×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مطبوعة / خطبة: أزمة التقليد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 أزمة التقليد الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.   أما بعد.   فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله تعالى ذكره نهى الأمة المؤمنة المسلمة عن اتباع سبيل الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، فنهاهم عن التشبه بهم، وعن تقليدهم، وعن التبعية لهم في مواضع كثيرة من الكتاب الحكيم، فقال تعالى: ﴿ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق )+++ سورة المائدة: ( 48)---، وقال: ﴿ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )+++ سورة المائدة: ( 49) ---، وقال تعالى: ﴿ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين)+++ سورة الأحزاب: ( 1)---، وتقليد الكفار والتشبه بهم من أعظم صور الطاعة لهم. وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)+++ سورة المائدة: (51)--- ومضاهاتهم ومشابهتهم من أكبر أسباب حصول المودة لهم وموالاتهم. والآيات التي تنهى وتحذر من مشابهتهم كثيرة في كتاب الله تعالى. وقد نهى النبي  صلى الله عليه  وسلم  عن التشبه باليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر في أحاديث كثيرة، فمن ذلك: ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد عن ابن عمر  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه  وسلم : «من تشبه بقوم فهو منهم»+++ تقدم تخريجه---. وأخرج النبي  صلى الله عليه  وسلم  من تشبه بالكفار من دائرة المسلمين، فقال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى»+++ تقدم تخريجه---.  وفي هذا غاية التحذير، ومنتهى التنفير من مشابهة الكافرين، إذ إن من شابههم فهو منهم، نعوذ بالله من الخذلان.  وقد علل النبي  صلى الله عليه  وسلم كثيرا من الشرائع والأحكام والآداب بمخالفة اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر، مما يدل على أن مخالفة الكافرين مقصد نبوي شرعي. فمن ذلك: ما أخرجه أبو داود عن شداد بن أوس  رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه  وسلم : «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم وخفافهم»+++ سنن أبي داود (652) ،والحاكم (391)، وصححه---. وقال في حديث آخر: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم. »+++ تقدم تخريجه---. وقال أيضا: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى»+++ تقدم تخريجه---. ونظائر هذا في السنة كثيرة، بل قد جعل النبي  صلى الله عليه  وسلم مخالفة الكفار سببا لظهور الدين وعلوه، فقال  صلى الله عليه  وسلم  فيما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة  رضي الله عنه : «لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»+++ تقدم تخريجه---.  ومن تأمل كلام أهل العلم على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم علم علما ضروريا بأنهم متفقون على النهي عن موافقة الكفار ومشابهتهم، وعلى الأمر بمخالفتهم؛ وذلك لكثرة ما ورد في ذلك من النصوص، ولأن مخالفة الكفار وترك مشابهتهم سبب لصلاح القلوب واستقامتها.  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وبالجملة فالكفر بمنزلة مرض القلب وأشد، ومتى كان القلب مريضا لم يصح شيء من الأعضاء صحة مطلقة، وإنما الصلاح ألا تشبه مريض القلب في شيء من أموره "+++ اقتضاء الصراط المستقيم 1/198--- وبهذا يتبين أن مخالفتهم في جميع الشؤون مقصودة للشارع، فليس النهي عن مشابهتهم مقصورا على عباداتهم، أو على عقائدهم، بل هو عام في عاداتهم وأخلاقهم وسلوكهم وآدابهم ونظمهم وجميع شؤونهم.  