قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فتصويب أحدهما لا بعينه تجويز لأن يكون غير علي أولى منه بالحق وهذا لا يقوله إلا مبتدع ضال فيه نوع من النصب وإن كان متأولا؛ لكن قد
يسكت بعضهم عن تخطئة أحد كما يمسكون عن ذمه والطعن عليه إمساكا عما شجر بينهم وهذا يشبه قول من يصوب الطائفتين .
ولم يسترب أئمة السنة وعلماء الحديث : أن عليا أولى بالحق وأقرب إليه كما دل عليه النص؛ وإن استرابوا في وصف الطائفة الأخرى بظلم أو بغي ؛ ومن وصفها بالظلم والبغي - لما جاء من حديث عمار - جعل المجتهد في ذلك من أهل التأويل .
يبقى أن يقال : فالله تعالى قد أمر بقتال الطائفة الباغية فيكون قتالها كان واجبا مع علي والذين قعدوا عن القتال هم جملة أعيان الصحابة : كسعد وزيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وهم يروون النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن القتال في الفتنة وقوله صلى الله عليه وسلم «القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الساعي والساعي فيها خير من الموضع» وقوله : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» وأمره لصاحب السيف عند الفتنة « أن يتخذ سيفا من خشب» وبحديث أبي بكرة للأحنف بن قيس لما أراد أن يذهب ليقاتل مع علي وهو قوله : صلى الله عليه وسلم «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» الحديث. والاحتجاج على ذلك بقوله : «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض » وهذا مذهب أهل الحديث وعامة أئمة السنة حتى قال : لا يختلف أصحابنا أن قعود علي عن القتال كان أفضل له لو قعد وهذا ظاهر من حاله في تلومه في القتال وتبرمه به ومراجعة الحسن ابنه له في ذلك وقوله له : ألم أنهك يا أبت ؟ وقوله : لله در مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر إن كان برا إن أجره لعظيم وإن كان إثما إن خطأه ليسير".
"مجموع الفتاوى" ( 4/438-440).