وهذا باب واسع فإن الخارجين عن طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لهم في كلام الرسول ثلاث طرق: طريقة التخييل، وطريقة التأويل، وطريقة التجهيل. فأهل التخييل: هم الفلاسفة والباطنية الذين يقولون: إنه خيل أشياء لا حقيقة لها في الباطن وخاصية النبوة عندهم التخييل. (وطريقة التأويل) طريقة المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم يقولون: إن ما قاله له تأويلات تخالف ما دل عليه اللفظ وما يفهم منه وهو - وإن كان لم يبين مراده ولا بين الحق الذي يجب اعتقاده - فكان مقصوده أن هذا يكون سبباً للبحث بالعقل حتى يعلم الناس الحق بعقولهم ويجتهدوا في تأويل ألفاظه إلى ما يوافق قولهم ليثابوا على ذلك فلم يكن قصده لهم البيان والهداية والإرشاد والتعليم بل قصده التعمية والتلبيس ولم يعرفهم الحق حتى ينالوا الحق بعقلهم ويعرفوا حينئذ أن كلامه لم يقصد به البيان فيجعلوا حالهم في العلم مع عدمه خيرا من حالهم مع وجوده. وأولئك المتقدمون كابن سينا وأمثاله ينكرون على هؤلاء ويقولون: ألفاظه كثيرة صريحة لا تقبل التأويل لكن كان قصده التخييل وأن يعتقد الناس الأمر على خلاف ما هو عليه. وأما الصنف الثالث: الذين يقولون: إنهم أتباع السلف فيقولون: إنه لم يكن الرسول يعرف معنى ما أنزل عليه من هذه الآيات ولا أصحابه يعلمون معنى ذلك بل لازم قولهم: أنه هو نفسه لم يكن يعرف معنى ما تكلم به من أحاديث الصفات بل يتكلم بكلام لا يعرف معناه والذين ينتحلون مذهب السلف يقولون : إنهم لم يكونوا يعرفون معاني النصوص بل يقولون ذلك في الرسول . وهذا القول من أبطل الأقوال ومما يعتمدون عليه من ذلك ما فهموه من قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} ويظنون أن التأويل هو المعنى الذي يسمونه هم تأويلا وهو مخالف للظاهر". "مجموع الفتاوى" (4/65- 66).