ومع هذا الكم الكبير من النصوص الدالة على النهي عن مشابهة الكفار وتقليدهم ومتابعتهم، إلا أن النبي  صلى الله عليه  وسلم قد أخبر أن مشابهة الكفار ومتابعتهم ستقع في الأمة، فعن أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  قال: قال النبي  صلى الله عليه  وسلم  : «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ »+++ تقدم تخريجه---. وها هي الأمة اليوم تحاكي أمم الكفر من الشرق والغرب في الزي واللباس، وتتشبه بهم في آداب الأكل والشرب وأساليب المعاشرة والمخالطة وطرائق الكلام والمعاملة وغير ذلك، وتتلقى عنهم الأفكار والآراء والقيم والمفاهيم والنظم، حتى صاغ فئام من الأمة حياتهم وأفكارهم على أساليب الحياة الغربية الكافرة، وصدق فيهم قول الأول:  ضاعت معالم عزة وتحطمت *** فينا الكرامة واستبيح الدار وتبدلت أخلاقنا وطباعنا *** وتساوت الحسنات والأوزار  وقد سلمنا الله في هذه الجزيرة من التشبه بالكفار فترة طويلة من الزمن، إلى أن انفتحت علينا الدنيا، واختلطنا بالكفار، وانبهر بعضنا بما عند الغرب من مظاهر الحضارة والتقدم، فبدت معالم التشبه والتبعية لأمم الكفر تظهر في حياة الناس وواقع المجتمع، فرأينا من رجالنا ونسائنا وصغارنا وكبارنا من جعل الغرب وما فيه قدوة له يتلقف عنهم أحدث الموضات، وآخر التقليعات في اللباس والزي والأكل والشرب وتصفيف الشعر وتسريحه، بل وفي الفكر والرأي، فإنا لله وإنا إليه راجعون.  ونحن ما زلنا في أوائل هذا الدهليز المظلم، الذي مآله غياب الدين وزوال معالمه، ولا شك أن هذا الأمر خطير، يجب المسارعة في تلافيه وتوعية الأمة بخطورته، والبحث عن أسبابه والتحذير منها، فإنه (من تشبه بقوم فهو منهم)، قال ابن القيم رحمه الله: "ومن تشبه بالإفرنج في لباسهم وأخلاقهم ونظمهم ومعاملاتهم، فهو بلا شك إفرنجي غير مسلم، وإن  صلى وصام وزعم أنه مسلم".  أيها المؤمنون. إن هذه الأزمة التي تعاني منها الأمة لها أسباب عديدة، أذكر بعضها لنستعين بمعرفتها على إزالتها: فمن أهم أسباب فشو التشبه والتقليد للكفار بين المسلمين هو عدم الجدية في التمسك بالكتاب والسنة، اللذين هما مصدر العز ومنبع الكرامة، فعزة أمتنا مستمدة من عزة ربها القوي العزيز، فكلما تمسكت الأمة بعبوديتها لله تعالى، وبهدي نبيها  صلى الله عليه  وسلم  سمت وعزت وارتفعت وعلت، قال الله تعالى: ﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )+++ سورة المنافقون (8)---. ولا يرفع هذه العزة تأخر حضاري، ولا تراجع علمي، ولا انكسار عسكري، بل نحن الأعزاء بالله إذا كنا مؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )+++ سورة آل عمران (139) ---. ومما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك: يا عبادي*** وأن صيرت أحمد لي نبيا»+++ تقدم تخريجه---            ومن أسباب شيوع التشبه في الأمة: انفتاحنا على الكفار وانفتاحهم علينا، أما انفتاحنا عليهم فذلك من خلال سفر كثير من المسلمين إلى بلاد الكفار للسياحة أو التجارة أو غير ذلك من الأسباب، وغالب الذين يسافرون لا يكون معهم من العلم والإيمان ما يدفعون به الشبهات أو الشهوات، فيقع كثير من هؤلاء في أنواع من الفتن، ليس أقلها تقليدهم والتشبه بهم.  ومن انفتاحنا عليهم: إقبالنا على ما يصدر عنهم عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فالدشوش وقنوات البث المباشر وغيرها تستقبل ما ترمي به وسائل إعلامهم، من برامج الكفر والفساد والإباحية والإلحاد، وقراؤنا يتلقفون ما يصدر من مجلاتهم ومطبوعاتهم، التي تروج عبادتهم وأفكارهم وأخلاقهم، ونساؤنا مأسورات لما تصدره دور الأزياء الغربية الكافرة من موديلات وتصميمات.  