سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - قدس الله روحه - عن رجل قال : إذا كان المسلمون مقلدين والنصارى مقلدين واليهود مقلدين : فكيف وجه الرد على النصارى واليهود وإبطال مذهبهم والحالة هذه ؟ وما الدليل القاطع على تحقيق حق المسلمين وإبطال باطل الكافرين ؟ . فأجاب - رضي الله عنه - :" الحمد لله ، هذا القائل كاذب ضال في هذا القول وذلك أن التقليد المذموم هو قبول قول الغير بغير حجة؛ كالذين ذكر الله عنهم أنهم {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}، قال تعالى:{أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} وقال:{إنهم ألفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يهرعون}. ونظائر هذا في القرآن كثير . فمن اتبع دين آبائه وأسلافه لأجل العادة التي تعودها وترك اتباع الحق الذي يجب اتباعه : فهذا هو المقلد المذموم وهذه حال اليهود والنصارى ؛ بل أهل البدع والأهواء في هذه الأمة الذين اتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق ؛ كما قال تعالى:{يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} وقال تعالى{ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا} إلى قوله : {خذولا} . وقال تعالى:{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} إلى قوله:{وما هم بخارجين من النار} وقال تعالى:{وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار } إلى قوله:{إن الله قد حكم بين العباد}. وأمثال ذلك مما فيه بيان أن من أطاع مخلوقا في معصية الله : كان له نصيب من هذا الذم والعقاب . والمطيع للمخلوق في معصية الله ورسوله : إما أن يتبع الظن ؛ وإما أن يتبع ما يهواه وكثير يتبعهما . وهذه حال كل من عصى رسول الله : من المشركين وأهل الكتاب ؛ من اليهود والنصارى ومن أهل البدع والفجور من هذه الأمة". "مجموع الفتاوى" ( 4/197-197).