المطلبُ الثالثُ: موجَبُ ضمانِ هذا النوعِ منَ المكاسبِ المحرمةِ:
لأهلِ العلمِ رحمهُمُ اللهُ في موجبِ الضمانِ في هذا النوعِ منَ المكاسبِ المحرمةِ الحاصلةِ من غيرِ تراضٍ ثلاثةُ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أنَّ الواجبَ القيمةُ في غيرِ المكيلِ والموزونِ. وهو قولُ الحنفيةِ المبسوط (11/50).، والمالكيةِ المنتقى للباجي (4/293)، الفروق للقرافي (2/81).، والشافعيةِ المجموع شرح المهذب (11/15).، والحنابلةِ المغني (5/139)..
القولُ الثاني: أنَّ الواجبَ المثلُ في الجميعِ. وهو وجهٌ في مذهبِ أحمدَ، وبهِ قالَ العنبريُّ، وقد نصرَهُ الحارثيُّ الإنصاف (6/193)..
القولُ الثالثُ: أنَّ الواجبَ المثلُ في غيرِ الحيوانِ.
وقد نصَّ على هذا الشافعيُّ في الجدارِ المهدومِ ظلمًا يعادُ مثلُهُ في قولٍ تحفة المحتاج (5/217)، أسنى المطالب (2/225)، المنثور في القواعد الفقهية (2/335).، وكذا إذا أسقطَ لبنةً أو لبناتٍ منَ الجدارِ المجموع شرح المهذب (11/15).، وكذلك أحمدُ في الثوبِ والقصعةِ ونحوِهما الإنصاف (6/193)..
والصحيحُ من هذهِ الأقوالِ أنه يجبُ المثلُ في الجميعِ في الحيوانِ وغيرِهِ بحسبِ الإمكانِتهذيب السنن (6/339).. وقد رجَّحَهُ ابنُ حزمٍالمحلى (8/140).، وابنُ تيميةَالاختيارات الفقهية ص: (165).، وابنُ القيمِ إعلام الموقعين (1/324). وقالَ شيخُنا: ثم المثليةُ هنا متعذرةٌ؛ كيف يضمنُ له نصفَ عبدٍ؟!.
ودليلُ ذلك ما رواهُ البخاريُّأخرجه البخاري (5225)، وأحمد (11616، 13361)، والنسائي (3955)، وأبو داود (3567)، وابن ماجه (2334)، والدارمي (2598). من طريق حُميدٍ الطويل عن أنس بن مالك. من حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ عندَ بعضِ نسائِهِ، فأرسلَتْ إحدى أمهاتِ المؤمنينَ بقصعةٍ فيها طعامٌ، فضربَتْ بيدِها فكسرَتْ القصعةَ، فأخذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكسرتينِ، فضمَّ إحداهما إلى الأخرى، وجعلَ يجمعُ فيهما الطعامَ، ويقولُ: ((غَارَتْ أُمُّكُمْ، كُلُوا)). فأكَلُوا. وحبسَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى جاءتْ قصعةُ التي هو في بيتِها، فدفعَ القصعةَ إلى الرسولِ، وحبسَ المكسورةَ.
وفي روايةِ الترمذيِّ الترمذي (1359). من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك. أنه قالَ صلى الله عليه وسلم : ((طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ)).
قالَ ابنُ القيمِ في الاستدلالِ لهذا القولِ: ((وقضى عثمانُ، وابنُ مسعودٍ، على مَنِ استهلكَ لرَجُلٍ فصلانًا بفصلانٍ مثلِها.
وبالمثلِ قضَى شريحٌ والعنبريُّ. وقالَ به قتادةُ وعبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرحمنِ الدارميُّ، وهو الحقُّ، وليسَ معَ مَن أوجبَ القيمةَ نصٌّ، ولا إجماعٌ، ولا قياسٌ)) إعلام الموقعين (1/324). وقالَ شيخُنا: ثم المثليةُ هنا متعذرةٌ كيف يضمنُ لهُ نصفَ عبدٍ؟!.