المطلب الثالث: أثر الزحام في المبيت بمنى ليالي التشريق:
أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سنَّ في حجتِهِ المبيتَ بمِنى ليالي التشريقِ"التمهيد "لابن عبد البر (17/259)، "شرح النووي لمسلم "(9/63). ، وقد ذهبَ جماهيرُ أهلِ العلمِ منَ المالكيةِ"المدونة "(1/428-429)، "مواهب الجليل" (3/132). ، والشافعيةِ"الأم" (2/236)، "أسنى المطالب" (1/493). ، والحنابلةِ"الفروع" (3/527)، "مطالب أولي النهى" (2/447). وغيرِهِم إلى وجوبِ المبيتِ بمِنى ليالي التشريقِ، وذهبَ طائفةٌ من أهلِ العلمِ كالحنفيةِ"فتح القدير" (2/502)، "تبيين الحقائق" (2/34). إلى أنَّ المبيتَ سنةٌ وليس بواجبٍ، وهو قولٌ عندَ الشافعيةِ، وروايةٌ عن أحمدَ"الإنصاف" (6/60). ، واتفقوا أيضًا على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرخصَ للرعاةِ في البيتوتةِ عن مِنَى"الاستذكار" (4/343-344)..
ومهما يكنْ من أمرٍ، فإنَّ جميعَ الواجباتِ الشرعيةِ منوطةٌ بالاستطاعةِ، كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ سورة التغابن، من الآية:16. ، وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما رواهُ الشيخانِ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337). من حديثِ الزهريِّ، عن سعيدِ بنِ المسيبِ، عن أبي هريرةَ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». فإذا ضاقتْ منى عنِ الحجاجِ أو لم يجدوا مكانًا يصلحُ للنزولِ فيها غيرَ الطرقاتِ أوِ الأرصفةِ أوِ المرافقِ فإنه يسقطُ عنهم وجوبُ المبيتِ، ولهُم أن ينزلوا حيثُ تيسَّرَ لهُم، ولا حرجَ على الحجاجِ الذين تقعُ مخيماتُهُم خارجَ مِنَى كالمخيماتِ التي في مزدلفةَ وذلك لضيقِ المكانِ.