وأما انفتاحهم علينا: فهذا العدد المريع من الكفار الذين يعيشون بين ظهرانينا، في بيوتنا وأسواقنا ومتاجرنا ومكاتبنا، والذين لهم تأثير بالغ في بث أخلاقهم، وإشاعة عقائدهم، ونشر أفكارهم، وكلنا مسؤول عن وجود هؤلاء بيننا، فالمستقدم مسؤول، والمرخص له مسؤول، والمتعامل معهم مسؤول«وكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. »+++ تقدم تخريجه---  ومن أسباب هذه الأزمة المعضلة: أن أولياء الأمور في غيبة عن تربية أولادهم وأهليهم ومن جعلهم الله تحت أيديهم، وهم في ذهول عن حفظهم والقيام بحقوقهم الدينية، التي تنطلق من قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )+++ سورة التحريم: (6)---. فالواجب علينا أن نتفقد أولادنا وأهلينا، وأن نلاحظ تصرفاتهم، وأن نبعد عنهم كل وسائل الإفساد والتغريب.  رزقنا الله وإياكم اجتناب أسباب الردى، والأخذ بما فيه الفوز بالآخرة والأولى.     الخطبة الثانية : أما بعد.  فيا أيها المؤمنون، إن من ألوان التشبه التي وقع فيها بعض المسلمين: متابعة الكفار في أعيادهم ومناسباتهم الدينية والدنيوية، كأعياد الميلاد والأعياد الوطنية، والاحتفالات والمناسبات المتكررة، التي تأخذ يوما في السنة، كعيد الأم، أو عيد العمال، أو عيد ميلاد المسيح، أو عيد رأس السنة، من المحدثات والمبتدعات، ولا شك أن تقليدهم في أعيادهم، وخصها بشيء من الأفعال، يجمع سوءتين:  الأولى: أن هذا من التشبه الذي دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء على تحريمه. الثانية: أن في هذا إحداثا وابتداعا، فالأعياد شريعة من الشرائع، يجب فيها الاتباع لا الابتداع، وقد شرع الله لنا -أمة الإسلام- من الأعياد ما فيه غنية وكفاية عن أعياد أهل الكفر.  ومما ورد في النهي عن أعيادهم وعن شهودها قوله تعالى في وصف عباده المؤمنين: ﴿والذين لا يشهدون الزور)+++ سورة الفرقان : (72)---، وقد فسر كثير من أهل العلم الزور في الآية بأنه أعياد المشركين والكفار، وقد نهى النبي  صلى الله عليه  وسلم  عن الاحتفال بأعياد الكفار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: قدم رسول الله  صلى الله عليه  وسلم  المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟ » قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: «إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر»+++ تقدم تخريجه---. وقد نهى الصحابة رضي الله عنهم عن حضور أعياد الكفار، وأمروا باجتنابها، فعن عمر  رضي الله عنه  قال:«لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم»+++ أخرجه البيهقي (18640)--- . والآثار عن السلف في النهي عن أعيادهم كثيرة، فالواجب علينا تجنبها، والتحذير منها، وعدم إعانتهم على إظهارها والاحتفال بها، كما يفعله بعض أصحاب المؤسسات والشركات، من إقامة بعض الحفلات، أو إعطاء موظفيهم وعمالهم إجازات وغير ذلك.  كما يجب أن نعلم أنه لا يجوز لنا تهنئتهم بأعيادهم، فإن هذا من الذنوب الكبار، قال ابن القيم رحمه الله:"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام باتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج المحرم ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه "+++ أحكام أهل الذمة ( 1/205 - 206) ---

المشاهدات:25116

 أزمةُ التَّقليدِ

الخطبة الأولى :

إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  

أما بعد.  
فاتقوا اللهَ عباد الله، واعلموا أن الله تعالى ذكره نهى الأمةَ المؤمنةَ المسلمةَ عن اتباعِ سبيلِ الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين وغيرِهم، فنهاهم عن التشبُّهِ بهم، وعن تقليدِهم، وعن التبعيَّةِ لهم في مواضعَ كثيرةٍ من الكتابِ الحكيمِ، فقال تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) سورة المائدة: ( 48)، وقال: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) سورة المائدة: ( 49) ، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) سورة الأحزاب: ( 1)، وتقليدُ الكفارِ والتشبُّه بهم من أعظمِ صورِ الطاعةِ لهم.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة المائدة: (51) ومضاهاتُهم ومشابهتُهم من أكبرِ أسبابِ حصولِ المودَّةِ لهم وموالاتِهم.
والآياتُ التي تنهى وتحذِّرُ من مشابهتِهم كثيرةٌ في كتابِ اللهِ تعالى.
وقد نهى النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم  عن التشبُّهِ باليهود والنصارى وغيرِهم من أُمَمِ الكفرِ في أحاديثَ كثيرةٍ، فمن ذلك: ما أخرجه أحمد وأبو داود بسندٍ جيد عن ابن عمرَ  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه  وسلم : «من تشبَّه بقومٍ فهو منهم» تقدم تخريجه.
وأخرج النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم  من تشبَّه بالكفارِ من دائرةِ المسلمين، فقال: «ليس مِنَّا من تشبَّه بغيرِنا، لا تشبَّهوا باليهودِ ولا بالنصارى» تقدم تخريجه
وفي هذا غايةُ التحذيرِ، ومنتهى التنفيرِ من مشابهةِ الكافِرين، إذ إن من شابَهَهم فهو منهم، نعوذُ باللهِ من الخذلانِ. 
وقد علَّل النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم كثيراً من الشرائعِ والأحكامِ والآدابِ بمخالفةِ اليهود والنصارى وغيرِهم من أُمَمِ الكفرِ، مما يدلُّ على أنَّ مخالفةَ الكافرين مقصدٌ نبويٌّ شرعيٌّ.
فمن ذلك: ما أخرجه أبو داود عن شدَّاد بن أوس  رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه  وسلم : «خالفوا اليهودَ، فإنهم لا يصلُّون في نِعالِهم وخفافِهم» سنن أبي داود (652) ،والحاكم (391)، وصححه.
وقال في حديث آخر: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالِفُوهم. » تقدم تخريجه.
وقال أيضاً: «خالفوا المشركين، أحفوا الشواربَ وأعفوا اللِحى» تقدم تخريجه.
ونظائرُ هذا في السنةِ كثيرةٌ، بل قد جعل النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم مخالفةَ الكفارِ سبباً لظهورِ الدِّين وعلوِّه، فقال  صلى الله عليه  وسلم  فيما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة  رضي الله عنه : «لا يزال الدِّينُ ظاهراً ما عجَّل الناسُ الفطرَ؛ لأن اليهودَ والنصارى يؤخِّرون» تقدم تخريجه
ومن تأمَّل كلامَ أهلِ العلم على اختلافِ مشاربِهم ومذاهبِهم علِمَ علماً ضروريًّا بأنهم متفقون على النهيِّ عن موافقةِ الكفارِ ومشابهتِهم، وعلى الأمرِ بمخالفتِهم؛ وذلك لكثرة ما ورد في ذلك من النصوصِ، ولأن مخالفةَ الكفارِ وتركَ مشابهتِهم سببٌ لصلاحِ القلوبِ واستقامتِها. 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وبالجملةِ فالكفرُ بمنزلةِ مرضِ القلبِ وأشدُّ، ومتى كان القلبُ مريضاً لم يصح شيءٌ من الأعضاءِ صحةً مطلقةً، وإنما الصلاحُ ألا تشبه مريض القلب في شيء من أموره " اقتضاء الصراط المستقيم 1/198
وبهذا يتبينُ أن مخالفتَهم في جميعِ الشؤونِ مقصودةٌ للشارعِ، فليس النهيُ عن مشابهتِهم مقصوراً على عباداتِهم، أو على عقائدِهم، بل هو عامُ في عاداتِهم وأخلاقِهم وسلوكِهم وآدابِهم ونُظُمِهم وجميعِ شؤونِهم. 
