المطلبُ الأولُ: أقسامُ المكاسبِ المحرمةِ الحاصلةِ بتراضٍ:
المكاسبُ المحرمةُ الحاصلةُ بتراضٍ؛ منَ المعاوضاتِ والمتاجراتِ الماليةِ؛ كثمنِ الأعيانِ المحرمةِ كالخمرِ، والميتةِ، والمخدراتِ أوِ الأجراتِ المحرمةِ كأجرةِ الغناءِ، والكهانةِ، والبغاءِ، وشهادةِ الزورِ، أو عوائدِ وأرباحِ المعاملاتِ المحرمةِ كالمساهماتِ المحرمةِ ونحوِها- يمكنُ تصنيفُهُ في قسمينِ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 308).:
القسمُ الأولُ:
ما كانَ عينًا أو منفعةً مباحةً في نفسِها، وإنما حرمتْ بالقصدِ، مثلُ: مَن باعَ عنبًا لمن يتخذُهُ خمرًا، أو باعَ سلاحًا لمَن يستعملُهُ في قتالِ المسلمينَ وغيرِ ذلكَ. فهذا الأصلُ فيهِ الحلُّ، وإنما دخلَهُ التحريمُ من جهةِ القصدِ.
القسمُ الثاني:
ما كانَ عينًا أو منفعةً محرَّمةً في نفسِها كمهرِ البغيِّ، وثمنِ الخمرِ. فهذا محرمٌ، ولو لم تجرِ فيهِ معاوضةٌ ببيعٍ أو غيرِهِ. لا يُقضَى لهُ بهِ قبلَ القبضِ؛ لأنَّ من شروطِ الإقباضِ كونَ العقدِ على عينٍ أو منفعةٍ مباحةٍ، لكن لو قبضَهُ لم يحكمْ بردِّهِ لهُ؛ لأنَّ هذا معونةٌ لهم على المعصيةِ إذ حقيقةُ الأمرِ أننا جمعْنا لهم بينَ العوضِ والمعوضِ.
قالَ ابنُ القيمِ: ((فلا يجوزُ أنْ يُجمعَ لهُ بينَ العوضِ والمعوضِ، فإنَّ في ذلكَ إعانةً لهُ على الإثمِ والعدوانِ، وتيسيرَ أصحابِ المعاصي عليهِ، وماذا يريدُ الزاني وفاعلُ الفاحشةِ إذا علِمَ أنه ينالُ غرضَهُ، ويستردُّ مالَهُ؟ فهذا مما تصانُ الشريعةُ عنِ الإتيانِ بهِ، ولا يسوغُ القولُ بهِ، وهو يتضمنُ الجمعَ بينَ الظلمِ والفاحشةِ والغدرِ، وهنَّ أقبحُ القبيحِ أنْ يستوفيَ عوضَهُ منَ المزنيِّ بها، ثم يرجعُ فيما أعطاها قهرًا، وقُبحُ هذا مستقرٌّ في فِطَرِ جميعِ العقلاءِ، فلا تأتي بهِ شريعةٌ؛ لكن لا يطيبُ للقابضِ أكلُهُ، بل هو خبيثٌ كما حكمَ عليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولكن خبثُهُ لخبثِ مكسبِهِ)) زاد المعاد (5/779). وينظر: مدارج السالكين (1/422)..