قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" قوله تعالى{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فإن هذه الاستطاعة لو كانت هي المقارنة للفعل لم يجب حج البيت إلا على من حج فلا يكون من لم يحج عاصيا بترك الحج سواء كان له زاد وراحلة وهو قادر على الحج أو لم يكن . وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ». وكذا قوله تعالى« فاتقوا الله ما استطعتم». وقوله صلى الله عليه وسلم « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » لو أراد استطاعة لا تكون إلا مع الفعل لكان قد قال فافعلوا منه ما تفعلون فلا يكون من لم يفعل شيئا عاصيا له وهذه الاستطاعة المذكورة في كتب الفقه ولسان العموم . والناس متنازعون في مسمى الاستطاعة والقدرة فمنهم من لا يثبت استطاعة إلا هذه ويقولون الاستطاعة لا بد أن تكون قبل الفعل ومنهم من لا يثبت استطاعة إلا ما قارن الفعل وتجد كثيرا من الفقهاء يتناقضون ؛ فإذا خاضوا مع من يقول من المتكلمين - المثبتين للقدر - أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل وافقوهم على ذلك وإذا خاضوا في الفقه أثبتوا الاستطاعة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي . وعلى هذا تتفرع " مسألة تكليف ما لا يطاق " فإن الطاقة هي الاستطاعة وهي لفظ مجمل . فالاستطاعة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي لم يكلف الله أحدا شيئا بدونها فلا يكلف ما لا يطاق بهذا التفسير وأما الطاقة التي لا تكون إلا مقارنة للفعل فجميع الأمر والنهي تكليف ما لا يطاق بهذا الاعتبار فإن هذه ليست مشروطة في شيء من الأمر والنهي باتفاق المسلمين. "مجموع الفتاوى" ( 8/129-130).