ومع هذا الكمِّ الكبيرِ من النصوصِ الدالةِ على النهيِ عن مشابهةِ الكفارِ وتقليدِهم ومتابعتِهم، إلا أن النبيَّ  صلى الله عليه  وسلم قد أخبرَ أن مشابهةَ الكفارِ ومتابعتَهم ستقعُ في الأمةِ، فعن أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  قال: قال النبي  صلى الله عليه  وسلم  : «لتتبعنَّ سَننَ من كان قبلَكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ تبعتموهم. قلنا: يا رسولَ الله، اليهودُ والنصارى؟ قال: فمن؟ » تقدم تخريجه.
وها هي الأمةُ اليومَ تحاكي أممَ الكفرِ من الشرق والغرب في الزيِّ واللباسِ، وتتشبَّهُ بهم في آدابِ الأكلِ والشربِ وأساليبِ المعاشرةِ والمخالطةِ وطرائقِ الكلامِ والمعاملةِ وغير ذلك، وتتلقى عنهم الأفكارَ والآراءَ والقيمَ والمفاهيمَ والنظمَ، حتى صاغ فئامٌ من الأمةِ حياتَهم وأفكارَهم على أساليبِ الحياةِ الغربيةِ الكافرةِ، وصدق فيهم قول الأول: 
ضاعَتْ مَعَالمُ عِزَّةٍ وتحطَّمَت *** فينا الكَـرَامةُ واستُبيحَ الدَّارُ
وَتبدَّلتْ أخـلاقُنا وطِباعُنا *** وتساوتْ الحسَناتُ والأوزارُ 
وقد سلَّمنا اللهُ في هذه الجزيرةِ من التشبُّهِ بالكفارِ فترةً طويلةً من الزمنِ، إلى أن انفتحت علينا الدنيا، واختلطنا بالكفارِ، وانبهر بعضُنا بما عند الغرب من مظاهرِ الحضارةِ والتقدُّمِ، فبدت معالمُ التشبُّهِ والتبعيةِ لأممِ الكفرِ تظهرُ في حياةِ الناسِ وواقعِ المجتمع، فرأينا من رجالِنا ونسائِنا وصغارِنا وكبارِنا مَن جعل الغربَ وما فيه قدوةً له يتلقفُ عنهم أحدثَ الموضاتِ، وآخِرَ التقليعاتِ في اللباسِ والزِّيِّ والأكْلِ والشُّرْبِ وتصْفيفِ الشعرِ وتسريحِه، بل وفي الفكرِ والرأيِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
ونحن ما زلنا في أوائلِ هذا الدهليزِ المظلمِ، الذي مآلُه غيابُ الدِّين وزوالُ معالمِه، ولا شك أن هذا الأمرَ خطيرٌ، يجب المسارعةُ في تلافيه وتوعيةِ الأمةِ بخطورته، والبحثِ عن أسبابه والتحذيرِ منها، فإنه (من تشبه بقوم فهو منهم)، قال ابن القيم رحمه الله: "ومن تشبَّه بالإفرنجِ في لباسِهم وأخلاقِهم ونظُمِهم ومعاملاتِهم، فهو بلا شكَّ إفرنجيٌّ غيرُ مسلمٍ، وإن  صلى وصام وزعم أنه مسلم". 
أيها المؤمنون.
إن هذه الأزمةَ التي تعاني منها الأمةُ لها أسبابٌ عديدةٌ، أذكُر بعضَها لنستعين بمعرفتِها على إزالتِها:
فمن أهمِّ أسبابِ فشوِّ التشبهِ والتقليدِ للكفار بين المسلمين هو عدمُ الجدِّيَّةِ في التمسكِ بالكتاب والسنةِ، اللذين هما مصدرُ العزِّ ومنبعُ الكرامةِ، فعزةُ أمتِنا مستمدةٌ من عزَّةِ ربِّها القويِّ العزيزِ، فكلما تمسكت الأمةُ بعبوديتِها للهِ تعالى، وبهديِ نبيِّها  صلى الله عليه  وسلم  سمَتْ وعزَّت وارتفعت وعلتْ، قال الله تعالى: ﴿ وللهِ العزةُ ولرسولِهِ وللمؤمنين ) سورة المنافقون (8).
ولا يرفعُ هذه العزةَ تأخُّرٌ حضاريٌّ، ولا تراجعٌّ علميٌّ، ولا انكسارٌ عسكريٌّ، بل نحن الأعزَّاءُ باللهِ إذا كُنَّا مؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) سورة آل عمران (139) .
وممـا زادني شَـرفاً وتِيهـاً *** وكِدْتُ بأخمُصي أطأُ الثُّريَّا
دخولي تحتَ قولِك: يا عبادِي*** وأن صيَّرَتَ أحمـدَ لي نبيًّا» تقدم تخريجه           
ومن أسبابِ شيوعِ التشبُّهِ في الأمةِ: انفتاحُنا على الكفارِ وانفتاحُهم علينا، أما انفتاحُنا عليهم فذلك من خلالِ سفر كثيرٍ من المسلمين إلى بلاد الكفارِ للسياحةِ أو التجارة أو غير ذلك من الأسبابِ، وغالبُ الذين يسافرون لا يكونُ معهم من العلمِ والإيمانِ ما يدفعون به الشبهاتِ أو الشهواتِ، فيقع كثيرٌ من هؤلاءِ في أنواعٍ من الفتنِ، ليس أقلَّها تقليدُهم والتشبُّهُ بهم. 
ومن انفتاحِنا عليهم: إقبالُنا على ما يَصدرُ عنهم عبرَ وسائلِ الإعلامِ المقروءةِ والمسموعةِ والمرئيةِ، فالدشوشُ وقنواتُ البثِّ المباشر وغيرُها تستقبلُ ما ترمي به وسائلُ إعلامِهم، من برامج الكفرِ والفسادِ والإباحيةِ والإلحادِ، وقراؤُنا يتلقفون ما يصدر من مجلاتِهم ومطبوعاتِهم، التي تروِّج عبادتَهم وأفكارَهم وأخلاقَهم، ونساؤُنا مأسوراتٌ لما تصدرُه دورُ الأزياءِ الغربيةُ الكافرةُ من موديلاتٍ وتصميماتٍ. 
وأما انفتاحُهم علينا: فهذا العددُ المريعُ من الكفارِ الذين يعيشون بين ظهرانينا، في بيوتِنا وأسواقِنا ومتاجرِنا ومكاتبِنا، والذين لهم تأثيرٌ بالغٌ في بثِّ أخلاقِهم، وإشاعةِ عقائدِهِم، ونشرِ أفكارِهِم، وكلُّنا مسؤولٌ عن وجودِ هؤلاء بيننا، فالمستقدم مسؤولٌ، والمرخَّصُ له مسؤولٌ، والمتعامِل معهم مسؤولٌ«وكلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه. » تقدم تخريجه 
ومن أسبابِ هذه الأزمةِ المعضلةِ: أن أولياءَ الأمورِ في غَيْبةٍ عن تربيةِ أولادِهم وأهليهم ومن جعلهم اللهُ تحت أيديهم، وهم في ذهولٍ عن حفظِهم والقيامِ بحقوقِهم الدينيةِ، التي تنطلقُ من قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) سورة التحريم: (6).
فالواجبُ علينا أنْ نتفقَّدَ أولادَنا وأهلينا، وأن نلاحِظَ تصرفاتِهم، وأن نُبعدَ عنهم كلَّ وسائلِ الإفسادِ والتغريبِ. 
رزقنا اللهُ وإياكم اجتنابَ أسبابِ الرَّدى، والأخذَ بما فيه الفوزُ بالآخرةِ والأولى.
 
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
فيا أيها المؤمنون، إنَّ من ألوانِ التشبُّهِ التي وقعَ فيها بعضُ المسلمين: متابعةَ الكفارِ في أعيادِهم ومناسباتِهم الدينيةِ والدنيويةِ، كأعيادِ الميلادِ والأعيادِ الوطنيةِ، والاحتفالاتِ والمناسباتِ المتكررةِ، التي تأخذ يوماً في السَّنة، كعيدِ الأمِّ، أو عيدِ العمالِ، أو عيدِ ميلادِ المسيحِ، أو عيدِ رأسِ السنةِ، من المحدثاتِ والمبتدعاتِ، ولا شك أن تقليدَهم في أعيادِهم، وخصَّها بشيءٍ من الأفعالِ، يجمع سوءتين: 
الأولى: أن هذا من التشبُّهِ الذي دلَّت نصوصُ الكتاب والسنةُ وإجماعُ العلماءِ على تحريمِه.
الثانية: أن في هذا إحداثاً وابتداعاً، فالأعيادُ شريعةٌ من الشرائعِ، يجبُ فيها الاتباعُ لا الابتداعُ، وقد شرعَ اللهُ لنا -أمةَ الإسلامِ- من الأعيادِ ما فيه غُنيةٌ وكفايةٌ عن أعيادِ أهلِ الكفرِ. 
ومما ورد في النهيِ عن أعيادِهم وعن شهودِها قولُه تعالى في وصفِ عبادِه المؤمنين: ﴿والذين لا يشهدون الزُّورَ) سورة الفرقان : (72)، وقد فسَّرَ كثيرٌ من أهلِ العلمِ الزُّورَ في الآيةِ بأنه أعيادُ المشركين والكُفارِ، وقد نهى النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم  عن الاحتفالِ بأعيادِ الكَفَّارِ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: قدِمَ رسولُ الله  صلى الله عليه  وسلم  المدينةَ، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذانِ اليومانِ؟ » قالوا: كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ. فقالَ: «إنَّ اللهَ أبدلَكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرِ» تقدم تخريجه.
وقد نهى الصحابةُ رضي الله عنهم عن حضورِ أعيادِ الكفارِ، وأمروا باجتنابِها، فعن عمر  رضي الله عنه  قال:«لا تدخلوا على المشركين في كنائِسِهم يومَ عيدِهم، فإن السَّخْطةَ تنزلُ عليهم» أخرجه البيهقي (18640) .
والآثارُ عن السَّلَفِ في النهيِ عن أعيادِهم كثيرةٌ، فالواجبُ علينا تجنُّبُها، والتحذيرُ منها، وعدمُ إعانتِهم على إظهارِها والاحتفالِ بها، كما يفعلُه بعضُ أصحابِ المؤسَّساتِ والشَّركاتِ، من إقامةِ بعض الحفلاتِ، أو إعطاءِ موظفِيهم وعمالهِم إجازاتِ وغير ذلك. 
كما يجبُ أنْ نعلمَ أنه لا يجوزُ لنا تهنئتُهم بأعيادِهم، فإنَّ هذا من الذنوبِ الكبارِ، قال ابن القيم رحمه الله:"وأما التَّهْنئةُ بشعائرِ الكُفرِ المختصَّةِ به فحرامٌ باتفاقِ، مثل أن يهنِّئَهم بأعيادِهم وصومِهم فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تهْنَأُ بهذا العيدِ ونحوه، فهذا إن سَلِم قائلُه من الكفرِ، فهو من المحرَّماتِ، وهو بمنزلةِ أن يهنِّئَه بسجودِه للصَّليبِ، بل ذلك أعظمُ إثماً عندَ اللهِ، وأشدُّ مقْتاً من التَّهنئةِ بشُربِ الخمرِ، وقتلِ النفسِ، وارتكابِ الفرْجِ المحرَّمِ ونحوه، وكثيرٌ ممن لا قدرَ للدِّين عنده يقعُ في ذلك، ولا يَدْري قبحَ ما فعلَ، فمنْ هنَّأَ عبْداً بمعصيةٍ أو بدْعةٍ أو كُفرٍ، فقدْ تعرَّضَ لمقتِ اللهِ وسخطِه " أحكام أهل الذمة ( 1/205 - 206)
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86256 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80690 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74962 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62202 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56497 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53474 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51181 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50930 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46183 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45721 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف