يعني ابتداءً من الأسرة، إذا هُدِمَت الأسرة هُدِم المجتمع.
الشيخ: بالتأكيد، ولهذا انظر إلى فرحه العظيم عندما يُخْبَر بما أنه «مَا زِلْتُ بِهِ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ»، يعني: أنت الذي حقَّقْت المطلوب، أنت الذي وصلت إلى الغاية؛ «فَيُدْنِيهُ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، أَنْتَ أَنْتَ»، ويُكَرِر ذلك.
هذا الحديث يبيِّن لنا شيئًا من هذا العمل الدؤوب، والكيد المتواصل لهذا العدو الذي ينبغي أن نُغْلِق الطرق؛ ولهذا يجب على الأزواج، وعلى جميع أفراد المجتمع، على الكل أن يحرص على قطع الطريق على الشيطان، وهذا بالأساليب الشرعية التي ذكرها الله -عزَّ وجلَّ-:
•    
أولًا من ذلك: ما ذكرناه استحضار العداوة.
•    
ثانيًا: مراقبة الألفاظ والتصرفات ببذل المستطاع في البُعْد عن كل ما يكون سببًا للفُرْقة والشحناء في قولٍ أو فعلٍ أو ممارسة.
•    
مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك مما يدفع الله تعالى به شرًّا عظيمًا.
•    
العفو، والصفح، والتجاوز مما يحصل به خير في الناس، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِالشورى:40.
•    
أيضًا من أسباب قطع الطريق على الشيطان: كثرة الاستعاذة بالله منه، وهذا متصل
بالسبب الأول وهو استمرار العداوة، فإن الله تعالى قال: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِالأعراف:200.
فينبغي أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان عندما يدهمه كل سببٍ يمكن أن يكون هذا السبب مُفْضِيًا إلى فُرْقَة، أو إلى شر، أو فساد بين الناس.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
الشيخ: وسأذكر شاهدًا لذلك بعد هذه المداخلة.
المقدم: طيب قبل أن نأخذ الاتصال نُذَكِّر بأرقام التواصل في برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء:53.
أرقام التواصل: 0126477117 و0126493028
رقم الواتس أب: 0582824040
هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"، وحساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".
نأخذ الاتصال الأول معنا من محمد الأحمري، تفضل يا محمد.
المتصل: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: جزاكم الله خير، وأكرمكم الله، ونحن الحقيقة في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى تغطية هذا الموضوع العظيم؛ لأن كثرة الشحناء أصبح سواءً على مستوى الأُسَرِ، سواءً على مستوى المجتمعات، سواءً على مستوى التواصل الاجتماعي وهذا شيء يُحْزِن حقيقة، السؤال للشيخ -جزاه الله خيرًا-: لماذا في هذا الزمان قَلَّ العفو بين الناس والتسامح وقبول العذر سواء ًكان على مستوى الأفراد في الأسر، أو المجتمعات الصغيرة، أو حتى على مستوى الدول، الذي نراه الآن؟
الأمر الثاني: يا شيخ -جزاك الله خيرًا- ما هو قولك لمن يزرع، وما هي نصيحتك لمن يزرع الفتنة والشحناء في قلوب أبنائه، ويريبهم على عداوة مَنْ يسيء إليهم، ويربيهم على عداوة أقاربهم مثلًا أو من صار بينه وبينهم شحناء؟
أذكر الوالد -الله يجزيه خيرًا ويطول بعمره- الآن حدود الخمسين سنة، والله ما أذكر أنه ذكر لنا شحناءً بينه وبين أحد، ولا نعلم في أغلب الأحيان بشحناء حصل بينه أو بين أحد من جيرانه أو أقاربه إلا من  أفواه الناس، وهذا شيء عظيم؛ لذا أنا أقول للشيخ -جزاه الله خيرًا-: ما هي النصيحة لمن يُربي أبناءه على الشحناء، ويذكي في قلوبهم العداوة للآخرين، ويذكر لهم مساوئهم؟
الأمر الثاني: ما هو نصيحة الشيخ -جزاه الله خيرًا- في مثل هذا الوقت الذي أصبحت السموم في وسائل التواصل الاجتماعي تَعُج بالسبِّ والشتائم والبذاءة وقلة الإيمان حقيقة؟ وجزاكم الله خيرًا.
المقدم: وإياك، شكرًا لك أخي محمد.
شيخ خالد، كان هناك حديث كنتم بصدد طرحه كشاهد في عداوة الشيطان للإنسان واقتناصه الفرص لزرع العداوة بينهم.
الشيخ: هو ما ذكره، يعني ما جاء في الصحيح، صحيح البخاري وكذلك مسلم: "أن رجلين اسْتَبَّا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-"، يعني: وقع بينهما مشاجرة؛ "اسْتَبَّ رجلان عندَه -صلى الله عليه وسلم-، فغَضِبَ أحدُهُمَا"، لعلها في خصومة كانت بينهم، أو في مجلس حكم لم تُذْكَر المناسبة التي حصل بسببها هذا الاستباب بين يدي  النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إنما "اسْتَبَّ رجلان فغَضِبَ أحدُهُمَا، فاشتدَّ غضبُه حتى انْتَفَخَ وجهُه وتغيَّرَ؛ فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ».
هذا توجيه مهم لقطع الطريق على الشيطان هو الاستعاذة بالله، عندما توجد أسباب الإثارة، عندما توجد أسباب الفُرْقَة، عندما توجد أسباب النزاع، ينبغي أن يتعوَّذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ»، يعني: من هذا الغضب، وهذا الانتفاخ، وهذا الذي بلغ به هذه الدرجة من الفوران والثوران، قال -صلى الله عليه وسلم-:  «تَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشيطانِ».[صحيح البخاري:ح3282، صحيح مسلم:ح2610/110]
أيضًا من المُعالجات النبوية لما يمكن أن يكون من نزغ الشيطان بين الناس هو الدعوى إلى الرُّشد، وبيان خطورة الكلمات التي قد تصدر من غير روِيَّة؛ فيكون لها من الأثر في الفساد بين الناس ما يكون.
جاء في الصحيح: "أنَّ رجلين؛ رجل من المهاجرين مازح رجلًا من الأنصار، فلَعِب معه فضربه ضربةً؛ كَسَعَه، فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا، وقال: يا للأنصار" -اسْتَفْزَع بِمَن؟ بالأنصار- والأنصار اسم شرعي ذكره الله تعالى في كتابه، وجاءت فضيلته في السنة.
دعا الأنصار بهذا اللفظ: "يا للأنصار"، يعني: يستفزع بهم في غضبه الشديد، سببه فعل مهاجري كان يُمازحه. فقال المهاجري: "يا للمهاجرين".
هذه دعوة قُوبِلت بدعوة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟!».
«مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟!»، يعني ما الذي جاء بدعوى أهل الجاهلية مع أنها ألفاظ أيش يا أخي عبد الله؟
المقدم: شرعية.
الشيخ: ألفاظ شرعية "هِجْرة، ونُصْرَة"، لكنها سيقت في مساق الفُرقة، والنزاع، والشر، والنعرات؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟!»، يعني ما الذي جاء بها بيننا؟ ثم قال: «مَا شَأْنُهُمْ؟» -صلى الله عليه وسلم-، فأُخْبِر بكسعة المهاجر للأنصاري، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ».
هذه الدعوى لا تخرج عن كونها من كيد الشيطان الذي يسعى للتفريق بين الناس؛ ولهذا لما سَمِع عبد الله بن سلول بهذا الموقف قال: "أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟! لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَّل".
تطور الموضوع، كله بسبب كلمة صدرت في ساعة غضب، ولم يُحْكِم فيها المتكلم غضبه ويزنه بميزان الشريعة، حصل منه هذا التسلسل الذي أخبر به جابر -رضي الله تعالى عنه- في مقامٍ من غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم-.
 
فقال عبد الله بن سلول: "لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَّلَ" -يريد أنه سيُخْرِج النبي -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين من المدينة-، قال عمر: أَلا نَقْتُلُ يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا الْخَبِيثَ؟ فَقالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ محمدًا يَقْتُلُ أَصْحابَهُ».[صحيح البخاري:ح4905]
فالمقصود: أنه ينبغي وَأْدُ كل أسباب الفُرْقَة، معالجة كل أسباب الشر، كل نزغات الشيطان، في مهدها بالمبادرة إلى الإصلاح، بالمبادة إلى الرُّشْد، بترك أسباب الفُرْقَة قدر الاستطاعة والإمكان.
وأنا أقول: نحن مثلما ذكر أخي قبل قليل المداخل الكريم: أن الناس أصبحت نفوسهم متهيئة لكل استفزاز، في العلاقات الشخصية، في العلاقات الوظيفية، وفي العلاقات الأسرية، وحتى يا أخي وأنت ماشي في الشارع أحيانًا يدخل عليك شخص مدخل خطأ في سيارته أو في طريقة عبوره، ثم لو نبَّهته بأي تنبيه ممكن أنه يصل إلى الغاية والمنتهى في المنازعة مع أنه هو المخطئ، وفي موقف عابر، حتى نفرض أنه هذا الذي نبَّهته مخطئ نقطة في تنبيهه ما يستوجب هذا أنك تصل إلى النهاية في الغضب.
يعني أنا لا أعلم في بعض المواقف . . ما بالك لو كان هذا الأمر أكثر من هذا ماذا كان يمكن أن يفعل؟! إذا كان يصل إلى نهايته في الغضب، وإلى حده في الفجور في الخصومة والمنازعة في قضايا تافهة عابرة لا تمثل شيئًا من حياة الإنسان، ولا تؤثر عليه في مسيرته إنما شيء عابر في طريق، أو عند محطة بنزين، أو في بقالة، أو في مراجعة دائرة حكومية، أو ما إلى ذلك، يعني شيء عارض في حياتك، تفقد اتزانك، وتخرج عن صوابك، وتستجيب للشيطان في الوصول إلى الفُرْقَة والنزاع التي أحيانًا تنتهي بنهايات خطيرة، من قتلٍ أو اعتداء على أموال أو ما إلى ذلك.
المقدم: كثير ممن يزورون -يا شيخ- السجن عندما يسألون -يعني خاصةً في القسم الخاص بأولئك الذي حكم عليهم بالقصاص أو غيرها- يسألونك؛ كثير من الأحكام هذه صدرت بحق أناسٍ لو كانوا ملكوا ألسنتهم أو تصرفاتهم في مهدها، في مهد وقوع هذا الشِّجار أو هذا الخلاف أو هذه الكلمة التي ربما خرجت بقصدٍ أو بغير قصد، لما آل حالهم إلى ما آلوا إليه، ولكن هو قدر الله -سبحانه وتعالى-، ولكن كان يفترض أن يكون الإنسان يملك نفسه قبل أن ينتصر لنفسه، ولا يتوقع أن تصل المشكلة إلى ما وصلت إليه من أمور كبرى كالقتل وغيرها.
سؤال الأخ محمد كان حول قِلَّة قبول الناس للعذر والعفو بينهم، يعني إذا كان هناك إنسان أخطأ وأراد أن يمحو هذا الخطأ ويستسمح ويعتذر مباشرةً قد يواجَه أحيانًا بالصد وعدم القبول.
الشيخ: هو صحيح هذا حاصل، والسبب أسباب عديدة من أبرزها:
تَمَكُّن الشيطان من ذهن الإنسان بتصوير العفو بأنه ضعف، العفو بأنه مهانة، العفو بأنه مذَلَّة، وهناك من يُحَرِّض على الانتقام، من يُحَرِّض على الثأر، من يُحَرِّض على تجاوز الأنظمة في أخذ الحقوق، وما إلى ذلك من النَّعَرات الجاهلية التي تندرج في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».
من المهم أن نستحضر هذا المعنى؛ لأجْلِ أن نقطع الطريق على هؤلاء الذين يَسْعَوْن إلى إيغار الصدور وإصابتنا بكل ما يكون من أسباب الشر بيننا.
الله -عزَّ وجلَّ- رتَّب على العفو أجرًا عظيمًا، استحضار هذا مما يُعِين الإنسان على الإقدام على العفو، الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِالشورى:40.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا ازْدَادَ عَبْدٌ بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»[صحيح مسلم:ح2588/69]، يعني: كل ما تؤمله من العز، والثناء، والرفعة، لن يُبَلِّغك إياه الثأر، لن يُبَلِّغك إياه الانتصار للنفس، لن يُبَلِّغك إياه حتى أحيانًا الأخذ بالحق، إنما قد يُبَلِّغُك إياه عفوك، وسماحتك. ومن عفا عفا الله عنه، ويكفيه هذا الأجر العظيم، فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين.
المقدم: أحسن الله إليكم.
بشكل سريع يا شيخ، أو بشكل مختصر عندي بعض الأسئلة: مسألة زرع الفتنة، وتربية الأبناء على ذلك، خاصَّةً مسألة العداوات بين الأقارب، ما هي الكلمة التي توجهها أيضًا في هذا السياق؟
الشيخ: والله يا أخي هذا من سوء التدبير، ومن الخيانة لهؤلاء النشء، أن توغر صدورهم بأحقاد قديمة، بثارات سابقة، وستجني أنت شرَّها، فإنك تدعو إلى قطع الأرحام، إلى إيغار الصدور، والواجب .. يعني مواقف حصلت وانتهت وطواها التاريخ ينبغي أن تُطوى صفحتها، ولا داعي إلى إذكاء هذه النزاعات والخلافات التي عفا عليها الزمان.
المقدم: نصيحتكم لأولئك الذين يرتادون وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً أولئك الذي يتابعهم العدد الكبير؟
الشيخ:  والله يا أخي أنا أقول: اليوم التواصل الاجتماعي بلاء كبير لمن لا يُحْسِن استعماله، وهو مفتاح شر عظيم قد يفضي بالإنسان إلى حَتِّ حسناته، إلى ذهاب الخير منه، وإذا كانت الكلمة في مجلس قد تُفْضِي بصاحبها إلى أن يَهْوِي في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، فكيف بالكلمة التي تبلغ الآفاق ويطير بها الناس؟!
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الكذب الذي يمتد وينتشر، ولا أرى له مثالًا واضحًا في هذا العصر إلا هذه الوسائل التي يكتب فيها الإنسان الكلمة وتطير بها الأفاق، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- "في رجلين رآهما في منام يُشقُّ شق أحدهما حتى يبلغ قفاه، قال في بيان سبب ذلك قال:  «كَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذِبَةِ، تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ».[صحيح البخاري:ح1686] فيُصنَع به هذا العذاب وهو: شق شقه إلى يوم القيامة. نعوذ بالله من ذلك، والحديث في صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب.
المقدم: السؤال، هذا خالد الحقي يقول: نحن أبناء أو أربعة إخوة في بيت واحد نصلي جماعة في مكان خصصناه للصلاة في البيت، هل تعتبر صلاتنا جماعة؟
الشيخ: هي جماعة، لكن الأفضل من هذا الصلاة في المسجد.
المقدم: رسالة عبر الواتس أب؛ سؤال: كيف نتعامل مع الشخص الذي يولد المشاكل من أبسط الأسباب، وشكر الله لكم؟
الشيخ: ادفع بالتي هي أحسن، وإذا كان الدفع بترك معاملته وتحاشيه، هذا من الحسن، وهذا نموذج في الرجل الذي قبل قليل ذكرنا تصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- معه:
 
«إنَّ مِن شَرَّ النَّاسِ مَنْ يُكْرَمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ».[تقدم]
المقدم: شكر الله لكم، وبارك الله فيكم وفي علمكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: "خالد بن عبد الله المصلح"، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
ونلتقيكم بإذن الله الأسبوع المقبل وأنتم على خير يا شيخ.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91487 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87236 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف